التربية الجنسية للمراهقين

تُعَدُّ فترة المراهقة من أكثر المراحل حَرَجاً في عمر الإنسان، سواء للمراهق نفسه أم للأهل الذين تقع على عاتقهم مسؤولية تربية وإعداد هذا المراهق ليتمكَّن من الانخراط الطبيعي مع المجتمع الذي يعيش فيه.



ونظراً للاختلاف الكبير بين المجتمعات في الثقافات والعادات والتقاليد والأعراف فإنَّ طبيعة التربية التي سيخضع لها المراهق ستتغير من مجتمع لآخر، وسيكون الاختلاف في أوجه إذا ما تعلَّق الأمر بالتربية الجنسية التي ما زال الحديث عنها يُثير الكثير من الجدل حتى الآن، وفي هذا المقال سنتعرف أكثر إلى هذه الفئة العمرية وإلى التغيرات الجسدية التي تطرأ على المراهقين وكيفية التعامل معها تعاملاً طبيعياً يضمن تعديل السلوكات الجنسية للمراهقين لتتناسب مع طبيعة المجتمع الذي يعيشون فيه.

1. ما هي التربية الجنسية للمراهقين؟

تُعرَّف التربية الجنسية بأنَّها: عملية شاملة تشمل تعديل وتغيير السلوك الجنسي ليصبح أكثر ملاءمة للمجتمع وللحياة فيه، وقد أصبح مصطلح التربية الجنسية من المصطلحات الشائعة اليوم في التربية الحديثة، وهي ليست إلا جزء هام من مفهوم التربية الشاملة.

وقد أدت ظروف الحياة المعاصرة اليوم إلى زيادة الاهتمام بها وتسليط الضوء عليها وخاصةً بعد أن كثُرَت مشكلات الأطفال والمراهقين السلوكية الجنسية، وبعد أن اتضح لعلماء النفس وللخبراء والمربين أنَّ أغلب المشكلات الاجتماعية والسلوكية في الأسر والمرتبطة بالناحية الجنسية تعود إلى الجهل، وعدم فهم فئة المراهقين لأبسط قواعد الجنس، وعدم اطلاعهم على المبادئ الأساسية للسلوك الجنسي.

وبما أنَّ التربية الجنسية كما ذكرنا آنفاً جزء لا يتجزأ من التربية الشاملة؛ فهذا يعني أنَّها لا تنفصل عن المجتمع، ومن ثمَّ لا تنفصل عن ظروفه وعاداته وأعرافه وتقاليده، فهو بذلك يطبِّع الجيل بالسلوكات والأخلاقيات الجنسية المناسبة لطبيعته.

المجتمع العربي واحد من هذه المجتمعات التي تتمتع بالكثير من الخصوصية إذا ما تعلَّق الأمر بالعلاقة مع الجنس، وقد بدأ المجتمع العربي اليوم يعطي جانب التربية الجنسية الاهتمام الذي يستحق ويحذو بذلك حذو الدول المتقدمة التي أدخلَت التربية الجنسية إلى المدارس لتصبح مقرراً دراسياً له فصل خاص.

تُعَدُّ مرحلة المراهق مرحلةً يمرُّ بها الإنسان بالكثير من التغيرات الفيزيولوجية والنفسية؛ وهذا ما يجعله في حالة من عدم السيطرة الكاملة على نفسه، ويصل الإنسان إلى مرحلة البلوغ؛ أي النضج الجنسي، ويحدث هذا بالتزامن مع تغيرات هامة في الجسم، وتحدث هذه التغيرات لدى الفتيات بمتوسط من 2 إلى 3 سنوات، أمَّا لدى الفتيان فتتم خلال 4 إلى 5 سنوات.

من الملاحظ أنَّ النضج الجنسي الذي يحصل بعمر مبكر يكون تطوره أسرع وأكثر عنفاً، في حين أنَّ التطور الذي يبدأ بعمر أكبر سيكون أطول وقد يصل في بعض الحالات لـ 6 سنوات؛ ففي حال بدأت العلامات الجنسية الثانوية بالظهور قبل عمر 7 سنوات للإناث وقبل 10 سنوات للذكور، يمكن القول إنَّنا في حالة من النمو الجسدي المبكر، وفي المقابل فإنَّ بلوغ الإناث لعمر 13 سنة والذكور لـ 14 سنة دون أيَّة علامة جنسية فهذا دليل على تأخُّر النمو الجسدي الجنسي.

تؤدي الكثير من العوامل دوراً في عملية النضج الجنسي السليم، ومنها العوامل الوراثية واتباع نمط حياة صحيٍّ؛ يحتاج المراهق إذاً ونظراً لكلِّ هذه التغيرات التي تطرأ عليه والتي سنتحدث عنها بالتفصيل لاحقاً إلى مَن يرافقه ويقدِّم له التربية الصحيحة التي تساعده على تقبُّل نفسه وجسده ورغباته والتعامل معها تعاملاً صحيحاً، وهذا هو الهدف من التربية الجنسية.

من الجدير بالذكر أنَّ بعض الأصوات قد نادت بعدم أهمية هذا النوع من التربية وعدَّت النمو الجنسي والجسدي أمراً طبيعياً، والتعامل مع هذه التغيرات يكون فطرياً ولا حاجة لتوجيهها، ويمكن الردُّ على هذا الكلام من خلال النظر إلى طبيعة المجتمعات المعاصرة اليوم وسهولة البحث عن المعلومات التي قد يكون مصدرها غير آمن وغير موثوق؛ لذلك كان لا بدَّ من وجود مصدر حقيقي يقدِّم المعلومات اللازمة لهذه المرحلة العمرية تقديماً صحيحاً.

شاهد بالفديو: 15 نصيحة للآباء في تربية الأبناء

2. النمو النفسي والجسدي للمراهقين:

إنَّ المراهقين فئة عمرية تتَّصف بالعديد من السلوكات المختلفة؛ وهذا ما يجعلهم فئة متفردة، فتجدهم أحياناً لطفاء وأحياناً عنيدين وحقودين؛ وهذا ما يجعل عملية التعامل معهم صعبة ومعقدة.

تُعَدُّ هذه المرحلة الأهم من ناحية تشكيل البنية الجنسية للإنسان، فيبدأ المراهق النظر إلى التغيرات الكثيرة التي تحدث في جسده والتي تصبح في الكثير من الأحيان مصدر إحراج له، فقد تبدو اليدين مثلاً أطول من اللازم والصوت أخشن والأنف أضخم مما كان في السابق، حتى إنَّ هذه التغيرات قد تسبب للمراهقين عقدة تسمى "عقدة تيرسيت"، وترتبط هذه العقدة حسب الأسطورة اليونانية بالمحارب "تيرسيت" قبيح الشكل.

ولن يكون الأمر أسهل للمراهقات اللواتي يبدأن بالخجل من بروز صدورهن ونمو أردافهن، وتُعَدُّ مرحلة حدوث الطمث من المراحل الهامة جداً في حياة المراهقة؛ وقد يسبب حدوثه الكثير من مشاعر الخوف إذا لم تكن الفتاة على دراية مسبقة بالأمر، وفي حال معرفتها بأمر الدورة الشهرية فإنَّ تأخر حدوثها سيسب الكثير من القلق والتوتر، وخاصةً إذا ما بدأت الفتاة مقارنة نفسها مع صديقاتها من العمر نفسه.

المراهقون من أكثر الفئات العمرية حساسية إذا ما تعلَّق الأمر بالتغيرات الجسدية التي تحصل لهم؛ لذلك يجب أن يكون هناك إدراك ووعي من قِبل الأهل لخطورة هذا الموضوع ومقدار تأثيره في نفسية المراهق؛ فيجب عليهم الابتعاد عن إصدار التعليقات بهذا الخصوص حتى لو كانت من باب المزح والدعابة فقد يتأثر المراهق لدرجة وقوفه ساعات طويلة أمام المرآة متسائلاً عن العيب الذي فيه.

يترافق النمو الجسدي مع بدء السلوك الجنسي عندهم والذي غالباً ما يكون نشاطاً ذاتياً يحدث من خلال الإثارة الذاتية للأعضاء الجنسية، ومن خلال التخيلات الجنسية، وقد تظهر هذه السلوكات أيضاً على شكل علاقات جنسية مثلية.

تأخذ الغريزة الجنسية عند المراهقين طابعاً مستمراً، فهي مرتبطة بالعوامل البيولوجية الجديدة الناتجة عن النضج الجنسي، كما أنَّ هذه الغريزة تصبح أكثر ارتباطاً بالمشاعر التي أصبحت مفهومة بالنسبة إليهم، وتواجَه هذه الرغبة غالباً بالعادات والتقاليد والأعراف المتفق عليها في مجتمع ما، وهنا يبدأ دور التربية الجنسية التي تعمل على تهذيب هذه السلوكات لتصبح أكثر توافقاً مع ظروف المجتمع وثقافته.

في هذا العمر أيضاً يبدأ الكثير من المراهقين بممارسة العادة السرية نتيجةً لهذه الغريزة المفرطة، وتُعَدُّ هذه الظاهرة من الظواهر المنتشرة كثيراً بين المراهقين حتى لو كانت مرفوضة في أغلب الثقافات، وعلى عكس ما هو شائع فإنَّ ممارسة العادة السرية ليس له آثار سيئة في صحة المراهق، ويمكن عدها أحد أشكال النشاط الجنسي الآمن.

إقرأ أيضاً: كيفية التعامل مع خصوصية المراهق

3. مبادئ أساسية في التربية الجنسية للمراهقين:

هناك العديد من المبادئ التي يجب وضعها في الحسبان عند تقديم التربية الجنسية للمراهق، وسنذكر منها:

  • النظرة الشمولية: التربية الجنسية ليست علماً قائماً بحدِّ ذاته؛ فهي جزء من التربية الشاملة ولا يجب أن تكون منفصلة عنها؛ بل يجب أن تأتي مكمِّلة لها وداعمة لمبادئها.
  • الاستمرارية: تبدأ التربية الجنسية من لحظة الولادة ويجب أن تستمر طوال الحياة.
  • الصدق: يجب أن تكون المعلومات المقدَّمة صادقة ودقيقة وكافية وتُقدَّم تقديماً يسهل على المراهق فهمه.
  • الثقة: حتى تكون التربية الجنسية عملية متكاملة يجب أن تُمنَح الثقة للمراهق ليكون قادراً على السؤال والاستفسار عندما يُثار فضوله تجاه أي موضوع دون البحث عن مصدر آخر للمعلومة خارج المنزل والمدرسة.
  • الأخلاق: يجب أن يكون الحديث واضحاً وصريحاً، وعلى جميع الأسئلة أن تُقدَّم تقديماً واعياً ومسؤولاً، وتغرس في نفس المراهق الأفكار والتساؤلات العلمية بعيداً عن الوقاحة.
  • الحقائق الفردية: يجب مراعاة ظروف كل مراهق وحاجاته وطبيعته وواقعه والتصرُّف بناءً على ذلك.

ويؤدي الوالدان الدور الأهمَّ في عملية التربية الجنسية، فتقع على عاتقهما المسؤولية الأساسية إلى أن تتمُّ تنشئة الطفل التنشئة الاجتماعية السليمة، ويجب على الوالدين التعامل بحذر مع الاختلافات والتغيرات التي تظهر على المراهق، وأن يكونا متفهِّمَين لمرحلة بدء نمو العلامات الجنسية الثانوية، ويجب تحضير الفتاة لمرحلة الحيض وشرحها شرحاً علمياً؛ مما يجعل تقبُّلها أسهل؛ لأنَّها عملية فيزيولوجية طبيعية في الجسم.

وفي المقابل، يجب التحدُّث مع الفتى عن التغيرات التي تطرأ على عضوه الذكري، ومن المقبول الحديث مع كل جنس عن التغيرات الجنسية التي تطرأ على الجنس الآخر، ومن الهام على الأهل أن يتفهَّموا أنَّ المشكلات الأساسية مرتبطة بالتغيرات النفسية لدى المراهق؛ لذا قد يبدأ الميل لقضاء الوقت بعيداً عنهم وبصحبة الرفاق؛ وهذا لا يعني أبداً عدم حاجتهم إلى الأهل؛ بل على العكس فهم بحاجة كبيرة إلى التقارب العاطفي معهم.

ويأتي دور المدرسة بعد دور الأهل ومكمِّلاً له، وإن لم يكن عبر منهاج مخصَّص، فيكون عبر المرشد النفسي الذي يجب أن يُخصص جلسات جماعية للحديث عن هذا الموضوع وتقديم النصائح اللازمة تقديماً يقبله المراهق ويفهمه.

إقرأ أيضاً: 6 أخطاء يرتكبها الآباء في تربية ابنهم المراهق

في الختام:

تهدف التربية الجنسية - كما أصبح واضحاً - إلى إعداد المراهقين لتقبُّل أنفسهم وتقبُّل التغيرات النفسية والجسدية التي تطرأ عليهم، وأيضاً فهم غريزتهم جيداً وفهم حاجاتهم، وتعلُّم كيف يتمُّ تفريغ هذه الحاجات تفريغاً صحيحاً، كممارسة الرياضة والقيام بالنشاطات، ويجب أن تكون هذه التربية مكمِّلةً للتربية الشاملة بشكل يبني المراهق بناءً سليماً من جميع النواحي ويضمن صحته النفسية والجنسية.

المصادر: 1، 2، 3

المراجع: كتاب التربية الجنسية للأطفال والمراهقين للكاتبة الروسية غولد جيكان ليافيشينا ترجمة الدكتور نزار عيون السود.




مقالات مرتبطة