التنمية المستدامة: المفهوم والأهمية والأهداف ومجالات التنمية المستدامة

شهد العالم في الفترة الأخيرة جملة من التطورات في المجال الاقتصادي، فقد أسهم النمو غير المتوازن في المجال الصناعي في ظهور مشكلات بيئية جمة مثل فقدان التنوع البيئي، تقلُّص مساحة الغابات، تلوث الماء، تلوث الهواء، ظاهرة الدفء الكوني، استنزاف الموارد الطبيعية غير المتجددة، فالبشرية أصبحت تعاني نتيجة لذلك من مشكلتين رئيستين؛ الأولى نضوب ونفاد الموارد التي كنا نعتقد في وقت سابق أنَّها موارد دائمة، والمشكلة الثانية ترتبط بالتلوث الذي يزداد يوماً بعد يوم نتيجة لتلك الممارسات البشرية غير المسؤولة.



نتيجة لتفاقم تلك المشكلات ظهرت حاجة ملحة إلى العمل على ترشيد الأعمال الإنسانية عن طريق تبني ما يسمى بالتنمية المستدامة إلى إيجاد التوازن بين النظام الاقتصادي والنشاطات التي تقوم بها دون حدوث استنزاف للموارد الطبيعية وضمان الأمن البيئي، فالتنمية المستدامة تعني حق الإنسان في الاستفادة من الموارد الطبيعية وتلبية حاجاته مع وجود واجب عليه وهو حماية البيئة والمحافظة على استدامتها، فالتنمية المستدامة ليست ترفاً فكرياً؛ بل هي مطلب حق ومنصف من أجل توزيع المكاسب والثروات بين الأجيال المتعاقبة.

مفهوم التنمية المستدامة:

شغل موضوع التنمية المستدامة اهتمام العالم أجمع، فقد نُظِّمَت من أجله المؤتمرات وعُقدت القمم العالمية للتأكيد على اعتماده، ولقد طُرح مفهوم التنمية المستدامة لأول مرة في عام 1987م من قِبل رئيسة وزراء النرويج (Gro Harlem brundtland) في تقرير (مستقبلنا المشترك)، ومنذ ذلك الحين أصبح شعاراً لكافة المنظمات الدولية والإقليمية والمحلية.

التنمية المستدامة هي نمط من التقدم الذي يتم بموجبه إشباع حاجات الإنسان الحاضرة دون أن يكون ذلك على حساب الأجيال القادمة، ومن جملة التعريفات التي توضح المقصود بالتنمية المستدامة ما يأتي:

1. موشيت دوغلاس في كتابه (مبادئ التنمية المستدامة):

التنمية المستدامة هي عملية التنمية التي تلبي أماني وحاجات الحاضر دون تعريض قدرة أجيال المستقبل على تلبية حاجاتهم للخطر.

2. الموسوعة البيئية الفلسطينية:

التنمية المستدامة هي التقدم والتطور العلمي والاجتماعي والصناعي في جميع نواحي الحياة المختلفة، مع الحفاظ على الاستمرارية ودون تعريض البيئة ومظاهرها الحية في هذه المعمورة لمخاطر التلوث والدمار والهلاك.

3. اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا:

التنمية المستدامة عبارة عن تعزيز التنمية الاقتصادية مع الحفاظ على الموارد الطبيعية وضمان مواصلة التنمية الاجتماعية والبيئية والسياسية والاقتصادية والمؤسسية على أساس المساواة وتدعيم مفهوم الاستدامة أكثر فأكثر المتعلقة بموضوع تنمية الموارد البشرية الذي يدعو إلى شكل عامل الرفاه الإنساني بأي قياس للنمو لا سيما النمو الاقتصادي.

4. البنك الدولي:

التنمية المستدامة هي التي تهتم بتحقيق التكافؤ المتصل الذي يضمن إتاحة نفس الفرص الحالية للأجيال القادمة، وذلك بضمان ثبات رأس المال الشامل أو الزيادة المستمرة عبر الزمن.

5. تقرير ريو دي جانيرو:

التنمية المستدامة يجب أن تتحقق بطريقة تُوفِّق وتساوي في إرضاء وإشباع الحاجات المرتبطة بالتنمية والبيئة للأجيال الحاضرة والمستقبلية.

شاهد بالفيديو: 10 طرق سهلة لتكون صديقاً للبيئة

أهداف التنمية المستدامة:

  1. القضاء على الفقر: من خلال نسبة السكان الذين يعانون من الفقر، وتحقيق الرعاية الصحية لكافة الأفراد واستحداث نظام حماية اجتماعية والتأكد من المساواة في توزيع الموارد الاقتصادية والمساواة في الحصول على الخدمات وغير ذلك، وفي الوقت الحالي يقاس الفقر بعدد الأشخاص الذين يعيشون بأقل من 1.25 دولار في اليوم.
  2. القضاء على الجوع بشكل تام: من خلال تحقيق الأمن الغذائي، والسعي نحو تعزيز النشاطات الزراعية، وضمان نظم مستديمة لإنتاج الأغذية، وتحسين الأراضي الزراعية، والحفاظ على التنوع الجيني للبذور الزراعية، والحد من تقلبات أسعار الغذاء، والتخلص من كافة أشكال سوء التغذية ومنع القيود التجارية وغير ذلك.
  3. توفير الصحة الجيدة: ضمان عيش الجميع بنمط عيش صحي واتخاذ الخطوات الكفيلة بزيادة متوسط عمر الفرد مثل تأمين المياه النظيفة والحد من انتشار الأمراض وتوفير الرعاية الصحية ودعم الأبحاث في مجال الطب.
  4. توفير التعليم بأنواعه للجميع: لكلا الجنسين ولكافة الأعمار.
  5. تحقيق المساواة بين الجنسين: من خلال خطوات عدة مثل القضاء على التمييز العنصري ضد النساء، ومنع الاتجار بالبشر، والقضاء على الظواهر المجتمعية الخطيرة كظاهرة زواج الأطفال والزواج القسري وختان الإناث وتمكين المرأة وغيرها من الخطوات الكفيلة بتحقيق المساواة.
  6. السعي إلى توفير مصادر الطاقة المتجددة لكافة طبقات المجتمع.
  7. الحصول على العمل اللائق وتوفيره للجميع وضمان بيئة عمل آمنة وسالمة.
  8. السعي نحو الاستمرار في تحقيق النمو الاقتصادي: من خلال تحقيق مستويات أعلى من الإنتاجية والارتقاء بالتكنولوجيا وما إلى ذلك.
  9. تحفيز التصنيع الشامل: من خلال السعي إلى حصول جميع المشاريع الصناعية على الدعم المالي.
  10. تحسين البنى التحتية: من خلال زيادة الاعتماد على التكنولوجيا والعمليات الصناعية النظيفة.
  11. تعزيز القدرة التكنولوجية: من خلال تشجيع البحث العلمي في كافة القطاعات وفي جميع البلدان المتقدمة والنامية.
  12. تعزيز الاندماج الاجتماعي والاقتصادي.
  13. السعي نحو توفير المسكن للجميع والتأكد من حصولهم على كافة الخدمات الأساسية والآمنة.
  14. الحد من الأثر السلبي البيئي للمدن: من خلال إيجاد السبل الكفيلة بإدارة النفايات ومحاولة زيادة المساحات الخضراء فيها والتأكد من استفادة الجميع من الأماكن العامة.
  15. إيجاد أنماط استهلاك مستدامة.
  16. مكافحة تغيرات المناخ: من خلال تنظيم الانبعاثات الغازية.
  17. المحافظة على الموارد الطبيعية عامة والمياه والمسطحات المائية خاصة.
إقرأ أيضاً: الاستدامة: الحل في مواجهة الصعوبات

أهمية التنمية المستدامة:

  1. تضمن التنمية المستدامة العيش في بيئة تقوم على احترام التنوع البيئي، وتعمل على الحفاظ على الموارد الطبيعية بحيث تضمن استمرارها للأجيال المستقبلية.
  2. ضمان العيش في مجتمع آمن وقوي وصحي.
  3. تساعد على تلبية احتياجات الإنسان المتنوعة الحالية والمستقبلية.
  4. تساعد على تحقيق الاستخدام الأمثل لجميع الموارد المتاحة.
  5. مراعاة الأسس العلمية في كل النشاطات.
  6. تحسين الوضع المعيشي للسكان والحد من الفقر وتوفير العمل وتحسين الوضع الصحي.

مجالات التنمية المستدامة:

1. المياه:

تهدف التنمية المستدامة إلى ضمان تأمين المياه النظيفة والصالحة للاستهلاك البشري المنزلي، إضافة إلى تأمين المياه للاستخدام في التنمية الزراعية والصناعية والحفاظ على الموارد المائية عامة والجوفية خاصة.

2. الغذاء:

تسعى التنمية المستدامة إلى تحقيق الأمن الغذائي من خلال العمل على زيادة الإنتاجية الزراعية والمحافظة على الأراضي الزراعية والمساحات الخضراء عامة.

3. الصحة:

تسعى التنمية المستدامة إلى تأمين كل من الرعاية الصحية والرعاية الوقائية لكافة فئات المجتمع الغنية منها والفقيرة على قدم المساواة.

4. السكن:

تعمل التنمية المستدامة باتجاه توفير السكن اللائق لأبناء الجنس البشري بالتكلفة المناسبة لهم.

5. الخدمات:

تسعى التنمية المستدامة إلى تأمين كافة الخدمات التي تضمن الحياة الكريمة للإنسان.

6. الطاقة:

تهدف التنمية المستدامة إلى تحقيق الاستخدام الأمثل لموارد الطاقة في جميع المجالات الاقتصادية لا سيما في مجال التنمية الصناعية وتوفير الطاقة المتجددة والنظيفة التي لا تنفد وتتجدد باستمرار، ومنها الطاقة الشمسية التي تمثل عامل أمان بيئي، فهي طاقة نظيفة لا تلوث البيئة ولا تنتج نفايات، وكذلك طاقة الرياح.

7. التعليم:

من أوائل أهداف التنمية المستدامة توفير فرص التعليم لأبناء الجنس البشري كافة بصرف النظر عن اختلاف الجنس أو اللون أو العرق، كما تسعى إلى جعل البيئة منهجاً علمياً يدرَّس في جميع البرامج التعليمية.

8. الدخل:

تركز التنمية على زيادة النمو وتحقيق الكفاءة الاقتصادية وتوفير فرص العمل للجميع ودعم الأفكار والمشاريع الجديدة الصغيرة منها والكبيرة التي تحسن مستوى معيشة الإنسان، وكل ذلك يجب أن يتم من خلال ضمان الاستخدام الواعي للموارد الطبيعية.

شاهد بالفيديو: أنواع التلوث البيئي وطرق علاجه

مؤشرات التنمية المستدامة:

هناك ما يقارب 11 مؤشراً للتنمية المستدامة يحتوي على مؤشرات فرعية، وفيما يأتي بعض تلك المؤشرات:

  1. الفقر: نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر ومدى وصول المياه والصرف الصحي ونسبة الحصول على الكهرباء ونسبة السكان في العشوائيات.
  2. الحكم: الفساد ومعدل انتشار الجريمة.
  3. الصحة: معدل وفيات الأطفال ونسبة السكان الذين يحصلون على الرعاية الصحية.
  4. التعليم: نسبة الملتحقين بالتعليم الأساسي ونسبة الملتحقين بالتعليم الثانوي ونسبة الأمية.
  5. المخاطر الطبيعية: نسبة السكان الذين يقطنون في مناطق مهددة بالكوارث الطبيعية مثل الجفاف والزلازل والفيضانات.
  6. المناخ: مقدار الانبعاثات الغازية (الميثان، ثنائي أوكسيد الكربون) وتلوث الهواء.
  7. الأرض: نسبة الأراضي الزراعية ونسبة الغابات وتدهور التربة.
  8. البحار والمحيطات والشواطئ: مدى حماية المناطق الساحلية ومدى الحفاظ على الشعاب المرجانية.
  9. المياه العذبة: كمية مصادر المياه العذبة.
  10. النمو الاقتصادي: الناتج المحلي الإجمالي ونسبة الاستثمارات ونسبة الإنفاق على التعليم ومعدل التضخم ونسبة الديون.
  11. الشراكة الاقتصادية العالمية.

في الختام:

تمثِّل التنمية المستدامة مطلباً قديماً ظهر منذ التسعينيات يركز على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وهذه الجوانب التي يجب أن تتكامل مع بعضها من أجل تحقيق الرفاه الاجتماعي للإنسان، فهي تقوم على الإنصاف والتأكد من حصول كل فرد على حصة عادلة من ثروة المجتمع، كما تؤكد على ضرورة تمكين جميع أفراد المجتمع لتحقيق المشاركة الفعالة في صناعة القرارات وتحقيق حسن الإدارة؛ وذلك من خلال اعتماد مبادئ الشفافية والمحاسبة والرقابة، إضافة إلى تأكيدها على التضامن بين المجتمعات والأجيال المختلفة.




مقالات مرتبطة