التخطيط التربوي: مفهومه وأهدافه وأنواعه

الإدارة نشاط إنساني مرتبط بالعمل الجماعي ويمثل حجر الزاوية لنجاح أيَّة منظمة مهما كان المجال الذي تعمل فيه؛ تجارة أو صناعة أو خدمات أو تعليم، فالدور الذي تؤديه الإدارة المنتشرة في كافة أنواع المنظمات والمؤسسات هو الذي يحكم عليها بالنجاح أو الفشل، فهو المحرك الفعلي الذي يمارس عمليات التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة، والذي يجعل المنظمة تعمل بكفاءة لتحقيق الأهداف التي تصبو إليها.



يمثل التخطيط الوظيفة الأولى من وظائف الإدارة التي يتوقف على نجاحها نجاح وظائف الإدارة الأخرى، فالتخطيط هو المسؤول عن تحديد الأهداف المرغوبة والمراد إنجازها في ضوء الإمكانات البشرية والمادية، ومن ثم وضع البرامج الكفيلة بتحقيقه.

التخطيط في القطاع التربوي ويمثِّل جزءاً لا يتجزأ من التخطيط العام؛ بل هو مجال هام من مجالاته وقاعدة ارتكاز له، فالتخطيط التربوي يهتم بشريحة هامة من شرائح المجتمع التي يرتكز عليها البناء الاقتصادي والاجتماعي والتنموي، ومن ثمَّ يؤدي دوراً بارزاً في تطوير المجتمع وتنمية موارده البشرية؛ لذا لا بد للقيادات التربوية من الاهتمام بالتخطيط التربوي لرسم السياسات التربوية والتعليمية المستقبلية وتطويرها، ومن ثم التخطيط الفاعل لوضع البرامج المناسبة لتنفيذها، فالغاية الأساسية للتخطيط التربوي هي إعداد المواطن الصالح لخدمة نفسه ومجتمعه والإسهام في دفع عجلة التطور إلى الأمام.

مفهوم التخطيط التربوي:

يُعَدُّ التخطيط التربوي أساس العملية التربوية، فهو الذي يعمل على تحديد الأهداف ويوضحها ويحدد مراحل العمل للوصول إليها، كما يضع الخطط ليضمن التطوير المستمر في الأداء وكذلك يضع قواعد الرقابة على التنفيذ والتأكد من الوصول إلى الأهداف، وبذلك يُبعد العملية التربوية التعليمية عن العشوائية والفوضى، ويفتح الطريق أمام القيادة التربوية لاتخاذ القرارات بناءً على معلومات وحقائق وبيانات دقيقة.

التخطيط التربوي هو الذي يستطيع المواءمة بين حاجات المتعلمين وبين متطلبات العصر، فهو عملية منظمة وواعية يتم من خلالها رسم الإطار العام للعملية التربوية ووضع البدائل الممكنة وفقاً للأهداف المرغوبة والمراد تحقيقها ضمن الإمكانات المتاحة.

التخطيط التربوي كما جاء في كتاب (الإدارة التربوية والتخطيط التربوي) لـ "عبد الله الجواد" في عام 2004 هو عملية رسم مجموعة من المشاريع التعليمية الهدف منها العناية بالعملية التربوية والفنية والتعليمية، واستثمار الجهود فيها إلى أقصى حدٍّ، على أن يكون التخطيط مُحقِّقاً لأهداف الدولة ومتماشياً مع التطور المنشود ومشتملاً على خطوات التنفيذ ومبنياً على الواقع وفي حدود الإمكانات، ومدعماً بالإحصاء والنماذج والأمثلة وعلاج المشكلات بحلول واقعية ملائمة للإمكانات ومسايرة لمقومات المجتمع وأهدافه.

كما عرفه "الرفاعي" بأنَّه النظرة الشاملة المتكاملة إلى مشكلات التربية جميعها ورسم السياسة التعليمية في كامل صورها مستنداً إلى معرفة شاملة بأوضاع المجتمع السكانية وأوضاع القوى العاملة والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ويعرِّفه "كومبوس" (Coombs) بأنَّه عملية تطبيق للتحليل النسقي العقلاني لمسار التنمية التربوية بهدف جعل التربية أكثر فاعلية في تحقيق حاجات وأهداف المتعلمين والمجتمع.

أهداف التخطيط التربوي:

  1. تحديد الأهداف المراد الوصول إليها وتوضيحها لكافة العاملين في القطاع التربوي، إضافة إلى تحديد البرامج التي يمكن تحقيقها.
  2. الاستثمار الأمثل للموارد المادية والبشرية المتوفرة.
  3. توفير فرص التعليم للجميع وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص في مجال التعليم.
  4. تحقيق التوازن بين مخرجات التعليم من الموارد البشرية المؤهلة وبين احتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك على الأمد القريب والبعيد.
  5. السعي إلى الحفاظ على تراث الأجداد من خلال تضمين التراث في المناهج والنشاطات التعليمية.
  6. تربية المواطن الصالح والحفاظ على كيان الدولة ومقوماتها.
  7. حصول كل فرد على نوع من التعليم يمكِّنه من تنمية شخصيته ويحقق له الكفاءة ويكون عوناً له في مسيرة حياته.
  8. زيادة التعاون بين الأفراد في المجتمع وبين المجتمع المحلي والمجتمعات الأخرى.
  9. زيادة كفاءة الأفراد لمواجهة المشكلات التي تواجههم في حياتهم.
  10. توضيح مسار العملية التربوية والتعليمية.
  11. تنشيط البحث العلمي والاستفادة من التقدم التكنولوجي ومواكبة التطورات العالمية في كافة المجالات.
  12. التنسيق وترشيد الإنفاق على التعليم.
  13. التصدي لمشكلات البطالة.
إقرأ أيضاً: البحث التربوي: مفهومه وأنواعه وخصائصه

مجالات التخطيط التربوي:

1. الإدارة التربوية:

التخطيط وظيفة أساسية من عناصر التخطيط، فهو الذي يعمل على تلافي مشكلات الإدارة ودفعها باتجاه تحقيق الأهداف من العمل الإداري.

2. المناهج التربوية:

تتضمن عملية إعداد المناهج مجموعة كبيرة من الخطط، فالغاية منها أولاً وأخيراً عكس ثقافة المجتمع وتحقيق أهدافه؛ لذا يجب أن يتم تخطيط المناهج بعد إجراء قراءة واضحة لفلسفة المجتمع وتحليلها بعمق وصياغة أهداف واقعية قابلة للتحقيق وكذلك القياس ودراسة بنية المجتمع وأفراده وأوضاع التلاميذ والطلبة فيه وتنظيم البرامج والنشاطات التي يمكن تقديمها لهم.

3. المعلمون:

يعتمد نجاح الخطط التربوية على كفاءة المعلمين وقدرتهم على تنفيذ تلك الخطط؛ لذا فإنَّ فترة إعداد المعلم هي من أهم الأشياء التي يجب على المخططين التربويين التفكير بها.

4. الطلاب:

إنَّ هدف التخطيط الأول هو إعداد المواطن الصالح القادر على بناء مجتمعه وتطويره؛ لذا يجب أن ينطلق التخطيط من دراسة أفراد المجتمع وحاجاتهم وميولهم بحيث تستطيع الخطط رصد ما يريدونه وتدريبهم بالشكل الذي يحقق طموحهم وأهداف المجتمع بوقت واحد.

شاهد بالفديو: 8 نصائح تساعد الأطفال والآباء على الاستعداد للعودة إلى المدرسة

أنواع التخطيط التربوي:

1. التخطيط التربوي بالاستناد إلى نقاط الخطة الجغرافية:

يتم التخطيط هنا إما على مستوى الدولة كلها أو على مستوى إقليم معين أو منطقة محددة.

2. التخطيط التربوي وفقاً للمدى الزمني:

  • التخطيط قصير الأمد: يتم التخطيط هنا لمدة أقل من سنة، وغالباً ما تكون خططاً تكتيكية أو تشغيلية.
  • التخطيط متوسط الأمد: يتم هنا التخطيط لفترة زمنية أقل من 5 سنوات.
  • التخطيط طويل الأمد: يتم التخطيط هنا لمدة تتجاوز الخمس سنوات.

3. التخطيط وفقاً لمستوى الإشراف:

  • التخطيط المركزي: يتم إصدار القرارات والخطط من قِبل القيادة التربوية المركزية.
  • التخطيط اللامركزي: يمنح الصلاحية للمناطق الجغرافية لاتخاذ القرارات ووضع الخطط.

4. التخطيط التربوي وفقاً لشموليته:

  • الخطط الشاملة: يتم فيها التخطيط لكافة مكونات العملية التعليمية.
  • الخطط الجزئية: يتم هنا التخطيط لبرامج محددة مثل التخطيط لتعليم الكبار فقط، أو وضع الخطط الخاصة بمرحلة الطفولة المبكرة، أو خطط المباني المدرسية وخطط البرامج الرياضية.

مبادئ التخطيط التربوي:

1. مبدأ الشمول:

يجب أن يشمل التخطيط القطاع التربوي بأكمله والوقوف على مشكلاته وتحديد إمكاناته المادية والبشرية بشكل كامل وتحليل العلاقة بين أجزاء ومكونات العملية التعليمية.

2. مبدأ الواقعية:

يجب أن ينطلق التخطيط التربوي في وضع خططه من قراءة واقع المجتمع ورصد حاجاته الأساسية بحيث يتمكن من توفير الموارد البشرية التي يحتاجها المجتمع في تقدمه وتطوره.

3. مبدأ المرونة:

يهدف التخطيط التربوي لاستشراف المستقبل في ضوء احتياجات الواقع، ولكنَّنا نعيش اليوم في عالم سريع التطور وكثير التغيير؛ لذا يجب أن يتصف التخطيط التربوي بالمرونة بحيث يستطيع تحقيق التكيف مع تلك المتغيرات التي يمكن أن تحدُث.

4. مبدأ الاستمرارية:

يعمل التخطيط التربوي على مواكبة التغيرات الحاصلة في المجتمع ووضع الخطط التي تناسبها فهو تخطيط متصل غير متقطع؛ إذ ترتبط المراحل ببعضها.

5. مبدأ المشاركة:

إنَّ التعليم من حق جميع المواطنين؛ لذا فإنَّ وضع الخطط يجب ألا يكون حكراً على شخص واحد؛ بل يجب أن يكون التخطيط مسؤولية جميع العاملين في القطاع التربوي ويشارك فيه الجميع كذلك.

مبدأ المشاركة

6. مبدأ التنسيق:

يعني تنسيق كافة الجهود والنشاطات وتوجيهها نحو تحقيق الأهداف المنشودة والمرغوبة، والهدف من ذلك الابتعاد عن الفوضى والازدواجية وتضارب المهام.

7. مبدأ التكامل:

يجب أن يكون ثمة تكامل بين البرامج والنشاطات الموضوعة في الخطط التربوية بحيث تسهم مع بعضها بعضاً في تحقيق الأهداف التربوية الموضوعة.

8. مبدأ توفر البيانات:

يجب أن يتم التخطيط التربوي في ضوء حاجات المجتمع الفعلية؛ لذا فإنَّ أهم مبادئه هي توفُّر البيانات وصدقها وواقعيتها؛ إذ يجب أن تكون المعلومات دقيقة حتى يستطيع التخطيط الإيفاء بالغرض منه وتحقيق ما تصبو إليه القيادة التربوية.

إقرأ أيضاً: 10 طرق يمكن للمعلمين اتّباعها لجعل التعليم أكثر متعة

9. مبدأ مركزية التخطيط:

يجب على القيادة التربوية المتمثلة بالجهاز المركزي للتخطيط وضع الخطة التربوية الشاملة للقطاع التربوي بصيغتها النهائية بحيث تتخذ صفة الرسمية ويعمل الجميع على تطبيقها.

10. مبدأ لا مركزية التنفيذ:

يجب على كل جهة تربوية تنفيذ الجزء الخاص بها من الخطة وفق الأهداف والزمن المحدد لها.

11. مبدأ الإلزامية:

عندما تُقر الخطة بواسطة القيادة التربوية، فإنَّها تتخذ صفة الرسمية والإلزامية؛ إذ يجب على الجميع العمل على تحقيقها دون اللجوء إلى الارتجال والتغيير منها.

12. مبدأ التقويم والمتابعة:

التقويم هو عملية ملازمة لأيَّة خطة للتأكُّد من حسن سيرها باتجاه تحقيق الهدف، ومعرفة المعوقات التي يمكن أن تواجهها وتحدَّ من نجاحها، فالتقويم هو خطوة ملازمة لكافة مراحل الخطط التربوية يعمل على تعزيز نقاط القوة وتلافي نقاط الضعف.

في الختام:

الدولة المثلى هي الدولة التي تجعل من التعليم أهم وظائفها؛ وذلك لأنَّه إذا ما صلح تعليم المواطنين استطاعوا في يسر أن يتأملوا الحقائق الكامنة في عالم الروح، فالتخطيط التربوي سمة من سمات الحياة المعاصرة الحضارية الراقية في أي مجتمع من المجتمعات.

عملية التخطيط التربوي ليست بالعملية السهلة فهي تتطلب رؤى تربوية واضحة وخيالاً خصباً ومهارات متقدمة في جمع البيانات وتحليلها وإيجاد الرابط بينها لصناعة واتخاذ القرار المناسب، فهي عملية إدارية متشابكة تتضمن البحث والمناقشة واتخاذ القرارات لتحقيق الأهداف، فالتخطيط التربوي حاجة ماسة لا غنى عنها لمواكبة التطوير واستشراف المستقبل وتحقيق التقدم في كافة المجالات.




مقالات مرتبطة