التوقف عن السعي الدائم لعيش حياة أفضل

منذ أن كنَّا صغاراً جداً، نحن مجبَرون أن نكون مكافحين. لقد تدرَّبنا على الرغبة والاستمرار في الرغبة في المزيد والأفضل من كل شي، وعلى أن نكون نماذج أفضل من أنفسنا ونظفر بتجارب أفضل لأنفسنا، ونوجِّه اهتمامنا وتركيزنا على هذه الأمور فقط.



تجربة الكاتبة في التوقف عن السعي الدائم:

في الحقيقة، عندما أواجه هذه الأنواع من الأسئلة الواسعة الموجهة نحو المستقبل، غالباً ما أجد نفسي عاجزة، وغير قادرة على تحديد ما أريده لمستقبلي بأي تفاصيل حقيقية.

أستعمل عادةً أقلاماً ملونة وبريقاً لامعاً لوضع خطة لابنتي؛ هذا لا يعني أنَّه لا توجد أشياء أريد أن أفعلها وأحققها؛ فأنا أريد قضاء المزيد من الوقت في الصحراء، وأن أطوِّر عملي في مجال الخطابة، والقيام بمزيد من الخلوات الصامتة. ولكن في الغالب ما أشعر به في مواجهة هذه الأهداف المتعلقة بالخطة الخمسية هو الواجب الكبير مع قليل من الارتباك ودفق من الضبابية.

الإحساس القوي المسيطر هو أنَّه يجب أن تكون لدي خطة واضحة ورؤية شاملة للمستقبل، وأنَّ هناك خطباً ما إن لم أفعل ذلك، أو حتى إن لم أرغب في ذلك.

إقرأ أيضاً: هوس السعي إلى المثالية: أسبابه، وسماته، وطرق علاجه

كيف نبني عقليتنا؟

ولكن بعد ذلك أتذكر: نحن نتبنَّى عقلية "المزيد والأفضل" الموجهة نحو التقدُّم ونطبِّقها على أنفسنا ووقتنا على هذا الكوكب، ونرى أنفسنا بصفتنا جزءاً من التقدُّم الذي لا ينتهي، ونركز على المستقبل، والمكان الذي نريد الوصول إليه، وتغيير واقعنا الحالي وأهدافنا. وفي نهاية المطاف، نفترض أنَّ الرغبة تعني الحاجة إلى شيء ما أو بمعنى أكثر تحديداً، شيء آخر خارجي، جديد ومختلف.

اكتشفتُ بعد سنوات من طرح هذه الأنواع من الأسئلة حسنة النية على نفسي، أنَّها ليست الأسئلة الصحيحة بالنسبة إليَّ أو إلى العديد من عملائي. السؤال "ماذا تريد؟" مع أنَّ هذا السؤال مفيد جداً من نواحٍ عدة، إلا أنَّه يمكن أن يصبح عبئاً علينا، وأمراً آخر من المفترض أن ننجزه، ورغبة نريد تحقيقها.

من المفترض أن يكون لدينا قائمة مهام لمستقبلنا وخطة للوصول إليه، وإذا لم نفعل ذلك، فمن المؤكد أنَّنا نفقد أحلامنا المستقبلية هذه.

أدركتُ بعد آلاف ورش العمل وساعات طويلة في التدوين والخطابة والتأمل والغناء وكل "الأشياء" الأخرى، أنَّ ما أريده حقاً هو أن أكون هنا، وأعيش هذه اللحظة العادية بكل جوارحي. إنَّني أعتزم التوقف عن محاولة الوصول إلى مكان آخر.

إقرأ أيضاً: فن الخطابة الناجح

التفكير في الوقت لعيش حياة أفضل:

نحن مدرَّبون على التفكير في الوقت وفي حياتنا على أنَّها شيء يتحرك للأمام على خط أفقي، يندفع نحو المستقبل. التقدُّم هو منارتنا وأملنا. إنَّه يعطينا مكاناً نتحرك فيه ومعه شعور بالهدف والمعنى. على مستوى أعمق، فكرة التقدُّم تحمينا من خوفنا الوجودي من اللامعنى، من الفراغ الذي يأتي من مجرد الوجود هنا.

إذا لم نتَّجه إلى مكان آخر، إلى مكان ما أفضل، فلن يكون لدينا سوى هذه اللحظة فقط، ولن نتَّجه إلى أي مكان على وجه الخصوص. إذا كان الحاضر كل ما لدينا، فماذا بعد؟ هل يمكننا تحمُّل هذا الوجود؟

لكنَّ المثير للإعجاب هو أنَّه عندما ندخل هذه اللحظة الحالية ونستغرق بها، ونغوص تماماً في الوقت الحالي، دون أي شيء آخر، ولا مكان آخر نلجأ إليه، نكتشف أنَّ الوقت يبدو كأنَّه تجربة عمودية أكثر من تجربة أفقية.

شاهد بالفيديو: 8 خطوات تضمن لك بداية رحلة النجاح.

البحث عن الرغبة:

وبعد البحث الجاد عن "الرغبة" المثيرة للإعجاب، التي تتطلب لوحة ملصقات عملاقة وبريقاً أخضر لامعاً، اكتشفتُ أنَّ ما أريده هو أسهل بكثير مما اعتقدت أنَّني أريده؛ فما أريده هو أن أكون تماماً حيث أكون، وأن أتوقف عن الرغبة في شيء آخر طوال الوقت. أريد أن تكون هذه اللحظة هي كل شيء مهما كان. علاوةً على ذلك، أريد أن أشعر بإحساس مستمرا بالاحترام وجودي الدائم هنا.

أقدِّم تجربتي الخاصة هنا حتى تتمكن من إيجاد بديل للسعي المعتاد والرغبة التي تشجع على المشاركة فيها، ولكن من فضلك، إذا كانت هذه الأنواع من الاستفسارات المتعمدة مفيدة، وتساعدك على الحصول على الوضوح وتوجيه الهدف في حياتك، فاستعملها دون تردُّد.

ولكن إذا وجدتَ نفسك تشعر بالفراغ عند سؤالك عما تريد أن تكون، أو تصبح، أو ماذا تريد أن تحقِّق، فربما يمكنك منح نفسك الإذن بالتوقف عن السعي إلى الوصول إلى مكان أفضل والسعي إلى عيش حاضرك.

لا بأس في التوقف عن السعي إلى تحقيق خطتك الخمسية؛ إذ قد يقودك تركيزك على الحاضر إلى حياة أفضل وأكثر ثراءً، ومن المفارقات أن قد يكون الحاضر هو بالضبط نمط الحياة الذي من المفترض أن تسعى جاهداً إلى تحقيقه.

في الختام:

قد يكون الوصول إلى حيث نحن والتوقف عن محاولة الوصول إلى مكان آخر أصعب وأروع إنجاز في حياتنا. يمكننا إضافة "المكان واللحظة الراهنة" إلى قائمة الوجهات المرغوبة لدينا في مجتمع يقدِّر النضال قبل كل شيء. قبل أي شيء آخر، تُعَدُّ الرحلة إلى حيث نحن أهم رحلة سنشرع فيها على الإطلاق. الحق يُقال، أريد أن أكون هنا.

المصدر




مقالات مرتبطة