التفويض الإداري: مفهومه وشروطه وفوائده

يصدف أحياناً في أثناء ذهابنا إلى إحدى المديريات أو المؤسسات للحصول على ورقة رسمية أن يكون المدير العام في اجتماع هام أو خارج البلاد لأسباب تخص العمل، وهذا ما يربكنا وخاصةً إذا ما كانت حاجتنا إلى الورقة مستعجلة وتحتاج إلى توقيع المدير، ولكنَّنا نتفاجأ أنَّ الختم موجود لدى أحد مديري الأقسام، وأنَّ هذا الشخص يمكنه التوقيع عن المدير، ففي الواقع هذا المثال ينطبق على ما يُعرف بالتفويض الإداري الذي يلجأ إليه المديرون عند زيادة الأعباء عليهم أو عند انشغالهم بأعمال هامة حتى لا تتعرقل أمور الشركة أو المؤسسة أو المنظمة نتيجة ذلك.



في الحقيقة لا تتوقف الأمور عند توقيع أو ختم؛ بل تتعدى ذلك إلى تنفيذ مهام محددة وعديدة، وموضوع مقالنا اليوم هو التفويض الإداري، وسنشرح مفهومه وشروطه وفوائده، فإن رغبت في معرفة المزيد، فتابع القراءة.

أولاً: مفهوم التفويض الإداري وأنواعه

التفويض الإداري يعني أن يقوم المدير بإسناد جزء من عمله أو بعض من اختصاصاته أو مهامه إلى مديرين أدنى منه مستوى أو لأحد مرؤوسيه، ويسمى في هذه الحالة المدير بالمفوِّض، في حين يسمى المدير من أُسند إليه العمل بالمفوَّض إليه، علماً أنَّ المدير يبقى المسؤول الأول عن سير العمل وحتى عن أي خلل يحدث، وإنَّ إسناد هذه الأعمال يجب أن يصب في مصلحة العمل حتى يتسنى للمدير الوقت الكافي للاهتمام بالأمور الاستراتيجية والضرورية بما ينعكس إيجاباً على مصلحة العمل.

من الجدير بالذكر أنَّه يجب على المدير المفوِّض منح الشخص الذي فوض العمل إليه السلطة التي تؤهله لتنفيذ المهام التي ستوكل له بوصفه أصبح مسؤولاً عنها، ويتم إعلام جميع الموظفين لضمان عدم التهرب من المسؤولية، لكن كما ذكرنا يبقى المدير هو المسؤول الأول والأخير عن سير العمل، فالتفويض الذي يتم هو تفويض للسلطة وليس تفويضاً للمسؤولية.

بناءً على ما سبق يمكن تعريف التفويض الإداري بأنَّه عملية السماح لشخص ما بالوصول إلى مورد؛ إذ يقوم صاحب العلاقة بإعطاء أحد الموظفين الحق بممارسة جزء من اختصاصه أو إحدى مهامه، ويجب أن تتم الأمور بشكل قانوني ونابع من نص قانوني يُجيزه، فالتفويض يتضمن القيام بالعديد من الإجراءات والممارسات التي يجب على الشخص المفوَّض بها تحمُّل مسؤوليتها وجوانب التقصير فيها.

أنواع التفويض الإداري:

يقسم التفويض الإداري إلى أنواع عدة وهي:

1. تفويض السلطة:

هي عملية شبيهة بتوزيع المهام بين أعضاء الفريق حتى لا تتركز السلطة بيد واحدة، فقد يقوم المدير بتكليف شخص بتنفيذ عمل أو أداء مهمة كان عليه هو القيام بها، ومن البديهي أنَّ تفويض المسؤولية يترافق مع تفويض السلطة حتى يتمكن الشخص من تنفيذ مهمته على أكمل وجه وتحمل المسؤولية في حال حدوث خطأ ما.

يمكن ذكر مثال عن هذا النوع عندما يقوم المدير بسبب انشغاله بتفويض أحد الموظفين لحضور الاجتماعات الروتينية عنه، وموظف آخر ليقوم بعملية الرد على الإيميلات والرسائل وغير ذلك.

2. تفويض عام أو خاص:

يمكن شرح هذا النوع من أنواع التفويض الإداري عن طريق مثال، فهذا النزاع ينطبق على القيام بتفويض عام لواحد من أعضاء فريق ما لإنجاز مشروع ما وانتظار النتائج، وفي المقابل فإنَّ هذا الشخص سيفوض موظفاً للقيام بمهمة محددة ضمن هذا المشروع، وهذا ما يسمى تفويضاً محدداً وخاصاً، والمسؤولية في هذه الحالة لا تكون عن المشروع بأكمله؛ بل عن مهمة محددة.

3. تفويض رسمي:

التفويض الرسمي هو ما يأتي بحكم المنصب الذي يشغله الشخص، ويكون محدداً بالهيكل التنظيمي للشركة أو المؤسسة، والذي يعطيه بشكل روتيني صلاحيات معينة بهدف تحسين جودة العمل، فمثلاً مسؤول التسويق في شركة ما سيمتلك بحكم منصبه بعض الصلاحيات التي تمكنه من أداء عمله دون معوقات وتدخلات في كل خطوة.

4. تفويض غير رسمي:

هذا النوع من التفويض الإداري لا يكون ضمن الهيكل التنظيمي للشركة ويأتي تبعاً للظروف وليس للمنصب، فمثلاً عند تفويض أحد الموظفين لأداء مهمة ما يجب إعطاؤه الصلاحيات التي يحتاجها لتنفيذ مهمته؛ أي تفويضه بسلطة معينة حتى يتمكن من تنفيذ مهمته، وبمجرد انتهائه من تنفيذ هذه المهمة عاد إلى وضعه الطبيعي داخل المؤسسة.

5. التفويض الجانبي:

في هذا النوع من التفويض الإداري يتم تفويض مهمة ما لشخص معين وإعطاؤه السلطة التي يحتاجها، ولكنَّه يحتاج بالوقت نفسه إلى تفويض أشخاص آخرين لإتمام عمله، ولكنَّ الوصول إليهم بشكل رسمي يحتاج إلى وقت، وهذا ما يجعله يستخدم السلطة الممنوحة له للتواصل معهم.

شاهد بالفيديو: 9 مفاتيح للتفويض بنجاح

ثانياً: أهداف التفويض الإداري

تهدف عملية التفويض الإداري إلى تحقيق مجموعة من الأهداف تصب جميعها في مصلحة المؤسسة أو الشركة أو المنظمة، وسنذكر من هذه الفوائد:

  1. تحقيق الإصلاح الإداري في شركة ما، فالإصلاح الإداري يقوم على أسس عدة أهمها التخطيط بشكل جيد والقدرة على جمع المعلومات وتحليلها وتفسيرها بالشكل الأمثل، ومن ثم القدرة على إجراء تقييم ومتابعة التنفيذ وصولاً إلى أشكال القيادة المتبعة والصلاحيات التي يمتلكها كل مستوى من مستويات الإدارة.
  2. تحقيق التطوير الإداري الذي يتطلب مشاركة كل موظف من موظفي الشركة أو المؤسسة بالعمل وحتى بالإدارة، ومن خلال عملية التفويض الإداري يتم التغيير في أساليب وطرائق الإدارة وفي الهيكل التنظيمي الإداري، كما تحدث أيضاً تغييرات على الإجراءات المتبعة وابتكار طرائق جديدة لتنفيذ العمل وتسهيله، ويُعَدُّ تفويض الصلاحيات ضرورة من الضروريات التي ترافق كل إدارة.
  3. اكتشاف الكفاءات الإدارية داخل الشركة أو المؤسسة؛ إذ تتيح عملية التفويض الإداري إظهار الأشخاص الذين يمتلكون المهارات اللازمة للإدارة والذين لديهم جاهزية للعمل وقدرة على الإنجاز وتعطيهم فرصة ليعبروا عن أنفسهم.
  4. تحقيق أهداف المؤسسة العامة وإحداث التغيير الحقيقي داخل المؤسسة، وهذا ما يتطلب مشاركة حقيقية من قِبل الموظفين في عملية اتخاذ القرارات الإدارية.
  5. يحقق التفويض الإداري التنمية الإدارية فهو أحد أهم وسائلها، ومن خلال عملية التفويض الإداري تعطى للموظفين بعض المهام الجديدة، وتتاح لهم فرصة التصرف واتخاذ القرارات ومواجهة المشكلات، وهذا ما يزيد من مهارات الموظفين ويرفع من قدرتهم على التعامل مع الظروف الصعبة.
  6. يعطي التفويض الإداري الموظفين شعوراً بالإنجاز وإحساساً بالمشاركة الحقيقية في العمل، وهذا يزيد من انتماء الموظف إلى مؤسسته، ويدفعه إلى بذل جهد أكبر لتطوير العمل وتحسينه.
  7. تطوير وتحسين عملية التواصل بين المدير ومن هم أقل منه مستوى وظيفياً، كما يحقق التفويض الإداري مواكبة لأهم التطورات في مجال الأعمال الإدارية.
  8. توزيع الاختصاصات والمهام تبعاً للكفاءات والمسؤوليات، كما يحقق مشاركة لأغلب الموظفين في تطوير وتحسين العمل داخل المؤسسة.

ثالثاً: ما هي شروط التفويض الإداري؟ وما هي خطواته؟

لا يمكن إجراء عملية التفويض الإداري بشكل اعتباطي؛ بل يجب أن تخضع هذه العملية لعدد من الشروط وهي:

الاعتماد على نص قانوني:

فمن المعروف أنَّ لكل شخص وموظف في النظام الإداري مجموعة من المهام التي يقوم بها، وهذه المهام هي من ضمن عمله وواجباته ولا يستطيع التنازل عنها إلا بموجب نص قانوني صريح.

1. التفويض الجزئي:

يعني هذا الشرط أنَّ المدير لا يمكنه تفويض جميع أعماله واختصاصاته للآخرين؛ بل عليه تفويض جزء منها فقط.

أن يوجد نص التفويض في نص الاختصاص نفسه:

أو عند الذي يكون أعلى مرتبةً قانونياً.

2. لا يمكن للشخص المفوَّض إليه تفويض غيره:

هذا يعني أنَّ عملية التفويض تتم لمرة واحدة فقط، وفي حال سمح بذلك فهذا يُعَدُّ حالة استثنائية.

3. تعيين حدود التفويض بدقة:

يجب أن تكون الحدود التفويضية واضحة ودقيقة؛ وذلك تسهيلاً للعمل وتجنباً للمشكلات وسوء الفهم.

4. قيام سلطة قانونية متخصصة بعملية التفويض:

وفي حال عدم مراعاة هذا الشرط من شروط التفويض الإداري تُعَدُّ عملية التفويض ملغية.

رابعاً: فوائد التفويض الإداري

فوائد التفويض الإداري عديدة ومتنوعة ولا تتعلق بالفرد وحده؛ بل في أغلب الأحيان تكون الفائدة على مستوى المؤسسة ككل، ومن هذه الفوائد:

  1. زيادة الإنتاجية وتوفير الوقت وحتى الجهد، فعلى المدير والقائد الناجح أن يعرف ميزات أفراد فريقه حتى يثمر التفويض النتائج المرجوة.
  2. شعور جميع أفراد الفريق بأنَّهم هامون وناجحون ومستقلون وقادرون على أداء دور المدير ولو بجزء صغير من مهامه، وهذا ما سينعكس انعكاساً إيجابياً على جودة العمل.
  3. إعطاء المدير وقته لتنفيذ المهام الأكثر دقة وصعوبة وشعوره بالارتياح لوجود من ينفذ ويتابع بقية مهامه، وهذا ما يساعده على استغلال وقته بالشكل الأمثل ويزيد من تركيزه في أثناء أدائه لمهامه.
  4. يخفف التفويض الإداري من المهام والأعمال والأعباء التي تقع على عاتقه، فالكثير من الأعمال الروتينية هي أعمال مرهقة ومتعبة على الرغم من بساطتها، والمدير الناجح يعرف جيداً من يفوض وكيف يخفف من أعبائه، وهذا يعطيه وقتاً إضافياً ليتطور على الصعيدين الشخصي والمهني.
  5. يُظهر التفويض الإداري المهارات والكفاءات الموجودة لدى الموظفين ويطورها ويحسنها ويرفع من قدرتهم على تحمل المسؤولية، وهذا ما يزيد ثقتهم بأنفسهم.
  6. تعزيز المشاركة والتفاعل والتواصل داخل الشركة.
إقرأ أيضاً: ما هي عناصر التفويض الستة؟

خطوات التفويض الإداري:

بعد التأكد من الشروط السابقة يمكن إتمام التفويض الإداري من خلال تطبيق الخطوات الآتية:

  1. تحديد الهدف من عملية التفويض الإداري، وتوضيح سبب حاجتنا إلى أشخاص آخرين لإتمام مهامنا وإنجاز أعمالنا.
  2. من الهام جداً اعتماد الدقة عند تفويض شخص ما، وتحديد المسؤوليات التي تقع على عاتقه وحجم السلطة المعطاة له، وكل هذا يتم عندما يتم تحديد مهمة الشخص بدقة.
  3. شرح المهام واختيار الشخص المناسب لأداء المهمة.
  4. متابعة عمل الشخص الذي فُوض العمل له وتحفيزه حتى ينجز عمله على أكمل وجه.
  5. يجب على المفوض أن يعلم أنَّ المسؤولية تقع على عاتقه، لذلك فإنَّ هذه الخطوة هامة جداً؛ وذلك لأنَّها تسهم في تنمية وتطوير المهارات التي يمتلكها موظفو الشركة وخاصةً مهارة تحمل المسؤولية وحل المشكلات.
  6. التدريب قبل إسناد المهمة لأحد الأشخاص.
  7. إجراء تقييم لأداء الموظفين عند توكيل مهمة لهم، وهذه الخطوة هامة للتعرف إلى ذوي الكفاءات الموجودين في الشركة أو المؤسسة، ولإخضاع من هم أقل قدرة لمزيد من التدريب.
إقرأ أيضاً: ما هو التفويض؟ وكيف يعزز إدارة الفرق؟

في الختام:

كما رأينا من خلال المقال السابق فإنَّ أهمية التفويض الإداري تنبع من تأثيره الكبير والإيجابي في المؤسسة عموماً، وبذلك يجب على المدير الناجح أن يتقن مهارات التفويض الإداري؛ وذلك لأنَّ تطبيقها بالشكل الأمثل ينعكس مباشرةً على العمل، وفي الوقت نفسه يجب على المدير أن يعرف جيداً أنَّ بعض المهام لا يمكن تفويضها وعليه تنفيذها بنفسه، فقرار خاطئ أو اختيار شخص غير مناسب قد يكلف الشركة نجاحها.




مقالات مرتبطة