التشاؤم: علاماته، وأسبابه، وأعراضه، وطرائق علاجه

"لن أنالَ هذه الفرصة، فأنا أعرف حظِّي جيداً"،

"لا تأتي المشكلات فُرادى، فالحياة عبارة عن مطبّات متلاحقة"،

"حتى لو بدا الأمر إيجابياً، إلّا أنّه لن يكتمل؛ هكذا هي الحياة"،

"الدنيا دار شقاء وبلاء، والسعادة موجودة في الآخرة فقط"،

"قُل لي عن أيّ إيجابيّةٍ تتحدّث، لا يوجد شيءٌ إيجابي، إنّنا نكذب على أنفسنا"،

"كيف أتفاءل، والفقر والمشكلات والظلم والهموم منتشرين في كلّ مكان"،

"أنا إنسانٌ واقعي، لست سلبياً أو مُتشائماً".

تغزو هذه الجمل وغيرها الكثير حياتنا يومياً، مُؤثِّرةً في قناعاتنا الإيجابية الخاصة بالحياة والأشخاص والمستقبل، ومُخلخلةً توازننا وسلامنا، هادمةً كلّ بناءٍ سليمٍ صحّيٍ مُعافى بنيناه من أجل استقرارنا؛ هكذا حتى نغدو نحيا حياتنا مقاومين الأشخاص ذوي الطاقة السلبية، باذلين ما بوسعنا من أجل إصلاح نظرتهم عن الحياة. فما هو التشاؤم، وما هي علاماته، وما هي أسباب التشاؤم، وأعراضه، وطرائق علاجه؟ هذا ما سنتعرّف عليه في هذا المقال.



1. تعريف التشاؤم:

التشاؤم هو مجموعةٌ من الأفكار اللاإراديّة التّلقائية السّلبية، التي تنهال على الشخص فيُصدّقها ويتفاعل معها ويستسلم لها.

علماً أنّنا جميعاً نتعرّض لمثل هذه الأفكار المتعلقة بهواجسنا عن حياتنا ومستقبلنا، لكنّ الشخص المتشائم يستسلم لها ويجعلها تقود مشاعره ومن ثمّ سلوكه.

2. علامات التشاؤم، كيف تعرف أنّك شخصٌ متشائم؟

إنّ منهجية "التركيز على النصف الفارغ من الكأس وتجاهل النصف الملآن"، من شأنها أن تُثبِّط عزيمتك على العمل والنجاح، كما تُعيق نموّك العاطفي والأسري.

يرى المتشائم "الصعوبة في كلّ فرصة"، بينما يرى المتفائل "الفرصة في كلّ صعوبة". فما هي علامات كونك متشائماً؟

2. 1. تشويه النّصر:

يجد المتشائمون صعوبةً في ربط أفكارهم مع النتيجة النّهائية؛ فلنفترض أنّ الشخص المتشائم حصل على الوظيفة التي كان يبحث عنها، فبدلاً من تقديره لنفسه وجهوده، يعزي ذلك إلى الحظ والصدفة.

إنّ التقليل من أهميّة النتائج الإيجابيّة وعدّها محض صدفة، يُعِيق من تقدمّ الشخص المهني والشّخصي.

2. 2. افتراض أنّ الأمور لن تنجح:

يفترض المتشائمون أنّه بغض النّظر عن الجهد المبذول، إلّا أنّ الأشياء التي يريدونها ستفشل، فيتوقّعون النتائج السلبيّة حتى قبل حدوث الأمر.

على سبيل المثال: عندما يتقدّم شخصٌ متشائمٌ إلى وظيفةٍ ما، يتوقّع تلقائياً أنّه لن يتمّ قبوله.

تظهر علامة التشاؤم عندما لا ينجح الأمر بالفعل، فتكون ردة فعله: "أنا لست مندهشاً"، "لقد توقعتُ هذا الأمر"، سيُدخِل نفسه في دائرةٍ سلبيّةٍ مغلقة؛ من خلال توقّعه الأسوأ وتعزيز ميوله السلبية عند حدوث أمرٍ سلبي.

2. 3. قتل أحلام الآخرين:

عندما تُشارك شخصاً متشائماً شغفك في الحياة، وأحلامك، وتفاؤلك، وثقتك بنفسك وبالمستقبل، ستجد أنّه سيُقلّل من أهمية اندفاعك، وسيُضعِف من عزيمتك، ويُذكِّرك بالعراقيل والصعوبات التي ستواجهك. إنّهم حقاً أشخاصٌ ماصّين للطاقة.

2. 4. الاستسلام بسهولة:

يتخلّى المتشائمون عن أعمالهم عندما يشعرون بضغطٍ كبير وصعوباتٍ شديدة، فمُقاومتهم منخفضة بالمقارنة مع الأشخاص المتفائلين الذين يعدّون صعوبات الحياة بمثابة تحدياتٍ تساعدهم على اكتشاف طاقاتهم ومواهبهم وشغفهم.

2. 5. الغضب وصعوبة التسامح مع الآخرين:

يميل المتشائمون إلى التمسّك بالغضب والمرارة والاستياء، ممّا يستنزف أجسادهم وعواطفهم. كما يوثّر الافتقار إلى المغفرة في العلاقات مع الآخرين على التوازن النّفسي للشخص.

إقرأ أيضاً: نصائح فعّالة لتزرع التفاؤل في حياتك

3. أسباب التشاؤم:

أسباب التشاؤم هي العوامل التي تدفع الأشخاص إلى النظر إلى الحياة بنظرة سلبية وتوقع الأحداث السيئة. قد تنبع أسباب التشاؤم من مجموعة متنوعة من العوامل مثل:

3. 1. أخطاء في التفكير:

يعاني الشخص المتشائم من حالة التعميم السلبي، الناتجة من أحد أمرين:

  1. الخبرات السابقة السلبيّة التي تُخلَق نتيجة الضغوطات الكبيرة التي يمرّ بها.
  2. التّشوه المعرفي والمعتقدات المغلوطة؛ مثل: "الدنيا دار شقاء"؛ لكن الحقيقة أنّ فكرة الزّهد في الحياة فكرة مغلوطة تماماً، فالمؤمن الصالح هو مَن يستمتع في دنياه وفي آخرته، حيث قال تعالى: ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [سورة الحديد:20]، ومتاع هنا تعني المتعة والسرور. ومن جهةٍ أخرى، فإنّ الله الذي وهبنا كلّ الإمكانات والطاقات والملكات وذلّل أمامنا الصعوبات، لن يبخل علينا مُطلقاً في أن نكون سعيدين في دنيانا. لكن يجب علينا الأخذ في الأسباب.

تُؤثِّر المعتقدات الخاطئة على عقلية مجتمعٍ كامل، وتحوّله إلى مجتمعٍ متشائمٍ وضعيفٍ وهَشّ.

3. 2. السكون وانعدام الطاقة:

لا تأتي السعادة إّلا من السّعي، فلكي نجذب الأمور الإيجابيّة علينا أن نسعى إليها، وأن نمارسها؛ أمّا مَن يبقى منتظراً السعادة دون أن يسعى؛ فلن يكون مُستمتعاً في حياته.

3. 3. عدم الثقة في النفس:

تنبع ثقتنا في الله من ثقتنا بأنفسنا، قال تعالى: ﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [سورة الذاريات:21]؛ حيث يبدأ التفكّر والتّدبر والإدراك من ذواتنا، ومن ثم يتحوّل إلى إدراكنا لخالقنا، ومنه إلى جميع المخلوقات.

المتشائم شخصٌ غير واثق في نفسه وبقدراته، ويتغنّى بإنجازات الآخرين، ويُعمّم نظرية عدم الثقة على جميع الأشياء والأشخاص.

على سبيل المثال: إذا جرّبتَ علاج الشخص المتشائم بأن تقول له: "انظر إلى عطايا الله ونعمه، كيف تكون متشائماً ولديك هذه النّعم؟"، فسيجيبك: "لا يهمني، أريد أن أكون مرتاحاً فقط"، إذاً فهذا العلاج لن يُحفّز المتشائم على تغيير حالته، عليك أن تُعزز ثقته بنفسه أولاً، وأن تجعله يكتشف نفسه أكثر ويُدرك الأشياء التي تجعله سعيداً، وأن يشعر بقيمة وجوده على الأرض، وأن يستكشف رسالته الخاصة؛ فعندما يَعي حقيقته كإنسان ويُقدر ذاته، سيُقدِّر تلقائياً خالقه ونعمه.

3. 4. غياب الرغبة الحقيقية (الدافع) إلى التغيير:

المتشائم شخص مستسلم للظروف الخارجية، ومسلوب الإرادة للقيام بخطوات تساعده على التحرر من مشاعره السلبية.

يستجيب المتشائم لتعليقات الآخرين وتهكّماتهم؛ نتيجة ضعف ثقته في نفسه. ولا يملك الدافع من أجل وضع حدٍّ للآخرين واعتزال كلّ مَن يُقلّل من قدراته وإمكاناته.

3. 5. التمركز حول الذات:

يفكر المتشائمون في الأِشياء السلبية التي مروا فيها فقط؛ كأن يتذكروا ما فقدوه من فرصٍ، ما اختبروه من تجارب مؤلمة، ما خسروه من أموال. ويميلون إلى إيجاد مشكلةٍ لكلّ حلّ؛ فمهما قدّمتَ لهم من حلول سيبقى تركيزهم على المشكلات، وعلمياً: "ما تُركِّز عليه في حياتك، ينمو ويكبر"؛ لذلك ستزداد مشكلاتهم وهمومهم.

3. 6. الأصدقاء السلبيين:

قد يكون الشخص متشائماً نتيجة وجوده في مكان يعجّ بالأشخاص السّلبيين الماصّين للطاقة والأحلام. ويكون الحلّ في هذه الحالة، الابتعاد عن هؤلاء الأشخاص والتّقرب من الأشخاص المتفائلين والشغوفين والمولّدين للطاقة والمرح.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتحافظ على الإيجابية إذا كنت محاطاً بالأشخاص السلبيين

4. الآثار السلبيّة للتشاؤم:

فيما يلي بعض الآثار السلبية للتشاؤم:

4. 1. يُسبّب الاكتئاب وغيره من المشاكل العقلية والعاطفية:

تمتد الآثار السلبية للتشاؤم إلى أكثر من مجرّد النظرة السلبية للأمور وفقدان الأمل، فقد تُسبّب الاكتئاب؛ إذ يمكن أن يؤدي الشعور المؤلم بأنّ الأمور ستتعرقل دوماً إلى ظهور أفكار اكتئابية، بالإضافة إلى مشكلات أكثر خطورة مثل: الألم المزمن والغضب والأرق وسوء النظام الغذائي.

4. 2. يؤدي إلى إهمال الناس لصحتهم:

يسبّب التشاؤم أيضاً مشكلات صحية؛ وذلك لأنّ الناس المتشائمون يميلون إلى أن يكونوا مهملين جداً لصحتهم.

من بين المشكلات الصحية التي يسبّبها التشاؤم: مشكلات القلب وارتفاع ضغط الدم والسمنة وارتفاع الكوليسترول في الدم وقلة النشاط البدني.

4. 3. يؤدي إلى اتخاذ خيارات سيئة في الحياة:

نادراً ما يتخذ المتشائمون خيارات في حياتهم، وإذا فعلوا ذلك، فعادةً لا تصبّ في مصلحة مستقبلهم، لأنّهم لا يعتقدون أنّ الأمور ستكون إيجابية بتاتاً.

إنّه أحد الأسباب التي تجعلهم أقلّ اهتماماً في صحتهم؛ فينغمسون في العادات غير الصحية مثل التدخين والشرب وتناول الأطعمة غير الصحية. كلّ هذا يمكن أن يؤدي إلى تدهور صحتهم.

5. أنواع التشاؤم:

يوجد نوعان من التشاؤم، التشاؤم الواعي والتشاؤم اللاواعي:

5. 1. التشاؤم اللاواعي:

لا معنى أو هدف له، ولن يقودك إلّا إلى الاكتئاب، وينبغي التخلص منه، وهو ما تكلمنا عنه في الفقرات السابقة.

5. 2. التشاؤم الواعي:

تشاؤم مفيد، ففي مرحلة التخطيط كُن متشائماً، وافترض الأسوأ دائماً؛ كي تكون قادراً على صنع خطة جيدة. من الخطر أن تكون متفائلاً في هذه المرحلة؛ لأنّ ذلك سيؤدي إلى عواقب في غاية السوء؛ ففي حال دراستك للامتحان لا تتوقع أن تكون الأسئلة غاية في السهولة، بل توقع أنّها ستكون صعبة؛ لكي تدرس بشكلٍ أفضل. يبقيك التشاؤم الواعي حذراً ومتيقظاً وعلى استعدادٍ لمواجهة المشكلات المُحتملة.

6. التخلّص من التشاؤم (علاج التشاؤم):

يتمثل قانون الحياة بمقولة: "كلّ متوقّعٍ آتٍ، فتوقع ما تتمنّى". الشخص المتشائم لا يعي أهمية هذا القانون؛ فتجده لا يركز إلّا على الأمور السّلبية وبالتالي يزيد من سوداوية حياته.

يوجد عدة طرائق للتخلّص من التشاؤم منها:

6. 1. استيعاب قوة الخيال واستثماره في الخيالات الإيجابية:

لا يُفرِّق العقل بين الأفكار المُعاشه والأفكار المُتخيَّلة، مما يجعل الخيال أكبر قوة في حياتنا إن أحسنَّا استخدامه، فإتقاننا لفن الخيال، وفسح المجال لعقلنا في تخيّل الأمور الإيجابية؛ سيجعلنا ننعم بالمتعة والراحة.

أمّا في حال الاستسلام للخيالات السلبية كالشك وتوقّع الخيانة وتوقّع الأذيّة، فسنودي بحياتنا إلى التهلكة.

قف مع نفسك واسأل نفسك: "كم أرهقتَ روحك وجسدك، من أجل تخيلات سلبية غير مُبرَّرة، ومُدمِّرة؟

في حال تخيّلك لفكرةٍ سلبيّةٍ عن شخص، كفكرة أنّه ينوي إيذاءك، فاسترشد في تاريخ ذاك الشخص؛ فإن كان إيجابياً؛ فأبعد الفكرة مباشرة عن عقلك، وإن كان سلبياً؛ فخذ حذرك واحتياطاتك.

6. 2. السعي إلى الوصول إلى حالة التّقبّل:

يأتي شعورك بالألم والغضب والتشاؤم، من رفضك للأشياء. وكلما ازداد الألم والرفض، ازداد التصاق الشيء المرفوض في حياتك.

تساعدك حالة التّقبّل على أن تكون هادئاً، وقادراً على معالجة المشكلات، وإيجاد الحلول المناسبة.

تصل إلى التّقبُّل من وعيك أنّك مَن تَخلق واقعك، فتتحرّر بذلك من أسر الواقع، وتتأكد أنّك قادرٌ على تغيير النتيجة النهائية فلا يعود يقلقك ما أنت عليه الآن.

على سبيل المثال: إن كنت تلعب لعبة كومبيوتر، تكون متأكد من أنّك ستجتاز المستوى الأول منها وتصل إلى المستوى التالي، غير آبهٍ بوضعك الحالي وما يعترضك من صعوبات. فما يهمّك هو النتيجة وأنت واثقٌ من تحقُّقها؛ لذلك ستكون راضٍ ومستمتعٌ في وضعك الحالي.

6. 3. اكتشاف الرسالة الكامنة وراء الحدث السلبي:

لكلّ حَدَثٍ وجهان: وجهٌ إيجابيٌّ وآخر سلبي؛ طريقة تفسيرنا للحدث تُحدِّد مشاعرنا وسلوكنا.

تأكّد أنّ الله إيجابي، وأنّه لن يجعلك تختبر أمراً (ولو بدا سلبياً) إلّا لهدفٍ وغرض.

إقرأ أيضاً: التعامل مع الأفكار التشاؤمية

الخلاصة:

عندما كنتَ طفلاً، كنتَ تفكر أنّك تستطيع الحصول على أيّ شيءٍ في الحياة، أليس كذلك؟ هذا هو أبرز أسباب التشاؤم؛ وتلك هي فطرتنا التي شُوِّهت؛ فأصبحنا أشخاصاً متشائمين، هشّين، غير واثقين في أنفسنا. لنعود إلى فطرتنا الأساسية، فالكون كلّه مُسخّر لنا، طاقاتنا وإمكاناتنا رهيبة لكنّنا مَن يُحجّمها. سيكون الكون ملكاً لنا؛ إن نوينا نيةً حسنة، وسعينا إلى هدفنا في منتهى الصدق والشغف.




مقالات مرتبطة