التكييف العقلي: كيف يتعثر معظم الناس بسبب معتقداتهم المقيدة؟

هل تعلم أنَّ حياتك تتأثر إلى حد كبير بما تؤمِن به، وأنَّ أفكارك هي ما تُشكِّل حياتك، فإن كنتَ تعتقد أنَّ مصيرك النجاح، فأنت على حق، وإن كنتَ تعتقد أنَّك شخصٌ لا يَصلُح لشيء ولن تُحقِّق شيئاً في حياتك، فأنت على حق أيضاً.



يقول رجل الأعمال الأمريكي هنري فورد (Henry Ford): "سواء كنتَ تعتقد أنَّك تستطيع أم لا تستطيع، فأنت على حق"، ليس عليك أن تُصدِّق كل ما يقوله لك الناس؛ فإذا أخبرك مُعلِّمك أو والداك بأنَّك ضعيف في مادة الرياضيات، فهل يجب أن تُصدِّق ذلك؟ حسناً، سيصدق ذلك معظم الناس، ومع ذلك، إذا فكرتَ في الأمر، فلماذا يقول والداك أو مُعلِّمك ذلك في المقام الأول؟ هل لأنَّك رسبتَ في امتحان مادة الرياضيات؟ أم لأنَّك لا تبلي بلاءً حسناً في هذه المادة في المدرسة؟ وهل هذا يعني أنَّك لستَ جيداً فيها؟

عندما تؤمِن بشيء ما، بغضِّ النظر عما إذا كان صحيحاً أم خاطئاً، فإنَّه يصبح نبوءةً ذاتية التحقق، وأنت تجعلها حقيقةً، فعندما تعتقد أنَّ الاقتصاد سيء، لن ترغب أبداً في استثمار المزيد من الأموال في الإعلانات، ونتيجة ذلك، تتأثر مبيعاتك، ويتأكد اعتقادك بأنَّ الاقتصاد سيء. إذاً، تتشكل معتقداتنا في الحياة من خلال التكييف العقلي.

قصة سمكة الباراكودا (Barracuda):

أجرى أحد العلماء تجربةً على سمكة الباراكودا، حيث وضعها في حوض أسماك كبير، وسبحَت بحرية فيه، وبعد فترة، وضع لوحاً زجاجياً في منتصف الخزان ليقسم حوض السمك إلى نصفين، فأصبحت سمكة الباراكودا في جانب واحد، وفي الجانب الآخر، وضع العالِم بعض الأسماك الصغيرة، ففي البداية، رأت سمكة الباراكودا الأسماك الصغيرة، وحاولَت السباحة إلى الجانب الآخر لتأكل الأسماك الصغيرة، ولكنَّها فشلَت بسبب وجود اللوح الزجاجي؛ فحاولَت مراراً وتكراراً ولكن دون جدوى، وفي النهاية توقَّفَت عن مطاردة الأسماك الصغيرة.

بعد مرور بعض الوقت، أزال العالِم اللوح الزجاجي؛ فتمكَّنَت جميع الأسماك من السباحة بحرية والمرور بجانب بعضها بعضاً؛ إذ لم يكن هناك ما يمنع سمكة الباراكودا الشرسة من السباحة بحرية، والمثير للدهشة أنَّها لم تحاول مطاردة الأسماك الصغيرة لأكلها؛ فقد اقتنعَت أنَّه مهما حاولَت لن تستطيع اختراق اللوح الزجاجي الذي كان موجوداً، فهل أنت تتصرف مثل سمكة الباراكودا؟

قصة الفيل:

هل تساءلتَ يوماً كيف يُدرِّب أفراد السيرك الأفيال؟ الأفيال هي أكبر الحيوانات على الأرض وأقواها، حيث يمكِنها تحطيم الأشجار وإسقاطها على الأرض.

تشبه هذه القصة قصة سمكة الباراكودا، فعندما يكون الفيل صغير الحجم، تُقيَّد أرجله بالسلاسل، ولأنَّه ضعيفٌ وصغير الحجم، لن يستطيع كسر السلسلة التي تُقيِّد رجليه مهما حاول تحرير نفسه، ويبقى الأمر على هذا الحال لأيام عدَّة إلى أن يقتنع الفيل الصغير تدريجياً بأنَّه لن يستطيع تحرير نفسه أبداً مع وجود هذه السلسلة، وحتى بعد أن يكبر ويزداد حجمه ليصبح فيلاً عملاقاً، يظلُّ لديه ذلك الاعتقاد المُقيِّد بأنَّه لن يستطيع كسر السلسلة وتحرير نفسه، مع أنَّه لو حاول، لاستطاع كسرها بسهولة.

فهل أنت تتصرف مثل الفيل؟

إقرأ أيضاً: دغدغة العقول!

قصة "لس" براون (Les Brown):

ربما لا يمكِننا التعاطف مع الحيوانات، مع أنَّنا نتصرف مثلها تماماً، مثل: الباراكودا والفيل.

كان المتحدث التحفيزي "لس براون" صبياً نشيطاً في صغره، ولكن كان لديه فترة انتباه قصيرة؛ أي أنَّه لم يكن قادراً على التركيز كثيراً على دراسته وواجباته المدرسية، ونتيجة لذلك، لم يحرز نتائج جيدة في المدرسة، فوصفه أساتذته بأنَّه مضطرب ذهنياً من الناحية التعليمية، وكما حدث مع الباراكودا والفيل، اعتقدَ الشاب أنَّه لا يستطيع أن يُبلي بلاءً حسناً في المدرسة.

لحسن الحظ، التقى "لس" ذات يوم بمُعلِّمه ومنتوره السيد واشنطن الذي غيَّر حياته ذات يوم، فأخبر "لس" "واشنطن" بأنَّه مضطرب ذهنياً من الناحية التعليمية وبأنَّه لا يستطيع أن يفعل ما يطلبه منه، فنظر السيد "واشنطن" إليه وقال له: "لا تدع رأي أحدهم فيك يصبح واقعك".

غيَّرَت هذه الكلمات حياة "لس" إلى الأبد، حيث بدأ يفكر بطموح، وأراد بناء حياة ناجحة.

بعد أن ترك "لس" المدرسة، وبينما كان يبحث عن عمل، اقترحَ عليه الناس أن يعمل في مكتب البريد أو مديرية النظافة، وذلك بسبب فشله في المدرسة ولاعتقادهم بأنَّه لن يستطيع تحقيق أي شيء؛ لذا، اقترحَ هؤلاء الأشخاص أن يتولى "لس" وظيفةً يدوية، حتى أنَّ بعض الناس طلبوا منه الانضمام إلى الجيش.

لحسن الحظ، عمل "لس" بتفانٍ والتزام ومثابرة لتحقيق حلمه، فأصبح منسقاً للأغاني، وفي النهاية، استخدمَ موهبته وشغفه في التحدث ليصبح أحد المتحدثين التحفيزيين الأكثر شهرةً اليوم، وقد ألهمَ الآلاف من الأشخاص حول العالم.

تخيَّل ما كان سيحدث لو صدَّق الشاب "لس" ما أخبره به الآخرون عن العمل في مكتب البريد أو مديرية النظافة.

في بعض الأحيان، ما يخبرنا به الآخرون يؤثر فينا سلباً، والشيء نفسه يَحدث عندما نخبر الآخرين بآرائنا.

هل تتعثر بسبب تكييفك العقلي المُقيِّد؟

يمكِنك الاعتقاد بما تشاء، كما يمكِنك الاعتقاد بأنَّك ذكيٌّ، ووسيمٌ، ورائعٌ، وموهوبٌ، وكاتبٌ جيد، ومجتهد، وبأنَّك شخصٌ لا يتخلى عن حلمه أبداً، ومصيره النجاح، ومن ناحية أخرى، يمكِنك الاعتقاد بأنَّك لا تجيد الكتابة، ولا يمكِنك التحدث باللغة الإنجليزية لأنَّها ليست لغتك الأم، وبأنَّك ضعيفٌ في الرياضيات، وفي إدارة الأعمال التجارية، وبأنَّ الاقتصاد غير جيِّدٍ الآن، والظروف صعبة، فمهما كان اختيارك، سوف يتحول إلى حقيقة.

لماذا تعتقد أنَّ "ستيف جوبز" (Steve Jobs) أنفق الملايين لتطوير منتجات شركة آبل (Apple)؟ هذا لأنَّه كان واثقاً من جودة منتجاته وأنَّ الناس تريدها، فلو أنَّه لم يثق بمنتجاته، فمن المحتمل أنَّه ما كان لينفق ملايين الدولارات على بناء شركة "آبل" وتنميتها، وينطبق الشيء نفسه على الاستثمار في سوق الأوراق المالية أو العقارات، حيث يشتري معظم الناس العقارات لأنَّهم يعتقدون أنَّ السوق في حالة جيدة، أو أنَّهم وجدوا فرصةً جيدة للاستثمار، وإذا كانوا لا يعتقدون أنَّ العقار الذي وجدوه يستحق الاستثمار، فهل تعتقد أنَّهم سيشترونه؟ بالطبع لا؛ لذا، يجب أن تفهم أنَّ معتقداتك حقيقية بالنسبة إليك فقط.

أرسلَت إحدى الشركات ذات مرة موظفَين إلى الهند لدراسة السوق بغرض بيع الأحذية؛ فعاد أحد الموظفين وأبلغَ الشركة بأنَّه لا يوجد جدوى اقتصادية من بيع الأحذية لأنَّ معظم الناس في الهند لا يرتدون أحذيةً، وبعد بضعة أيام، عاد الموظف الآخر بأخبارٍ سارَّة؛ حيث أبلغَ عن وجود سوق ضخم لم يستغله أحد بَعْدُ كون معظم الناس في الهند لا يرتدون أحذيةً، فهل تدرك الأمر الآن؟ الحادثة نفسها ولكن بمعتقدات وتفكير مختلفين، فعندما تعتقد أنَّه من الصعب بدء عمل تجاري أو أنَّ بيع المنتجات سيلقى منافسةً شرسة، فكِّر مرة أخرى، سيكون هناك شخص آخر يعتقد خلاف ذلك.

إذا كنتَ تريد أن تكون ناجحاً، فيجب أن تتبنَّى معتقدات تُمكِّنك من الوصول إلى أهدافك وتحقيق أحلامك، فاختيار الأفكار المُقيِّدة سيبطئ تقدُّمك، ويمنعك من تحقيق ما تريده في الحياة.

إقرأ أيضاً: النجاح في التفكير: كيف تتغلّب على أفكارك السلبية؟

التشكيك في كل شيء:

إذا كنتَ تريد التحرر من المعتقدات المُقيِّدة التي تمنع تقدُّمك في الحياة، فعليك زعزعتها بالتشكيك فيها، فتحدَّ ما تعتقد أنَّه يُعيق وصولك إلى أهدافك وأحلامك.

إليك بعض الأسئلة الرائعة للبدء:

  • ما الذي يمنعني من المضي قدماً وتحقيق أحلامي؟ وما الذي يمنعني من التقدُّم أكثر والانتقال إلى المستوى التالي؟ وهل أنا خائف جداً؟ وهل خفتُ من الفشل؟ ألستُ جيداً بما فيه الكفاية؟ وهل المال مشكلة تمنعني؟
  • لماذا لدي هذا الاعتقاد المُقيِّد؟ وما الذي يجعلني أفكر بهذه الطريقة؟ وهل قال لي أحدهم ذلك؟ وهل حدث شيء من قبل؟ وما سبب خوفي من التقدم؟ ولماذا اعتقدتُ أنَّني لستُ جيداً بما يكفي؟
  • كيف منعَتني هذه المعتقدات المُقيِّدة من التقدم حتى الآن؟ وما هي القرارات والإجراءات التي تخلَّيتُ عنها بسببها؟
  • ماذا سيحدث إذا واصلتُ الإيمان بهذه المعتقدات المُقيِّدة؟ وما تأثيرها في حياتي مادياً، ومعنوياً، وفي علاقاتي، وحياتي المهنية والشخصية؟
  • ماذا لو كانت هذه المعتقدات غير صحيحة ويمكِنني تغييرها؟ ماذا لو كان بإمكاني أن أصبح الشخص الذي أريده، وأحقق كل أهدافي وأحلامي؟ وما الذي يجعلني أكثر نجاحاً مما كنتُ أعتقد أنَّه ممكن؟

هذه ليست سوى بعض الأسئلة التي يمكِنك طرحها لزعزعة ثقتك بمعتقداتك المُقيِّدة؛ إذاً، حاوِل التشكيك في كل شيء.

في الختام:

تُقيِّد المعتقدات الناس؛ فما تؤمِن به هو ما يُحدِّد هويتك؛ لذا، اختَر أن تؤمِن بشيء يمنحك القوة، ويتيح لك فرصة المضي قدماً.

 

المصدر




مقالات مرتبطة