الدافع: أنواعه والعوامل المؤثرة عليه ودوره في السلوك

الدافع هو محدِّدٌ حاسمٌ للسلوك البشري، يدفع الأفراد إلى متابعة أهدافهم وتحقيق رغباتهم، ويتأثر بمجموعة متنوعة من العوامل الداخلية والخارجية، مثل القيم الشخصية والمعتقدات والعواطف والأعراف الاجتماعية، ويوفر فهم دور التحفيز في السلوك رؤى قيِّمة لمعرفة سبب تصرُّف الأشخاص بالطريقة التي يتصرفون بها، وكيف يمكن تشجيعهم على تحقيق أهدافهم.

سوف تستكشف في هذا المقال الأنواع المختلفة من التحفيز، مثل الدافع الداخلي والخارجي، وآثارهما المحتملة في السلوك، وسوف تدرس العوامل التي تؤثر في الدافع، وكذلك الطرائق التي يمكن من خلالها تنمية الدافع وتسخيره لتحقيق نتائج إيجابية، من خلال فهم التفاعل المعقد بين الدافع والسلوك.



العوامل المؤثرة في الدافع:

تنقسم العوامل المؤثرة في الدافع إلى نوعين:

1. العوامل الداخلية:

التي تؤثر في الدافع تأثيراً كبيراً، هي الخصائص الشخصية والعمليات النفسية التي تؤثر في الدافع، فقد تشكل هذه العوامل معتقدات الأفراد ومواقفهم وعواطفهم التي بدورها ربما تدفع سلوكهم أو تعوقه، وهناك العديد من العوامل الداخلية الرئيسة التي تؤثر في الدافع، مثل القيم والمعتقدات الشخصية، والعواطف والحالات العاطفية، والكفاءة الذاتية والسيطرة المتصورة.

تشير القيم والمعتقدات الشخصية إلى المبادئ والقناعات الأساسية التي توجِّه سلوك الأفراد وعملية صنع القرار، فقد تعزز هذه القيم والمعتقدات الدافع أو تعوقه، اعتماداً على مدى توافقها مع أهداف وتطلعات الأفراد، على سبيل المثال إذا كان الفرد يقدِّر الإنجاز والنجاح، فقد يكون لديه دافع كبير لمتابعة الأهداف الأكاديمية أو المهنية التي تتوافق مع هذه القيم.

من ناحية أخرى، إذا كان الفرد يقدِّر وقت الفراغ والاسترخاء، فقد يكون أقل حماسة للانخراط في النشاطات التي تتطلب جهداً أو إصراراً، وبالمثل إذا كان لدى الفرد اعتقاد بأنَّ قدراته ثابتة وغير قابلة للتغيير، فقد يكون أقل تحفيزاً للقيام بمهام صعبة أو لبذل جهد لتحسين مهاراته.

العواطف والحالات العاطفية هي عامل داخلي رئيس آخر قد يؤثر في الدافع، فالعواطف هي حالات نفسية معقدة تتضمن تجارب ذاتية من الاستثارة والتكافؤ والإدراك، كما تشير الحالات العاطفية إلى مجموعة واسعة من التجارب العاطفية التي يمر بها الأفراد، من المشاعر الإيجابية مثل السعادة والإثارة إلى المشاعر السلبية مثل الحزن والقلق.

تميل المشاعر الإيجابية إلى زيادة الدافع، بينما تميل المشاعر السلبية إلى تقليله، على سبيل المثال إذا كان الفرد يشعر بالسعادة والثقة، فقد يكون أكثر تحفيزاً لمواجهة تحديات جديدة أو متابعة أهدافه، وبخلاف ذلك إذا كان الفرد يشعر بالحزن أو القلق، فقد يكون أقل حماسة للانخراط في النشاطات التي تتطلب جهداً أو إصراراً.

تعد الكفاءة الذاتية والتحكم المدرك من العوامل الداخلية الإضافية التي تؤثر في الدافع؛ إذ تشير الكفاءة الذاتية إلى معتقدات الأفراد في قدرتهم على إنجاز مهمة ما، بينما تشير السيطرة المتصورة إلى شعور الأفراد بالاستقلالية، فقد تؤدي الكفاءة الذاتية العالية والتحكم الملحوظ إلى زيادة الدافع، في حين أنَّ انخفاض الكفاءة الذاتية والتحكم المدرك يقللان من ذلك.

على سبيل المثال، إذا كان الفرد يعتقد أنَّه قادر على تحقيق هدف معين، وشعر أنَّه يتحكم في عملية متابعة هذا الهدف، فقد يكون لديه دافع كبير للقيام بذلك، وبخلاف ذلك إذا كان الفرد يفتقر إلى الثقة في قدراته أو يشعر أنَّه لا يملك سيطرة تُذكر على بيئته، فقد يكون أقل تحفيزاً للانخراط في النشاطات التي تتطلب جهداً أو مثابرة.

عموماً تؤدي العوامل الداخلية دوراً هاماً في تشكيل دوافع الأفراد وقيادة سلوكهم، فمن خلال فهم دور القيم والمعتقدات الشخصية، والعواطف والحالات العاطفية، والكفاءة الذاتية، والسيطرة المتصورة، يمكن للأفراد والمنظمات اتخاذ خطوات لتعزيز ودعم الدافع، وهذا يؤدي إلى نتائج إيجابية ورفاهية أكبر، وقد تتضمن استراتيجيات تعزيز الدافع الأمثل بناء الثقة من خلال تنمية المهارات، ومواءمة القيم الشخصية مع الأهداف، وتعزيز التجارب العاطفية الإيجابية والسيطرة.

شاهد بالفيديو: 10 قواعد في الحياة للمحافظة على الدافع

2. العوامل الخارجية:

التي تؤثر في الدافع تأثيراً كبيراً هي العوامل البيئية أو الظرفية؛ إذ تشمل هذه العوامل وجود أو عدم وجود المكافآت، والسياق الاجتماعي الذي يجد الأفراد أنفسهم فيه، وخصائص المهمة أو النشاط الذي يشاركون فيه، كما يعد فهم العوامل الخارجية التي تؤثر في الدافع أمراً هاماً لتعزيز النتائج المثلى وتجنب النتائج السلبية.

من أهم العوامل الخارجية التي تؤثر في الدافع وجود أو عدم وجود المكافآت؛ إذ تكون المكافآت إما جوهرية، مثل الرضى والمتعة المستمدة من الانخراط في نشاط، أو خارجية، مثل المكافآت الملموسة كالمال أو التقدير، كما يمكن للمكافآت الخارجية إما زيادة أو تقليل الدافع، اعتماداً على كيفية إدراك الأفراد لها.

على سبيل المثال، إذا رأى الفرد أنَّ المكافأة علامة على الإنجاز أو التقدير، فقد تزيد من دافعه لمتابعة هدف أو الانخراط في نشاط، ومن ناحية أخرى إذا رأى الفرد أنَّ المكافأة هي شكل من أشكال السيطرة أو الإكراه، فقد تقلل من دوافعه أو تؤدي إلى مشاعر الاستياء.

السياق الاجتماعي الذي يجد الأفراد أنفسهم فيه هو عامل خارجي هام آخر يؤثر في الدافع؛ إذ يعزز الدعم الاجتماعي والعلاقات الإيجابية الدافع، في حين أنَّ الضغط الاجتماعي أو المنافسة قد تقللها، على سبيل المثال إذا كان الفرد محاطاً بزملائه الداعمين والمشجعين، فقد يكون أكثر حماسة لمتابعة هدف أو الانخراط في نشاط، وبخلاف ذلك إذا كان الفرد في بيئة تنافسية أو معادية، فقد يكون أقل تحفيزاً أو قد يواجه حالات عاطفية سلبية تعوق أداءه.

تعد خصائص المهمة أو النشاط الذي ينخرط فيه الأفراد عاملاً خارجياً هاماً آخر يؤثر في الدافع؛ إذ يمكن للمهام أو النشاطات التي يُنظر إليها على أنَّها صعبة أو ذات مغزى أو مثيرة للاهتمام أن تعزز الدافع، في حين أنَّ المهام التي يُنظر إليها على أنَّها مملة أو لا معنى لها أو صعبة للغاية قد تقللها.

على سبيل المثال، إذا كان الفرد ينخرط في نشاط يجده صعباً ولكنَّه قابل للتحقيق، فقد يكون لديه دافع كبير لإكماله، وبخلاف ذلك إذا كان الفرد ينخرط في نشاط يرى أنَّه ممل أو لا معنى له، فقد يكون أقل حماسة للانخراط فيه.

عموماً تؤدي العوامل الخارجية دوراً هاماً في تشكيل دوافع الأفراد وقيادة سلوكهم، فمن خلال فهم دور المكافآت والسياق الاجتماعي وخصائص المهام، يمكن للأفراد والمنظمات اتخاذ خطوات لتعزيز الحافز ودعمه، وهذا يؤدي إلى نتائج إيجابية ورفاهية أكبر، وقد تتضمن استراتيجيات تعزيز الدافع الأمثل تقديم ملاحظات إيجابية وتقدير، وإنشاء بيئات اجتماعية داعمة، وتصميم المهام والنشاطات ذات المغزى والمشاركة.

أنواع الدوافع:

الدوافع الداخلية والدوافع الخارجية هما نوعان من التحفيز؛ إذ يشير الدافع الداخلي إلى الانخراط في نشاط من أجل الرضى أو المتعة الكامنة فيه، مدفوعاً بالرغبة في تحقيق الإتقان والاستقلالية والنمو الشخصي، وتشمل الأمثلة عن السلوكات ذات الدوافع الذاتية العزف على آلة موسيقية، أو قراءة كتاب، أو الانخراط في هواية.

من ناحية أخرى، يشير الدافع الخارجي إلى الانخراط في نشاط لقيمته الأساسية أو مكافآته الخارجية، مدفوعاً بالرغبة في الحصول على مكافآت، أو تجنب العقوبات، أو تلبية التوقعات الخارجية، وتشمل الأمثلة عن السلوكات ذات الدوافع الخارجية العمل مقابل أجر، أو الدراسة للحصول على درجة جيدة، أو تنظيف المنزل لتجنب النقد.

آثار الدافع في السلوك:

يرتبط الدافع العالي بالنتائج الإيجابية، مثل زيادة الأداء والمثابرة والإبداع والرفاهية، ومن ناحية أخرى يرتبط الدافع المنخفض بنتائج سلبية، مثل انخفاض الأداء والتسويف والإرهاق والاكتئاب، كما يمكن تنمية الدافع وتسخيره لتحقيق نتائج إيجابية من خلال توفير الاستقلالية والكفاءة والارتباط وتعزيز عقلية النمو.

تشير الاستقلالية إلى شعور الأفراد بالسيطرة على سلوكهم وأهدافهم، كما تشير الكفاءة إلى الشعور بالقدرة وإتقان الأفراد لمهاراتهم وقدراتهم، ويشير الارتباط إلى الشعور بالارتباط والانتماء لدى الأفراد مع الآخرين.

إقرأ أيضاً: 6 طرائق بسيطة لإيجاد الدافع في حياتك اليومية

عندما يتم تزويد الأفراد بالاستقلالية والكفاءة، وعندما يتبنون عقلية النمو، فمن المرجح أن يختبروا الدافع الداخلي والنتائج الإيجابية، على سبيل المثال عندما يُمنح الموظفون استقلالية للعمل في المشاريع التي هم متحمسون لها، ويتم تزويدهم بالموارد اللازمة لتحقيق النجاح، وبالنظر إلى الدعم والتغذية الراجعة التي يحتاجون إليها، فمن المرجح أن يكون لديهم الدافع والابتكار والإنتاجية، وبالمثل عندما يتم منح الطلاب استقلالية لمتابعة اهتماماتهم، مع تزويدهم بأهداف صعبة لكن قابلة للتحقيق، ومنحهم الدعم والتغذية الراجعة التي يحتاجون إليها، فمن المرجح أن يكون لديهم الدافع والمشاركة والنجاح.

إقرأ أيضاً: 7 أسباب تجعلك تفقد الدافع بعد البداية

في الختام:

الدافع هو عامل رئيس يؤثر في السلوك، وقد يتأثر بمجموعة متنوعة من العوامل الداخلية والخارجية؛ إذ إنَّ فهم أنواع الدوافع، ومن ذلك الدافع الداخلي والخارجي، والعوامل التي تؤثر في الدافع أمرٌ ضروري لتعزيز النتائج الإيجابية وتجنُّب النتائج السلبية، فمن خلال توفير الاستقلالية والكفاءة والارتباط، وتعزيز عقلية النمو، يمكن للأفراد والمؤسسات تنمية وتسخير الحافز لتحقيق النجاح والرفاهية، فيجب أن يستمر البحث المستقبلي في استكشاف العلاقة المعقدة بين الدافع والسلوك، وتحديد الاستراتيجيات لتعزيز الدافع الأمثل والنتائج الإيجابية.




مقالات مرتبطة