التمكين الإداري: مفهومه وأساليبه

يمر العصر الحالي بتغيرات كبيرة وعميقة تطال جميع مجالات الحياة، فمع التطور التكنولوجي والمعرفي طوَّرت المنظمات والمؤسسات المختلفة من وسائل الإنتاج التي تتبعها ومن أساليب تقديم خدماتها ومنتجاتها، وكان ذلك بالتوازي مع اهتمامها بالموارد البشرية الموجودة لديها بوصفها المورد الحقيقي الذي تملكه والذي تستطيع من خلاله المنافسة في ضوء تلك التطورات العلمية والتكنولوجية المتسارعة والأساس الذي تعتمد عليه في تحقيق الأهداف التي تصبو إليها.



بناءً على ذلك انصب اهتمام المنظمات في الوقت الحالي على كيفية تطوير مهارات مواردها البشرية وتحفيزهم ودعمهم واستخدام كل ما يمكن أن يحسن أداءهم، ولعلَّ التمكين هو أبرز هذه الأساليب.

يمثل التمكين الإداري واحداً من المفاهيم الإدارية الجديدة والمعاصرة الذي يركز على العنصر البشري ويوليه الاهتمام الكبير، وعلى تهيئة البيئة المناسبة له من أجل إطلاق قدراته الكامنة لإنجاز ما يترتب عليه من أعمال تتطلب منه قدراً عالياً من التركيز والحضور الذهني الجدي بالشكل الذي يضمن استثمار الموارد البشرية بالشكل الأمثل، ويجعل العمل أكثر قيمة وذا معنى، ويحفز العاملين ويجعلهم أكثر التزاماً بتنفيذ الأعمال، إضافة إلى تعزيز ثقافة الاتصال بين إدارة المنظمة وعامليها، وكل ذلك سوف يؤدي إلى أداء عمل أكثر جودة.

ما هو التمكين الإداري؟

التمكين عامة هو حالة ذهنية يشعر معها العامل بالسيطرة والتحكم والمسؤولية في أداء الأعمال التي توكل إليه، أما التمكين الإداري فهو إحدى استراتيجيات الإدارة الحديثة التي تهدف إلى إعطاء العاملين الصلاحيات والحرية في أداء أعمالهم وتفويضهم ببعض السلطات التي تمكِّنهم من القيام بعملهم بأفضل شكل ممكن، إضافة إلى تأمين بيئة العمل المناسبة لهم.

يعني التمكين السماح للعاملين بالمشاركة في المعلومات والتدريب والتنمية والتخطيط والرقابة وكافة الوظائف الإدارية الأخرى؛ وذلك بغرض الوصول إلى نتائج إيجابية في العمل، وتحقيق أهداف المنظمة وكذلك أهداف الفرد، وأيضاً تحقيق رضى كل من العملاء والعاملين.

لأنَّ موضوع التمكين الإداري موضوع إداري علمي منهجي؛ يمكن أن نتناول بعض التعريفات الواردة في الأدبيات الإدارية التي توضح ماهيته وطبيعته:

1. "عطية أفندي" في كتابه "تمكين العاملين مدخل للتطوير والتحسين المستمر":

عرَّف التمكين الإداري بأنَّه استراتيجية إدارية تمنح الموظفين قوة التصرف واتخاذ القرارات وتحقيق المشاركة الفعلية في إدارة المنظمة التي يعملون بها بالشكل الذي يساعد على تعزيز التفكير الإبداعي وتحمل المسؤولية وتفعيل الرقابة الذاتية.

2. "علي الضلاعين" في كتابه "أثر التمكين الإداري في التميز التنظيمي":

عرَّف التمكين بأنَّه الأساس الذي يجعل العاملين قادرين على ممارسة السلطة وتحمل المسؤولية الوظيفية والذي يُعَدُّ المرتكز الأساسي الذي تقوم عليه استراتيجية المنظمة لمواجهة التحديات والتطورات المتلاحقة والذي بدوره يحقق الكفاءة والفاعلية ويجعل المنظمة أكثر استجابة للتغيرات.

3. "خضير كاظم حمود" في كتابه "منظمة المعرفة":

عرَّف التمكين الإداري بأنَّه القدرة على إنجاز الأداء الذي يحول إلى إقصاء كافة القيود غير الضرورية أمام العاملين في إنجاز أدائهم، وهو بهذا المفهوم يعني إزالة مسؤولية الرقابة من قِبل المدير إلى رقابة مجموعات العمل، وأيضاً إزالة سيل الرقابة من خلال الوسائل البيروقراطية في العمل إلى اعتماد الرقابة عبر مفهوم الثقة بالعاملين.

4. "يحيى ملحم" في كتابه "التمكين كمفهوم إداري معاصر":

أعطى أبسط تعريف للتمكين الإداري، فقال إنَّ التمكين يتمثل في إطلاق حرية الموظف التي تُعَدُّ حالة ذهنية وسياقاً إدراكياً لا يمكن تطويره بشكل يُفرض على الإنسان من الخارج بين عشية وضحاها؛ بل حالة ذهنية داخلية تحتاج إلى تبنٍّ من قِبل الفرد لكي تتوفر له الثقة بالنفس والقناعة بما يمتلك من قدرات معرفية تساعده على اتخاذ قراراته واختيار النتائج التي يريد الوصول إليها.

شاهد بالفديو: 7 طرائق للإبقاء على دورٍ قياديٍّ إداريٍّ متوازن

 

الفوائد التي يحققها التمكين الإداري:

يمثل التمكين عاملاً هاماً في استخراج طاقات الموارد البشرية الموجودة في المنظمة وحثها على الإبداع في عملها، كما يوجد في المنظمة أهداف لا يمكن تحقيقها دون أن يتم إشراك العاملين فيها؛ إذ إنَّها تكون بأمس الحاجة ليس فقط إلى جهودهم؛ بل أيضاً إلى ما لديهم من خبرات ومعارف ومعلومات كذلك، ومن الفوائد التي يحققها التمكين الإداري:

  1. ضمان فاعلية المنظمة وجودة ما تقدمه من سلع وخدمات.
  2. فتح المجال أمام العاملين للتعامل مع الزبائن والحصول على آرائهم حول المتعلقة بما تقدمه المنظمة التي يعملون لديها والاستفادة من خبراتهم ونقلها إلى العمل.
  3. تعميق الاتصال بين المنظمة وعامليها من جهة وبين المنظمة وعملائها من جهة أخرى وبناء الثقة بينهم كذلك.
  4. إنجاز الأعمال المطلوبة من العاملين بشكل أسرع نتيجة لغياب الروتين الناتج عن وجود البيروقراطية.
  5. شعور العاملين بالتوازن النفسي والمهني وتعزيز رضاهم الوظيفي الناتج بالضرورة عن إحساسهم بأهمية وجودهم في العمل لإنجازه بالصورة الأمثل.
  6. إتاحة الفرصة أمام إدارة المنظمة للاهتمام بالشؤون الاستراتيجية للمنظمة ورسم الأهداف ووضع الخطط قصيرة وطويلة الأمد وترك الأعمال الإجرائية الإدارية اليومية للعاملين للتحكم بها بالشكل الذي يضمن نجاح أعمال المنظمة.
  7. تحقيق التوظيف الأمثل للموارد المتاحة سواء المادية أم البشرية.
  8. شعور العاملين بالالتزام نحو المسؤوليات الملقاة عليهم والسماح لهم بإطلاق العنان لأفكارهم وإبداعهم في سبيل السعي إلى إنجاح الأعمال المرتبطة بهم.
  9. السرعة في اتخاذ القرارات والتقليل من المستويات الإدارية والحصول على الهياكل الإدارية الرشيقة.
  10. تشجيع العاملين على التعليم الذاتي وتطوير مهاراتهم في شتى المجالات.

مبادئ التمكين الإداري:

1. تعليم العاملين:

التعليم هو السر الأول من أسرار نجاح المنظمة؛ إذ ينبغي على كل عامل أن يكون عالماً بمجال عمله ويعرف ما ينبغي عليه القيام به بالضبط لا سيما إن واجهته مشكلة ما، ويتضمن التعليم هنا مجالات عدة منها صناعة واتخاذ القرار وتحقيق الاتصالات الفعالة بين العاملين والإدارة وبين العاملين والعملاء وتحليل المهارات وبناء المعرفة اللازمة للعمل.

2. تحفيز العاملين:

ينبغي على إدارة المنظمة وضع خطط التحفيز بالشكل الذي يكون قادراً على إقناع العاملين لديها بأهمية التمكين الإداري وضرورة تقبلهم له وتبني الدور المنوط به والمعول عليه؛ لضمان نجاح المنظمة وتحقيقها لأهدافها.

3. الأهداف الواضحة:

لكي تحقق عملية التمكين الإداري أهدافها ينبغي أن تكون المنظمة واضحة بالأهداف التي تريد تحقيقها بحيث تكون واضحة تماماً للعاملين فيها كي يتمكنوا من حصر قدراتهم الإبداعية في السعي إلى تحقيقها.

4. قبول المسؤولية:

يجب على المنظمة أن تدفع عامليها إلى قبول تحمل المسؤولية عن أعمالهم وما يقومون به من أفعال، فهذه المسؤولية تُعَدُّ سر الإنجاز الحقيقي، ولا بد أن تكون المسؤولية محفزة ومشجعة للعامل من أجل تقديم الأفكار والحلول للإدارة.

5. امتلاك الرغبة في التغيير:

من مقومات نجاح التمكين الإداري هو تبني إدارة المنظمة الطرائق والأساليب الجديدة في العمل، فإذا لم تعمل الإدارة على تشجيع التغيير وتقبله فسيكون الفشل نصيبها، فالتغيير في المنظمة يشجع العاملين على العمل وابتكار أفكار جديدة تسهم في تطوير المنظمة.

إقرأ أيضاً: إدارة التغيير: مفهومها ومراحلها وأنواعها

6. البعد عن حب الذات والأنانية لدى المديرين:

توجد نسبة كبيرة من المديرين المصرين على اتباع نمط الإدارة القديم الذي يقوم على التشبث بالسلطة وجعل كافة الصلاحيات بين أيديهم فقط وفرض السيطرة الكاملة على العاملين، فهم يرون تمكين العاملين تهديداً مباشراً لهم ولمكانتهم في المنظمة وليس سبيلاً جيداً لتحسين عمل المنظمة وزيادة أرباحها؛ لذا يحاربون الفكرة ويحاولون عدم تنفيذها، فإنَّ وجود مثل هؤلاء يقف عائقاً جدياً في وجه تمكين العاملين؛ لذا تتمثل المهمة الكبرى بإقناع هذه الفئة بضرورة وأهمية التمكين الإداري ووجوب تنفيذه ومشاركتهم به.

شاهد بالفديو: ما هي مبادئ الإدارة؟

أساليب التمكين الإداري:

1. تفويض السلطة:

يعني قيام المدير بمنح تفويض السلطات التي يتمتع بها للعاملين ممن يملكون الكفاءة المناسبة للقيام بها بالشكل الأمثل مع بقائه المسؤول الأول عنها، ويتطلب تنفيذ هذا الأسلوب وجود مناخ مناسب من الديمقراطية وما تحمله معها من مبادئ وقيم وأساليب تركز على التعاون وتبادُل الثقة بين كافة العاملين من مختلف المستويات الإدارية، إضافة إلى توفر الرغبة من قِبل المديرين بمنح بعض صلاحياتهم لمن هم أهل لها من حيث المؤهلات العلمية والخبرات التي يحملونها.

2. التدريب:

بالنظر إلى البيئة المتغيرة وسريعة التطور التي نعيش فيها فإنَّ التدريب يمثل أهم عامل للمنظمات لضمان الاستعداد لها والتعامل مع متغيراتها بالطريقة الأفضل، فعن طريق التدريب يمكن تنمية مهارات العاملين وصقل خبراتهم وتنمية معارفهم وتغيير اتجاهاتهم بما يتناسب مع تلك المتغيرات.

إقرأ أيضاً: أهمية تدريب وتطوير الموظفين من حيث الاحتفاظ بهم

3. فرق العمل:

من أساسيات التمكين الإداري هو السعي إلى إنجاز الأعمال بواسطة فرق العمل التي هي عبارة عن مجموعة من العاملين يعملون معاً لتحقيق هدف مشترك بينهم، ويُبنى هذا الفريق بالشكل الذي تتكامل فيه مهاراتهم ويكونون عوناً لبعضهم بعضاً.

4. الحوافز:

هي مجموعة من المؤثرات الخارجية التي تقوم بها المنظمة للتأثير في سلوك عامليها ودفعهم نحو تنفيذ ما تريد وتحقيق ما رسمته من أهداف، وقد تكون هذه الحوافز مادية أو معنوية.

في الختام:

يرتبط التمكين الإداري بالعنصر البشري ارتباطاً رئيساً والسبل التي يمكن اتخاذها لتفعيل دوره واستحضار طاقته لإنجاز العمل بسرعة وبكفاءة وفاعلية، وعلى الرغم من حداثة مفهوم التمكين، إلا أنَّ فكرته قديمة والتي تحث على منح العاملين السلطة الكافية للقيام بالعمل، وقد اتسع هذا المفهوم حالياً ليشمل إضافة إلى منح السلطة إمكانية نقلها وتحفيز العاملين وزيادة دافعيتهم للعمل، وكل ذلك بهدف الحصول على رضى العاملين وفي نفس الوقت إكساب المنظمة القدرة على المنافسة والمحافظة على استقرارها ونموها.




مقالات مرتبطة