التنمية الاجتماعية: المفهوم، الأهمية، الأهداف، عناصر البيئة الاجتماعية

التَّنمية في مضمونها تعني التوسُّع والانتشار والزيادة والتطور عامة، ولتحقيق ذلك ربما يتطلب إجراء بعض التعديلات في النظام القائم أو ربما يتطلب إجراء تغيير جذري في النظام القائم واستبداله بشكل تام بنظام آخر جديد أكثر كفاءة وقدرة على تحقيق الأهداف المرغوبة، فمفهوم التنمية ليس مفهوماً خاصاً ينتمي إلى علم أو مجال محدد؛ بل يضم مجالات وتخصصات مختلفة (اجتماعية، اقتصادية، سياسية) وكذلك مجالات فرعية مثل التنمية الزراعية وغيرها.



التنمية هي عملية تغيير اجتماعي مخططة ومدروسة بشكل منظم للانتقال بالمجتمع من وضع إلى وضع أفضل، فهي أساس تقدم المجتمعات؛ إذ تحظى التنمية باهتمام خاص من قِبل الدول كافة سعياً منها إلى تحقيق أثر إيجابي في شعوب مجتمعاتها وتطوير قدراتهم وأعمالهم وتمكينهم في كافة المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والصحية وسواها.

تمثل التنمية الاجتماعية نقطة ارتكاز وحجر الزاوية لجميع أنواع التنمية الأخرى؛ إذ تركز على تحسين معيشة الفرد وتلبية حاجات السكان وحل مشكلاتهم وتحسين نوعية حياتهم، وبذلك تجعل من الفرد شخصاً مؤهلاً للقيام بدوره في بناء المجتمع الذي ينتمي إليه والذي يمثل جزءاً منه، ولذلك عمدت معظم الدول إلى إنشاء مراكز متخصصة بالتنمية الاجتماعية والاعتماد على أساليب حديثة لتنجح في تنفيذها.

مفهوم التنمية الاجتماعية وتعريفها:

التنمية الاجتماعية هي أساس وضرورة لباقي أنواع التنمية لا سيما الاقتصادية منها، فهي التي تحرِّك عجلتها وتدفعها باتجاه التقدم والاستمرار والنجاح، كما أنَّ التنمية الاجتماعية أصبحت مطلباً ضرورياً وأساسياً في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى من أجل تلبية احتياجات الناس ورفع مستوى الحياة الاجتماعية من حيث الصحة والتعليم والخدمات والمستوى المعيشي عموماً، فالتنمية الاجتماعية هي العملية الإرادية الواعية والمقصودة، هدفها إحداث التغييرات الاجتماعية في بناء المجتمع ووظائفه، ومن بين تعريفات التنمية الاجتماعية:

التعريف الأول:

هي هدف معنوي لعملية ديناميكية تتجسد في إعداد وتوجيه الطاقات البشرية للمجتمع عن طريق تزويد الأفراد بقدر من الخدمات الاجتماعية والعامة كالتعليم والصحة والإسكان والمواصلات والاتصالات، بحيث تتيح لهم فرصة المشاركة والمساهمة في النشاط الاجتماعي والاقتصادي المبذول، وذلك لتحقيق الأهداف المجتمعية المنشودة.

التعريف الثاني:

سلسلة من العمليات الإدارية المخطط لها مسبقاً التي تسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التي تقود الطاقات والإمكانات إلى التفاعل والاستغلال الأمثل، وتحفيز جهود الدولة والقطاعات العامة التابعة لها، وإيجاد روابط اجتماعية بينها وبين القطاع الخاص والمواطنين، ويأتي ذلك كله لإحداث تغييرات على النشاط والمجالات الاجتماعية السائدة كالقيم والعادات والمعتقدات والنظم دون غياب عنصر الاهتمام بالحاجات الفيزيولوجية والخدمية والمعيشية للأفراد، وتثمر التنمية الاجتماعية بتحقيق الرفاهية لأفراد المجتمع على الصعيد المادي والمعنوي.

التعريف الثالث:

  • عملية تغيير اجتماعي تستهدف التخلص من الأوضاع التقليدية السائدة أو إقامة بناء اجتماعي جديد يتميز بعلاقاته الجيدة.
  • عملية شاملة تجمع جهود كل من الحكومة والمؤسسات الخيرية.
  • مقومات التنمية الاجتماعية توجد جميعها في المجتمع.
  • تختلف أساليب وطرائق التنمية الاجتماعية باختلاف المجتمع والإمكانات المتوفرة.
  • التنمية الاجتماعية ليست ثابتة؛ بل هي عملية متحركة.
  • إحداث توافق في العلاقات الاجتماعية في المجتمع.

أهمية التنمية الاجتماعية:

  1. تعمل التنمية الاجتماعية على توفير الخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية وتحرص على نشر الوعي الصحي والثقافي والاجتماعي.
  2. تعمل التنمية الاجتماعية على تحسين المستوى الاقتصادي للفرد والمجتمع عامة من خلال زيادة الإنتاج والدخل للفرد.
  3. تأهيل الكفاءات البشرية للمشاركة في عملية اتخاذ القرارات التي تخدم المجتمع.
  4. تسهم التنمية الاجتماعية في تبني طرائق الحياة الجديدة وشحذ القدرات لتحقيق التعاون، فالقدرة كامنة داخل كل جماعة إنسانية، وتتمثل مهمة التنمية الاجتماعية في تنشيط هذه القدرات ووضعها موضع التنفيذ الواقعي.
  5. تمثل التنمية الاجتماعية مطلباً أساسياً من أجل ضمان تلبية حاجات الأفراد وتحسين مستوى معيشتهم لا سيما بالنسبة إلى الفئات التي تعاني من الفقر والتهميش الاجتماعي.
  6. تسهم التنمية الاجتماعية في إنشاء فرص استثمار جديدة حقيقية.
  7. تحقق التنمية الاجتماعية التعاون بين السكان المحليين والجهات الحكومية لتحسين الظروف الاقتصادية وإعادة تكوين هياكل البناء الاجتماعي.

شاهد بالفيديو: أنواع الأزمات التي تحدث في المجتمع

عناصر التنمية الاجتماعية:

1. إحداث التغيير في البيئة الاجتماعية:

يمثل هدف إحداث تحولات ملحوظة في النظم والظواهر والمنظمات والأعمال القائمة في المجتمع الهدف الأول للتنمية الاجتماعية.

2. الدفعة القوية:

إحداث تغييرات جذرية من شأنها تخفيض مستوى التباين والفروق بين الأفراد في الثروات والعمل على توزيع تلك الثروات بشكل عادل بين أفراد المجتمع، فمثلاً تجعل التنمية الاجتماعية التعليم إلزامياً ومجانياً لكافة الأفراد في المجتمع هدفاً رئيساً لها.

3. الاستراتيجية الملائمة:

تتمثل في اختيار الاستراتيجية الملائمة والوسائل المتاحة في المجتمع من أجل تحقيق الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة بهدف إحداث نقلة نوعية فيه من الوضع المتخلف إلى وضع أفضل في التطور والتقدم.

إقرأ أيضاً: تنمية المجتمع المحلي

أهداف التنمية الاجتماعية:

  1. الحث على إحداث التغيير وتحفيز الأفراد للمضي به من أجل تحقيق التقدم المنشود في المجتمع.
  2. تحسين الأوضاع الاجتماعية للأفراد ومساعدتهم على حل المشكلات التي يمكن أن تعترض طريقهم.
  3. جعل التعليم مجانياً وإلزامياً للجميع فهو حق من حقوق الإنسان لا يجب التهاون به.
  4. توفير الرعاية الصحية لجميع أبناء المجتمع.
  5. إيجاد الحلول للبطالة وتوفير العمل اللائق للفرد الذي يمنحه الحياة الكريمة.
  6. التركيز على الأسرة التي تمثل خلية المجتمع الأولى، ودعم استقرارها من خلال مساعدتها على حل المشكلات التي تهدد أواصر التماسك بها.
  7. حث سكان المجتمع على تحديد أهدافهم وتحديد أولوياتهم بوصفها وسيلة للمضي في التنمية الاجتماعية ومنها نحو التنمية الشاملة.
  8. تغيير القيم الاجتماعية السلبية إلى إيجابية والتأكيد على المفاهيم الأخلاقية المجتمعية.
  9. تحقيق الاستخدام الأمثل للإمكانات المادية والبشرية والفرص المتاحة في المجتمع، إضافة إلى تحقيق التكامل بين مشاريع وبرامج التنمية بهدف التقليل من الهدر في المال وكذلك من حالات الفساد؛ إذ تتضمن تحقيق التوزيع العادل لنتائج كل من التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
  10. تمكين المرأة واستثمار الطاقات النسائية في المساهمة في البرامج التنموية والتطويرية.
  11. تشجيع العمل التطوعي والعمل على تنميته وتعزيزه في نفوس سكان المجتمع.
  12. تقديم مجموعة من البرامج المتنوعة في كافة المجالات (التربوية، التعليمية، الثقافية، التوعوية، الترفيهية) لسكان المجتمع ولكافة الأعمار، وهذا يسهم في رسم الاتجاهات والقيم الجديدة التي تهدف التنمية الاجتماعية إلى تحقيقها.

معوقات التنمية الاجتماعية:

على الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها كل من المنظمات المجتمعية والجهات الحكومية في سبيل تحقيق التنمية الاجتماعية، إلا أنَّه في الكثير من الأحيان تصاب تلك المشاريع والبرامج التي تعمل على تنفيذها بالفشل أو لا تتحقق كما هو مخطط لها؛ وذلك بسبب وجود أو ظهور معوقات تقف حائلاً في طريق نجاحها، ومن جملة تلك المعوقات:

1. الفساد الإداري:

أكثر ما يشكل خطراً وتهديداً على البناء الاجتماعي ويمنع التنمية بأشكالها من تحقيق أهدافها هو الفساد الإداري الذي يعرف بأنَّه آفة يطال خطرها كل وسائل عيش الشعوب؛ إذ يعرقل أداء العمل وإنجاز المهام ويسبب الهدر في المال ويحرم الفرد المستحق من فرصته، وتتعدد أشكال الفساد فمنها الفساد السياسي والفساد المالي، وكذلك يوجد الفساد الأخلاقي؛ أي الانحرافات السلوكية عن قواعد المجتمع وقيمه وبشكل تتجلى مظاهر الفساد بالرشوة واستغلال السلطة والسرقة والاختلاس وغيرها، ولكنَّ تلك المظاهر في مجملها تعوق حركة التنمية وتمنعها من تحقيق أهدافها.

2. العصبية المجتمعية:

في الحقيقة هناك بعض المجتمعات التي تعيش ضمن قواعد ومعتقدات راسخة لديها ولا تسمح أبداً بخرقها أو التغيير فيها بأي شكل، فقد تكون بعض المجتمعات تمنع تنفيذ بعض الممارسات لمخالفتها لما يعتقدون به أو حتى في بعض الأحيان تكون الأسباب مجهولة.

إقرأ أيضاً: عادات وتقاليد اجتماعية سيئة يجب التخلّص منها

3. تعارض المصالح والخوف على المنزلة الاجتماعية:

توحد جماعات تقاوم عمليات التنمية الاجتماعية وعمليات التغيير عموماً بسبب خوفها من فقدان أمنها واستقرارها أو ربما تعتقد بأنَّ فئة ما سوف تتفوق عليها.

4. معوقات نفسية:

مدى إيمان أفراد المجتمع بأهمية التنمية الاجتماعية وبرامجها ومدى جاهزيتهم للانخراط ضمنها والعمل على تحقيق أهدافها.

5. الفشل في التخطيط:

فالافتقار إلى تحقيق التكامل بين خطط القطاعات المختلفة وغياب التعاون والتنسيق بين الجهات المختصة بعمليات التنمية يؤدي إلى فشل مشاريع التنمية.

في الختام:

تمثِّل البيئة الاجتماعية عملية إدارية مخطط لها بشكل مسبق تسعى إلى شحذ الطاقات والقدرات واستغلال الإمكانات المتاحة من أجل تحقيق مجموعة من الأهداف التي تحسن وضع المجتمع وتسير به نحو تحقيق الرفاهية، فالتنمية الاجتماعية هي تحقيق النمو على أساس مدروس، وهي أسلوب يقود إلى إحداث تغيير حضاري في طريقة التفكير والحياة والعمل عن طريق زيادة الوعي داخل المجتمع وتوحيد الجهود المحلية والحكومية لتحسين الظروف الاجتماعية عامة.




مقالات مرتبطة