التعلم السلبي والتعلم النشط: أيهما أفضل؟

لطالما كان التعلم إحدى السمات الأساسية التي تميز الأشخاص الناجحين عن غيرهم؛ حيث لا يُعدُّ بقاؤك على اطلاع دائم على آخر المستجدات في مختلف المجالات وتعلُّمك أشياء جديدة باستمرار مجرد محاولة منك للنجاح في حياتك فحسب، بل يُعدُّ ذلك من أفضل الأمور التي تجعل كل ما في الحياة يبدو ممتعاً وجديراً بالاهتمام؛ لذلك، كلما زاد اهتمامك بالتعلم، تغيرت نظرتك إلى الأمور، وأدركت أنَّه لا يزال هناك الكثير لتتعلمه.



لكن تكمن المشكلة في عدم قدرة الجميع على التعلم بالوتيرة نفسها، والاستفادة من ميزات التعلم إلى أقصى حد؛ كما قد لا تناسب إحدى تقنيات التعلم التي يتبعها شخص معين الأشخاص الآخرين، حيث يُعدُّ التعلم جهداً شخصياً، ويمكن لمدى مشاركة المهتمين بالتعلم وللتقنيات المستخدمة فيه أن يؤثرا تأثيراً كبيراً في فوائده المحتملة التي قد تعود على الأشخاص بكل ما هو مفيد.

يوجد في الغالب بعض أوجه التشابه والنقاط المشتركة عند محاولتك تعلم موضوع معين بغض النظر عن هذا الموضوع، سواء كان نظرياً أم عملياً؛ وتُعدُّ طرائق التعلم أحد أوجه التشابه تلك، حيث يمكن أن يكون التعلم أحد نمطين مميزين، فقد تتبع التعلم النشط أو السلبي، وهما أسلوبان مختلفان تماماً.

لذا دعونا نلقي نظرة أعمق على ذلك لنفهم كيف يؤثر أسلوبا التعلم السابقين في قدرات التعلم والاحتفاظ بالمعلومات الجديدة للأفراد.

ما هو التعلم السلبي؟

يعدُّ التعلم السلبي في الغالب عملية ذات اتجاه واحد من منظور المتعلم، حيث يُتوقَع من المتعلم فيه استيعاب المعلومات من المحاضرات المقدَّمة بطريقة تقليدية.

يمكن اعتبار مناهج التعلم التقليدية أمثلة على التعلم السلبي، حيث يكون فيها المتعلم متلقياً سلبياً يعتمد على تلقي المعلومات من المعلم دون أي جهد منه في الاستقصاء والبحث؛ ومن الأمثلة على ذلك: الندوات التعليمية، والكتب المدرسية، والعروض التقديمية، والدورات التدريبية المباشرة عبر الإنترنت، وغيرها؛ بحيث تقع مسؤولية فهم المعلومات وكل ما يُدرَّس على عاتق المتعلم الذي ينبغي عليه التركيز والاجتهاد ليتمكن من النجاح والتميز في اختباراته.

يميل التعلم السلبي أكثر نحو الجانب النظري، وتُستخدَم فيه التقنيات المختلفة كالاختبارات والامتحانات والأسئلة المتنوعة لتقييم تقدُّم وتحسُّن عملية التعلم؛ وهذه بعض المهارات الأساسية التي يساعد نمط التعلُّم هذا على تحسينها:

ما هو التعلم الفعال (النشط)؟

نقول أنَّ التعلم نشط عندما تنطوي عملية التعلم على مشاركة الجميع الفعالة من خلال أنشطة ومناقشات مختلفة ذات صلة، حيث تُفرَض مشاركة المتعلمين الكاملة، ولا يعتمد هذا الأسلوب على معلومات المحاضرات التقليدية أو الكتب المدرسية فحسب، بل يشجع جلسات التعلم التفاعلية، ويعزز التفكير النقدي؛ وإليكم بعض الأمثلة الشائعة على التعلم الفعال (النشِط):

  • التجارب العملية وحلقات البحث ومجموعات العمل.
  • المناقشات الجماعية في الأمور المختلفة وحل المشكلات.
  • مناقشات الطلاب المباشرة وإرشادات الدروس ذات الصلة.
  • التمرينات المختلفة والأنشطة والمشاريع التي تهدف إلى تبسيط عملية التعلم واكتساب الخبرات العملية.

يركز التعلم الفعال (النشط) على الأمور الأساسية العامة بدلاً من انشغاله بالجزئيات الثانوية، كما يشجع على التفكير الإبداعي، ويسمح للطلاب بالبحث والتجريب وربط التعلم بأمور الحياة الواقعية بمتعة وسهولة؛ فيصبح التعلم أكثر من مجرد دراسة وتعرُّف على الأشياء، بل يوجِّه نحو فهم كامل لمفاهيم العالم الحقيقي واكتساب المتعلمين معلومات ومهارات وقيماً أخلاقية ليوظفوها في حياتهم العملية.

من بعض المهارات الأساسية التي يساعد نمط التعلم هذا على تحسينها هي:

وذلك بالإضافة إلى مساهمة هذا الأسلوب في تحقيق فهم أفضل للمعلومات والمحاضرات التي تُدرَّس، وتحسين منهجيات التدريس التي تناسب البيئة الطلابية على أتم وجه.

إقرأ أيضاً: دور المعلم في تنمية التفكير الإبداعي لدى الأطفال

مقارنة بين التعلم الفعال (النشط) والتعلم السلبي:

إنَّ السمة الأساسية التي تميز أساليب التعلم هي طريقة تطبيق الطلاب لأفكارهم الخاصة من خلال عملية التعلم؛ فبينما يشجع التعلم الفعال (النشط) طريقة موضوعية للتفكير المتباين والمتنوع بين الطلاب، يعزز التعلم السلبي التفكير المتقارب والمتشابه، بحيث تشير معرفة الحلول التقليدية الخاصة بكل مشكلة إلى التقدم والتطور.

لكل أسلوب من أساليب التعلم محاسنه وسلبياته وحالاته الخاصة، بحيث يكون تطبيق أحدهما أكثر ملاءمة من الأخر؛ ونقدم فيما يأتي أوجه الاختلاف الرئيسة فيما بينهما:

1. التواصل:

يكون التواصل في الغالب عملية ذات اتجاه واحد بالنسبة إلى أسلوب التعلم السلبي، وتُعدُّ هذه الحالة بمثابة "لجوء إلى مصدر للمعلومات"، وهي الطريقة التي تتبعها عندما تحاول تعلم أمر معين بنفسك، فتبدأ البحث عن الدورات التعليمية عبر الإنترنت، حيث يُعدُّ التعلم الذاتي عملية تلقينية تعتمد على التزام المتعلم؛ بينما يشجع التعلم الفعال (النشط) التواصل بين مجموعات المتعلمين، والنقاشات فيما بينهم، وجلسات الأسئلة والأجوبة التفاعلية.

2. مسؤولية إعداد الوسائل التعليمية:

تقع مسؤولية إعداد أدوات ووسائل الدورة التعليمية ولوازمها كافة على عاتق المعلم في أسلوب التعلم السلبي، حيث يستخدم الطلاب والمتعلمون ما يحصلون عليه من الوسائل التعليمية، ومن النادر أن يضيفوا مزيداً منها لتساعدهم على التعلم.

لكن، تختلف الحالة هذه بالنسبة إلى التعلم الفعال (النشط)، حيث يُشجَّع المتعلمون على البحث عن معلومات ووسائل تعليمية جديدة باستمرار، وعلى المناقشات الجماعية في الأمور المختلفة وحل المشكلات.

3. التقييم:

تُحدَّد طرائق التقييم بدقة متناهية في أسلوب التعلم السلبي، حيث يوجد إجابة واحدة صحيحة لكل سؤال يُطرَح؛ في حين تتسم طرائق التقييم بالمرونة في أسلوب التعلم الفعال (النشط)، حيث يركز نمط التعليم هذا على تعزيز الفهم لدى الطلاب بدلاً من اختبارهم باستمرار، ممَّا يسمح لهم بتوسيع نطاق تفكيرهم وإطلاق العنان لإبداعهم.

قد يؤثر فقدان المتعلم التزامه تأثيراً كبيراً في حالة التعلم السلبي، حيث لا يوجد حافز خارجي كافٍ للاستمرار في التعلم؛ بينما يعتمد التعلم النشط على بذل جهد تفاعلي من مجموعات المتعلمين وزملائهم في التدريس لتحقيق النجاح.

إقرأ أيضاً: أهم مهارات المعلّم الناجح وصفاته الأساسيّة

ما هي أفضل طريقة للتعلم بفاعلية؟

لدى كلٍّ من نمطي التعلم الفعال (النشط) والسلبي حالات خاصة، حيث يكون تطبيق أحدهما أكثر ملاءمة من الآخر كما ذُكِر أعلاه؛ فبينما يمكن للتعلم الفعال (النشط) تحقيق نتائج أفضل في بيئة دراسة جماعية، يكون التعلم السلبي محل تقدير كبير عندما يرغب المتعلم المُحفَّز بالحصول على أقصى الفوائد دون أي تدخل من قبل طلاب آخرين.

يساعد التعلم السلبي على حصر تركيز الطلاب بكلام المعلم والأدوات التعليمية، ويُعدُّ هذا النمط أكثر فائدة وملاءمة عندما يحاول أحد الأشخاص التعلم ذاتياً باستخدام الكتب والمحاضرات من خلال الإنترنت ووسائل الدورات التعليمية؛ فهو ينطوي على مناقشة قليلة، ويوجه نحو تلقي المعلومات أكثر من البحث عنها، ويمكن أن يكون مفيداً عندما تحضر لاختبارات تنافسية.

من ناحية أخرى، يُستخدَم التعلم الفعال (النشط) بصورة أفضل عندما تحاول البحث عن معلومات جديدة وتربط التعلم بأمور الحياة الواقعية؛ حيث يركز هذا الأسلوب من التعلم على طرح الأسئلة، وبذل جهد إضافي للبحث عن معلومات ووسائل تعليمية جديدة باستمرار.

إذاً ما هي الطريقة المثلى للتعلم؟

تُعدُّ أفضل طريقة للتعلم هي العثور على هدفك من هذه العملية ككل، وتطبيق نمط التعلم الذي يناسبك.

يعدُّ التعلم السلبي جيداً جداً إذا كنت تحاول النجاح في امتحان كتابي، أو اجتياز مقابلة تقنية لأجل عمل معين وتحتاج تقديم إجابات محددة عن أسئلتهم؛ ولكن يُعدُّ اتباع نمط التعلم الفعال (النشط) الخيار الأفضل إذا كنت تحاول تطوير مهاراتك التحليلية وإيجاد حلول جديدة للأمور التي تواجهك، حيث يوفر تجربة تعليمية أوسع؛ إلَّا أنَّ اتباع نمط التعلم هذا دون نهج مركز يمكن أن يبعد المتعلم عن الموضوع الأساسي.

كما ينبغي تصميم أنشطة التعلم الفعال (النشط) بعناية لتوفير مساحة للبحث عن المعلومات المطلوبة دون إغفال تقدم التعلم، فيجب أن يكون تقييم التغذية الراجعة جزءاً ضرورياً من عملية التعلم الفعال (النشط).

من جهة أخرى، يلعب حفظ المعلومات دوراً هاماً في نمط التعلم السلبي، بينما تُعزَّز الذاكرة عن طريق ربط التعلم مع أمور الحياة الواقعية من خلال التعلم الفعال (النشط)؛ لذلك يجب على كل فرد منَّا أن يكون متعلماً سلبياً قادراً على الحصول على المعلومات وفهمها من المصادر المحددة، وأن يكون مستعداً في الوقت نفسه للبحث عن معلومات ووسائل تعليمية جديدة باستمرار، ليكون بذلك شخصاً ناجحاً في التعلم الذاتي.

يُعدُّ التعلم السلبي -مثل المحاضرات والعروض التقديمية- أيضاً جزءاً هاماً من بيئات التعلم الفعالة (النشطة)، لكونه يعدُّ أكثر كفاءة في تقديم المحتوى وتنظيم نطاق التعلم.

إقرأ أيضاً: 10 طرق يمكن للمعلمين اتّباعها لجعل التعليم أكثر متعة

دمج نمطي التعلم هذين معاً:

يمكن أن تكون كلٌّ من أساليب التعلم السلبي والفعال (النشط) عناصر متلازمة للتجربة التعليمية، وذلك لضمان المشاركة الأفضل من قبل الطلاب؛ حيث يمكن دمج كلا الأسلوبين معاً في بعض وسائل التعلم الذاتي، وتحقيق نتائج أفضل وفق ما يأتي:

  • يمكن أن تكون وسائط الدورة التدريبية -كالمحاضرات ومقاطع الفيديو- بمثابة نقطة انطلاق لتجربة التعلم.
  • يمكن تطبيق قائمة بالموضوعات المختلفة، ثم توسيعها حسب الحاجة لتوفير مساحة للتعلم الفعال (النشط) عند اكتشاف موضوع فرعي يهمك أو مادة جديدة.
  • يمكن أن يبحث مستخدمو نمط التعلم السلبي عن أقرانهم في المنتديات عبر الإنترنت أو زملائهم الطلاب أو الخبراء للحصول على مزيد من المعلومات المعمقة حول الموضوع الذي يرغبون في تعلمه.
  • يمكن أن يساعد التعلم المعتمِد على المشاريع جنباً إلى جنب مع تقنيات التقييم التقليدية في تحفيز المتعلم الذاتي على فهم الموضوع الذي يتعلمه على نحو أفضل، حيث تتطلب المشاريع مشاركة نشطة والتزاماً من المتعلم في عملية التعلم.

عندما يتعلق الأمر بالتعلم، فليس من الحكمة تجاهل أحد الأسلوبين السلبي والفعال (النشط)؛ حيث يتطلب الحصول على المعلومات وفهمها نمط التعلم السلبي، بينما يتطلب اكتساب مهارات أوسع ورؤى أعمق أنشطة التعلم الفعال (النشط).

لذا طبق أفضل الطرائق التي تناسبك، والتزم ببذل جهدك في سبيل التعلم لتطلق العنان لإمكاناتك، وتحقق أقصى فائدة من التعلم.

 

المصدر




مقالات مرتبطة