التلفاز المربي الأول: إلى متى؟

جاء في تقرير لمنظمة اليونسكو أنَّ الأطفال ما بين 6 و16 سنة يمضون من 12 إلى 24 ساعةً أسبوعياً أمام شاشة التلفاز؛ أي بمعدل ثلاث ساعاتٍ يومياً على الأقل؛ ومن هنا يكون التلفاز مادةً يوميةً لبناء قواعد الحياة وأسس الأخلاق، وخاصةً أنَّ الطفل منذ سن السادسة يكون ملمَّاً بهذا الجهاز السحري، ومن ثم يكون لهذا الجهاز دور خطير في تقويم السلوك، وفي الوقت ذاته يكون مصدر قلق وترقُّب حين يصل الأمر إلى درجة الإدمان ولا سيما أنَّ الطفل سريع التأثر.



إنَّ التلفاز سلاح ذو حدَّين، فهو إيجابيٌّ إذا استُعمِل وفق أسسٍ عقلانيةٍ تربويةٍ، وسلبيٌ إذا استُعمِل وفق مقاييس أخرى بعيدة عن التنشئة السليمة، وفي الأحوال جميعها، فإنَّ الطفل ينشأ وفق الأسس التي تربى عليها.

التلفاز المربي الأول:

قال أحد الكتاب عام 1949 إنَّ التلفاز ستكون له قيمة حقيقية في كل بيت يوجد فيه أطفال، وقال آخر إنَّ التلفاز سيباشر إدارة أسلوب حياتكم ويغيِّر عادات أطفالكم، والسؤال هنا هو: ما هو مدى أثر التلفاز في سلوك الطفل؟

إنَّ اهتمام الأطفال بالتلفاز يجعله من أهم وسائل الاتصال تأثيراً في سلوكهم وتنشئتهم، وفي هذا المجال تؤكد منظمة اليونيسيف أنَّ التلفاز صار هو المربي الأول للطفل؛ فلا البيت ولا المدرسة بقيت لهما تلك السيطرة التقليدية في مسألة التنشئة، بعد أن حلَّ الضيف الجديد مكانهما.

ومن ميزات التلفاز أنَّه يقدر على نقل الخبرة والمعرفة في سن مبكر قبل غيره من الوسائل، وتوجد به كل المميزات السمعية والبصرية، وبهذا يمكن أن يقدم المعرفة التي قد يصعب نقلها إلى ذهن الطفل عن طريق الكتاب أو الصور أو الصوت، أو إذا استُعمِل كلٌّ منها بمعزلٍ عن الآخر؛ كما أنَّ الطفل يرى على الشاشة الصغيرة مناظر خارجيةً أبعد من حدود المنزل والبيئة المحيطة به، وبالنسبة إلى الأطفال في المراحل العمرية المتقدمة يفتح أمامهم نافذة على العالم الواسع؛ فيكتشفون أعماق المحيط ويستطلعون أركاناً بعيدةً من الدنيا.

الآثار الإيجابية للتلفاز:

  • يساعد التلفاز على الإسراع في نمو عقول الأطفال بما يعرُضَه من مجالاتٍ جديدةٍ من المعرفة ومشكلات كثيرة عن عالم الكبار.
  • يفتح المجال لإثارة موضوعات حيوية تُناقَش فيما بعد على مختلف الأصعدة.
  • يسهم التلفاز في تقريب الطفل من البيئات البعيدة كالصحراء مثلاً، ويفسر الظواهر الطبيعية كالبراكين وغيرها.
  • ينقل التلفاز التراث الحضاري لجميع بلدان العالم والمكتشفات الجديدة إلى الطفل.
  • يؤثر التلفاز في مفهوم الأطفال حول الوظائف والأعمال ويثري معلوماتهم عنها.
  • يساهم في تعليم المهارات الجسدية.
  • يُعَدُّ التلفاز أداةً مثيرةً ومشجعةً للنمو اللغوي؛ إذ يقلل من الفروقات في القدرة اللغوية بين الأُسر ذات المستويات المختلفة.
  • يُعد ملاذاً للأطفال للراحة والاسترخاء والهرب من المشكلات العائلية.
  • يزيد التسلية لدى الأطفال بما يبثه من قصصٍ ومسابقاتٍ تُحقِّق الطموح وتلبي الرغبات.
  • يساهم في بناء الشخصية وإذكاء روح التضحية والفداء.
إقرأ أيضاً: تأثير التلفاز على الدراسة والتحصيل العلمي للطلاب

 الآثار السلبية للتلفاز:

  • إنَّ المسلسلات التلفزيونية العنيفة تولِّد العنف لدى الأطفال، والواقع أنَّ برامج التلفاز المُقدَّمة للأطفال غالباً ما تطغى عليها مشاهد العنف، وتكون المشكلة أكبر في مسلسلات العنف المبطن بالخيال؛ إذ يجلس الأطفال بكامل قابليتهم لمشاهدة شلال من الصور المتلاحقة المتسمة بالمواقف الحاسمة والشخصيات المتصارعة، ضمن هديرٍ لا ينتهي من الموسيقى المضجة التي تضيف إلى العنف عنفاً وإلى التغريب تغريباً، فلا يقوم الأولاد من كابوسها إلَّا وقد أُرهِقَت أعصابهم وانبهرت أعينهم وصُمَّت آذانهم.
  • إنَّ الطفل يتفاعل مع الإعلانات التلفزيونية، وغالب هذه الإعلانات تُقدَّم باللهجة العامية، فتجعل من الأطفال مستهلَكين بالفطرة، والإعلانات التجارية تزعج الكثيرين بما تنطوي عليه من الإغراء والإغواء، ولنجاحها في إقناع الأطفال بشراء سلعٍ جديدةٍ لا ضرورة لها.
  • إنَّ التلفاز يؤخر النوم وينقص الوقت المخصص للواجب المدرسي، كما أنَّه يقتطع من وقت اللعب، واللعب كما هو معروف يبثُّ روح الجماعة في روح الطفل ويغرس معنى الاجتماع والمشاركة الجماعية، وهذا يمنحه الخبرة اللازمة للتعامل مع الآخرين والانخراط في مجتمعاتٍ جديدةٍ دون عناءٍ عندما يدخلها للمرة الأولى.
  • إنَّ أثر التلفاز في البيئة من حيث آثاره الجسدية والفيزيولوجية والنفسية يكاد يكون من أخطر أنواع التلوث وأشدها إيلاماً وأكثرها تغلغلاً في النفوس، وقد أثبتت الدراسات أنَّ بقاء الطفل أمام شاشة التلفاز ساعات طويلة يعرِّض صحته للخطر ويُرهِق جسده ويؤثر في قوة بصره.
  • إنَّ الطفل يجلس أمام التلفاز في سكونٍ غريبٍ لا تفاعل فيه؛ وهذا دعا علماء النفس إلى وصف الأطفال من هذا النوع بموتى التلفاز الأحياء.
  • يصرف التلفاز بعض الأطفال عن القيام بالنشاطات الاجتماعية المفيدة ويُكرِّس لديهم روح الاتكالية.
  • تُحدِث البرامج التلفزيونية آثاراً سلبيةً في نمو الطفل من الناحية الانفعالية، ولا سيما في البرامج التي تكون مُعدَّة أساساً للكبار.
  • بعض المواد الثقافية المستوردة قد تعمل على اهتزاز القيم والمفاهيم، وقد تؤدي إلى تغيير أنماط الحياة والسلوك، وقد تتعارض مع برامج التنمية الاجتماعية.
  • إنَّ الشاشة الصغيرة عندما تُقدِّم للطفل كل شيءٍ؛ إذ يكون جاهزاً ومرسوماً ومصوراً، فإنَّها تمنعه عن إعمال فكرهِ وإطلاق خياله، كما أنَّ الإنتاج المقدَّم للناشئة على الشاشة يكون غالباً مشوهاً وبعيداً عن الحقائق، وليس له معنى في كثيرٍ من الحالات، ولقد كان الطفل آنفاً يتوسد ركبة جده ويصغي باهتمامٍ إلى حكاياته الجميلة التي كانت تنقله إلى عوالم مدهشة، فيرى بخياله قصورها ويرسم صوراً لها ولشخصياتها بخياله كما يريد، فقد كان هذا ينمي خياله ويساعده فيما بعد على الإبداع.
  • اللغة المُستَعملة في برامج الأطفال غالباً ما تكون ضعيفة المستوى.
  • إنَّ الأطفال الذين يشاهدون التلفاز مدة ست ساعاتٍ في اليوم أو حتى ثلاث ساعات، يُحرَمون مما يسمى الطفولة البريئة.

هذه هي بعض السلبيات المتضمنة في برامج الأطفال، التي هي إحدى أشهر الوسائل وأخطرها في المؤسسة التربوية والإعلامية، وعلى الرغم من وجود هذه السلبيات، إلَّا أنَّه يمكن تلافي الكثير منها بالانتقائية ومراعاة القدرات العقلية للناشئة، وانتقاء مذيعين يمتازون بطلاقة ثقافية ولغوية عالية وقدرات متميزة، والأبحاث في هذا الميدان تقتضي استمرار المتابعة.

وإذا كانت التربية متينة وقوية وذات أسس سليمة تتركز في عقيدة صالحة خالية من الشوائب، فإنَّ هذه القنوات ستكون أقل تأثيراً.

مسؤولية الكبار تجاه الأطفال والتلفاز:

إذا كان الطفل يتشرب العادات والتقاليد والقيم في مقتبلِ حياته من أسرته قبل أن يواجه المجتمع الكبير، فإنَّ هذا يلقي عبئاً ثقيلاً على الأسرة؛ إذ تصبح مسؤوليتها بالغة، وأصغر خلية اجتماعية تقوم بالمهمة الأولى للتربية هي الأسرة. والتربية عملية هامة لتكيُّف الفرد كي يتلاءم مع تيار الحضارة، وبهذا تكون التربية عملية خارجية يقوم بها المجتمع لتنشئة الأفراد حتى يسايروا المستوى الحضاري العام.

ويمكن لبرامج الأطفال أن تعاون الأسرة على تنشئة الأطفال اجتماعياً؛ وذلك بمساعدة الأطفال على تعرُّف المبادئ والقيم والعادات الاجتماعية التي يمتاز بها مجتمعهم، وأن يراعى في تقديمها اتباع المواقف الدرامية السهلة أو القوالب الترفيهية التي يسهل على الطفل استيعابها، وإنَّه لمن الأجدى أن نمنع الأطفال عن مشاهدة البرامج العنيفة المثيرة وندعوهم إلى مشاهدة البرامج العلمية والاجتماعية والترفيهية التي تعكس في نفوسهم حب المعرفة، وتساعدهم على السير في دروب الخير والسلام.

والطفل الذي اعتاد على أن ينصرف من المدرسة فينهي واجباته المدرسية، ثم يجلس أمام التلفاز مع مشاركة الأهل في انتقاء البرامج الجيدة والمكان الجيد للمشاهدة، هو أقدر على تحديد هدفه كما أنَّه في الوقت نفسه طفل مثابر، وبتفاعل الأبعاد الفيزيولوجية والاجتماعية والتاريخية تبدأ شخصية الطفل بالتشكل، ومن هذا المنطلق يمكن أن نوظف ما يُعرَض من مشاهد في التلفاز لنعطي معنى لما يشاهده أبناؤنا؛ إذ نرسخ لديهم مفهوم الحق وأهمية التضحية.

وأوضحت دراسة علمية بأنَّ هناك ارتباطاً مباشراً بين ساعات المشاهدة التي يقضيها التلميذ أمام التلفاز والدرجات التي يحققها، فكلَّما زادت ساعات المشاهدة، انخفضت الدرجات، ومن أجل هذا يترتب علينا ألَّا نغفل عن تقديم التوعية والتوجيه اللازم لإكساب المواقف الإيجابية.

إقرأ أيضاً: 8 أمور تضيع وقتك عليك التخلص منها

نصائح لتخفيف أضرار التلفاز:

  • تحديد يوم في الأسبوع لا نشاهد فيه التلفاز على الإطلاق.
  • عدم ترك الطفل ينفرد بالتلفاز وعدم تناول الطعام أمام التلفاز.
  • الابتعاد عن التلفاز لتوليدِ الميل إلى القراءة، مع الاقتناع التام بأنَّ ما يتحقق بالقراءة أفضل بكثيرٍ مما يشاهد في التلفاز.
  • يمكن متابعة الدروس المتلفزة بطريقة منظمة أو مرحلية.
  • لا بدَّ للآباء من الاطلاع على توقيت البرامج الأسبوعية للبث التلفازي؛ وبذلك تُتاح لهم فرصة توجيه أولادهم لمشاهدة البرامج المفيدة.
  • إنَّ دور الأسرة لا ينتهي عند وضع الطفل أمام التلفاز، ولا يجب أن تنتظر الأسرة من وسائل الإعلام لتقوم بدور المربي بالنيابة عنها؛ بل يجب أن تساعد أطفالها على اختيار ما يشاهدونه، وعلى سلامة ما يختارونه.
  • الولد الخاضع للعنف التلفازي يجد العالم غير آمن وغاية في الخطورة.
  • لا ينبغي للولد مشاهدة التلفاز كلَّما أُصيبَ بالملل.

أخيراً، إنَّ الإعلام التلفازي يمتلك طاقات هائلة، وبحكم هذا الامتلاك يجب أن يهدف إلى بناء الإنسان فكرياً وعلمياً وسلوكياً ويعمل على نشر الوعي التنموي والتربوي، كما يجب أن يساهم في الخطط التعليمية والإصلاحات الاجتماعية، وتقديم البرامج التي تسهم في ترسيخ القيم الإيجابية والمنتجة.

وهكذا، فإنَّ التلفاز ليس أفكاراً ثابتةً؛ بل هو حقيقة اجتماعية ثقافية تختزن تاريخ المجتمع وتجسد تقاليده، وهو يتطور بتطور الحياة وتنوع الحاجات الإعلامية والترفيهية.

المصادر:

  • كتاب الأطفال والإدمان التلفزيوني – ماري وين.
  • كتاب التلفاز وأثره في حياة أطفالنا – ويلبر شرام.
  • كتاب التربية العامة – أحمد عرفة.



مقالات مرتبطة