التسويق الأخضر: مفهومه، تطوره، أهميته، أبعاده، وعناصره

بدأ الاهتمام بالبيئة يأخذ مساحة كبيرة من حياة المجتمعات منذ تبلور مفهوم التنمية المستدامة؛ إذ أصبح الحرص على تحقيق التوازن البيئي ومنع الاختلال في ميزان الطبيعة هدفاً رئيساً يسعى الجميع إلى تحقيقه بغية الحفاظ على مستقبل الأجيال القادمة مع التأكيد على تحقيق رفاهية المجتمع في الوقت ذاته.



رافق اتساع رقعة الأعمال التي يمارسها الإنسان خلال رحلة بحثه عن زيادة أرباحه انتهاكات صارخة في حق البيئة لا سيما من جهة استنزاف الموارد الطبيعية ونضوب مصادر الطاقة، فقد أدى تطور النشاطات الصناعية والتجارية إلى حدوث ضغط كبير على الموارد أدى إلى حدوث الاختلال في البيئة وأثَّر ذلك بدوره في صفاء حياة الإنسان، وهذا بدوره اضطره إلى مراجعة أخطائه التي تسببت بحدوث تلك الأضرار الجمة ودفعه باتجاه السعي الحثيث إلى إيجاد الحلول لإعادة التوازن البيئي.

نتيجة الضغوطات التي مارستها الأطراف المنادية بالحفاظ على البيئة من جمعيات وهيئات مختلفة، وأيضاً عناية الحكومات بالقضايا البيئية وإصدار القوانين والتشريعات الكفيلة بحمايتها؛ بدأ اهتمام المؤسَّسات بالبعد البيئي وبدأ معه التفكير بضرورة تغيير أساليب الإنتاج وأنواع الخدمات وإيجاد الوسائل المناسبة للتخلص من المواد الناشئة عن الصناعة التي يتم استهلاكها يومياً وتلقي بأضرارها على البيئة وعلى المجتمع الإنساني عامة.

أصبح لزاماً على كل المنظمات والمؤسسات تحمُّل مسؤولياتها الاجتماعية والأخلاقية في النشاطات التي تمارسها لا سيما في نشاطها التسويقي، وذلك من خلال إعطاء الاهتمام الخاص والبالغ للبعد البيئي في استراتيجياتها التسويقية ومن هنا برز الاهتمام بنمط تسويقي جديد عُرف عالمياً بـ (التسويق الأخضر) الذي يتمحور حول حماية البيئة والتأكيد على استدامتها.

كيف ظهر وتطور مفهوم التسويق الأخضر؟

بدأت حركة الاهتمام بالتسويق الأخضر منذ بداية سبعينيات القرن الماضي؛ إذ أصدرت جمعية التسويق الأمريكية في عام 1975 أول كتاب بهذا الخصوص الذي حمل عنوان (التسويق الإحيائي) والذي ركز على دراسة سلبيات وإيجابيات النشاطات التسويقية على البيئة لا سميا المشكلات الخارجية منها مثل تلوث الهواء والصناعات الكيميائية والنفط.

بعد الأحداث البيئية الهامة التي شهدتها الثمانينيات والتي كان أهمها اكتشاف الثقب في طبقة الأوزون وأحداث مفاعل "تشيرنوبل" وتبدد حقول النفط في "ألاسكا" زاد اهتمام المجتمع بالبيئة وظهر معه مفهوم (التسويق البيئي) الذي كان الهدف منه هو حماية حق الإنسان في العيش في بيئة سليمة، فقد ركزت اتجاهات التسويق على التكنولوجيا النظيفة التي تسعى إلى إيجاد الابتكارات لمنتجات جديدة تأخذ القضايا البيئية بالحسبان، ومنذ بداية التسعينيات وتحديداً في عام 1992 درج استخدام مصطلح (التسويق الأخضر) على يد (ottoman) واستمر استخدامه حتى الآن.

مفهوم التسويق الأخضر:

لم يعد التسويق اليوم نشاطاً تقوم به المنظمة أو وظيفة من وظائفها الرئيسة فقط؛ بل أصبح الآن أكثر من مجرد وظيفة؛ إذ يعكس أسلوب تفكير المنظمة والفلسفة التي تعتمدها ضمن المجتمع الذي تعيش فيه، والتسويق عموماً هو النشاط المخطط والمنظم والمعد بشكل مسبق لغرض الترويج وتوزيع المنتجات والخدمات للعملاء الحاليين والمحتملين في المستقبل، فهو نشاط موجه لتحقيق التلاؤم المناسب بين النشاطات التي تمارسها المنظمة وما تقدمه من سلع وخدمات مع رغبات وحاجات الزبائن بهدف تحقيق الربحية وتكوين العلاقات المُرضية بين المنظمة وعملائها التي تعود بالنفع على الطرفين.

أسفر هذا المفهوم التقليدي للتسويق الذي اعتمدته المنظمات والمؤسسات المختلفة أساساً في نشاطها الاقتصادي لوقت طويل عن عادات وأنماط استهلاكية مضرة بالبيئة والمجتمع، وقد نشأ مفهوم (التسويق الأخضر) بوصفه رداً على هذه الظاهرة الخطيرة، والذي عمل على الاهتمام بكل خطوة من خطوات الإنتاج للوصول إلى منتج بيئي نظيف تنتفي فيه التأثيرات السلبية ويحمل معه الكثير من التأثيرات الإيجابية التي تحافظ على البيئة.

ظهرت تعريفات كثيرة توضح المقصود من استخدام مصطلح (التسويق الأخضر) ونختار منها ما يأتي:

1. سامر البكري وأحمد نزار النوري في كتابهما (التسويق الأخضر):

"نظام متكامل يهدف إلى التأثير في تفضيلات المستهلكين بصورة تدفعهم نحو التوجه إلى طلب منتجات غير ضارة بالبيئة وتعديل عاداتهم الاستهلاكية بما ينسجم مع ذلك، والعمل على تقديم مزيج تسويقي متكامل قائم على أساس الإبداع بشكل يرضي هذا التوجه؛ إذ تكون المحصلة النهائية هي الحفاظ على البيئة وحماية المستهلك وتحقيق الربحية للمنشأة".

2. بولونسكي (polonsky):

"التسويق الأخضر أو التسويق البيئي أخذ في الحسبان كل النشاطات التي تستطيع أن تولد وتسهل أي نوع من التبادل الذي يهدف إلى إشباع الحاجات والرغبات الإنسانية، بحيث إرضاء هذه الحاجات والرغبات لا يكون له أثر سلبي في المحيط الطبيعي".

3. (Marinova):

أحد المؤشرات لعملية الاستدامة البيئية؛ وذلك لأنَّ عملية الاستدامة هي عملية اجتماعية معقدة لحل وإزالة التنافر بين المؤسسة والزبائن.

4. منذر المهتدي:

"جميع النشاطات المصممة لتحويل أيَّة عملية تغيير مقصودة وتسهيلها لإشباع الحاجات الإنسانية مع حد أدنى من التأثير الضار في البيئة الخارجية"، كما عَدَّه بأنَّه "مدخل إداري خلاق يهدف إلى تحقيق المواءمة بين حاجات الزبائن ومتطلبات البيئة وهدف الربحية".

مهما تعددت التعريفات التي توضح المقصود بالتسويق الأخضر فإنَّ جميعها تتفق في نقاط عدة هي أنَّ التسويق الأخضر ذو بعد إنساني وبيئي، وأنَّه يهدف إلى كسب ولاء العملاء والحصول على رضاهم، ومن النقاط المشتركة والهامة أنَّه يمثل الرابطة الأساسية التي تجمع المنظمة والمجتمع الذي توجد فيه.

شاهد بالفيديو: 8 حلول للحد من ظاهرة التلوث البيئي

أهمية التسويق الأخضر:

إنَّ قيام المنظمة بتبني مفهوم التسويق الأخضر يجعلها على علاقة طيبة مع المجتمع الذي توجد فيه، إضافة إلى زيادة قدرتها على كسب رضى عملائها والمحافظة عليهم، فهو من أفضل النشاطات التي تحقق فوائد كبيرة للمنظمات على الإطلاق، ومن أبرز تلك الفوائد:

1. تحسين سمعة المنظمة:

نتيجة الأصوات المستمرة التي تنادي بحماية البيئة؛ أصبحت المجتمعات على وعي كامل بأخطار الانتهاكات التي تحدث ضد البيئة، وتحركت نتيجة لذلك قوى المجتمع المدني للدفاع عن البيئة ونشر التوعية بخصوصها، وبناء عليه فإنَّ المنظمة التي تتبنى فلسفة التسويق الأخضر ستحظى بالتأكيد بدعم المجتمع لها، فهي سوف تكون منسجمة مع أفكار المجتمع، وهذا بدوره سوف يساعدها على زيادة عملائها الحاليين وكسب عملاء مستقبليين.

إقرأ أيضاً: ما هي الاستدامة المؤسساتية وما هي أهميتها؟

2. اكتساب المنظمة للميزة التنافسية:

إنَّ قيام المنظمات بتبني فلسفة التسويق الأخضر التي تشجع عليها المجتمعات سوف يفتح أمامها فرصاً سوقية مغرية، فكلما كانت المنظمة سابقة في إيجاد قطاعات سوقية صديقة للبيئة امتلكت الميزة التنافسية وحققت النجاح لنفسها.

3. زيادة الأرباح وإرضاء المالكين:

إنَّ اتباع الأساليب الإنتاجية الصديقة للبيئة كإعادة التدوير أو استهلاك الطاقة بشكل أقل يحقق وفورات بالنسبة إليها، كما أنَّ التزام المنظمة بالقوانين والتشريعات التي تعمل على حماية البيئة سوف يلغي الملاحقات القانونية المحتملة أو دفع الغرامات، وكل ذلك سوف ينعكس فيما بعد على أرباحها انعكاساً إيجابياً، ومن ثمَّ إرضاء حاجات المالكين إلى حصد الأرباح واكتساب السمعة الحسنة في الوقت ذاته.

4. الحفاظ على استمرارية النشاطات:

تجنب المنظمة للمشكلات القانونية التي تنشأ بسبب المخالفات البيئية وتقديمها المنتجات الآمنة والصديقة للبيئة سوف يدفعها باتجاه الحصول على القبول العام في المجتمع، ومن ثمَّ الحفاظ على ديمومة نشاطاتها.

أبعاد التسويق الأخضر:

1. تقليل النفايات وإلغاؤها:

أصبحت كمية النفايات الكبيرة التي تنتج عن مختلف النشاطات أمراً مقلقاً لكافة المعنيين والمهتمين بشؤون البيئة؛ إذ يمثل التخلص منها هاجساً للجميع وعادةً ما يتم حرقها أو دفنها في التراب، وكلا الطريقتين تُعَدُّ أمراً خطيراً على البيئة؛ لذا يحرص التسويق الأخضر على رفع كفاءة النشاطات الإنتاجية التي تقلل من هذه النفايات وتشجع الوصول إلى إنتاج أشياء دون نفايات.

2. إعادة تشكيل مفهوم المنتج:

بحيث يعتمد الإنتاج اعتماداً أساسياً على مواد لا تضر بالبيئة واستهلاك أقل قدر ممكن منها، فضلاً عن الاتجاه نحو إعادة تدوير هذه المنتجات مرة أخرى بعد فترة من الزمن حين ينتهي المستهلك من استخدامها.

3. جعل التوجه البيئي مربحاً:

بسبب الاهتمام الكبير بالقضايا البيئية من قِبل الجميع أصبحت المنظمات تعي أهمية التسويق الأخضر وأنَّه يمثل فرصة سوقية مغرية سوف تمنح معها المنظمة الميزة التنافسية التي يمكن أن تتحول إلى مستدامة، فالتسويق الأخضر منفذ استراتيجي للمنظمات يمكن أن ينتقل بها إلى حيز جديد من المنافسة لا سيما مع تزايد المستهلكين الخضر يوماً بعد يوم.

شاهد بالفيديو: أنواع التلوث البيئي وطرق علاجه

عناصر المزيج التسويقي الأخضر:

1. المنتج الأخضر:

هو المنتج المصنع وفقاً لمعايير محددة تهدف إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية والتقليل من استهلاكها، ومن ثمَّ حماية البيئة وفي نفس الوقت الحفاظ على معايير الأداء، ويتميز هذا المنتج بأنَّه مصنوع من مواد خام متوفرة بكثرة في البيئة وليس من المواد النادرة، ويفضل استخدام المواد معادة التصنيع ولا يمثل أي خطر على الكائنات الحية سواء الإنسان أم الحيوان أم النباتات، وهو ذو عمر افتراضي طويل نسبياً بحيث لا يستغني عنه المستهلك خلال وقت قليل، كما يجب أن يكون التغليف قليلاً؛ وذلك تجنباً لتراكم المخلفات في البيئة، وأن يكون قابلاً للتدوير وسهل الإصلاح.

2. التسعير الأخضر:

يحتاج المنتج الأخضر إلى جهود كبيرة في مجال البحث والتطوير من أجل القيام بالتعديل المناسب على النشاطات الإنتاجية لجعلها كفوءة وتنسجم مع البيئة وتقلل من استنزاف الموارد الطبيعية وتراكم النفايات، وكل ذلك يؤدي إلى جعل سعر المنتج الأخضر أعلى من باقي المنتجات.

3. التوزيع الأخضر:

يقوم التوزيع الأخضر على التحرك باتجاه جعل المنتج الأخضر في متناول المستهلكين في الزمان والمكان المناسبين وبالسعر والجودة المطلوبين، ويترتب على ذلك العناية بعملية النقل وإدارتها بشكل يتواءم مع البيئة مثل اختيار أقصر الطرق واستخدام وسيلة النقل بالحجم المناسب التي تستخدم الوقود الحيوي.

4. الترويج الأخضر:

يقوم الترويج الأخضر على ضمان تدفق المعلومات من المنظمة إلى المستهلكين وبالعكس، وتعريف جمهور المنظمة بسياسات المنظمة ومنتجاتها الخضراء، والتأثير في رأي المستهلك وإقناعه ودفعه باتجاه بناء صورة ذهنية إيجابية عن المنظمة، وهذا يشجع المستهلكين على تجربة المنتج وتحفيز الطلب عليه والاحتفاظ بالعملاء وكسب عملاء مستقبليين.

إقرأ أيضاً: دورة حياة المنتَج: تحكم بمنتجك لكي تعزّز نجاحك

في الختام:

تدرك المنظمات العاملة في مختلف النشاطات الاقتصادية اليوم أنَّ البقاء في دائرة المنافسة أمر بالغ الأهمية ويتحتم عليها في سبيل ذلك ضمان بقائها واستمراريتها الأخذ بأسلوب التسويق الملتزم والمعروف بالتسويق الأخضر الذي يتبنى المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية تجاه البيئة في ممارسة كافة نشاطات المنظمة، فالتسويق الأخضر هو البحث والتطوير والتعديل والتسعير والترويج للمنتجات التي لا تشكل أي ضرر للبيئة.




مقالات مرتبطة