التخلص من الحرمان النسبي: الحل العلمي لنيل السعادة

كان أحد أصدقائي مديراً لشركة رعاية صحية منزلية ناجحة، تجني 14 مليون دولار من العائدات السنوية، وهوامش ربح عالية، وتضم موظفين سعيدين، ففي مجال العمل هذا معدل دوران الموظفين يزيد غالباً عن 20%، لكن في شركة صديقي كان أكثر من 90% من موظفيه يعملون معه منذ أكثر من خمس سنوات.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن "جيف هيدين" (Jeff Haden) والذي يُحدِّثنا فيه عن أنواع المقارنات التي تسبب عدم الرضا وفقاً للأبحاث.

قدَّمَت شركةٌ للأسهم عرضاً لشراء شركته، وفي حين أنَّه لم يقبل، إلا أنَّه عاد من محادثته معهم مقتنعاً أنَّه بحاجة إلى مكتب أفخم ليعكس نجاحه ومكانته، ثمَّ أمضى عطلة نهاية الأسبوع في منتجع مع أصدقاء آخرين، وعاد إلى المنزل مقتنعاً أنَّ رحلات التخييم التي كان يذهب إليها مع عائلته لم تكن ممتعةً مقارنةً بالمنتجع؛ ثمَّ انضمَّ إلى مجموعة من المديرين التنفيذيين وأدرك أنَّه العضو الوحيد الذي لم يكن لديه مساعد شخصي، ولم يَرُق له تسجيل مواعيده بنفسه بينما يقوم شخص آخر بهذا النوع من المهام نيابةً عن المديرين التنفيذيين الآخرين الذين قابلهم، لذلك عيَّن مساعداً ومدير مكتب ومدير عمليات.

في غضون ستة أشهر، أصبحَت شركته المرنة والفعالة شركةً بطيئةً وغير منتجة، فازدادت التكاليف، ولأول مرة بدأ موظفوه بالبحث عن وظائف في شركاتٍ أخرى أفضل، ووجدوا بالفعل شركات أفضل، وحينها انقضَّت شركة الأسهم نفسها التي أغرته مكاتبها الفخمة على شركته، واشترتها مقابل جزء بسيط من العرض الأصلي الذي قدَّمَته له في البداية.

في الحقيقة لم يكن "مارك" بحاجة إلى مكتب فخم، فهو مثل معظم القادة الجيدين، أحبَّ قضاء وقته في خضم العمل، ولم يكن بحاجة إلى مساعدين وموظفين إداريين، فقد كان بارعاً في منح الحرية والسلطة لموظفيه لاتخاذ القرارات الهامة بأنفسهم، لكن في حين أنَّه لم يكن بحاجة لتلك الأشياء، إلا أنَّه أرادها.

إقرأ أيضاً: 15 مهارة يجب أن يتحلى بها القائد الجيد

السبب فيما حصل مع صديقي هو أنَّه وقع ضحيةً لظاهرة يسميها علماء النفس "الحرمان النسبي" (relative deprivation)، وتقول "مجلة علم النفس الاجتماعي" (Journal of Social Psychology) البريطانية إنَّ هذه الظاهرة تحصل حين "يشعر الشخص بالحرمان من شيء يرغب فيه متعلق بماضيه، أو بأشخاص أو مجموعات أخرى، أو فئة اجتماعية أخرى"؛ بمعنى آخر، يحدث الحرمان النسبي حين ندرك أنَّ الآخرين يملكون أشياء لا نملكها نحن، ثمَّ نبدأ بالتفكير في أنَّنا يجب أن نملكها، حتى لو لم نكن بحاجة إليها، أو لم نعتقد أنَّنا نريدها من قبل، كما هو الحال غالباً.

مثال على ذلك هو صديقي، الذي كان يفتخر لسنوات بمكتبه المتواضع؛ ذلك لأنَّه عَكَس بدايات شركته والتقدم الذي أحرزه منذ ذلك الوقت؛ إذ تكون التحولات والنجاحات مُرضيةً أكثر حين تُذكِّر نفسك بالبدايات، ولهذا يحب العديد من رواد الأعمال الناجحين التحدث عن أيام وجبات الطعام سريعة التحضير وعدم امتلاك النقود والقيلولات القصيرة في الأماكن غير المريحة قبل أن تتغير حياتهم.

لسنوات كان يفخر صديقي بإجازات التخييم مع عائلته، وأحبَّ كيف جمعَتهم تلك الأوقات وزادت قوة علاقاتهم ببعضهم، ولسنوات كان يفتخر بإدارة شركة ذات هيكل تنظيمي مسطح، وأحبَّ إثبات أنَّ القادة العظماء يقودون شركاتهم وموظفيهم يداً بيد، لكنَّ ذلك كله اختفى حين قارن نفسه بالآخرين ووجد نفسه أقل منهم، فشعر أنَّه يجب عليه مواكبتهم.

وبالنسبة إلى العديد من الأشخاص، يؤثر الحرمان النسبي تأثيراً كبيراً في مستوى سعادتهم؛ حيث وجدَت دراسةٌ نشرَتها منصة "آي زيد إي وورلد أوف ليبر" (IZA World of Labor) عام 2017 أنَّ الحرمان النسبي هو سبب عدم زيادة متوسط السعادة حول العالم، على الرغم من الارتفاع الحاد في متوسط الدخل، والاقتراح الذي توصَّل إليه المؤلفون هو فرض ضرائب كبيرة على الإنفاق على المظاهر، وهو برأيي اقتراح غبي.

شاهد بالفيديو: كيف تخطط لمستقبلك بنجاح؟

مفتاح تجنُّب الحرمان النسبي ليس تجنُّب رؤية أشياء قد ترغب في امتلاكها، فهذا مستحيل، وليس تجنُّب مقابلة أشخاص قد تحسدهم على نجاحهم، فهذا أيضاً مستحيل؛ بل المفتاح هو أن تعرف ما الذي تريده بالفعل، بأن تعرف أهدافك وأحلامك وطموحاتك، وأن تعرف ما الذي يمنحك أقوى شعور بالرضا والسعادة، فافعل ذلك، ولن تعنيك بعدها مقارنة ما تملكه بما يملكه الآخرون، أو ما تفعله بما يفعله الآخرون.

إذا أردتَ أن تكون سعيداً، فتقبَّل حقيقة أنَّ نوعين فقط من المقارنات هامَّان، وهما أولاً مقارنة من أنت عليه اليوم بمَن كنتَ عليه في الماضي، كي تتذكر كم تقدَّمتَ وتفتخر بذلك، ثمَّ مقارنة مَن أنت عليه اليوم بمَن تأمل أن تصبح في المستقبل، كي تركز على امتلاك وفعل ما يعني لك أنت بحق.

المصدر




مقالات مرتبطة