الحياة السرية لطفلك على الإنترنت، ودورك كوالد في إدارتها

الجميع يريد معرفة الزر الذي يجب الضغط عليه أو البرنامج الذي يجب شراؤه وتحميله لضمان عدم رؤية أطفالهم أبداً للمواد المُخلة بالآداب أو المواد العنيفة أو المتطرفة، وعدم التحدث مع الغرباء عبر الإنترنت مطلقاً، وغيرها من الأشياء المزعجة الموجودة على الإنترنت؛ لذلك اسمحوا لنا أن نقول هذا من البداية: "لا يوجد شيء يمكنكم فعله لضمان أنَّ طفلكم لن يفعل أبداً أي شيء يُحتمل أن يكون خطيراً على الإنترنت"، ومع ذلك توجد خطوات يمكن للوالدين اتخاذها لتقليل احتمالية إصابة الطفل بسلوكات إشكالية عبر الإنترنت.



عموماً يجب أن يكون هدفك هو التركيز أولاً على أن تكونوا أسرةً ذات استخدام محدود للتكنولوجيا، فيمكن أن يساعد التركيز بشكل أكبر على العالم الحقيقي وتقليل التركيز على المجال الرقمي الأطفال والمراهقين على وضع جهودهم وطاقتهم في حياتهم الحقيقية، وسيؤدي ذلك إلى الاستخدام الصحي للويب - بوصفه أداة للتواصل مع الآخرين والتعرف إلى العالم حسب الحاجة - بدلاً من التصيد المستمر في المجال الإلكتروني بحثاً عن الإثارة التالية.

هوس امتلاك التكنولوجيا والسرية في استخدامها:

احتاج ابنك المراهق إلى حاسوب محمول للمدرسة فقمت بشرائه له، واحتاج إلى هاتف للبقاء على اتصال معك، لذلك بعد مشادة نصف ساعة معه في المتجر اشتريت له أحدث جهاز (IPhone)، كما يملك جهاز (iPad Air)، والآن في كل مرة تنظر فيها إلى ابنك يكون أمام شاشة جهازه، وإشعارات نصية تُسمع في جميع الأوقات، وليل نهار يتجول في مواقع التواصل الاجتماعي التي لم تسمع بها من قبل، وفجأة تجاوز استخدامه للتكنولوجيا واجباته المدرسية وأصبح نوعاً غريباً من السرية والهوس.

أهم شيء يمكنك القيام به هو فتح حوار منتظم عن تجارب طفلك عبر الإنترنت والتعامل معها بفضول حقيقي ومنفتح، فالتكنولوجيا ضرورية للأطفال والآباء في عصرنا هذا، لكن كلما طالت فترة استخدامها، رأينا أنَّ التكنولوجيا أصبحت مشكلة بالنسبة إليهم.

فكر في الهاتف المحمول الخاص بطفلك، فهو جهاز معقد للغاية يمكن استخدامه في الخير أو الشر، وإنَّه أداة اتصال وأداة بحث ودراسة رائعة أيضاً، وبالنسبة إلى الطفل الذي يكافح من أجل التركيز على واجباته المنزلية، فهو آلة تشتيت مزمن إذا صح التعبير، وهو كاميرا وفيديو يمكنه بث أخطاء طفلك وخياراته السيئة إلى العالم في ثوانٍ، وإنَّه سلاح للتنمر ومصدر قلق للأطفال الذين يتعرضون للتنمر، وهو سبب لعدم حصول ابنك على قسط كافٍ من النوم ليلاً، ويتحول إلى مصدر إباحي بلمسة رابط خاطئ، ويمكن أن يعرِّض طفلك الصغير لأشياء لا يجب أن يراها.

كيف يستخدم أطفالك التكنولوجيا؟ وهل تعرف ما الذي ينظرون إليه عندما يضطجعون على الأريكة لخمس ساعات مع هواتفهم على بعد 20 سم من وجوههم؟ وعندما تسألهم مع من يتحدثون عبر الإنترنت هل تحصل على إجابة مقتطعة من كلمة واحدة، إن وجدت أيَّة إجابة على الإطلاق؟

يعرف ابنك المراهق الكثير عن عالم الإنترنت أكثر مما قد تعرفه في أي وقت مضى، وقد يصبح سريعاً طريقة أخرى لطفلك للتصرف بتحدٍ معك، إذاً كيف تتحدث مع طفلك عن حياته على الإنترنت واهتماماته وسلامته؟

شاهد بالفيديو: سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي

الآباء المشلولون: "لا أعرف ماذا أفعل حيال ذلك؛ لذا لن أفعل شيئاً":

صحيح أنَّ الأطفال قد يكونون مثل معالجات الحواسيب في استخدام الأجهزة والعثور على تطبيقات رائعة، إلا أنَّ معظمهم لا يمتلكون الذكاء العاطفي ليتمكنوا من إدارة وفهم كل ما يرونه عبر الإنترنت، لهذا السبب يحتاج الآباء إلى المشاركة.

على الرغم من ذلك، نرى بشكل متزايد أنَّ الآباء أصبحوا مشلولين فيما يتعلق باستخدام أطفالهم للتكنولوجيا، فهم لا يعرفون ماذا يفعلون أو من أين يبدؤون؛ لذا فهم لا يفعلون شيئاً، فمن الطبيعي أن يشعر الآباء بالعجز تجاه عالم أطفالهم على الإنترنت.

قالت والدة طفل اكتشفت مؤخراً أنَّ ابنها الصغير كان يشاهد مقاطع فيديو على الإنترنت لأشخاص يلعبون لعبة الروليت الروسية، وكانت محظوظةً فقد طرح ابنها الموضوع بدلاً من أن يحتفظ به لنفسه لأنَّه انزعج مما رآه، لقد شعرت الأم بالشلل، فماذا تفعل؟ وهل تصادر هاتفه؟ أو تمنع عنه الإنترنت؟ وهل يجب أن تتحدث معه عما يشاهده أيضاً على الإنترنت؟ أم لا تفعل شيئاً؟

إنَّ عدم القدرة على التدخل في استخدام طفلك للتكنولوجيا ليس فعالاً أو يعززك بصفتك والداً ولا يساعد طفلك، وأعتقد أنَّ أهم شيء يمكنك القيام به هو فتح حوار منتظم عن تجارب طفلك عبر الإنترنت والتعامل معها بفضول حقيقي ومنفتح.

يظل العديد من الأطفال متكتمين بشأن ما يفعلونه ويشاهدونه عبر الإنترنت للأسباب الآتية:

  1. التكنولوجيا هي قيد الحياة الاجتماعية، فهم يركزون على المجتمع ويحمون خصوصيتهم.
  2. لا يريدون منك التدخل، والسرية هي شكل من أشكال التحدي.
  3. ينغمسون فيما يرونه أو يشاركون فيه عبر الإنترنت ولا يعرفون كيف يتحدثون عنه.

مثال عن ذلك طفل يبلغ من العمر 11 عاماً بدأ بالبحث عن مواقع إباحية على هاتفه، ثم نقر في النهاية على مواد إباحية عنيفة سببت له كوابيس، وقد أراد التحدث عن المشكلة، ولكنَّه كان يشعر بالخجل والعار، ولهذا السبب من الهام أن يتفاعل الآباء مع أطفالهم بشأن ما يرونه على الإنترنت، ولا ينبغي أن تخفى الأسرار في المنزل.

فيما يأتي بعض الطرائق التي يمكن للآباء من خلالها إدارة حياة أطفالهم عبر الإنترنت وفتح حوار عن هذا الموضوع.

6 طرائق لإدارة حياة طفلك على الإنترنت:

1. وضع حدود كبيرة في وقت مبكر:

إذا كان لديك أطفال تتراوح أعمارهم بين 5 و8 سنوات، ففكر في وضع حدود كبيرة تتعلق بالهاتف الذكي أو الجهاز اللوحي الخاص بك، واجعل الحدود واضحة للغاية: "لا يمكنك لمس الهاتف الخاص بوالدك، وإذا كنت تريد أن ترى صوري على الهاتف، فعليك أن تطلب الإذن أولاً"، فهنا تقوم بتقليل مخاطر وصولهم إلى الويب والسير في طريق مخيف عن طريق وضع حد كبير وبسيط والبقاء متسقاً معه.

إذا أردت معرفة نوع منصات التواصل الاجتماعي التي يستخدمها ابنك، فقل له ببساطة "ما هو تطبيق (SnapChat)؟ وهل تستطيع أن تريني إياه؟" إنَّه سؤال بسيط، وفي أغلب الأحيان سيعرض لك طفلك التطبيق على هاتفه، ويمكنك بدء محادثة عنه.

أنت لا تطلب رؤية محتوى معين أو تتطفل على خصوصية طفلك؛ بل أنت تسأل ببساطة عن التطبيق، ويمكنك أن تلاحظ متى يشعر طفلك بالراحة ومتى يشعر بعدم الراحة، فإذا كنت تشعر بالقدرة على أن تكون فضولياً، فسوف تتعلم شيئاً وتتواصل مع طفلك بشكل أفضل.

2. طرح أسئلة على طفلك عن تجربته على الإنترنت دون إصدار أحكام:

اسأل متى يمكنك فعل ذلك بانفتاح وفضول حقيقي، ولا تقم بذلك عندما تشعر بالضيق أو الغضب، ولا تُظهر لطفلك أنَّه واقعٌ في مشكلة ولا تصدر أحكاماً قبل أن تتأكد.

3. سؤال ابنك المراهق عما يفعله الأطفال الآخرون:

استخدم هذا السؤال لجعل الأطفال يتحدثون عن تعاطي المخدرات أو التدخين بين أقرانهم "ما هي أنواع العقاقير التي ترى الأطفال يتعاطونها؟"، كما يمكنك استخدام سؤال مشابه عن كيفية استخدام الأطفال الآخرين لوسائل التواصل الاجتماعي أو الدردشة عبر الإنترنت، كأن تقول مثلاً: "أنا فضولي، ما هي أنواع تطبيقات الوسائط الاجتماعية التي يستخدمها الأطفال الآخرون؟ وهل يتحدثون عبر الإنترنت هذه الأيام؟ وكيف يتم ذلك؟".

مرة أخرى، إذا كان بإمكانك أن تظل منفتحاً وفضولياً، فهذه فرصة لطفلك للتحدث عما يقوم به ويحدث معه عبر الإنترنت من خلال وضع مثال "الأطفال الآخرون".

شاهد بالفيديو: 6 آثار سلبية للتكنولوجيا على الأطفال

4. سؤال ابنك المراهق "هل سبق لك أن رأيت شيئاً ما مزعجاً أو غير مستحب على الإنترنت؟"

بصفتنا آباء واجهنا جميعاً أشياء عبر الإنترنت جعلتنا نضغط على زر الرجوع والخروج منها بسرعة، ومن المحتمل أن يكون ابنك المراهق قد فعل الشيء نفسه، وقد يكون مهتماً بالتحدث عنه أكثر مما تعتقد، فاطرح السؤال وتحدَّث عن مثال شخصي لشيء وجدته مزعجاً، الأمر الذي يطبِّع التجربة ويجعلها أقل سرية.

5. التحدث مع الآباء المتشابهين في التفكير:

أنت لست الوالد الوحيد الذي يتمنى أن يتفاعل معه طفله ولو بجزء بسيط مما يفعله على أجهزته، فاسأل الأهل الذين تثق بهم "كيف تديرون استخدام الهواتف عند أطفالكم؟"، من المحتمل أن تحصل على بعض النصائح الجيدة المتعلقة بإدارة التكنولوجيا، وكل ما عليك فعله هو السؤال.

إقرأ أيضاً: تجنّب الخطر الخفي على الانترنت!

6. تحديد أوقات يُمنع فيها استخدام الهواتف للجميع في منزلك:

نموذج الاستخدام المناسب للتكنولوجيا، فخصص وقتاً كل يوم لعدم استخدام الهواتف، واستغل هذا الوقت للتحدث مع أطفالك عن حياتهم وتجاربهم، واستبدل وقت الإنترنت بوقت العائلة، ومن الأسهل بكثير فرض قيود لاستخدام التكنولوجيا إذا استبدلت ما تستغني عنه بشيء يعود بالفائدة على الجميع، وخطط لقضاء ليلة خالية من التكنولوجيا بوصفكم عائلة، فلا هواتف ولا (Instagram) ولا رسائل نصية، واذهبوا لمشاهدة فيلم أو إلى الشاطئ وتحدثوا كثيراً.

إقرأ أيضاً: سلبيات ومخاطر الإنترنت على الأطفال والمراهقين

في الختام:

لا يوجد شيء أقوى من تأثير الوالدين في حياة الطفل، ولكنَّ التكنولوجيا تحمل نوعاً من القوة المغرية للبالغين والأطفال يمكن أن تطغى على تأثير الوالدين دون أن نكون على علم بذلك، فيمكن أن يكون الترياق لهذا السؤال واحداً أو اثنين من الأسئلة الصادقة التي تطرحها على طفلك والاستعداد والشجاعة للسماح بأيَّة إجابة.




مقالات مرتبطة