التغلب على الذات طريق النجاح في الحياة

نحن مخلوقاتٌ مفعمة بالاندفاع، ولا توجد طريقة للتغلب على ذلك، ولقد تطورنا للأفضل، أو ربما للأسوأ طوال الـ 200000 سنة الماضية، لكي نصبح الأشخاص الذين نحن عليهم اليوم، فالبشر مخلوقاتٌ تمتلك مجموعةً من الاحتياجات، وهذا أمرٌ مؤكد، ونحن كائنات تعتمد كلياً على المجتمع والمشاعر الناتجة عن التفاعل البشري، كما أنَّنا نمتلك رغبة فطرية في الحفاظ على راحتنا وشعورنا بالأمان من أجل البقاء على قيد الحياة لأطول فترة ممكنة على هذا الكوكب.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدون "إيفان تارفر" (Evan Tarver)، يُحدِّثنا فيه عن أهمية التغلب على العوامل النفسية التي تسيطر علينا من أجل تحقيق النجاح في الحياة.

نحن نشعر بالحاجة إلى إظهار الحب والعاطفة، ونشعر أيضاً بالحاجة إلى العطاء، فنحن من الأنواع التي ازدهرت من خلال التمايز وامتلاك صفات خاصة، ويبدو أنَّ معظمنا يُنتقَدون بسبب تصرفات قد اكتسبوها بالوراثة أو بشكل آخر، لكن في النهاية، نحن كائنات قادرة على التكيف مهما كان.

نحن أشخاصٌ مبدعون وحالمون، ونحن أفرادٌ نطمح إلى أن نصبح فريدين وفي نفس الوقت أن نتجاوز صفاتنا الفردية؛ باختصار، نحن أكثر الكائنات الحية تعقيداً في كوكبنا هذا، وبالتأكيد أكثر الأنواع الاجتماعية تعقيداً، فالبشر يُجسِّدون حالة متقدمة عاطفيَّاً من الفن والإيثار، وهم كائنات من الممكن أن تخفق في بعض الأحيان.

لذلك مع مرور الوقت، أعدنا تعريف معنى النجاح، فلطالما كانت فكرة الحياة الناجحة هي عبارة عن فكرة البقاء على قيد الحياة والحفاظ على فصيلتنا، لكن الآن، في عالمنا اليوم، أصبح النجاح معقداً مثل الأشخاص الذين أعادوا تعريفه، وإلى حدٍّ ما، ما زلنا نتصارع مع هذه الحقيقة، ولقد بدأنا للتو بفهم تداعيات ثورتنا الاجتماعية والتكنولوجية وكيف تتلاءم النفس البشرية معها وتتفاعل معها بطريقة ناجحة.

لكن لماذا؟ كيف تطورنا لنصبح أكثر هيمنة وحرية في التفكير في هذا الكون؟ وكيف أصبحنا على الأرجح أكثر المخلوقات التي لا تمتلك وجهةً واضحةً في حياتها؟ تكمن الإجابة في السيكولوجيا التطورية الخاصة بنا، وبمدى استعدادنا للتفاعل مع بيئتنا المتغيرة، لقد غيرنا اللعبة، ولكنَّ هذا التغير لم يصل إلى نفسياتنا بَعد.

هذا يعني - وبحكمتنا اللامتناهية - أنَّ التفسير الجماعي للنجاح البشري قد تغيَّر، لكن لم تتعدَّل تركيبتنا الجسدية معه؛ إذ إنَّ غريزتنا وتركيبنا الوراثي يقاومان مقاومةً شديدة تحقيق أهدافنا الجديدة للقرن الواحد والعشرين، وقد يكون أفضل سيناريو هو أن نتجاهل السيكولوجيا التطورية الخاصة بنا تماماً، ونأمل حصول الأفضل، أما أسوأ سيناريو هو أن نستسلم لطبيعتنا المندفعة ونُفشِل خططنا لتحقيق النجاح الذي حددناه لأنفسنا.

لا يبدو أيٌّ من السيناريوهين مثالياً، لكن لحسن الحظ، إنَّهما ليسا الخيارين الوحيدين المتاحين، فإذا كنت تريد أن تكون ناجحاً - مهما عنى النجاح لك - فمن الهام تحديد الجوانب الرئيسة للسيكولوجيا التطورية الخاصة بك، وتسخيرها لدفعك نحو تحقيق أهدافك وتحقيق النجاحات المطلقة.

لذا يجب على أصحاب العقلية الناجحة، استخدام الدوافع التي اكتسبوها على مر السنين من أجل الخير بدلاً من السماح لها بالتحكم بهم، وفيما يأتي خمسة جوانب رئيسة في التطورات النفسية التي طرأت على البشر، والتي إذا تم تحديدها واستخدامها بشكل صحيح، فستتوقف عن عرقلتهم وتبدأ بمساعدتهم للسعي إلى تحقيق النجاح والحياة المثالية:

الاعتناء بالأساسيات:

كل البشر لديهم احتياجات، وفي الواقع، لدينا خمسة احتياجات محددة تلي إحداها الأخرى، وفقاً للتسلسل الهرمي الذي وضعه عالم النفس الأمريكي "أبراهام ماسلو" (Abraham Maslow) للاحتياجات، وقبل أن نتمكن من تلبية رغبات الإنسان الكبيرة، نحتاج أولاً إلى الاهتمام بالاحتياجات البشرية الأقل أهمية.

الحاجة الأولى - عند النظر إلى هرم "ماسلو" للاحتياجات - هي الفيزيولوجية، أو الحاجة إلى الطعام والماء والمأوى، والحاجة التالية هي الأمان، المستمدة عادةً من تحقيق ثابت للاحتياجات الفيزيولوجية الرئيسة والشعور بالأمان الذي يأتي من الاندماج في مجموعة من الناس، أما الحاجة الثالثة فهي الحب والانتماء، وهي حاجة لا يمكننا تحقيقها إلا بعد أن نعتني ببقائنا الفيزيولوجي ونحصل على مستوى الأمان الذي يطيل من أعمارنا.

الحاجة الثالثة للحب هي ما أسميه انتقال الرغبة، وهي من الاحتياجات الأساسية إلى الإيثار أو الاحتياجات الكبيرة، والحاجة الرابعة في التسلسل الهرمي لـ "أبراهام" هي التقدير، وهذا يشمل الرغبة الإنسانية الفطرية في أن يتم احترام الناس داخل المجتمع الذي يعملون ويقيمون فيه، ويأتي هذا الاحترام من التصرفات الإيثارية التي تبني مع مرور الوقت سمعة إيجابية مع أقرانهم.

الرغبة البشرية الخامسة والأعلى على الهرم هي الحاجة إلى تحقيق الذات، وهنا نصل إلى النقطة الرئيسة، بالمعنى الحرفي والمجازي، فالنجاح يساوي تحقيق الذات في عالمنا اليوم، إنَّه يشمل السعي وراء الإمكانات الكاملة للشخص والتعزيز التدريجي لهذه الإمكانات؛ إذ تجسد عملية تحديد الأهداف الآن شغفاً وغايةً، فربما لم تكن موجودة قبل بضع سنوات فقط.

لذلك، لكي نكون ناجحين، علينا أن نحقق الذات، لكن من المستحيل على أي شخص أن يحقق ذاته بنفسه إذا لم يهتم أولاً بالاحتياجات البشرية الأربعة السابقة؛ لذا قبل الشروع في تغيير العالم، من الهام الاهتمام أولاً بغاياتك الأساسية؛ إذ إنَّ بناء أساس قوي للسلامة الفيزيولوجية والمجتمعية مليء بالحب والاحترام، أمرٌ ضروري للانتقال إلى أعلى شكل من أشكال الرغبة البشرية، ومن ثمَّ تحقيق النجاح البشري.

شاهد بالفيديو: كيف تنجح في حياتك؟

التركيز على المجتمع الشخصي:

إذا كان لدي شيء واحد قد تعلمته عن الإنسانية فهو حاجتنا العميقة إلى المجتمع، اجتماعياً وعاطفياً وجسدياً؛ فإنَّني أعلم أنَّ المجتمع جزء من منتصف التسلسل الهرمي للاحتياجات البشرية الخاص بـ "أبراهام"، ولكنَّه أيضاً أحد أهم الأجزاء.

الشعور بالانتماء للمجتمع هو القوة الدافعة وراء جميع أفعالنا تقريباً نحن البشر، ولقد تطورنا لنكون كائنات عاطفية تحب الاجتماع حبَّاً شديداً، ونعتمد على قوة المجموعة منذ البداية، وما تزال هذه السيكولوجيا التي تحركها المورثات سائدة حتى يومنا هذا، ولكنَّها تتضرر بسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ووجود وسائل الإرضاء الفورية.

نحن ما زلنا بحاجة إلى فوائد المجتمع لتحقيق النجاح، سواء كانت هذه المجموعة مكونة من الأصدقاء أم العائلة أم زملاء العمل أم حتى المعارف، فهذا لا يهم؛ بل ما يهم هو أنَّنا بحاجة إلى قوة شبكة العلاقات من أجل تحقيق أهدافنا السامية، لكن لسوء الحظ، فإنَّ إحساسنا الحديث بـ "الاجتماع"، الذي يعيبه ضعف التواصل وأصدقاؤنا على "فيسبوك" (Facebook) غير المعروفين، لا يمنحنا الدعم اللازم لتحقيق النجاح الذي نريده.

أنا أعلم أنَّ المنصات الاجتماعية مثل "لينكد إن" (LinkedIn) حتى "تويتر" (Twitter) ساعدتنا على توسيع نفوذنا ونطاق وصولنا، إنَّها أدوات رائعة لتطوير المبادرات الرئيسة مثل نشر العلامة التجارية والمبيعات، لكن هذا ليس نوع المجتمع الذي أتحدث عنه.

عندما نتحدث عن النجاح، نحن مطالبون بأن يكون لدينا نظام دعم قوي من الأشخاص المحترمين للغاية الذين يمكن استدعاؤهم للحصول على الدعم العاطفي عندما تسوء الأمور، وعلاوةً على ذلك، سوف نحتاج إلى نفس المجتمع لمساعدتنا على الاحتفال عندما تكون الأمور جيدة، فطريق النجاح له تقلباته، وسيساعدكم المجتمع القوي على تحقيق أقصى قدر من النجاح وتقليل الانهيارات.

قال رجل الأعمال الأمريكي "جيم رون" (Jim Rohn) إنَّ الناس متوسط ​​الأشخاص الخمسة الذين يقضون معظم الوقت معهم، وأنا أؤمن أنَّ هذا صحيح، فمن الضروري أن يتألف مجتمعكم من الأشخاص الذين يدفعونكم لتحقيق نجاحكم الفريد، فتذكَّروا بأنَّكم إذا شعرتم بالحزن أو الاكتئاب في رحلتكم، فسأطلب منكم أن تنظروا إلى الأشخاص الذين تعاملتم معهم في آخر فترة، فمن المحتمل أنَّكم لم تحظوا بعلاقاتٍ جيدة منذ فترة.

الخروج من منطقة الراحة الخاصة بكم:

يعود هذا الأمر مرةً أخرى إلى التسلسل الهرمي للاحتياجات البشرية، ولكنَّه رغبة سيكولوجية بشرية أساسية لتجنب الألم، وتخفيف المخاطر، والبقاء بأمان قدر الإمكان، وهذا منطقي من وجهة نظر تطورية، فلماذا تغامرون بالخروج من قوقعتكم إلى الخارج؛ حيث يوجد حيوانات مفترسة، بينما يمكنكم أن تكونوا بأمان في الداخل؟

حسناً، لحسن الحظ، لم تعد الحيوانات المفترسة موجودة - أو على الأقل، لحسن الحظ، لم نعد ضمن سلسلتهم الغذائية بعد الآن - لكنَّنا ما زلنا نتمسك بغريزة البقاء داخل منطقة الراحة الخاصة بنا، وعلى الرغم من أنَّ الخروج من تلك المنطقة، في مجتمعنا اليوم، يعني المخاطرة الاجتماعية بدلاً من مخاطر الموت أو التعرض للأذى.

فما زلنا نتعامل مع المخاطر كما لو كانت مسألة حياة أو موت، بينما في الواقع، نادراً ما يكون هذا هو الحال؛ بل بدلاً من ذلك، نحن بحاجة إلى العمل ضد التركيب الفيزيولوجي لدينا والمسارعة إلى التخلص من الخمول، فمهما كان النجاح بالنسبة إليكم، سواء كان إبداعياً أم مالياً أم غير ذلك، فعلى الأرجح أنَّه يقع خارج نطاق راحتكم.

لذا في المرة القادمة التي تحاولون فيها تحقيق هدف ما ويظهر عندها خوفكم من الإحراج أو خسارة الدخل مؤقتاً، خذوا نفساً عميقاً، فحتى المصاعب المالية - عند النظر إليها من منظور مناسب - لا تعني نهاية الحياة، وبدلاً من ذلك، اخرج من قوقعتك وتقبَّل كل ما تراه في طريقك نحو تحقيق أهدافك.

إقرأ أيضاً: منطقة الراحة: ما الأسباب التي تجعلها خطيرة؟ وكيف نتخطَّاها؟

التغلب على الاستعداد الوراثي:

دعونا نواجه الأمر، جميعنا لدينا شيء معين لا نحبه في أنفسنا، ففي القرون الماضية كان الاستعداد الوراثي، مثل الدهون في الجسم أو ربما حتى الافتقار إلى البراعة أو المرونة، قد أعاق إلى حدٍّ كبير القدرة على مساعدة القبيلة، وإعالة الأسرة، وتحقيق النجاح مثلما كان يعنيه النجاح في حقبة ما قبل التاريخ.

كان الأشخاص الذين تضعهم مورثاتهم في مواقف غير مواتية إمَّا أن تُسنِد إليهم القبيلة مهام وضيعة أو أن يُقصَوا إقصاءً نهائيَّاً من القبيلة على الصعيدَين الاجتماعي والمادي، لكن هذا لم يعد هو الحال، فالآن، أصبح النجاح شخصياً بدرجة أكبر، وأصبحت فكرة النجاح أكثر توازناً.

اليوم، بدلاً من تعريف النجاح على أنَّه القدرة على تقديم أو إضافة قيمة للقبيلة، يتم تعريفه الآن على أنَّه نهج متوازن تجاه الحياة؛ نهج له دوافع شخصية مثل الأهداف المالية، لكن له أيضاً دوافع إيثارية مثل خدمة المجتمع ونشر القيم الإيجابية.

لقد أصبحت الحياة المتوازنة الآن مرادفة للحياة الناجحة، ففي الحقيقة، لن يُقصى أحدٌ اليوم بسبب ميلٍ أو خللٍ وراثيٍّ؛ ومعنى كل هذا الكلام هو أنَّه لكي تصبحوا ناجحين، عليكم التركيز على تحسين جميع مجالات حياتكم، حتى الأجزاء التي لا تجيدونها؛ إذ يُنظَر الآن إلى العيوب التي كان يُتوقَّع يوماً أن تكون سبباً في نهاية العالم أنَّها طرائق لتحسين الذات، حتى تلك الدهون الزائدة في الجسم أو مشكلة الاحتفاظ بالمعلومات يمكن تحسينها، وفي الواقع، يجب تحسينها، فقط من خلال التحسين المستمر والمتوازن ستحقق الأهداف التي تريدها.

إقرأ أيضاً: 6 علامات تخبرك أنه يجب أن تغيّر طريقة حياتك حالاً

الازدهار من خلال التميز وقابلية التكيف:

نحن البشر في نهاية المطاف، كائنات فريدة من نوعها وقابلة للتكيف، لقد تطورنا بهذه الطريقة؛ إذ استخدم البشر التجربة والخطأ بشكل متَّسق، إلى جانب التعلم ومشاركة المعرفة، من أجل التقدم إلى مستوى الثقافة والمجتمع الذي نعيشه اليوم.

لقد ازدهرنا من خلال التخصص، فقد أصبح الأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي للركض لمسافات طويلة وبسرعة كبيرة، صيادين، وأصبح الأشخاص ذوو المستويات العالية من الذكاء العاطفي، معالجين، وأولئك ذوو النظر الجيد والماهرون في علم النبات أصبحوا جامعين للأطعمة البرية للقبائل.

في عالمنا اليوم، لم يتغير شيء، فما يزال بإمكاننا الوصول من خلال التخصص، ونحن جميعاً لدينا مجموعة محددة من المهارات والخلفيات التي تؤدي إلى عبقرية فريدة يحتاجها الآخرون، فيمكننا تحقيق أهدافنا المحددة من خلال التخصص الفريد الذي يجعلنا مرغوبين في المجتمع والقوى العاملة ويساعد على دفعنا في اتجاه هدفنا وشغفنا الشاملَين.

لكن بالإضافة إلى امتلاك مهارات متخصصة بشكل فريد، يجب أن نكون قادرين على التكيف إذا أردنا تحقيق نجاح دائم، فخُذ العبرة من أسلافنا: يعيش الناس عندما يكونون متخصصين، وفي نفس الوقت عندما يكونون قادرين على تعديل هذا التخصص عند الحاجة.

في الختام:

دعونا نواجه الأمر، لن يسير أي شيء وفقاً للخطة التي وضعتموها، فعندما تخطون خارج قوقعتكم وتخرجون إلى العالم الحقيقي، فإنَّكم تخطون خطوة واحدة نحو أهدافكم، وثم تتكيفون على الفور مع المحفزات المجهولة والبيئة المتغيرة.

تماماً مثل أسلافنا، إذا أردنا البقاء على قيد الحياة لأطول فترة ممكنة من أجل تحقيق النجاح، في هذه الحالة، يكون البقاء من النواحي الاجتماعية والعاطفية والمالية، فنحن بحاجة إلى أن نكون مؤهلين بشكل فريد لتخصص معين، وعلاوةً على ذلك، نحن بحاجة إلى أن نكون قادرين على التكيف، فمن يدري متى تصبح المهارة التي كنتم تستفيدون منها بلا فائدة، ومع ذلك، يمكن للشخص القابل للتكيف مع أي شيء، أن يحبط هذا الهجوم ويصبح أقوى مما كان عليه.

المصدر




مقالات مرتبطة