التعاطف أساس النجاح في العلاقات الاجتماعية

عندما يشعر أحدنا بالضيق لسبب ما، فإنَّه يحب أن يجد إنساناً يتحدث إليه، ولا شك أنَّه إذا وجد شخصاً ينصت إليه ويتفهَّم مشاعره، فإنَّ ذلك سيخفف عنه شيئاً من هذا الضيق؛ حيث إنَّ التعاطف مع الآخرين؛ أي الإحساس بمشاعرهم وإشعارهم بتفهُّم هذه المشاعر هو من صفات الإنسان الذكي عاطفياً.



إنَّنا ننجذب فطرياً إلى الأشخاص الذين يتفهمون مشاعرنا ونُعرض عن الأشخاص الذين لا يشعرون بنا، ولكي ينجح الإنسان في قراءة مشاعر الآخرين يجب أن يكون قادراً على قراءة مشاعره وتأثيرها في تصرفاته، عندها يستطيع أن يُجري القراءة المعاكسة، وأن يعرف مشاعر الآخرين من خلال تصرفاتهم.

مراعاة مشاعر الآخرين:

إنَّ من أهم حاجات الإنسان في هذا الوجود حاجته إلى أن تُقدَّر مشاعره من قِبل الآخرين ويعتمد تقدير المشاعر على ثلاثة أمور:

  1. إدراك هذه المشاعر: فأنت ترتاح للشخص الذي يراك منزعجاً فيقول لك: أراك منزعجاً بشدة.
  2. تفهمُّها دون الحكم عليها: نحن نشعر بالارتياح أيضاً، عندما يتفهَّم الآخرون مشاعرنا دون أن يبدوا رأيهم فيها، كأن نسمع مثلاً: أُدرك تماماً أنَّ هذا الأمر مزعج بالنسبة إليك.
  3. التعاطف: وهو كما قلنا الإحساس بمشاعر الآخرين، ويمكن التعبير عن ذلك بطرائق عديدة، منها مثلاً أن يقول الشخص الذي يريد التعاطف مع شخص آخر: أفهم تماماً ما تشعر به، فقد مررت بهذا الشعور من قبل.

عدم احترام مشاعر الاخرين:

إذا كان تقدير مشاعر الآخرين يريحهم، فإنَّ أكثر ما يزعج الإنسان هو إحساسه بأنَّ الآخرين لا يقدرون مشاعره، ويمكن أن يتم ذلك بأشكال عديدة منها:

  1. تجاهل المشاعر: كأن يكون الإنسان متجهماً بسبب شعوره بالحزن فيأتي مَن يقول له: لماذا العبوس؟ ابتسم؛ حيث إنَّ مطالبة شخص حزين بالابتسام هو تجاهل تام لمشاعره، وهو لا يروِّح عن هذا الشخص؛ بل على العكس يزيده شعوراً بالحزن والعزلة.
  2. إخبار الآخرين أنَّ هذه المشاعر غير طبيعية: تضايقت سعاد من تصرُّف هند معها، فما كان من أمل إلا أن قالت لسعاد: أنت حساسة زيادة عن اللزوم، ربما كانت أمل تحاول التخفيف عن سعاد، إنَّ اختلاف المشاعر بين الناس أمر طبيعي ولا يحق لنا أن نتهم مشاعر الآخرين بأنَّها شاذة أو غير طبيعية لمجرد أنَّنا لا نوافق عليها.
  3. إخبار الآخرين كيف يجب عليهم أن يشعروا: هل سمعت أحياناً من يقول لك: لماذا تحب هذا الإنسان، أنا لا أرى فيه شيئاً يستحق الإعجاب؟ إنَّ مشاعر الإنسان هي هويته، وعندما نطلب من الآخرين أن يشعروا مثلما نريدهم أن يكونوا امتداداً لنا، وأن تكون مشاعرهم امتداداً لمشاعرنا؛ أي أنَّنا نمحو هويَّتهم ونعتدي على حقهم في الوجود كأشخاص مستقلين عنا؛ لذلك ينزعج أحدنا انزعاجاً شديداً حينما يخبره الآخرون كيف يجب عليه أن يشعر تجاه أمر ما.

مهارة التعاطف:

إنَّ مشاعر الإنسان جزء من ذاته، ولا يحق لنا أن نحاكم هذه المشاعر أو أن نسخر منها؛ بل يجب أن نقف أمامها باحترام، وأن نتفهَّمها ونتقبلها كما هي، نعم قد تبنى مشاعر الآخرين أحياناً على أساس معلومات خاطئة أو ناقصة فتقوم بإصلاح هذه المعلومات أو إكمالها، وقد تبنى المشاعر أحياناً على معالجة خاطئة من وجهة نظرنا لمعلومات معينة، فنبين للآخرين المعالجة التي نراها صحيحة، لكن على جميع الأحوال نحن نعترض هنا على معلومات الآخر أو طريقة معالجته لمعلومات معينة، أما مشاعره فيجب ألا نعترض عليها أبداً.

إنَّنا عندما نتعامل مع الآخرين على أساس تفهُّم مشاعرهم واحترامها، ندفعهم إلى تفهُّم مشاعرنا واحترامها، وفي هذا النوع من العلاقات تقل المشكلات وسوء الفهم، وتزداد القدرة على حل الخلافات والعمل المشترك مهما كان هناك اختلاف في الطبائع وأنماط التفكير.

إنَّ التعاطف مع الآخرين يحتاج إلى استقرار عاطفي، فالإنسان الذي تستهلكه عواطف القلق أو الخوف أو الحزن ينخفض إحساسه بمشاعر الآخرين، ولذلك علينا ألا نلوم الآخرين إذا لم يتعاطفوا معنا إذا كانوا في حالة نفسية غير مستقرة.

يعتمد التعاطف مع الآخرين على قراءة مشاعرهم من خلال تصرفاتهم وتعابير وجوههم، وقد أُجرِيت تجربة عرض فيها شريط فيديو صامت مدته 45 دقيقة يعرض حركات أشخاص وتعابير وجوههم في حالات شعورية مختلفة، وطُلب من 700 مشارك من 18 دولة مختلفة أن يجدوا الحالة الشعورية لكل شخص من خلال قراءة لغة جسده، وتبين أنَّ الذين حققوا أعلى نسبة من القراءة الصحيحة لحركات وتعابير الآخرين كانوا أكثر المشاركين نجاحاً اجتماعياً واستقراراً عاطفياً.

شاهد بالفيديو: 10 علامات تدل على الذكاء العاطفي العالي

مفهوم التعاطف:

التعاطف هو القدرة على أن نضع أنفسنا مكان شخصٍ ما في محاولةٍ منّا لفهمه وفهم حالته ووجهة نظره. التعاطف ليس مجرّد حالة أو تجربة فكرية تتم لمرة واحدة أو عدة مرات، بل يعبر التعاطف عن مدى ارتباط المرء بالمجتمع، وهو الذي يجعل المرء قادراً على فهم مشاعر غيره وهذا ما ينعكس بشكل إيجابي على الفرد وعلى الآخرين. حسب علماء الأنثروبولوجيا للتعاطف بعد ثنائي فالشخص الذي يوقظ رغبتنا بالتعاطف حقيقةً لا يقلّ أهميته عنّا، ذلك لأننا لا نقدّم التعاطف للجميع بشكل متساوٍ وهذا ما يؤكّد أهمية ودور الشخص الذي نقدّم له التعاطف، وتلعب كثير من العوامل الأخرى في إيقاظ أو تحريض قدرتنا على التعاطف، فالسياق الذي نوجد فيه والعادات والتقاليد تلعب دوراً مهماً في ذلك.

التعاطف في علم النفس:

التعاطف كما يقول علم النفس هو القدرة على فهم مشاعر وأفكار الآخر كائناً من كان، ويرى علم النفس أنّ عملية تطوير التعاطف عملية ضرورية لتطوير وتحسين العلاقات الاجتماعية، فهو انفتاحٌ على الآخر وفهمٌ لوجهة نظره.

هل هناك فرق بين العطف والتعاطف؟

يوجد فرق جوهري بين مفهومي التعاطف والعطف، إذ التعاطف يعبر عن قدرة الفرد على وضع نفسه مكان الشخص الآخر، كما لوكان هو تماما، وبالتالي تكون لدى الفرد القدرة على شعور كل ما يشعر به الطرف الآخر، في حين أن العطف هو شعور مؤقت ينتهي بانتهاء الموقف الذي ولّد شعور العطف.

إقرأ أيضاً: مقتطفات من كتاب الحكمة: الأسس العلمية للحكمة والتعاطف والخصال الحميدة

ما الفرق بين التعاطف والشفقة؟

هناك اختلاف جوهري بين مفهومي التعاطف والشفقة، فمن المعروف أن التعاطف هو امتلاك المرء قدرة الشعور بما يشعره الطرف الآخر، وفهم تلك المشاعر والأحاسيس ومشاركته إياها سواء كانت مشاعر فرح أم حزن، وهذا ما يؤدي إلى تمتين أواصر العلاقة الإنسانية بين الأفراد وتطوير العلاقات الاجتماعية، في حين أن الشفقة تعني الرحمة والإحساس بمعاناة الآخرين والرغبة بمساعدتهم على تجاوز هذه المعاناة، فالفارق إذاً يكمن في أنّ التعاطف يجعلك تفهم كلّ مشاعر الطرف الآخر، وهذا يعد أساسا لكثير من الفضائل، في حين لا تتجاوز الشفقة الرغبة بالتخفيف من الألم والمعاناة.

العاطفة والعقل في التعامل مع الآخرين:

كثيراً ما نطرح على ذواتنا سؤالاً يقول: لمن يجب أن تكون كفة الميزان راجحة للعقل أم للعاطفة في أثناء التعامل مع الآخرين في حياتنا اليومية؟

في الحقيقة وإن أردنا أن نصل إلى الجواب الصحيح، علينا أن ندرك تماماً أن الكفة يجب ألا ترجح لأحد الطرفين، بل يجب أن يكون هناك توازن بين العقل والعاطفة، وهذا التوازن هو الذي يحقق الاستقرار النفسي للإنسان، وهذا يعني أنه من غير الجيد أن يكون المرء عقلاني بالمطلق، فيفقد قدرته على التعاطف مع الآخرين، وفي ذات الوقت يجب على المرء ألا يفرط في استخدام عواطفه ومشاعره بطريقة تجعله منقاداً إليها، وهي التي تسيره، لأن من شأن هذا أن يوقع المرء في كثير من المشكلات، فالحل إذاً في التوازن بين الدوافع العقلية والدوافع العاطفية عند التعامل مع الآخرين.

أنواع التعاطف:

هناك أنواع متعددة للتعاطف ومنها:

1. التعاطف المعرفي:

هو التعاطف الذي ينشأ بسبب فهم أفكار الشخص الآخر ووضع أنفسنا مكانه. هو تعاطف محدد لأنّه قائم على وجهة نظر الآخر.

2. ضائقة شخصية:

أو ما يسمّى متلازمة التعاطف، التعاطف العاطفي، العدوى العاطفية. يغرق المتعاطف بمشاعره ويحسّ حرفياً بمشاعر الشخص الآخر في هذا النوع وهذا ما يسبب ضغطاً كبيراً له، ويحدث عندما تشاهد أحد الأشخاص يعانون.

إقرأ أيضاً: 3 ممارسات تأملية تُعزِّز التعاطف

3. الاهتمام التعاطفي:

هو القدرة على معرفة الحالة العاطفية للأخرين ومداراة مشاعرنا بالانزعاج وعدم الراحة بسبب شعورنا بنوع من الارتباط العاطفي مع الآخر، الشخص في هذا النوع من التعاطف قادر على تقديم المساعدة ولا يكون حبيساً لمشاعره كما يحدث عند الضيق.

4. التعاطف الجسدي:

هو الشعور بالألم الجسدي لشخص آخر كما لو أننا نحن المصابون.

إيجابيات وفوائد التعاطف مع الآخرين:

يعود التعاطف بكثير من الفوائد والإيجابيات سواءً على الشخص نفسه أو على الآخرين، فالشخص المتعاطف أكثر قدرة على إدارة التوتر والتعامل معه. كما أنّ التعاطف يُعزز وينمي مهارات التواصل مع الآخر، ويجعل العلاقات الاجتماعية أمتن وأقوى، وهذا ما ينعكس إيجابياً على صحة الشخص النفسية وعلى صحّة المحيطين به.

شاهد بالفيديو: 8 طرق لاستثمار الذكاء العاطفي في كسب محبة الناس

تحليل الشخصية العاطفية:

لمعرفة لأي درجة أنت عاطفي يمكنك القيام بالاختبار التالي لتحليل الشخصية العاطفية:

  1. هل تنفعل عند مشاهدة مباراة لكرة القدم؟ ( نعم لا أحياناً).
  2. هل تستخدم القبل والأحضان لإظهار الحب؟ (نعم لا أحياناً).
  3. هل من الطبيعي عندك التحدّث مع الغرباء؟ ( نعم لا أحياناً).
  4. هل تغار وتحسد غيرك على النجاح؟ (نعم لا أحياناً).
  5. هل تنفعل بسهولة؟ (نعم لا أحياناً).
  6. هل لديك حيوان أليف؟ (نعم لا أحياناً).
  7. هل تحبّ حضور عروض المسرح الإيحائي؟ (نعم لا لا أعلم).
  8. هل تقع دائماً في مشاكل مع الآخرين؟ (نعم لا أحياناً).
  9. هل تحبّ قول النكات؟ (نعم لا أحياناً).
  10. هل تسعد بصحبة الأطفال؟ (نعم لا أحياناً).
  11. هل تكره السياسيين؟ (نعم لا أحياناً).
  12. هل تكره البعض دون سبب؟ (نعم لا أحياناً).
  13. هل عبرت عن تجاوز مرحلة المراهقة بالبكاء؟ (نعم لا لا أتذكر).
  14. هل تتعرض كثيراً للحوادث عند قيادة السيارة؟ (نعم لا أحياناً).
  15. هل تُحرَج بسهولة؟ (نعم لا أحياناً).

الذكاء العاطفي:

الذكاء العاطفي هو القدرة على فهم وإدراك واستخدام المشاعر والعواطف وإدارتها، سواءً تلك المتعلقة بالشخص نفسه أو بالآخرين وهذا ما يجعل الشخص الذكي عاطفياً قادراً على التصرّف بشكل مناسب وقادراً على التكيّف مع الآخرين وفهمهم.

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة