الدور المنوط بأرباب العمل في زمن الجائحة

مع مرور الوقت في زمن الجائحة، فإنَّ الضغوطات النفسية تتراكم بالتأكيد، ومع هذا الكم الهائل من الشك، فإنَّه ليس سراً وجود الكثير من الأمور المقلقة بالنسبة إلى العمال؛ وكنتيجة لذلك، تتخذ الشركات في جميع أنحاء العالم خطوات لتسهيل أمور الموظفين.



لكن، هل تعمل الشركات على تحسين واقع الصحة النفسية للموظفين، أم أنَّها ببساطة توهمهم أنَّها تفعل ذلك؟

ماذا تفعل الشركات؟

تدرك إدارة الموارد البشرية أنَّ من واجبها الاهتمام بصحة وسلامة موظفيها، والخبر السار هنا، هو أنَّنا نرى الكثير من الشركات تتخذ خطوات كبيرة نحو مساعدة الموظفين على التعامل مع مشكلات الصحة النفسية.

فعلى سبيل المثال، يقوم العديد من أرباب العمل ممَّن تتطلب أعمالهم وجود العمال بشكل فعلي، كما في المطاعم ومحلات البقالة والمتاجر وما إلى ذلك، بتوظيف متتبعي المرضى للمساعدة على جعل أماكن عملهم أكثر أماناً، بالإضافة إلى تخفيف مظاهر القلق.

في نفس الوقت، تشارك شركات مثل "شيفرون" (Chevron) و"فينانشال تايمز" (Financial Times) و"كوليجان ووتر" (Culligan Water) مع منظمات الصحة لتطوير برامج مخصصة لموظفيها؛ إذ إنَّ لديهم بطبيعة الحال الميزانيات الضخمة والاحتياطات النقدية للقيام بذلك.

بينما اضطرت معظم المشاريع الصغيرة وصولاً إلى المتوسطة إلى اتباع نهج جديد للمحافظة على الصحة النفسية؛ إذ وفرت الكثير من ساعات المرح الافتراضية، ونشاطات بناء الفريق الافتراضية، والفحوص الصحية عبر الإنترنت، ونشاطات إدارة الضغوطات الافتراضية، وغيرها الكثير؛ أي إنَّها تستخدم بشكل أساسي طرائق قابلة للتنفيذ وذات سعر معقول، في وقت أضحى فيه تدفق الإيرادات أقل من أيِّ وقت مضى.

تكمن المشكلة هنا في أنَّ أكثر من نصف هذه الشركات لا تمتلك الموارد الكافية لدعم الصحة النفسية، وهذا يطرح السؤال الآتي: ما هو مدى فاعلية هذه النُّهُج المعتمدة في التعامل مع مشكلات الصحة النفسية الناجمة عن الجائحة؟

إقرأ أيضاً: 4 نماذج عمل سيعتمدها العالم بعد جائحة كورونا (COVID-19)

هل تُحدِث هذه الجهود فرقاً حقيقياً؟

تهتم معظم الشركات - الكبيرة والصغيرة منها - برفاهية موظفيها وراحتهم في أماكن عملهم؛ ففي النهاية، أصبح الجميع مدركين مدى أهمية الصحة النفسية، وبدأت وصمة العار المرتبطة بها بالتبدل باتجاه إيجابي، فلا توجد شركة تريد لعمالها أن يتعرضوا لانهيار نفسي أو غيره، سواء كانوا في ساعات دوامهم أم خارجها.

مع ذلك، فإنَّ ساعات السعادة الافتراضية، ومناسبات بناء الفريق، أو الاجتماعات الأسبوعية مع المديرين عبر منصة "زووم" (Zoom)، أو ممثلي قسم الموارد البشرية، أو حتى المديرين التنفيذيين، لم تكن ذات تأثير كبير في مكافحة مشكلات الصحة النفسية بشكل مستدام خلال جائحة كورونا.

إذ إنَّه أولاً، يوجد الاحتراق الوظيفي الذي يسببه استخدام تطبيقات مثل "زووم" (Zoom) و"فيس تايم" (Facetime) و"هانغ آوتس" (Hangouts) و"هاوس بارتي" (Houseparty) وغيرها، والذي يُعَدُّ أمراً حقيقياً للغاية، والجميع يُقر بذلك؛ إذ يعتقد الخبراء بأنَّ محادثات الفيديو - وخاصة تلك التي تحتوي على مجموعات كبيرة - تؤدي إلى زيادة الشعور بالقلق.

ووفقاً للمعالج والمحلل النفسي المرخص "بابيتا سبينيللي" (Babita Spinelli): "إنَّ محادثات الفيديو بطبيعتها تمنحنا أسباباً إضافيةً لنقلق بشأنها، فهي في البداية تجعلنا ندرك تماماً الطريقة التي نبدو بها؛ إذ يكون الأمر أشبه بالنظر إلى نفسك في المرآة طوال الوقت الذي تمارس فيه حياتك الاجتماعية، وبالنسبة إلى أيِّ شخص لديه القليل من القلق الاجتماعي، فإنَّ هذا الضغط والإفراط في التفكير باستمرار سيكون أمراً مرهقاً".

وقد تصبح هذه الظاهرة أسوأ عند مشاركة الكثير من الأشخاص في مكالمات الفيديو؛ إذ يتابع "سبينيللي" بالقول: "تُعَدُّ مكالمات الفيديو عبر تطبيق "هانغ آوتس" (Hangouts) مع مجموعة كبيرة من الناس متعبة؛ ذلك لأنَّها تسبب حملاً معرفياً زائداً، وبدلاً من المحافظة على الخصوصية، ستجعلنا مطلعين على كل ما يحدث مع المشاركين في مكالمة الفيديو، فنحن لا ندرك ذلك، ولكنَّ أدمغتنا تبذل جهداً متسارعاً في محاولة لالتقاط الإيماءات من كل شخص ظاهر في الشاشة".

بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ حقيقة مشاركة الناس في حدث افتراضي للتفاعل الاجتماعي، هو تذكير واضح بأنَّهم يعيشون في زمن جائحة، بكل الضغوطات التي تحملها.

ثانياً، ما لم تكن تعمل في عيادة للطب النفسي، فإنَّ مديريك وموظفي الموارد البشرية لن يكونوا مؤهلين لتقديم المشورة في مجال الصحة النفسية إلى الموظفين الذين قد يكونون على حافة الانهيار؛ لذا بمَ ستفيد عمليات التواصل للاطمئنان على صحة وسلامة الموظفين؟

وعلاوةً على ذلك، ما مدى ارتياح الموظفين لمناقشة قضايا الصحة النفسية مع مديريهم؟ وفقاً للصحة العقلية في مكان العمل، عبَّر أكثر من نصف الموظفين عن عدم راحتهم لطرح قضايا الصحة النفسية مع مديريهم، وقد يكون هذا لعدة أسباب منها:

  1. الشعور بالخوف من أن يبدوا "ضعفاء" أمام مديرهم المباشر.
  2. القلق من أن يؤثر ذلك في أمنهم الوظيفي.
  3. عدم الثقة بالمديرين.
  4. الاعتقاد بوجود وصمة عار مرتبطة بالصحة النفسية.

كل ذلك يؤكد الحجة القائلة إنَّ العديد من الشركات تعطي تصوراً لمعالجة مشكلات الصحة النفسية خلال جائحة "كوفيد-19" (COVID-19)، بدلاً من مواجهة هذه القضايا بشكل مفيد، ومع ذلك، هل الأمر متروك لأرباب العمل والمديرين لتحمُّل عناء مشقة مكافحة أزمة الصحة النفسية الناجمة عن فيروس كورونا؟

شاهد بالفديو: 4 نصائح للحفاظ على الصحة العقلية والنفسية للفريلانسرز والعاملين عن بعد
 

ما هي المسؤولية التي يتحملها أرباب العمل؟

فلنفترض أنَّ أحد الموظفين، في إحدى عمليات التواصل للاطمئنان على صحته وعافيته، أخبر المدير أنَّه يشعر بالاكتئاب، وأنَّ الأفكار الانتحارية تراوده، ثم وضَّح الموظف أيضاً أنَّه يكافح من أجل إدارة عبء عمله في ظل الاضطراب المتزايد المرتبط بالجائحة.

من الناحية الافتراضية، تكمن مسؤولية المدير في التعامل مع القضايا المرتبطة بالأداء، ومن الواضح أنَّ الصحة النفسية والأداء الوظيفي يسيران جنباً إلى جنب، لكن، هل تقع مسؤولية تقديم المشورة إلى موظف مصاب بالقلق الناجم عن الجائحة على عاتق المدير؟ ماذا عن موظف يعاني من الاكتئاب؟ وآخر يحاول الانتحار؟ وما الذي يمكن للمدير أن يفعله أكثر من إخبار العامل بطلب المساعدة المختصة؟ وبعبارة أخرى، هل يوجد شيء آخر يمكنه فعله؟

نؤكد من جديد على أنَّه من واجب الشركات حماية عمالها بدنياً ونفسياً على حدٍّ سواء؛ فإنَّ الهدف من وجود أقسام الموارد البشرية هو ضمان توفير مكان عمل آمن وصحي ومناسب للجميع للقيام بعملهم، غير أنَّ المشكلة التي تواجه الشركات في هذه الأيام، هي ضعف السيطرة على أماكن العمل، وخاصةً في حالات العمل عن بعد.

في الأوقات غير المترافقة بانتشار الأوبئة، تكون المشكلات التي تسبب عدم الراحة في بيئة العمل، متعلقةً بوضع الشركة؛ فعلى سبيل المثال، لدينا سياسات الشركات والتوقعات غير الواقعية وظروف العمل الخطرة وغيرها من المشكلات التي تحدث في أماكن العمل، ويمكن حلها على هذا النحو.

فإن شعر أحد الموظفين بالاكتئاب مثلاً، وراودته أفكار انتحارية بسبب سياسة الشركة التي تُعرِّض سلامة وعافية الموظفين للخطر، ففي هذه الحالة، يقع على عاتق المدير وقسم الموارد البشرية محاولة تخفيف أعراض هذه المشكلة.

في حين يكمن الفرق في قضايا الصحة النفسية الناجمة عن فيروس كورونا، في أنَّ معظمها ناتجة عن نفس المشكلات الموجودة في أماكن العمل، وتشمل هذه المشكلات: الافتقار إلى عملاء جدد، والتسريح الجماعي، والقوانين الجديدة، والجهود المضنية وصعوبات الحياة، وتزايد الشعور بالقلق.

تواجه كل الشركات تقريباً هذه المشكلات، ولكنَّها غير قادرة على السيطرة عليها؛ بعبارة أخرى، فإنَّ قضايا الصحة النفسية الناجمة عن هذه المشكلات تضرب بجذورها بالمقام الأول في الجائحة، وليس في المنظمة.

إنَّ أرباب العمل ملتزمون بتزويد الموظفين بالأدوات والعمليات والموارد اللازمة لإدارة الأوضاع الجديدة في أعمالهم، ومع ذلك، يجب علينا أن نأخذ في الحسبان المسؤولية التي نلقيها على عاتق المديرين وإدارات الموارد البشرية.

هذا لا يعني أنَّ للشركات الحرية بعدم القيام بأيِّ شيء بينما يغرق الموظفون في اليأس؛ إذ يمكن للشركات؛ بل ينبغي لها أن تفعل كل ما في وسعها لمساعدة العمال على التعامل مع القضايا الناجمة عن الجائحة، ويشمل ذلك ما يأتي:

  1. التأكد من أنَّ بيئات العمل آمنة ومتوافقة تماماً.
  2. توظيف متتبعي المرضى للحد من الخوف من الإصابة بفيروس كورونا COVID-19.
  3. التفهم الشامل للوضع الذي تم إقحام كل موظف فيه.
  4. إعادة هيكلة خطط الرعاية الصحية لتسهيل الوصول إلى المتخصصين النفسيين.
  5. توفير موارد الصحة النفسية.
  6. تقديم المساعدة المالية لجلسات الاستشارة.
  7. مراقبة الأعراض التحذيرية للتدهور العقلي.
  8. تقديم الإجازات مدفوعة الأجر.

وهذا لا يعني الاستغناء عن ساعات العمل المرحة ونشاطات تخفيف الضغوطات وغيرها من الإجراءات الأخرى المذكورة آنفاً، لكن يجب ألَّا نعتمدها كأدوات لمعالجة المشكلات النفسية الناجمة عن الجائحة.

ناهيك عن أنَّ الاعتماد على مثل هذه "الحلول" هو أمر غير فعَّال ومحفوف بالمخاطر؛ لأنَّه يضع المشكلات في أيدي مسؤولي الموارد البشرية والمديرين غير المدربين للتعامل معها؛ بعبارة أخرى، يمكنك توفير ساعات المرح الافتراضية ونشاطات بناء الفريق الافتراضية، لكنَّك ما لم تتخذ خطوات أكثر جدوى كتلك المذكورة آنفاً، فلن تتمكن من معالجة المشكلات.

خلاف ذلك، فإنَّ عملية التواصل للاطمئنان على سلامة وعافية الموظفين، هي أمر مفيد بلا شك، لكن لا يمكن استخدامها كاستراتيجية؛ إذ إنَّ ما يحدث خارج هذه الجلسات هو الأكثر أهمية، مثل قديم المساعدة المالية للمشورة، وتوفير بيئات عمل آمنة، وما إلى ذلك.

إقرأ أيضاً: 3 أنواع من الموظفين المرهقين قد تغفل عنهم في برنامج العافية الخاص بك

في الختام:

للتأكيد، فإنَّ المشكلات النفسية الناجمة عن الجائحة منتشرة على نطاق واسع، وأنت مؤهل للمساعدة، لكن ليس لحل المشكلة؛ لذا فواجبك بصفتك مدير شركة أو مدير قسم الموارد البشرية هو تزويد الموظفين بالوسائل اللازمة لمساعدة أنفسهم.

المصدر




مقالات مرتبطة