الخدع البصرية : المفهوم والتطور والأسس وأنواع الخدع البصرية

لقد جرى تعريف الخدع البصرية بشكل دقيق ومحدد وواضح حسب ما ورد في قاموس "كامبريدج" على أنَّه شيء أو أمر يخدع العين ويجعلها ترى صورة أو شيئاً أو رسمة وهي غير موجودة في الأصل أو على أرض الواقع، ولكنَّ الشخص الناظر يقع في ريبةٍ من أمره فهو يظن أنَّ ما يراه حقيقة وينغمس به، وفي الحقيقة هي مجرد أوهام وملابسات وخرافات غير حقيقية وغير واقعية أبداً.



الجدير بالذكر هنا أنَّ هذا النمط من الخداع البصري لا يعتمد على خداع البصر والنظر والعين فقط؛ إنَّما يستند إلى خداع العقل وآلية الرؤية والفكرة المتشكلة وآلية الانطباع، ومن ثم يمتد الخداع ليشكل خداع الإحساس البصري والإدراك والحس الشعوري.

ما هو تعريف الخدع البصرية؟

تُعرَف الخدع البصرية بأنَّها نوع من التصورات أو التخيلات التي تراها وتحددها وتميزها صورة معينة بحد ذاتها، ومن ثم ترسمها وتطبعها وتتصورها فتنطبع انطباعاً كلياً في العقل على أساس أنَّ هذه الصورة هي صورة حقيقة أو أمر حقيقي، ولكنَّ الحقيقة بخلاف ذلك؛ إذ إنَّ هذه الصورة هي عبارة عن أوهام فيزيولوجية على شكل صور كما جرى توصيفها بشكل آخر على أنَّها طيف من التخيلات والتصورات والانطباعات والانعكاسات حفظها العقل الباطن وانطبعت فيه.

يمكن تعريف الخدع البصرية بصيغة أخرى وبأسلوب أبسط وأكثر قرباً من العقل على أنَّه تضليل يتعرض له الناظر نتيجة تشكُّل صورة في خياله على الشبكية ناجمة عن مجموعة معلومات مغلوطة وغير منطقية وغير موجودة أصلاً في الحياة العملية، وهذه المعلومات قامت تلك الصورة الخاطئة ببثها وإرسالها إلى العقل على شكل إشارة، ويؤدي هنا العقل دور المتلقي أو المستقبل، ولا يخفى علينا أنَّ للعين دوراً مساعداً في ذلك؛ فعين الإنسان جمعت تلك المعلومات المتشعبة وغير المنطقية ونشرتها على سطح الدماغ وبين تلافيفه.

الجدير بالذكر هو أنَّ جميع البشر معرضون للخدع البصرية أو تشكل الصورة الذهنية الخاطئة عن الأشياء، ولا توجد استثناءات أو قلة قليلة من البشر لا يملكون هذا العيب، ولا يمكن السيطرة على الخدع البصرية بشكل تلقائي أو يدوي من قِبل الإنسان الناظر؛ بل يتطلب ذلك اللجوء إلى استخدام ما يسمى بالمحركات البصرية التي سنتطرق إلى الحديث عنها لاحقاً.

ما هي قصة اكتشاف الخدع البصرية؟

تعود قصة اختراع أو اكتشاف ما يسمى بالخدع البصرية إلى العالِم الألماني الشهير والغني عن التعريف "هيرمان أبنجهاوس"؛ إذ يعود له الفضل الأول في اكتشاف هذه الظاهرة العجيبة الملازمة لكل البشر دون استثناء على اختلاف أشكالهم وألوانهم وأجناسهم وطبيعتهم، وقد توصل هذا العالم الشهير إلى اكتشاف هذه النظرية العظيمة التي سميت فيما بعد بالخداع البصري عن طريق القيام بتقريب وتصغير المسافة بين دائرتين متوسطتي الحجم والشكل والمساحة والمحيط والطول، ومن ثم القيام بإحاطة هذه الدوائر بدوائر أخرى أصغر أو أقل حجماً منها.

شاهد بالفيديو: 8 طرق لتنمية الإبداع في نفسك

كيف نشأ الخداع البصري وتبلور عبر الزمن؟

في الحقيقة وبالعودة إلى تاريخ ظهور الخدع البصرية يتضح لنا بشكل واضح وجلي بأنَّها مرت بالعديد من المراحل التي تطورت فيها وصولاً إلى مرحلة الذروة أو المرحلة النهائية التي تحولت فيها إلى أيقونة فنية وتاريخية وعالمية لا يمكن محوها من الذاكرة، وأُطلِق عليها في تلك الحقبة من الزمن فن الخدع البصرية.

لقد كان يعتمد هذا الفن اعتماداً رئيساً على رسم وهندسة ملامح وتفاصيل الأبعاد الثلاثية في معظم الرسومات والأشكال الهندسية، وملابس الأزياء، وتصميم الديكور، وهندسة المنازل والقصور، وصالات العرض والمهرجانات الاستعراضية، وغيرها من الأماكن التي تلجأ إلى فن الخدع البصرية بصفته أيقونة من أيقونات الفن الخالد وكفن مستقل بحد ذاته وله أصوله وسماته وقواعده وأساليبه المختلفة عن أي فن آخر.

هذا ما يدعى بفن الخداع الرياضي الذي يحدث بشكل خاص وشائع في صالات السينما والعرض وتصميم الديكورات والأزياء، ويعتمد اعتماداً أساسياً ورئيساً على ما يسمى تحديداً بتصميم الخداع الإدراكي الذي يجعل العين تتوه وتصير غير قادرة على تمييز وتحديد وفهم المعاني والصور والألوان والأشكال والخطوط والتعرجات والدوائر والظلال المنسابة من اللوحة أو الصورة أو المنحوتة وغيرها من القطع الفنية.

لنعود ونجيب عن سؤال جوهري يحاكي العقل والواقع والحياة ألا وهو متى وكيف نشأ فن الخداع البصري وتحديداً في أيَّة حقبة تاريخية زمنية؟ في الحقيقة تعود نشأة فن الخداع البصري إلى حقبة أو فترة منتصف العشرينيات من القرن العشرين؛ إذ ظهر بوضوح وتطوَّر تطوُّراً ملحوظاً على يد أناس متخصصين ومؤهلين يعملون في مدارس فن العمارة الألمانية، وقد كانت هذه المدرسة تحمل اسم "الياوهاوس".

اعتمد المهندسون المعماريون في ألمانيا اعتماداً خاصاً على آلية المزج، ولجؤوا إلى حالة التماهي والتناغم بين الطبيعة الصامتة أو الطبيعة الناطقة وبين الصور والأشكال والخطوط والرسوم الموجودة في اللوحة، وقد تميز هؤلاء الألمانيون المعماريون بأنَّهم اعتمدوا في عملهم اعتماداً خاصاً وأساسياً على ما يسمى بالقوانين البصرية، بالإضافة إلى اهتمامهم الكبير بزوايا الضوء وكيفية سقوط وورود وانعكاس وانكسار الشعاع في الصور، وقد أدت هذه العملية المعقدة إلى ابتكار وإحداث لغط وتشويش كبير في عملية الرؤية لدى المشاهد أو الناظر.

إقرأ أيضاً: قوة التفكير العميق: جوهر الإبداع

ما هي الأسس التي يقوم عليها فن الخداع البصري؟

عموماً، إنَّ عملية أو ظاهرة الخداع البصري تقوم على أسس فنية وتقنيات علمية حديثة ومعاصرة تجعل من خداع البصر فناً غريباً يفوق الوصف، وتعَدُّ من أغرب الظواهر التي تتعلق بالإنسان البشري، ولا يمكن تفادي الوقوع بها أو التعرض لها؛ إذ إنَّ الخداع البصري يقوم على أسس وقواعد رياضية لا بد من امتلاكها، ومن هذه الأسس نذكر:

  1. حين نتطرق إلى الحديث عن الأسس التي يقوم عليها فن الخدع البصرية، فنحن أمام حاجة ملحة إلى ذكر ما يسمى بـ "مثلث بانورز" للخدع البصرية.
  2. يقوم "مثلث بانورز" للخداع البصري على أساس الشكل المنظوم هندسياً ويتم رسمه على الورق الأبيض أو الأصفر أو الورق المقوى، ويكون على هيئة بُعدين أو ضلعين منظمين ومرسومين بشكل هندسي، ومن ثمَّ لا يمكن تجسيد "مثلث بانورز" للخدع البصرية إلا من خلال رسم ملامح الأبعاد الثلاثية الفراغية، وأول عالم رسم هيكل وأضلاع "مثلث بانورز" للخدع البصرية هو العالم "روجر بانورز".
  3. تقوم فكرة هذا المثلث على أساس أنَّ الخدعة تجعل العين تتنقل بين لونين متعاكسين تماماً كاللون الأبيض الناصع واللون الأسود الحالك، وفي حال تشكلت لدينا مربعات سوداء ومربعات أخرى بيضاء وفي منتصف كل من هذه المربعات نقاط مستديرة بيضاء ونقاط مستديرة سوداء ورغبنا في أن نحصي عدد النقاط السوداء الموجودة في الزوايا داخل المربعات السوداء وداخل المربعات البيضاء وضمن الزوايا، فنجد أنفسنا في حيرة كبيرة؛ وذلك لأنَّ الأمر يكاد يكون شبه مستحيل.

ما هي أنواع الخدع البصرية؟

  1. خدع بصرية تعتمد على مبدأ التلاعب بالألوان.
  2. خدع بصرية هندسية تقوم على أساس التلاعب بالأشكال الهندسية وتسمى بـ "خدع روجر بانورز" نسبة إلى العالم الحامل لنفس الاسم الذي رسم ولأول مرة "مثلث بانورز" بأبعاده الهندسية الثلاثة.
  3. خدع بصرية تقوم على أساس التلاعب بمسألة الأحجام والأطوال ومقاس الأشكال وسعتها ووزنها وغيرها من مقادير القياس المختلفة، ويُطلَق على هذا النوع من الخدع البصرية لقب "خدع ميلار ليار".
  4. خدع بصرية تعتمد اعتماداً أساسياً على مبدأ التحريك البصري، وهذا ما نراه في الخدع البصرية ثلاثية الأبعاد كما يحدث تماماً في الصور المتحركة أو ما يدعى بالرسوم المتحركة.
  5. خداع بصري من نوع آخر جديد وأكثر تعقيداً وحداثة وعصرية ومواكبة للتكنولوجيا والتقنيات الحديثة والعلوم المعاصرة، ويستند استناداً رئيساً إلى خداع العقل؛ وهذا ما يحدث بشكل فعلي في تصميم الأزياء وكل ما يتعلق بالمهرجانات الاستعراضية والعروض التقديمية ووصولاً إلى هندسة الديكور وتنظيم البيوت والأماكن.
إقرأ أيضاً: الإبداع: أنواعه، وأهميته، ومظاهره، وصفات الشخصية المبدعة

في الختام:

لقد جرت تسمية الخداع البصري من قِبل أحد الباحثين على أنَّه شكل من أشكال الوهم البصري التي تخدع العين والعقل والحس على حد سواء وتجعل الناظر أو الشخص تائهاً في بحر من الأوهام، وأما في اللغة العربية الفصحى فقد وردت كلمة خداع على أنَّها الحيلة التي تحمل معنى الدهاء والسطو والكذب في بعض الأحيان؛ بمعنى أنَّ هذه الحيلة أو هذا الخداع يجعلك ترى صوراً وخطوطاً وأشكالاً وألواناً مغايرة ومعاكسة للصورة الحقيقية الموجودة على أرض الواقع، ويتم ذلك من خلال استخدام قواعد وأساليب يُطلَق عليها اسم الفن البصري نظراً إلى أنَّه يستند إلى خصائص بصرية متنوعة.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة