التنمُّر الوظيفي وأثره على أداء الموظفين

لم يعد مصطلح التنمُّر اليوم غريباً على أحد؛ بل أصبح واحداً من أكثر المصطلحات تداولاً خلال الفترة الأخيرة، فأولاً بسبب انتشاره الكبير، وثانياً بسبب الدراسات المتعددة التي أكدت الآثار السلبية الكثيرة التي تنتج عن ممارسته في أي بيئة كانت.



بيئة العمل ليست بمنأى عن التنمُّر؛ بل على العكس قد تكون بيئة خصبة لانتشار هذه الظاهرة؛ نظراً لاحتوائها على أعداد كبيرة من البشر المختلفين بالطبائع والصفات والمنحدرين من بيئات ومجتمعات وثقافات مختلفة.

في الواقع يُعَدُّ التنمُّر الوظيفي من أكثر المنغصات التي تعكر حياة الموظف؛ لأنَّنا نحلم جميعاً ببيئة عمل مريحة وآمنة تؤمن لنا الجو المثالي حتى نبدع ونفجِّر طاقاتنا الكامنة، وحقيقةً هذا لن يحصل في حال كان التنمُّر واحداً من السلوكات المنتشرة داخل مقر عملنا وبين الموظفين زملائنا؛ بل على العكس تماماً قد نتأثر سلباً ويتراجع إنتاجنا ونكره عملنا.

عن التنمُّر الوظيفي وأثره في أداء الموظفين كتبنا هذه السطور.

أولاً: ما هو التنمُّر الوظيفي وما هي أشكاله؟

التنمُّر عموماً هو قيام شخص ما نسميه المتنمر بالاستقواء والاعتداء على شخص ما لفظياً أو جسدياً بقصد إيذائه والاستهزاء به، ويمكن أن نتعرض للتنمر في أي مكان، وحتى ضمن البيئات التي من المفترض أن تكون بيئات آمنة بالنسبة إلينا كالمنزل وبيئة العمل.

التنمُّر الذي يحدث لنا داخل بيئة العمل نسميه التنمُّر الوظيفي، ويمكن تعريف التنمُّر الوظيفي بأنَّه قيام أحد الأشخاص ضمن بيئة العمل، وغالباً ما يكون المدير أو رئيس العمل أو مجموعة ما بالتسلط ومحاولة السيطرة على باقي الموظفين؛ وذلك من خلال الاستهزاء بهم أو التقليل من شأنهم أو تعنيفهم لفظياً والإساءة لهم على نحو يؤثر في رغبتهم بالعمل وفي إنتاجيتهم.

نتيجةً لما سبق تفقد بيئة العمل أهم الصفات التي من المفروض أن تتميز بها وهي إحساس الموظف بالأمان والاستقرار داخلها، ولا يراعي المتنمر أية حدود؛ بل إنَّه يتجاوز كلَّ حد ليمس بتصرفاته وسلوكه كل ما يتعلق بالشخص الذي يتنمر عليه؛ فقد يتنمر على شكله أو طريقة كلامه أو ملابسه، وحتى على إعاقته في حال كان يعاني إعاقةً ما.

يتعرض حوالي 19% من الموظفين للتنمر الوظيفي، 29% يلتزمون الصمت، في حين يدفع التنمُّر الوظيفي كثيراً من الموظفين لترك وظائفهم؛ بهدف التخلص نهائياً من الضغط النفسي والقلق الذي ينتابهم بسبب سلوك المتنمر، لكن هل من الصحيح دائماً أن يكون الحل دائماً بالانسحاب، أم أنَّنا في بعض الأحيان لا بدَّ أن نواجه المتنمر ونضع حداً لتصرفاته وإهانته المتكررة لنا؟

شاهد بالفيديو: 7 نصائح للتعامل مع الموظفين السلبيين

أشكال التنمُّر الوظيفي:

تختلف أشكال التنمُّر الوظيفي التي يمكن أن تُمارس وتتعدد، وعموماً يمكن أن تقسم إلى الأشكال الآتية:

1. التنمُّر اللفظي:

نقصد بالتنمُّر اللفظي قيام الشخص باستخدام الألفاظ السيئة والعبارات الجارحة لإيذاء الطرف الآخر؛ باختصار تحويل اللغة إلى سلاح يشهره المتنمر في وجهك، والأمثلة كثيرة جداً على التنمُّر اللفظي؛ فمثلاً من الممكن أن يقوم المتنمر بإطلاق لقب عليك وكلما قابلته استخدم هذا اللقب للسخرية منك وجعلك أضحوكة بين زملائك.

2. التنمُّر النفسي:

يمكن ممارسة هذا الشكل من التنمُّر الوظيفي بطرائق متعددة داخل بيئة العمل، ولكن تبقى أصعب طريقة وخاصة إذا كان المتنمر مديراً أو برتبة وظيفية أعلى منك وهي التهديد بالطرد؛ لأنَّ هذا سيجعلك تعيش دائماً بحالة من التوتر والقلق والخوف، لا سيَّما إذا كنت بحاجة ماسَّة إلى عملك ولا تستطيع بسبب ظروفك فقدان وظيفتك.

3. الإذلال:

يلجأ المتنمر إلى هذا الشكل عندما يكون الشخص الذي يتنمر عليه أضعف منه أو ينتمي إلى طبقة اجتماعية أدنى؛ فيقوم بإذلاله من خلال السخرية من ملابسه أو من فقره أو من عيب جسدي لديه.

4. الشائعات:

أيضاً يمكن إطلاق الشائعات داخل بيئة العمل على أحد الموظفين، فيشعر دائماً أنَّه موضوع لأحاديثهم ونميمتهم؛ فيكره العمل وتخف دافعيته إذا لم تنعدم نهائياً.

5. الاعتداء الجسدي:

يمكن القول إنَّ هذا الشكل من التنمُّر الوظيفي هو الأقل انتشاراً؛ لأنَّ المتنمر هنا يحاول الحفاظ على صورة معينة، لا سيَّما إذا كان المتنمر مديراً.

ثانياً: ممارسات التنمُّر الوظيفي

يستطيع المتنمر داخل بيئة العمل القيام بالعديد من السلوكات والممارسات التي تندرج ضمن مسمى التنمُّر الآنفة الذكر، ومن هذه الممارسات:

  1. معاملة الموظف معاملة سيئة وغير إنسانية وغير أخلاقية، وقد تصل المعاملة السيئة أحياناً إلى درجة الأذى الجسدي.
  2. قيام المتنمر بتهديد الموظف سواء بالطرد، أم بإطلاق شائعة، أم فضح قصة شخصية داخل بيئة العمل.
  3. من أكثر ممارسات التنمُّر ظلماً قيام المدير بالخصم من الراتب دون سبب مقنع أو محق، وقد يصل الأمر في بعض الأحيان إلى الفصل الجزئي أو النقل إلى مستوى وظيفي أدنى.
  4. تعمُّد الصراخ عليه أمام بقية الموظفين أو شتمه وإهانته والسخرية منه، مثلاً إذا أخطأ بدلاً من تعليمه يستخدم عبارات من نوع: "لا يمكنك أن تقوم بشيء واحد بطريقة صحيحة"، مع تعمُّد رفع صوته ليسمع بقية الموظفين.
  5. زيادة الأعباء على الموظف وتحميله أكثر من طاقته، وعندما يطالب بحقوقه يُحرم منها؛ كأن يُحرَم الإجازات السنوية أو المَرَضية دون أي سبب مقنع.

ثالثاً: هل يؤثر التنمُّر في أداء الموظفين؟

يؤثر التنمُّر الوظيفي في أداء الموظفين إلى حد كبير، حتى أنَّ أداء الموظفين أصبح مقياساً يُحكَم من خلاله على مدى تعرُّض الموظف للتنمر؛ ذلك أنَّ التنمُّر يؤثر عموماً في رغبة الموظف بالعمل، وهذا ما ينعكس مباشرةً على أدائه وإنتاجيته.

يتأثر أداء الموظف إلى حدٍّ كبير في بيئة العمل، ونجاحه مرتبط بمدى شعوره بالراحة والأمان في هذه البيئة. في حال كان التنمُّر الوظيفي أحد السلوكات المسيطرة على واقع العمل فإنَّ الموظف سيعيش في حال من التوتر والقلق الدائم كما سيصاب بالاكتئاب ويقرر الانعزال؛ لأنَّ مشاعره دائماً سلبية تجاه عمله والمحيطين به.

أحد أهم الأسباب الرئيسة لنجاح الموظف وتحسين أدائه هو تمتُّعه بحالة من الرضى الوظيفي، هذه الحالة التي تجعل المشاعر الإيجابية هي المسيطرة عليه، وهذا طبعاً ما لن يتحقق عند تعرُّضه للتنمر داخل عمله؛ فالتنمُّر هو الحالة المعاكسة تماماً لحالة الرضى الوظيفي، وبسببه يشعر الموظف بالنقص والخجل، كما تتأثر علاقاته الاجتماعية مع زملائه ورؤسائه، وتضعف ثقته فيهم، ويصبح وجوده في هذا المكان مؤذياً له على الصعيدين النفسي والجسدي.

إنَّ تعرُّض أي شخص منا للصراخ والاستهزاء والسخرية حتماً سيؤثر في مزاجنا ورغبتنا في أداء واجباتنا؛ فمن الطبيعي أن نتكاسل وتضعف طاقتنا تجاه ممارسة مهامنا إذا لم نشعر بالانتماء إلى مكان عملنا، وشعرنا بالظلم طوال الوقت.

القضاء على التنمُّر الوظيفي أحد أهم الأمور التي يجب أن تضعها في بالك في حال كنت صاحب عمل أو مدير شركة، وتريد بيئة صحية وموظفين منتجين؛ لأنَّ التنمُّر الوظيفي سيجعل العمل بالنسبة إلى الشخص الذي يُمارس ضده التنمُّر بمنزلة كابوس لن يصدق أن ينتهي.

شاهد بالفيديو: 5 علامات تشير إلى أن الأجواء في مكان العمل سامّة

رابعاً: بعض الطرائق للقضاء على التنمُّر الوظيفي

يمكننا بالطبع القضاء على ظاهر التنمُّر الوظيفي، والتخفيف من آثارها وحتى إنهائها تماماً، ولتحقيق ذلك سنقدم مجموعة من الطرائق لكل من المديرين والموظفين الذين يتعرضون إلى التنمُّر:

1. على الإدارة أن تكون حاسمة عند تعرض أحد موظفيها للتنمر:

وعلى العقوبات أن تكون حازمة وجدية وكافية لضمان حقوق جميع الموظفين داخل مقر العمل، فملاحظة عابرة ليست كافية وليست رادعة أبداً، ومثل هؤلاء الموظفين لا يؤثرون فقط في شخص محدد؛ بل تأثيرهم يمتد ليؤثر في بيئة العمل كلها، وفي الإنتاجية، وفي روح الفريق؛ لذلك ففي حال عدم استجابة المتنمر للعقوبات كالخصم من راتبه ونقله لا بد من طرده حرصاً على مصلحة الجميع.

2. عليك أن تتأكد أنَّ المتنمر هو شخص ضعيف:

لذلك كن شجاعاً ولا تخف من مواجهته، فالهروب والتزام الصمت ليس حلاً مناسباً، ولا نقصد هنا بالشجاعة أن تسلك سلوكه؛ بل فقط ضعه عند حده ولا تسمح له بالسخرية منك أو جعلك أضحوكة لزملائك، والأهم من هذا كله إياك أن تتأثر بما يقوله أو أن تسمح لعباراته أن تهز ثقتك بنفسك، مهما حاول كن ذلك الشخص ثابت المشاعر المتزن الواثق من نفسه، وهذا أكثر ما سيغضبه.

3. عدو الاستمرار بعلاقة تشعر فيها بأنَّك غير مرتاح:

لست مضطراً إلى المجاملة على حساب راحتك، فاقطع علاقتك بالمتنمر مباشرة ولا تعطه فرصة حتى حديث قصير معك.

إقرأ أيضاً: التعامل مع صعوبات بيئة العمل وأشهر أنواع مدراء العمل

4. كثير من الموظفين طُردوا ظلماً بسبب ردود فعلهم على المتنمر:

لذلك احتفظ دائماً بالدليل حتى تتمكن من تسويغ تصرفك في حال لم تتمكن من ضبط أعصابك.

5. يجب أن تحوِّل التنمُّر الوظيفي إلى سلاح تشهره في وجه المتنمر:

فاستغل اجتماعات العمل واسأل المتنمر عن النقاط التي لا يتوقف عن انتقادها فيك، واطلب منه حلولاً ومقترحات، وصدقني سيقف عاجزاً عن الكلام.

إقرأ أيضاً: التنمر الوظيفي: أشكاله، وأسبابه، وكيفية التعامل معه

في الختام:

لا توجد بيئة آمنة بالكامل، وأينما ذهبت ستواجه بعض الأشخاص المتنمرين، الحل لا يتعلق فقط بتدريب نفسك على مواجهتهم أو الاختباء منهم؛ بل أيضاً بقدرتك على تحصين نفسك وتقوية شخصيتك، فلا يجب أن تكون مثل ريشة وأي نسمة هواء قادرة على تحريكك والتأثير بك؛ بل كن واثقاً بنفسك وفخوراً بإنجازاتك، عندها فقط ستكون عبارات الناس وتصرفاتهم المزعجة وكلماتهم الجارحة هراء لا معنى له بالنسبة إليك.




مقالات مرتبطة