التعاطف: تعريفه وبعض المعلومات عنه

إذا ما نظرنا إلى الإنسان، نجد أنَّه مجموعة من المشاعر والأحاسيس المجتمعة بجسد واحد التي تنم عن حالته النفسية وكيفية تعامله مع الآخرين، وهناك العديد من المشاعر التي تعزز تواصله وتفاعله مع الآخرين، ومن بين هذه المشاعر التعاطف الذي يُعَدُّ الصلة الروحية بين الناس الأكثر صدقاً.



1. ما هو مفهوم التعاطف؟

التعاطف هو قوة الاتصال؛ إنَّه إحساس بتجربة ما يمر به الشخص الآخر، ويُنظر إليه على أنَّه قدرة معرفية لتخيل السيناريوهات التي يعيشها الشخص الذي يمر في ظرف معين، أو الرغبة في حل المشكلات بناءً على تجاربه السابقة ومشاعره الصادقة في مساعدة الآخرين؛ إذ يجعل التعاطف الفرد قادراً على إنشاء علاقة نفسية وعاطفية مع شخص آخر.

كما أنَّه يمكِّن الشخص من الدخول في ذهن شخص آخر، وإذا شعر شخص ما بالارتباط مع شخص آخر عاطفياً فمن المستحيل إساءة معاملته إلا عن غير قصد، وعندما يتذكر الشخص تجربته مع المعاناة يقدر مشاعر الآخرين الذين يمرون بذات المعاناة، وهذا يجلب الشعور بالرغبة في مساعدة الشخص الذي يعاني.

2. ما هي أبرز فوائد التعاطف؟

يظهر التعاطف في التعليم وكذلك بين المعلمين والطلاب، ويصبح التعاطف صعباً عندما تكون هناك اختلافات بين الناس فيما يتعلق بالثقافة واللغة ولون البشرة والجنس والعمر، ويُعَدُّ التعاطف عاملاً محفزاً للسلوك غير الأناني، وإنَّ نقص التعاطف مشابه للسلوك المعادي للمجتمع، كما يطور التعاطف جذوراً عميقة في أدمغتنا كتاريخنا التطوري؛ فالتعاطف يعني أنَّ الشخص مستعد لمساعدة شخص ما، وهذا يُعَدُّ خطوة أساسية نحو العمل الرحيم.

يشكل التعاطف أحد أهم مكونات تكوين علاقات متناغمة، ويقلل من التوتر ويعزز الوعي العاطفي، فالناس المتعاطفون ينسجمون جيداً مع مشاعرهم وعواطفهم، وقد يكون الدخول في رأس شخص ما أمراً صعباً في بعض الأحيان، لكن يستطيع الإنسان المتعاطف تقدير حالة الإنسان النفسية، ويميل الناس إلى التعاطف عندما يستمعون لما يقوله الآخرون، كما يمكن للتعاطف أن يجعل الفرد قلقاً بشأن رفاهية فرد آخر.

يساعد التعاطف على جعل الفرد شخصاً أفضل من خلال فهم ما يفكر فيه الناس ويشعرون به، ويمكن للناس الاستجابة بشكل مناسب، ولا بد من الإشارة إلى أنَّ التعاطف يدعم الروابط الاجتماعية القوية كما يساعد على مجال الصحة الجسدية والنفسية، ويساعد التعاطف مع الآخرين على تنظيم مشاعر الشخص ويساعد الفرد أيضاً على إدارة مشاعره حتى في أوقات التوتر الشديد.

يساعد التعاطف الشخص على الانخراط في سلوكات مفيدة، فقد يكون بعض الناس أكثر تعاطفاً بشكل طبيعي من غيرهم، وإنَّ التعاطف مع الآخرين سيساعد على فهم معاناة الآخرين وتعزيز الانسجام في العالم.

باختصار يمكن القول إنَّ السبب الكامن وراء أهمية التعاطف هو أنَّه يساعدنا على فهم شعور الآخرين بشكل أفضل وحتى الشعور به في أنفسنا، ويساعدنا أيضاً على الحفاظ على العلاقات، ويؤدي دوراً في إملاء نجاحنا في العلاقات الشخصية والمهنية.

3. بعض المعلومات التي يجب معرفتها عن التعاطف:

  • يعدُّ التعاطف في الأساس سلوكاً مكتسباً.
  • تعتمد القدرة على التعاطف مع شخص آخر على سلوك كل فرد وتربيته وبيئته التي نشأ فيها.
  • يميل الأشخاص المتعاطفون إلى مساعدة الآخرين أكثر؛ إذ يكون لديهم حس المساعدة والتطوع أكثر من غيرهم.
  • يمكن أن تقلل المسكنات من قدرتك على التعاطف مع الآخرين.
  • يمكن أن يؤثر القلق والتوتر في التعاطف إلى حدٍّ كبير، وقد يكون هذا التأثير إيجابياً أو سلبياً.
  • يمكن للفرد أن يزيد من تعاطفه من خلال التأمل وممارسة الرياضات الروحية.
  • يميل جميع البشر إلى التعاطف مع الآخرين في آلامهم ومعاناتهم عموماً باستثناء قلة قليلة من البشر أصحاب القلب القاسي.
  • يمكن أن يقلل التركيب الجيني من تعاطف الفرد، لذلك يمكننا عَدُّ التعاطف من الصفات الموروثة.
  • تظل العلاقات سطحية والحياة ضحلة في غياب التعاطف، ولا يوجد فيها تناغم بين البشر؛ بل يعيش الناس حالة من الخمول والركود في المشاعر.
  • لا يتعلق التعاطف بالحدس؛ بل هو مجرد مشاركة الناس لمشاعرهم وأحاسيسهم فهو ليس علماً بالغيب أبداً.

شاهد بالفديو: 8 نصائح لإظهار التعاطف ومراعاة الآخرين

4. ماذا يحدث عند الإفراط في التعاطف؟

يتمتع بعض الناس بمستوى عالٍ من التعاطف فيصبحون ذوي طبيعة هشة أحياناً؛ إذ تغلب على حياتهم المعاناة عند سماعهم لأي خبر سيئ عن أي أحد، وهذا أمر خطير قد يحتاج أحياناً إلى معالجة نفسية؛ وذلك لأنَّه يعمل على جلد الذات، وهذا ما يعرف بفرط التعاطف.

يمكن التغلب على التعاطف المفرط عن طريق تحويل الشعور بالتعاطف إلى مهارة مكتسبة، ويجب فهم أنَّ التعاطف ليس سلوكاً؛ بل إنَّه يشكل جزءاً من مهارة، ويجب وضع حدود واضحة للتعاطف وأخذ كل شيء بطريقة عقلانية فكل هذا يمكن أن يقلل من أن يكون الشخص شديد التعاطف مع شخص ما.

إقرأ أيضاً: كيف نشجع على التعاطف مع الآخرين في مكان العمل؟

5. ما هي العلامات التي تدل على أنَّ الشخص يفتقر إلى التعاطف؟

  • يكون الشخص غير المتعاطف كثير الانتقاد للآخرين سواء بالحق أم بالباطل.
  • يكون الشخص غير المتعاطف غير مدرك لمشاعر الآخرين، فلا تلفت انتباهه معاناة الآخرين أبداً ويكون الأمر بالنسبة إليه طبيعياً.
  • يوجه الشخص غير المتعاطف اتهامات للآخرين بالحساسية المفرطة وأنَّهم يعطون الأمر أكثر مما يستحق، ويجد أنَّ معاناتهم غير مقنعة.
  • يبالغ الشخص غير المتعاطف في رد فعله تجاه أتفه الأشياء، فلا يراعي مشاعر الناس أبداً ولا يقيم لها حساباً.
  • لا يملك حس المبادرة أبداً في مساعدة الآخرين.
  • يعيش حياة فردية غالباً ولا يستطيع بناء علاقة قوية مع أي شخص.
  • يعاني من أمراض نفسية شتى.

6. التعاطف أمر فطري:

من المعتقد على نطاق واسع أنَّ البشر يولدون مع ميل إلى الشعور بما يشعر به الآخرون، وأحد أبرز النماذج التي تدافع عن وجهة النظر هذه هي "نموذج عمل الإدراك" لـ "بريستون ودي وال" (بريستون ووال، 2002)، وقد ينشأ هذا النموذج من نظرية الفعل الإدراكي للسلوك الحركي التي تشير إلى التمثيلات العلوية لأداء ومراقبة الإجراءات (Waal & Preston ،2017).

عند تطبيقه على الظواهر العاطفية يقترح أنَّ "الإدراك المراقب لحالة الكائن ينشِّط تلقائياً تمثيلات الذات للحالة والموقف والموضوع، وأنَّ تنشيط هذه التمثيلات يؤدي تلقائياً إلى إعداد أو توليد الاستجابة اللاإرادية والجسدية المرتبطة بها ما لم يتم تثبيطها".

يشير المشتق اسم الفاعل "المتعاطِف" إلى الشخص الذي يتعاطف، بينما يشير المشتق اسم المفعول إلى الشخص الذي يتم التعاطف معه، وتبرز هذه الآلية أنَّ أسباب التعاطف تختار العناصر الموجودة في البيئة التي تتطلب استجابة منها، وبعبارة أخرى الأشخاص عرضة لإظهار استجابات تعاطفية لتلك الأشياء التي يعتمدون عليها لتحقيق أهدافهم في حياتهم الشخصية.

يظهر هذا من الدراسة التي أجراها "تشابمان" وآخرون، التي تهدف إلى التحقيق في العوامل العاطفية والميول في الدافع لمساعدة الأطفال، واكتشفوا أنَّ التعاطف والشعور بالذنب يحفزان الأطفال على مساعدة الآخرين أكثر من غيرهم.

إقرأ أيضاً: التعاطف أساس النجاح في العلاقات الاجتماعية

7. ما هي صفات الأشخاص المتعاطفين؟

  • الأشخاص المتعاطفون لديهم قوة داخلية عميقة: قد يبدو الشخص المتعاطف إنساناً ضعيفاً يتأثر تأثراً فورياً، إلا أنَّه يملك قوة داخلية لا يستهان بها تتمثل في قدرته على التسامح والعيش بهناء والتمتع بسلام داخلي إلى حدٍّ كبير.
  • الأشخاص المتعاطفون يبحثون دائماً عن الحقيقة.
  • الأشخاص المتعاطفون صادقون 100% ويتوقعون الصدق من الناس 100%، ولربما تُعَدُّ هذه الصفة إحدى السلبيات.
  • الأشخاص المتعاطفون لديهم قلوب من ذهب: إذ يبادرون إلى مساعدة الناس القريبين منهم بكل صدق ويتمنون الخير لمن حولهم ويمتلكون قلباً أبيض ونية صافية غالباً.
  • يفهمون كيف يشعر الناس بشكل دقيق وما هي حالتهم النفسية والاجتماعية.
  • الأشخاص المتعاطفون يشعرون بالضيق في الأماكن المزدحمة ويتجنبونها كثيراً.
  • الأشخاص المتعاطفون لديهم حدس قوي للغاية.
  • الأشخاص المتعاطفون لا يتحملون أحياناً الألم جيداً.
  • الأشخاص المتعاطفون إما أشخاص محبوبون أو مكروهون ولا يوجد حل وسط أبداً.
  • يحاولون التركيز على كل شيء في وقت واحد.
  • الأشخاص المتعاطفون هم مستمعون جيدون لمشاعر الناس ومشكلاتهم.

شاهد بالفديو: كيف تستخدم التعاطف بفاعلية في العمل؟

8. أمر يتعلق بالتعاطف يجب الحذر منه:

كثيراً ما نجد أناساً يستغلون الأشخاص المتعاطفين ليحققوا مكاسبهم الشخصية؛ إذ يتقرب بعض الناس من الأشخاص المتعاطفين ويظهرون لهم على أنَّهم بحالة سيئة وبحاجة إلى المساعدة، وهذا يثير مشاعر الشفقة لدى الأشخاص المتعاطفين ويقومون بحسن نية بمساعدتهم ومدِّ يد العون لهم، على الرغم من الأشخاص الذين يدعون سوء الحال هم مجرد كذبة يتاجرون بمشاعر الناس ويستغلون الطبية الموجودة داخلهم.

في الختام:

إنَّ الإنسان المتعاطف هو إنسان واسع الصدر طيب الخلق يستطيع أن يتفاعل مع الناس جميعاً، ولطالما ينجذب إليه الناس لما يرون من صدق مشاعره وعدم إظهاره الشماتة عند تعرض أحد الأشخاص للبلاء، وبذلك نستطيع أن نقول إنَّ الإنسان من خلال مشاعره الصادقة يمكنه أن يكون إنساناً محبوباً يُعتمد عليه في الملمات، لكن يجب عليه الحذر من شيء واحد في عصرنا الحالي ألا وهو الابتزاز؛ إذ يندر في هذا الوقت وجود إنسان صادق، لذلك يكون أحياناً مصدراً للاستغلال.




مقالات مرتبطة