التوقف الفوري عن الأكل العاطفي

يتخذ 67% من الأمريكيين من الطعام مهدِّئاً مفضلاً؛ بمعنى أنَّهم يستخدمونه لتخدير مشاعرهم وعواطفهم المتعبة، ولتجنب التوبيخ والأفكار السلبية، ومن أجل الترفيه والمتعة حين يشعرون بالملل، وكذلك كجائزةٍ حين ينجحون في إنجاز ما.



يلجأ الناس إلى الأكل العاطفي عادةً في المساء، حين يتسنَّى لهم الاستلقاء والاسترخاء بعد يومٍ طويل وشاق، ويُنظر إلى الطعام غالباً على أنَّه موعد المكافأة، خصوصاً حين يخلد الأطفال إلى النوم، ويتسنَّى لهم البقاء بمفردهم وتناول ما لذَّ وطاب.

تجدر الإشارة قبل الحديث عن طرائق التخلص من هذه العادة، إلى أنَّ عليك إنجاز واجب منزلي بنهاية قراءتك لهذا المقال، وهو كتابة قائمة بأمنياتك بما أنَّنا جميعاً نملك قائمةً للواجبات؛ إذ ينبغي أن تشتمل قائمة الأمنيات على كل الأمور التي ترغب في تحقيقها، والتي قد تكون بسيطةً للغاية كالاستماع للموسيقى المفضلة لديك وتعلُّم الحياكة، أو قد تصل إلى تسلُّق جبل "إيفيريست" (Mt. Everest) وتعلُّم التزلج على الجليد، فبعض الأمنيات تستطيع تحقيقها اليوم، بينما يأخذ بعضها الآخر وقتاً في التحضير لها

بعد ذلك، احتفظ بهذه القائمة في متناول يديك واحذف منها بعض العناصر وأضف إليها عناصر أخرى حسب الحاجة؛ إذ ستحتاج إلى هذه القائمة حين تتخلى عن تناول الطعام العاطفي وتستبدله بالأشياء والأحداث التي وضعتها ضمن قائمة الأمنيات.

في البداية، عليك معرفة الأسباب التي تدفعك إلى الأكل العاطفي:

حين تجد نفسك في المرة القادمة متجهاً نحو المطبخ لتناول الطعام، توقف للحظةٍ وأخبر نفسك أنَّك ما زلت تستطيع تناول الطعام، لكن عليك استشارة ذاتك بدايةً؛ أي اسأل نفسك إن كنت جائعاً؛ فإن وجدت نفسك جائعاً بالفعل، تناول شيئاً صحياً، أمَّا إن لم تكن جائعاً فعلاً وإنَّما متردِّدٌ، فعليك سؤال نفسك عن مشاعرك الحقيقية التي يخفيها هذا الجوع الزائف.

يكمن هنا الجزء الأصعب، ابقَ مكانك واستمع للإجابة في داخلك جيداً؛ إذ قد تحتاج إلى طرح ذلك السؤال عن المشاعر الحقيقية عدة مرات، إن كنت تستخدم الطعام كوسيلةٍ لتهدئة نفسك أو تخدير مشاعرك وأحاسيسك، ولا بأس في ذلك.

إذاً، يجب عليك أن تتحلى بالصبر وتثابر على هذه الطريقة، فقد بدأت الحقائق تتَّضح لك شيئاً فشيئاً، وربَّما تحتاج إلى بعض الوقت لتغيير هذه العادة السيئة، وحين تتمكَّن من معرفة الشعور الحقيقي في داخلك، ستدرك أنَّه قد يكون التعب أو التوتر أو الملل أو الغضب أو أياً من المشاعر العديدة الأخرى، وتجدر الإشارة إلى أنَّه ينبغي لك ألا تخطئ بمعرفة ذلك الشعور أبداً؛ إذ إنَّ أيَّ كلمة تخطر على بالك فجأةً تمثِّل الشعور الذي يريدك عقلك الباطن أن تركِّز عليه.

يجدر بك بعد ذلك معالجة مشاعرك الحقيقية التي أدركتها؛ فما الذي يمكنك فعله للتخلص من مشاعرك السيئة بدلاً من تناول الطعام؟

إن كنت تشعر بالتعب أو التوتر والإجهاد، فربَّما حان الوقت للخلود إلى النوم ونيل قسطٍ من الراحة، أو الاستماع لتسجيلٍ لجلسة تأمُّل أو جلسة تنويم مغناطيسي، أمَّا إن انتابتك مشاعر الغضب والاستياء، فربَّما عليك التنزه أو ممارسة نشاطٍ بدنيٍّ آخر لإخراج تلك المشاعر من جسدك.

إن كنت تشعر بالملل، فهنا يأتي دور قائمة أمنياتك؛ إذ عليك إنجاز أمرٍ ما من تلك القائمة، وستشعر عندها بشعور أفضل بكثير ممَّا لو تناولت شيئاً ما بسبب الملل، فهو فوزٌ مضاعفٌ بالنسبة إليك، لأنَّك تعاملت مع مشاعر الملل وحققت أمراً ترغب فيه للغاية، وفي الوقت نفسه لم تتناول الطعام حين لم تكن جائعاً.

تُوجد وسيلةٌ أخرى تساعد على القضاء على الأكل العاطفي، وهي أن تسأل نفسك بكل بساطةٍ عمَّا حدث للتو؛ إذ إنَّ سلوكك وسعيك إلى الأكل العاطفي ليس عشوائياً، بل ثمة دوماً أسباب تدفعك إلى ذلك، وهي أسباب يظنها عقلك الباطن وجيهةً أيضاً، علماً أنَّه يمكنك القضاء على هذه الأسباب التي تدفعك إلى الأكل العاطفي من خلال تتبُّعها ومعرفة حقيقتها.

على سبيل المثال، شاهدت لتوِّك إعلاناً تجارياً عن طعام ما على التلفاز؛ قد يقودك ذلك خطأً إلى الاعتقاد بأنَّك جائع، لكنَّ فهمك للصورة الكاملة سيبعث لديك شعوراً بالسخرية والرضى والشبع، ولن تتناول الطعام؛ إذ ربَّما تلقَّيت مكالمة مزعجة، وبدلاً من أن تقول ما ترغب فيه من كلماتٍ تريد إيصالها إلى الشخص الذي تسبب في إزعاجك، تكبت تلك الكلمات عن طريق تناول الطعام العاطفي.

شاهد بالفيديو: كيف تضع حداً للأفكار السلبية؟

إن كان لديك خلافٌ مع شخص ما يدفعك إلى الأكل العاطفي فيمكنك حلُّه كالآتي:

حين تكون بمفردك لبعض الوقت، ضع كرسيين أحدها في مواجهة الآخر على بعد 90-120 سنتيمتراً عن بعضهما، واجلس في أحد الكرسيين متظاهراً بأنَّ خصمك المعتدي يجلس في الكرسي الآخر، ثم أفصح له عن مشاعرك تجاهه.

تجدر الإشارة مرةً أخرى إلى أنَّه لا يمكنك أن تخطئ في هذه العملية أبداً؛ إذ ربَّما تشعر بالقليل من الخوف عند تخيُّل ذلك الشخص أمامك، وربَّما تشعر بالغضب والاستياء بسبب الأذى الذي سبَّبه لك، فضلاً عن الكثير من المشاعر الأخرى، لكن عليك أن تتذكر أنَّ خوضك في هذه المشاعر وإحساسك بها، هو الشفاء والحل للتخلص منها ومن الأكل العاطفي الذي كنت تتناوله لتجاهلها.

حين تنتهي تقريباً من التنفيس عن غضبك، بدِّل مكان جلوسك، وادَّعِ أنَّك الخصم الذي كنت تتحدَّث إليه، ثم ردَّ على الكلام الذي قلته له منذ قليل، وربَّما ستتفاجأ للغاية من الكلام الذي سيصدر عنك كردٍّ للخصم على مشاعرك، ويمكنك أن تبدِّل الكراسي كلَّما رغبت في ذلك.

إقرأ أيضاً: ما هي أسباب الخلافات التي تنشأ بين الزملاء؟ حين تعرفها تستطيع تخطيها

ربَّما ستمكِّنك هذه الطريقة من إيجاد بعض السلام في علاقتك مع ذلك الشخص:

يمكنك إعادة هذا التمرين بالقدر الذي تريده إلى أن تجد حلاً أو تسويةً لمشكلتك مع ذلك الشخص، وعليك أن تتذكر جيداً أنَّ خصمك ليس مسؤولاً عن وقوعك في فخِّ الأكل العاطفي، بل أنت المسؤول الوحيد؛ إذ إنَّك لست بحاجةٍ إلى حضوره فعلياً أو إلى الإذن منه كي تتخلص من مشاعرك السلبية تجاهه وتتوقَّف عن الأكل العاطفي بسببها، وتجدر الإشارة إلى أنَّه يمكن تنفيذ هذا التمرين سواء أكان الطرف المعتدي على قيد الحياة أم لا.

وإن أردت أن تتعمق أكثر في مشاعرك، فعليك سؤال نفسك عن المرة الأولى التي انتابتك فيها هذه المشاعر، حين كان الطعام متوفِّراً من حولك، وربَّما عليك الجلوس لبرهةٍ ومحاولة الاسترخاء كي تتمكن من الإجابة عن هذا السؤال، وعندها عليك الإحساس بعمق مشاعرك داخل جسدك، ومن ثمَّ عليك أن تدع عقلك يأخذك إلى حيث يريد في الذاكرة.

سيأخذك عقلك غالباً إلى إحدى ذكريات طفولتك، وهنا تذكَّر المشهد جيداً، وتخيَّل أنَّك تشاهده على هيئة الشخص البالغ الذي أنت عليه الآن، وليس كالطفل الذي كنت عليه في هذا المشهد، ربَّما تريد أن تخرِج نفسك الصغيرة من المشهد إن كانت الذكرى مؤلمةً بالنسبة إليك؛ إذ إنَّ إخراجها من المشهد قبل أن يحدث لها أيُّ شيءٍ سيِّئ، سيمكِّنك من إعادة كتابة تاريخك وذكرياتك بالطريقة التي تحبها.

تخيَّل أنَّك تضم نفسك الصغيرة بين ذراعيك لتهدِّئها، ثم تفكَّر فيها كثيراً بحيث تشعِرها بالحب والأمان؛ ذلك لأنَّ جانبك الطفولي مسؤولٌ عن جزءٍ كبيرٍ من مشكلة الأكل العاطفي التي تعاني منها، وحين تهدِّئ نفسك الصغيرة وتواسيها سيقلُّ عدد مرات لجوئك إلى الأكل العاطفي على نحو كبير.

قد يتطلَّب الأمر قليلاً من التدريب على استخدام هذه الوسائل لتتمكَّن من اللجوء إليها بسرعة والاستفادة منها بفاعلية في مواجهة رغبتك في الأكل العاطفي، وذلك يستحق جهد المحاولة.

إقرأ أيضاً: 9 نصائح تساعدك في الوصول إلى السلام الداخلي

في الختام:

يعمل عقلك الباطن على حلِّ المشكلات التي تواجهك بأفضل طريقةٍ لديه، وذلك في غياب الإرشاد والتوجيه من قِبلك، وسيسعى دوماً إلى التضحية بصحتك الجسدية في الغالب عن طريق دفعك إلى ممارسة الأكل العاطفي في سبيل إنقاذ صحتك النفسية؛ لذلك فقد حان الوقت لتوجِّه عقلك الباطن إلى الطريق الصحيح.

المصدر




مقالات مرتبطة