الخرس الزوجي: تعريفه، وأسبابه، وأضراره، وأهم طرق علاجه

تعدُّ ظاهرة الخَرَسْ الزوجي من الظواهر التي تغزو معظم البيوت وتهدِّدها بالانهيار والتشتت العائلي؛ ولكن ما هو الخرس الزوجي؟ وما أسبابه؟ ولماذا يقع الزوجان ضحيةً لهذه الآفة؟ وهل يعود سببه إلى الزوج أم الزوجة؟ وهل هناك طرائق لعلاج هذه الظاهرة الخطيرة؟



سنقدِّم لكم أعزاءنا القُرَّاء كلَّ ذلك في هذا المقال.

ما هي ظاهرة الخرس الزوجي؟

الخرس الزوجي أو "الصمت الزوجي": هو السكوت السلبي لكلا الزوجين، وانعدام لغة الحوار فيما بينهما؛ وهي ظاهرة يُعاني منها الكثير من الأزواج، والتي يلجأ فيها أحد الزوجين إلى الصمت أو الرد باقتضاب على الطرف الآخر، مهما حاول الأخير فتح قنواتٍ للحوار معه؛ ويُعدُّ هذا مؤشراً قوياً على فتور العلاقة الزوجية وجمودها.

يُعدُّ التواصل الزوجي السليم بين الزوجين من أهمِّ الأمور التي تؤثِّر وتُساهم في استمرار العلاقة الزوجية وتماسكها، والوصول إلى حالة توافقٍ زوجي قوي.

ما أسباب الخرس الزوجي؟

1. انعدام لغة الحوار بين الزوجين:

عندما يكون الحوار مُثقلاً بالمُشاجرات والخلافات، ويتصف بأنَّهُ حوارٌ خالٍ من العقلانية والمنطق؛ يلجأ الزوجان إلى السكوت، حيث يكون هذا الحلّ الأمثل لهما.

ومن أحد الأسباب غير المُباشرة التي تؤدي إلى الخرس الزوجي: الافتقار إلى لغة حوارٍ قائمةٍ على الاحترام والتفاهم والتقدير.

2. أسباب اقتصادية:

إنَّه لمن أهمِّ الأسباب التي تدفع الزوج -على وجه الخصوص- إلى الإصابة بالخرس الزوجي: الأعباء المادية المُلقاة على عاتقه، والعمل، والضغوطات النفسية، والمُشكلات والهموم الاقتصادية، والسعي الدائم للحصول على المال بهدف توفير حياةٍ كريمةٍ لزوجته وأولاده.

وُجِد في دراسةٍ أُجرِيت عام 2010م، والتي تضمَّنت البحث عن أسباب الطلاق؛ أنَّ الطلاق العاطفي يتناسب عكسياً مع الحالة الاقتصادية؛ فكلَّما انخفض مستوى الحالة الاقتصادية، ارتفعت نسبة الطلاق العاطفي.

3. البيئة التي نشأ وترعرع بها كلٌّ من الزوجين:

يمكن أن يكون سبب الصمت بين الزوجين ناتجاً عن ثقافاتٍ وعاداتٍ اجتماعية، أو اعتقاداتٍ ومفاهيم خاطئةٍ وخبرات اكتسبها أحدهما من البيئة المُحيطة به، أو مفاهيم دينية سلبية.

كما يمكن أن يكون سبب هذه الظاهرة التاريخ الأسري للشخصية وتكوينها؛ إذ هناك شخصياتٌ يُعدُّ الصمت صفةً من صفاتها، وهناك شخصياتٌ أخرى تدفع الطرف الآخر إلى الصمت، مثل: الشخصية الانطوائية.

4. عدم وجود اهتماماتٍ مُشتركة بين الزوجين:

من الأمور التي تُعدُّ أحد أسباب الخرس الزوجي: انشغال الزوج بكلٍّ من العمل، وتصفُّح الإنترنت، والالتقاء بالأصدقاء، والبحث عن كلِّ جديدٍ في عالم السيارات والرياضة والتكنولوجيا؛ وانشغال الزوجة بالأعمال المنزلية من تنظيف المنزل، وإعداد الطعام، وغيرها؛ بالإضافة إلى دورها الكبير في رعاية الأولاد، والاهتمام بهم، والعلاقات الاجتماعية مع الأقارب والأصدقاء.

يؤدِّي عدم وجود شيءٍ مُشتركٍ بين الزوجين ليتكلما عنه إلى قلة الكلام في بداية الأمر، ثمَّ إلى الإصابة بالخرس الزوجي.

5. البخل والشح العاطفي الزوجي:

يعتبر غالبية الأزواج أنَّ مدح الزوجة وتقديرها شيءٌ لا مُبرِّر له، وأنَّ التعبير عن مشاعر الحبِّ للزوجة يُعدُّ ضعفاً؛ ويعتقدون أنَّ الزوجة لا يحِق لها المُطالبة بالاهتمام والرعاية عندما تكون جميع الطلبات المادية مُتوفِّرة؛ فتكون ردة فعل الزوجة الطبيعية في هذه الحالة هي الصمت؛ لأنَّها تُصبح مُقتنعةً بأنَّ الكلام لا فائدة منه، وبالتالي تنعدم لغة الحوار بين الزوجين.

إقرأ أيضاً: 10 نقاط تولّد الخلافات بين الزّوجين

ما علاج الخرس الزوجي؟

1. تربية الأبناء في بيئةٍ صحيةٍ نفسياً:

يجب أن يحاول الزوجان تربية أبنائهم بطريقةٍ تُمكِّنهم من تجنُّب هذه المُشكلة في حياتهم المُستقبلية، ويجب أن يكون لدى الزوجين دافعٌ للتخلُّص من هذه الظاهرة؛ ذلك لأنَّ الأولاد سيتأثُّرون بطبيعة العلاقة بين الأبوين، وسيؤثِّر ذلك على سلوكهم في مستقبلهم الزوجي.

2. محاولة تجنُّب المشاكل والخلافات في لغة الحوار:

هناك بعض الأمور التي يجب على الزوجين الالتزام بها ليتجنَّبا مُشكلة الخرس الزوجي، وهي:

  • عدم التوقف عند الأمور التافهة واختلاق المشاكل منها.
  • التفكير بعقلانية قبل اتخاذ أي قرار.
  • البحث عن حلولٍ مناسبةٍ بدلاً من تبادل الاتهامات.
  • إدراك كلا الزوجين أنَّ العصبية والشجار لن توصلهما إلى أيِّ نتيجة.

3. التعامل برفقٍ وحنان:

يعدُّ ابتعاد الزوجين عن الأخلاق الإسلامية التي أمرنا بها الله سبحانه وتعالى، ومُعاملة أحد الزوجين بتكبُّرٍ وتعالٍ وعنفٍ وقسوةٍ؛ من أخطر أسباب الخرس الزوجي؛ لأنَّها تدفع بالطرف الذي يُعامَل بتكبرٍ وقسوةٍ إلى الابتعاد والتزام الصمت.

لذا، يعدُّ الاحترام المُتبادل بين الزوجين ضرورياً للتخلُّص من هذه المشكلة، ويُنصَح كلا الزوجين بالمُبادرة إلى التعبير عن مشاعر الحب، والعمل على تغذية الإشباع العاطفي بكلِّ وسائله الحسية والمادية واللفظية، وتنمية روح الانسجام والتوافق النفسي؛ لأنَّه كلَّما زاد الخرس الزوجي، قلَّ التوافق الزوجي.

4. بحث الزوجين عن أسباب المشكلة:

يجب على الزوجين العثور على الأسباب الحقيقة التي دفعت بهما للوقوع في هذه الآفة، ليتمكَّنا من علاجها؛ وإيجاد حلولهما الخاصة لتجاوز هذه الأزمة العاطفية.

5. المواجهة:

يجب على كلٍّ من الزوجين جمع كلِّ الذكريات التي تربطه بالشريك، ومحاولة مواجهة نفسه، والتفكير فيما إذا كان هناك أيُّ تقصيرٍ من طرفه بحقِّ الشريك.

يمكن أن يطرح على نفسه هذه الأسئلة ليتأكد من ذلك، وليجد أجوبةً منطقية عنها:

  1. هل أهملت شريكي؟
  2. هل كنت السبب في إصابته بخيبة أملٍ في وقتٍ من الأوقات؟
  3. هل تسبَّبت له بأذى، سواءً بقصدٍ أم دون قصد؟
  4. هل تعاملت معه بعدم تقدير؟ هل استطعت منحه الدعم اللازم الذي يحتاجه؟

لا شكَّ بأنَّ الإجابة الصادقة عن كلّ الأسئلة المطروحة آنفاً لها دورٌ كبيرٌ في إعادة رونق الحياة الزوجية، وتُساهم بنسبةٍ كبيرة في التخلُّص من ظاهرة الخرس الزوجي.

6. تقبل الزوجين لبعضهما بعضاً:

يزيد تقبُّل كلا الزوجين عيوبَ الطرف الآخر من تقاربهما، ويُعزِّز روابط الحبِّ والاهتمام فيما بينهما؛ وذلك عندما يشعر الرجل بالاهتمام من قبل زوجته، وعندما تشعر الزوجة بأنَّ زوجها يُقدِّرها ويتقبَّلها كما هي.

7. استرجاع الذكريات الجميلة بين الزوجين:

يجب على الزوجين أن يتذكَّرا الأيام الجميلة السعيدة لهما معاً، مثل: تذكُّر فترة الخطوبة، أو أيام السنة الأولى من الزواج التي تكون زاخرةً بالحبِّ والاهتمام والسعادة؛ وأن يحاولا تجنُّب ونسيان الذكريات السيئة.

8. محاولة الزوجين فهم بعضهما بعضاً:

من أهمِّ الأمور التي تجري من خلالها مُعالجة الخرس الزوجي: فهم كلا الزوجين بعضهما بعضاً، وإدراك الأسباب التي تُزعج الشريك، ومعرفة الأشياء التي تجعله سعيداً.

عن عروة، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "قال لي رسول الله (صلَّى الله عليه وسلم): إنِّي لأعلم إذا كُنتِ عني راضيةً، وإذا عليَّ غَضْبَى، قالت: فقلتُ: ومن أين تعرف ذلك؟ قال: أمَّا إذا كنتِ عني راضية، فإنَّك تقولين: لا، وربّ محمدٍ؛ وإذا كنتِ غَضْبَى، قُلتِ: لا، وربّ إبراهيم. قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، لا أهجُرُ إلَّا اسمك".

إقرأ أيضاً: أهمية الزواج وطرق توطيد مشاعر الحب بين الزوجين

ما أضرار الخرس الزوجي وسلبياته؟

  1. هناك الكثير من حالات الطلاق التي يكون المُسبِّب الأساسي لها هو الخرس الزوجي، فالخرس الزوجي عامل من عوامل هدم البيوت العامرة.
  2. يُعدُّ من أحد الأسباب الأساسية للخيانة الزوجية، حيثُ يمكنه أن يدفع بأحد الزوجين -أو كلاهما- إلى البحث عن شخصٍ آخرٍ يمنحه الاهتمام، ويفهمه، ويتحدَّث معه عن احتياجاته العاطفية ومشاعره.
  3. يمكن أن تمتد لتصل إلى الأولاد أيضاً، وليس الشريك فحسب؛ حيث تُقابَل كلُّ رغبات الطفل وأفكاره ومُقترحاته بالصمت، ويُشكِّل هذا خطراً على نمو الطفل العقلي والصحي.
  4. يمكن لاستمرار تحمُّل الزوجين للضغوطات النفسية الناتجة عن ظاهرة الخرس الزوجي لفتراتٍ طويلةٍ من الزمن، أن تعرِّض أحدهما -أو كلاهما- إلى الأمراض الجسدية، مثل: تهيج الكولون العصبي، والضغط، والسكري، وزيادة الوزن، والتوتر، والقلق، والعصبية، والأرق.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة