التربية البدنية والدفاع عن النفس

من أكثر الموضوعات التي شغلت بال الإنسان على مرِّ الزمان هي كيفية الحفاظ على صحة جسمه ولياقته وشكله ووزنه؛ إذ يمضي وقتاً طويلاً في وضع برامج رياضية وغذائية من أجل ذلك، فقد أدرك المنافع والفوائد العديدة ليس فقط على الجانب البدني والحركي والصحي؛ بل أيضاً الفوائد الإيجابية على المستوى الاجتماعي والنفسي والعقلي والجمالي وهذه الجوانب تشكِّل مجتمعة شخصيته.



لقد أصبحت النشاطات الرياضية في الوقت الحالي ترمي بثقلها على حياة الناس في المجتمع كافة صغاراً وكباراً، كما أصبح مستوى النشاطات الرياضية التي تمارَس في المجتمع ونوعيتها يمثلان مؤشراً على مستوى التقدم والرقي الحاصل ضمن المجتمع، لكن لا يمكن إنكار أنَّ للحالة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمجتمع تأثيراً سواء أكان مباشراً أم غير مباشر في تقدُّم النشاطات البدنية أو تدهورها، كما تؤثر في المساحة التي تتاح لهذه النشاطات في النظام التعليمي القائم في المجتمع.

أولاً: التربية البدنية في الأنظمة التعليمية

يرى الفيلسوف الأمريكي "جون ديوي" أنَّ التربية بشكلها العام هي الحياة نفسها وليست مجرد إعداد حياة، كما يعتقد "جون ميلتون" أنَّ التربية الكاملة هي التي تجعل من الإنسان إنساناً صالحاً لأداء أي عمل، سواء أكان عملاً عاماً أم عملاً خاصاً بدقة وأمانة ومهارة، والتربية البدنية هي جزء من التربية العامة التي تعمل من أجل تنمية التلميذ من الناحية البدنية والتي تنعكس بدورها على تنمية الجوانب الأخرى لديه (العقلية والنفسية والاجتماعية).

لقد تبلور مفهوم التربية البدنية بشكل جدي في القرن التاسع عشر نتيجة للتطور الحاصل في الأنظمة التربوية؛ إذ أصبحت التربية البدنية جزءاً رئيساً في النظام التعليمي تهدف إلى إعداد وتكوين الفرد السليم بدنياً وتعليمه فنون الدفاع عن نفسه أيضاً، وبذلك أصبحت التربية البدنية جزءاً لا يتجزأ من التربية العامة في المجتمع؛ إذ تقوم بتقديم أنواع مختلفة من النشاط البدني من أجل تكوين مواطن صالح بدنياً وعقلياً ونفسياً.

مما لا شك فيه أنَّ المدرسة تؤدي الدور الرئيس في تحقيق أهداف التربية في المجتمع بما فيها أهداف التربية البدنية والرياضية، والتربية البدنية هي مادة دراسية تربوية تدخل ضمن البرنامج التعليمي المدرسي وبوصفها نشاطات خارجها، وهي عبارة عن تمرينات رياضية وألعاب ترويحية ومسابقات رياضية متضمنة في المجال الدراسي الأكاديمي؛ إذ تهدف إلى إكساب الفرد المهارات الحركية والعناية باللياقة البدنية، إضافة إلى مهارات الدفاع عن النفس من أجل تحقيق حياة صحية.

وضَّح بعض التربويين المقصود بالتربية البدنية، نذكر منهم:

1. تشارلز بيوتشر:

إنَّ التربية البدنية جزء متكامل من التربية العامة وميدان تجريبي هدفه تكوين المواطن اللائق من الناحية البدنية والعقلية والانفعالية، وذلك عن طريق ألوان من النشاط البدني بغرض تحقيق هذه الأغراض.

2. قاسم حسن:

إنَّ التربية البدنية والرياضية هي تربية عن طريق السعي، وهي شكل من أشكال التربية على أساس إتمام عملية تربية البدن، كما أنَّها نظرية لوحدة الفرد التي فحواها أنَّ الفرد ذو أبعاد أربعة رئيسة؛ بدني وعقلي ونفسي واجتماعي، ولا يمكن تنمية بعد بعيداً عن البعد الآخر، فكل منهم يؤثر في الآخر ولا يمكن الفصل بين هذه الأبعاد الأربعة الرئيسة.

3. المجلس الأعلى للشباب والرياضة في مصر:

إحدى الوسائل التي يختارها المربون والقادة لممارسة الأطفال والفتيان والشباب وغيرهم وفقاً لما يحتاجونه من نمو وظيفي وعضوي ورفاهية وما يحدث من تأثير اجتماعي يؤدي إلى إيجاد مواطن نافع لنفسه ولمجتمعه.

4. كوازيس ونيكس:

إنَّ التربية البدنية والرياضية هي جزء من التربية العامة التي تختص بالنشاطات القوية؛ إذ تتضمن عمل الجهاز العضلي، وما ينتج من جراء الاشتراك في هذه الأوجه المختلفة من النشاط والتعلم.

لم يتولد الاهتمام بالتربية البدنية بين ليلة وضحاها؛ بل جاء نتيجة لأسباب عدة منها:

  1. تسهم التربية البدنية في إعداد الفرد لمواجهة معارك الحياة الكثيرة.
  2. التربية البدنية واجب يجب أن يقوم به كل فرد في الوقت المناسب لخدمة أجهزة جسمه ورعاية صحية لأعضائه؛ إذ تعمل على تحسين قدراته الوظيفية.
  3. تزيد التربية البدنية من استطاعة الفرد وقدراته على الوعي بذاته وتزيد قدرته على الوعي بالجمال وتقديره.
  4. تمكِّن التربية البدنية الفرد من الاعتياد على المنافسات الفردية والجماعية، كما تدفعه باتجاه عدِّها نشاطاً يومياً اعتيادياً يجب القيام به دائماً.
  5. تمكِّن التربية الرياضية من معرفة المعلومات الخاصة بنمو الجسم.
  6. التربية البدنية هي جزء متكامل من نظام تربوي كلي هدفه الأساسي تحقيق نمو ونضج الأفراد، من خلال تقديم الخبرات الحركية والبدنية، عبر استخدام أنواع مختلفة من الرياضة والنشاطات، فهي تربية من خلال الحركة وتربية من أجل الحركة التي تُكسب الفرد أفضل المهارات الحركية والعقلية والاجتماعية، هي وسيط تربوي هام لتحقيق أهداف النظام التربوي العام.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح يجب معرفتها من أجل ممارسة التمرينات الرياضية بشكل أفضل

ثانياً: أهداف التربية البدنية

  1. الارتقاء بمستوى العمل الجماعي وإكساب المتعلمين المهارات اللازمة لممارسة العمل الجماعي.
  2. تنمية الاتجاهات الإيجابية للمتعلمين نحو النشاطات الرياضية والبدنية، وتطوير القدرات المختلفة للمتعلم من سرعة وقوة ومرونة وتوازن وكل القدرات العقلية وكل ما يدعم تحسين المستوى الصحي.
  3. تحفيز طريقة التفكير الواعي في أثناء تعلم المهارات الحركية وفي أثناء تنفيذ خطط اللعب.
  4. تنمية الشعور بالانتماء إلى المجتمع الذي يوجد فيه الفرد.
  5. تنمية الشعور بحب الوطن والاستعداد للدفاع عنه والتضحية من أجله.
  6. تنمية الشعور بالاحترام تجاه كافة العاملين في المجتمع مهما كانت المهنة التي يعمل فيها العامل.
  7. تنمية الشعور بالجمال من خلال ملاحظة جمال قوام الجسم وقوَّته وحيويته.
  8. تحفيز الفرد على الارتقاء بمشاعره واحترام القيم الرياضية مثل تقبل الربح والخسارة والمنافسة.
  9. رعاية التلاميذ من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يعانون من صعوبات حركية، وذلك من خلال إيلائهم الاهتمام الكافي وتوفير البدائل الملائمة لإمكاناتهم وإقناعهم بالإنجاز السليم كغيرهم من الطلبة العاديين، وإجراء التعديلات في مستويات الإنجاز الأدائي وفقاً لصعوبة التمرين.
  10. تنمية القدرات البدنية والعقلية والانفعالية؛ أي تعزيز قدرة الجسم على مقاومة الأمراض واكتساب المناعة ومساعدته على التخلص من التوتر والضغط وتجنب الآفات الاجتماعية المهلكة للجسم مثل التدخين والإدمان على المخدرات والكحول.

ثالثاً: التربية البدنية في الإسلام

لقد انصبت حياة سكان المجتمع العربي قبل الإسلام على الفروسية التي كانوا مولعين بها، فقد كانت الفروسية مدعاة للتفاخر والتباهي، فالفارس الذي كان يتمتع بصفات جسدية كقوة البنية ويتقن المهارات القتالية هو من يحق له التباهي بنفسه، أما بعد الإسلام فقد ظهر الاهتمام الواضح؛ إذ أكدت تعاليم الإسلام مراراً وتكراراً على أهمية المحافظة على الجسم وقوَّته.

على سبيل المثال قال الله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، ويقصد الله عز وجل هنا كل أنواع القوة بما فيها القوة البدنية، كما أكد أهمية التربية البدنية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي حديث رواه أبو هريرة عن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: (المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ مِنَ المؤمنِ الضَّعيفِ وفي كلٍّ خيرٌ)؛ إذ قصد هنا عليه الصلاة والسلام قوة الإيمان وقوة البدن.

رابعاً: مكونات درس التربية البدنية

1. الإعداد العام:

يتضمن الإعداد العام التمهيد للتمرين واختيار التمرينات، ويكون الهدف من الإعداد العام تهيئة الطالب نفسياً لتقبُّل أنواع النشاطات التي سوف يتم تطبيقها خلال الدرس، أما التمرينات المختارة فيكون هدفها تحقيق اللياقة البدنية وتحفيز أعضاء جسمه من أجل القيام بمهامها ودورها التي وُجدت من أجله.

إقرأ أيضاً: هل فقدت الحافز لممارسة التمارين الرياضية؟ إليك السبب

2. الإعداد الخاص:

يتضمن الإعداد الخاص تعليم النشاط التعليمي المتضمن في الوحدة الدرسية لمنهاج التربية البدنية؛ إذ يبدأ المعلم بشرح المهارة الحركية المراد تعلمها بشكل سمعي أولاً أو بأداء المهارة المطلوبة، وكذلك يتضمن تعليم النشاط التطبيقي الذي يتضمن التدريب على المهارة الحركية المطلوبة باتباع توجيهات المعلم بدقة حتى يتم إتقان المهارة المطلوبة بشكل جيد.

3. ختام التمرين التطبيقي:

يهدف إلى تهدئة الأعضاء الفيزيولوجية للجسم، وذلك من أجل العودة بها إلى حالتها الطبيعية التي كانت عليها قبل البدء بتنفيذ النشاطات البدنية.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح للتخلّص من آلام العضلات بعد الرياضة

في الختام:

كتب "نجيب محفوظ" قائلاً: "لا مغالاة إذا لحقنا الرياضة بالفنون الجميلة، فهي تربية للجسم الإنساني، ومن ثم العقل والروح، وتفحُّص طريقتها عن بعض ما يملك الفرد من مهارة ورشاقة".

إنَّ التربية البدنية والرياضية نظام تربوي يسعى إلى تحسين أداء الإنسان العام من خلال ما تقدمه من نشاطات وتمرينات رياضية تعمل على تقوية جسم الإنسان وتحسين لياقته البدنية، التي بدورها تنعكس على الجوانب النفسية لديه فيبدو بحال أفضل دائماً، فهي بمنزلة وسيط تربوي لتحقيق غاية المجتمع وأهدافه فيما يتعلق بإعداد أجيال قوية تتمتع باللياقة البدنية والعقلية والنفسية، ومن ثم الحصول على حياة أكثر نشاطاً وحيوية ومتعة وفائدة وبعيدة عن حياة الكسل والخمول.




مقالات مرتبطة