بشكل عام السبب الرئيس خلف مشاهدة التلفاز هو البحث عن الترفيه والتسلية وهذا باعتراف المثقفين ذاتهم الذين ينتقدون مواده وأفكاره في بعض الأحيان، وكثير ممن يلعنون مقاطع الفيديو كليب الهابطة اعترفوا بأنهم يرددون أغنياتها ويتمايلون على موسيقاها في الخفاء وهذا أدعى إلى أن يؤخذ تأثير مواد الفضائيات على سلوكيات المشاهد بكثير من الجدّية. لأن المشاهد الغربي كذلك اعترف بتأثير المواد المعروضة عليه من خلال الشاشة الصغيرة وذلك من خلال استبيان تم توزيعه على ألفين شخص من المشاهدين أجمعوا على أن التلفاز يؤثر عليهم وكأنهم منومون مغناطيسياً، أو مسلوبي الإرادة، أو يقوم بغسيل دماغ للمشاهد،أو أنه شكل من أشكال الإدمان، أو يعمل كمحتل للعقل... وغيرها من التعبيرات التي استخدمها من عبأوا نموذج الاستبيان.
لم يوفق كثير من الإعلاميين بمثل حظي حيث عملت لدى قناتين ملتزمتين إلى أقصى حد بما تقدمانه للمشاهد العربي من خلال رقابة وكفاءة على أعلى المستويات. فلقد كان لي شرف العمل أثناء وجودي في الإمارات العربية المتحدة لدى قناة الشارقة الفضائية كمسؤولة لقسم الترجمة، حيث مكثت في بداية عملي لمدة شهر ونصف في نفس قسم الرقابة إلى أن تم تجهيز مكان لي، واطلعت خلال تلك الفترة على أدق مواصفات مفروضة للرقابة على ما يمكن بثه للمشاهد العربي دون أي اعتبار مادي سوى تقديم ما يحقق الفائدة ويرتقي بثقافة وتعليم الفرد بغض النظر عن فئته العمرية، إلى درجة التضحية بدخل مادي كبير من خلال رفض الإعلانات بسبب المعايير الأخلاقية العالية المرصودة لقبول أي مادة كانت إعلانية أو غيرها من أجل تحقيق الارتقاء بأخلاق الفرد وثقافته، واحترام كافة شرائح المجتمع. وعندما التحقت للعمل بقناة العربية وجدت نفسي محظوظة مرة أخرى بالعمل مع فريق يقوم بتوظيف المهنية العالية بهدف ايصال المعلومة الإخبارية والبرنامج الهادف على أرقى مستوى دون تقديم تنازلات، وهذا ما لم يحظ به الكثير من الإعلاميين الذين اضطرتهم الظروف إلى العمل ضمن منظومة تخالف مبادءهم وثقافتهم.
إغراء التلفاز يفوق إغراء العلاقات الإجتماعية الى درجة أن كثرة ساعات المشاهدة أضعفت العلاقات الإنسانية وأدت إلى إهمال الهوايات، إضافة إلى زيادة السمنة لدى الأطفال وإضعاف مهارة التخيل والإبداع، وزيادة السلوك العدواني نتيجة لانتشار مشاهد العنف على الشاشة.
إحدى الإحصائيات التي نشرتها الصحف الأمريكية في 20/5/2001 تفيد بأنه تم انتاج 11000 فيلم فيديو إباحي و 400 فيلم سينمائي في هوليوود في ذلك العام إضافة إلى وجود 70000 موقع إباحي على الإنترنت. كل هذه المواد تساهم بتلويث البيئة العقلية وخلط الموازين فيما يتعلق بالنظرة إلى الجنس والحب مما يعني أن الثقافة الإباحية توجهنا إلى الاعتقاد المضلل بأن الإباحية والجنس والحب والألفة هي مترادفات لنفس المعنى، مما يعني أن الإنسان يستطيع ممارسة الجنس مع أي غريب لأن مثل هذه الأفلام تفقد الإنسان حساسيته وتجعله يظن أنه يستطيع الحصول على متعته متى شاء ومع من شاء دون أي قيد أو شرط أو التزام أخلاقي أو قانوني. وأهم فئات المشاهدين على الإطلاق هم فئة الأطفال والمراهقين، لأننا نعلم جميعاً أن ما يتعلمه المرء في طفولته يرسخ في بناء شخصيته ووجدانه، وإذا كانت الصورة الملونة هي أداة السحر الأولى فإن التعويذة التي تنجحها هي إضافة بعض الحركة والموسيقى وهنا يأتي تعلق الهابط من الفن كما صنفه البعض منهم بثقافة هذا الطفل التي لا زالت قيد التشكيل وفي مراحل بناءها. مع أن الغناء يفترض أن يكون موهبة صوتية تحتاج لتذوقها إلى إشباع الأذن إلا أن هذه "الموهبة" العرجاء أصبحت بحاجة لعكاز الصورة الماجنة وفتيات يفتقدن إلى عمود فقري تستند أصواتهم إلى تقنيات تحسين الصوت. فجاءت "الكليبات" لتنافس مساحة البرامج الجادة التي نحن في أمس الحاجة اليها لتساعدنا في تربية أبناءنا الذين تطوعت مصادر إعلامية مختلفة دون مستوى الرسالة لإتلاف القليل من الأخلاقيات التي حقنتها جهودنا وجهود المخلصين في توجيه رسالة مثمرة لهذا الجيل الذي سيستند مستقبل الأمة على أكتافه. ونبت من قلب مأساة الفيديو كليب فرع جديد لقلة الذوق وهي الرسائل النصيّة القصيرة التي ترافق الأغنية كشريط يظهر في أسفل الشاشة وهو عبارة عن رسائل تفتقر إلى الاحتشام والأخلاق، تعبيراتها ساقطة وهجينة عن مجتمعنا العربي المحافظ، ولا أظن حتى أن المجتمع الغربي يعرفها، وقد تصدّى لهذه الظاهرة لمنعها ومقاضاة القنوات التي تصرّ على بثها سعادة ضاحي خلفان تميم القائد العام لشرطة دبي، الذي لم يكتف بإرسال رسائل تحذير، بل أصر على الذهاب شخصياً في زيارات إلى تلك المحطات مع وفد مرافق لعرض وجهة نظر القانون والقضاء في مثل هذه المخالفات التي تؤثر على أمن واستقرار البلد من خلال افتعال الكثير من المشاكل الاجتماعية والسلوكية.
الهدف من الإباحية دون شك هي البيع وليس التعليم ، وأثرها بشكل عام هو نشر أكاذيب تصبح جزءاً من ثقافتنا اليومية ومن ضمن تلك الأكاذيب:
أن المرأة مخلوق هامشي تافه وظيفته تحقيق المتعة، وهذا واضح من خلال تصوير المرأة والتركيز على جسدها حتى دون تصوير وجهها وهذا يعني انتهاك لحقيقة أن المرأة بشر تملك العاطفة والإحساس والحساسية. مما يفقد الشاب أو الطفل نظرة احترامه وثقته بالمرأة منذ طفولته بمن فيهن الأمهات والأخوات والمعلمات.. وزوجات المستقبل الخ.
كما تظهر المسلسلات أن قيمة المرأة بمقدار جاذبية جسدها حيث تظهر النساء عديمات الجمال منبوذات وغير مرغوبات جنسياً. وفي الأدوار الإباحية يطلقون عليهن ألقاباً قذرة أربأ بأن أذكرها وتقرن صفاتهن بالحيوانات حيث تنادى بالكلبة والخنزيرة والجميع يعلم أن هذه الحيوانات مرتبطة بالذهن بالقذارة والنجاسة.
وفي الأفلام العربية اقترنت الذاكرة من خلال الشخصيات المعروضة بصفات بعيدة عن أرض الواقع بشكل مهين، حيث ركزت مثلاً الأفلام على شخصية الراقصة في مصر وكأن معظم نساءها راقصات، أو نساء مسترجلات يحملن صفات "العالمة" أو "المعلمة" وهن نساء يتمتعن بجرأة على التقاليد بشكل سلبي حيث لا يردعهن أحد، ولا يتحلين بالحياء، ضخمات مسترجلات يعملن في كل ما هو ممنوع، بينما لم يتم توثيق المرأة المصرية الجادة العاملة مربية الأجيال بما يليق بها.
تظهر في الأفلام والمسلسلات كذلك صور نمطية للمرأة المثقفة والذكية على أنها امرأة تلبس النظارات السميكة، لا تهتم بمنظرها، وتفتقر إلى الشاعرية، لا تفقه سوى المعادلات الكيميائية،ممله ولا تستطيع إسعاد الرجل مما جعل من ذكاء المرأة ودراستها وتفوقها مجالاً للتندر وإطلاق الفكاهات.
أما الرجل الذي يعتني بحرمة بيته ويحاول حماية أخواته أو بناته وزوجته فهو رجل متخلف حضارياً، يسبب لأخته أو ابنته أو زوجته الحرج في مواقف كثيرة، ومرتبطة شخصيته بخلل نفسي وعقدة في الطفولة، وهذا نفّر المشاهد من شخصية من يغار على حرمته، والعكس صحيح فالرجل الذي لا يغار على حريمه هو رجل متحضّر مثقف محبوب وهذا لتسويق الانفلات الأخلاقي.
كما تظهر مثل تلك الأفلام أن المرأة تحب أن تغتصب حيث في البداية تبدأ بالرفس والضرب والدفاع المستميت عن نفسها ولكن فيما بعد يعجبها الأمر ولا ينتهي الأمر باستسلامها فقط وإنما بانجرافها في تيار السقوط إلى الرذيلة، وهذا يعني أن المرأة تستمتع في ايذاءها للحصول على المتعة في النهاية وأنها عندما تقول لا فهي تعني نعم . وهذا يعني أنك لا يمكن أن تأخذ كلام المرأة بجدية فكلامها شيء وما تعنيه شيء مغاير تماماً.أي أنك إذا تحرشت بها ورفضت قد يكون هذا تمنعاً مؤقتاً ولا بأس من الاستمرار في مضايقتها على أمل استسلامها في النهاية.
إظهار المرأة وكأنها لعبة في رياضة الرجل حيث يحرز نقاط بتنقله من مودة امرأة إلى أخرى وكأن هذه النقاط هي هدف يسعى اليه الذكور لتأكيد رجولتهم بحيث تصبح كل إمرة يفوزون بها إضافة على قائمة نقاط الإنتصار وتأكيد الرجولة.
ترويج فكرة أن كل ما هو خارج إطار القانون هو مسلي وممتع، وكل علاقة مرتبطة بالزواج هي علاقة مملة وهذا ساهم في تفكيك عرى الزوجية لعدد كبير من البيوت العربية التي بات فيها الرجل يبحث عن المحظور خارج إطار ميثاق الزواج الشرعي لظنه أن هناك متعة لم يجربها بعد، وللأسف هناك نسبة من النساء أصبحت تباري الرجال بهذا الانحراف الأخلاقي.
والمصداقية التي كانت هي أولى أدوات الحب بدأت بالإختفاء من خلال ثقافة المستورد من البرامج حيث تكثر الخيانات الزوجية المبررة بعدم اهتمام أحد الزوجين بالآخر أو انشغاله عنه، حيث يتم تبرير الوقوع في علاقات الفاحشة والزنا، وفي نهاية العمل الدرامي تعرض النهاية التسامح وتخطي الخيانة بكل سهولة ويسر مثل شرب فنجان قهوة وكأن شيئاً لم يكن.
كما تعاملت الفضائيات مع حلول المشاكل التي تتعرض لها الأسرة بشكل خاطيء، فوجدنا بالنتيجة أن العمل الدرامي يومي باتجاه الطلاق إثر أي خلاف أسري بسيط على أساس أنه الحل الوحيد. فأصبحت العلاقات مثل " سلق البيض" خالية من أي جهد لانجاح أي علاقة وهذا ينطبق كذلك على التعامل مع قضايا العمل حيث يبدو الشخص انهزامياً كلما واجهته مشكلة أثناء تأدية عمله وضع كتاب استقالته على مكتب المدير، مما ربّى في المشاهد السلبية وانعدام المقدرة على مواجهة الإشكالات العملية.
أما الطفل فلقد تعاملت الفضائيات مع قضاياه بهامشية وبمفاهيم سطحيه غير هادفه، لأن معظم ما يشاهد من برامج الصور المتحركة مستورد، بحيث وجد الطفل نفسه يعاني من انفصام الثقافة لأن كل ما يشاهده ليس من مجتمعه، لا الملابس ولا المظهر ولا الحوار ولا القضايا. هذا عائد بالدرجة الأولى لانعدام دور فاعل لخبير إعلامي يحدد ويوجّه ما يمكن عرضه للطفل.
كذلك روجّت الفضائيات لنماذج القدوة من المطربين والراقصات وغيرهم مما ولّد خللاً في مفهوم القدوة، حتى الرياضيين الذين تم الترويج لهم كثيراً ما انصب الترويج لهم على فضائحهم من تعاطي مخدرات ومنبهات وخرق للقانون من خلال مخالفات قوانين السير أو الضبط متلبسين في قضايا أخلاقية.وأمام هذه الثقافة الزاحفة بالسلبيات كيف سيكون التكوين النفسي لإنسان المستقبل.
كما يوجد هناك تشويه للطفولة البريئة من خلال دس السم بالدسم من خلال تقليد الأطفال أثناء عرض المقاطع الإباحية التي يعرضون فيها الفتيات وهن يرتدين ملابس لها خصوصية الأطفال وشعورهن مربوطه و مسرّحة بنفس أسلوب الأطفال ،أحذيتهن كذلك تشابه أحذية الأطفال وغالباً ما يكون المشهد مرفقاً بحمل أحد ألعاب الأطفال مثل الدببة المحشوة والأرانب، مما يعزز نظرة الإباحية تجاه الأطفال.
عرض المرأة على أنها سلعة حتـّم على منتجي البرامج والأفلام بأن يقدموا ما هو معارض للمنطق الدرامي للأحداث حيث تبقى الأنثى محتفظة بشبابها إلى ما شاء الله بحيث فقد الإعلام الكثير من مصداقيته لأن وجهه مكشوف وكذباته حاسرة ولم يعد الوسيلة التي يمكن أن يثق بها المشاهد ويصدق ما تأتي به من معلومات، حيث النساء دائماً رشيقات وشقراوات وأنيقات على مدار الساعة، وهذا أبعد ما يكون عن الواقع حيث الغالبية العظمى من النساء العربيات يملن إلى زيادة في الوزن وسمرة في البشرة ولا يجدن متسعاً من الوقت للجلوس في صالونات التجميل بنفس المدد التي تجعل منها شبيهة للعارضات والممثلات ومن يظهرن على الشاشة لأن عليها واجبات تأكل ساعتها اليومية بشراهه، وهذا كان له تأثير واضح في تقليل نسبة الثقة بالنفس ومحاولة دخول المرأة بإشكالات إنقاص الوزن بطرق يائسة، وشيوع تسويق العدسات اللاصقة الملونة وأصباغ الشعر، وهوس اللجوء إلى عمليات التجميل من نفخ وشفط وزرع وحقن.
كما طفت على السطح مشاكل أسرية من نوع جديد في المجتمع بعد ظهور هذا الكم الهائل من فتيات الإعلانات الرشيقات المحقونات بالسيليكون أصبح الكثير من الأزواج أقل ثقة بمواصفات شريكة الحياة وأم الأولاد التي استطاعت تحقيق أشياء كثيرة لم تسمع عنها فتيات الإعلانات مما أحدث شرخاً في العلاقات الأسرية العربية بشكل عام لأن الرجل أصبح يبحث عن مقاييس جمالية جديدة ناسياً أن نسبة كبيرة من شعر رأسه سقط واستقر داخل أذنيه، وأن التغيير الذي حصل على جسد زوجته نتيجة الزمن داهمه هو أيضاً. وجميعنا سمع عن كمية النزاعات التي وصلت إلى المحاكم بعد أغنية " البرتقالة" التي أصبحت وصمة في تاريخنا الإعلامي وحدثاً أهم من جميع معارض الكتب العربية حيث تناولها الإعلام بشكل غير مسبوق وبشكل فاق كل ما عرض عن مأساة المرأة العراقية التي تحاول لم شتات أسرتها المبعثرة نتيجة للحرب.
المرأة في معايير الشاشة لم تزل مرغوبة كأنثى ذات مواصفات بعيدة عن الواقع لكنها ثابته منذ مدة طويلة والجميع يعلم الصفات الأنثوية المرغوبة على الشاشة، بينما مواصفات الرجل تغيرت حيث كانت صورته النمطية المحببة في الأفلام القديمة كرجل جذاب مفتول العضلات ذا بنية جسدية رياضية، لكن الآن يسيطر على الشاشة الشخص الشاذ ،الناعم الذي يلبس السلسلة ويستخدم مساحيق التجميل، ويترقق في حديثه كالنساء.. وهؤلاء للأسف هم قدوة أبناءنا.
إذا نظرنا إلى الأدوار التي تلعبها المرأة في عالم التلفزيون تجدها مثلاً في الإعلانات مرتبطة بتسويق الإستهلاك وشراء مواد التنظيف والملابس والمأكولات بينما الرجل مرتبط بتقديم الخدمات فهو رجل الأعمال، أو مندوب شركة التأمين، أو رجل يقدم خدمات مصرفية.
معظم الأفلام المعروضة على شاشاتنا للأسف مستوردة لكنها مع ذلك لم تعكس الليبرالية التي ينادي بها الغرب من مساواة بين الجنسين فدائماً المرأة تظهر في وظائف مكررة كنادلة أو سكرتيرة أو عارضة أزياء وإذا ظهرت أنها ناجحة فهو غالباً على حساب أسرتها وفشلها الاجتماعي وإهمال الأسرة، أما الرجال فهم الخبراء والمحللون وذوي الشخصيات القيادية.
كما أن المرأة في الدراما التي تعرضها الفضائيات التي أفضل أحياناً أن أطلق عليها "الفضائحيات" تعتمد على جسدها في حل مشكلاتها كما هو الحال في العديد من المسلسلات المكسيكية التي تعرض آناء الليل وأطراف النهار، نادراً ما تستخدم المرأة في هذه المسلسلات رأسها سوى للإيماء أو النفي، فهي تلجأ دائماً إلى استخدام جسدها في مواجهة الشر لاستدراج الرجل المندفع خلف غريزته، كما تستخدم جمالها في التسلق الاجتماعي والوظيفي وتستخدم جسدها بكل وسيلة ممكنة لاستهبال الرجل والضحك على ذقنة ليقع في حبائلها وتلتصق بلحيته ليصبح مسؤولاً عن الانفاق عليها. وهذا احتقار لذكاء كل من الرجل والمرأة، فكيف تقبل المرأة بأن تظهركغبية تفتقر إلى الذكاء والكرامة، وكيف يقبل الرجل بأن يكون مضحكة يركض خلف غريزته ويُستغل من قبل من لا يزيد معدل ذكاءها عن نسبة ذكاء الدجاجة.
جميع هذه الأمور ترسّخ المحاكاة والتقليد لدى المشاهدين من الجنسين، وهذا وضحته نظرية " بندورا" من خلال نظرية التعلم الاجتماعي. كما يصبح تأثير ما يشاهده الفرد قيمة يعتنقها حسب ما جاء في نظرية التكيف الاجتماعي حول التعلم بالمحاكاة والتقليد. وهذا واضح من خلال بيع فكرة أن المدخن أو المدخنة يتمتع بجاذبية جنسية وقد أقنعت هذه الفكرة عدداً من المراهقين وجذبتهم إلى عالم السجائر دون أن يشعروا.
إضافة إلى أن عدداً من الأمهات وقعن في إشكال عنف أطفالهن مع إخوتهم الصغار بعد مشاهدة لقطات المصارعة في الأفلام لأن الصغار شاهدوا أن من يضرب غيره يصفق له ويهدى حزاماً ذهبياً وهذا ما كان يتوقعه من أمه التي غالباً ما تضيف إلى دائرة العنف بإهداءه حزاماً بنفسجياً مع علقة ساخنة لتعلمه من خلال عنفها أن لا يكون عنيفاً مع أخيه الصغير.
ومن ضمن تأثير التلفزيون على سلوكيات الأطفال كما جاء في دراسة أجراها باحثون في جامعة " هيرتفوردشاير " في هاتفيلد في بريطانيا عام 2000 أن الأطفال دون السابعة الذين يشاهدون الكثير من الإعلانات اكتسبوا عادات سلوكية سيئة مثل الطمع والإلحاح في طلب كل ما يعلن عنه بنسبة فاقت خمس أضعاف الأطفال ذوي المشاهدة الأقل. وهذا الأمر متوقع إذ أن الانفاق على الاعلانات الموجهه للطفل بازدياد بسبب القوة الشرائية للطفل والتي تتزايد باضطراد حيث وصل الانفاق على الاعلانات الموجهه للأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها عام 1996 الى 892 مليون دولار.
أما جيفري جونسون من جامعة كولومبيا ومعهد نيويورك للطب النفسي قال " أنه يتوجب على أولياء الأمور أن يتجنبوا السماح لأطفالهم بمشاهدة التلفزيون لأكثر من ساعة يومياً على الأقل في فترة المراهقة المبكرة لأنه حسب دراسته العملية التي أجراها في شمال نيويورك وجد علاقة مباشرة بين ساعات مشاهدة برامج التلفزيون العنيفة والسلوك العدواني في المرحلة اللاحقة بمقدار خمسة أضعاف للذين يشاهدون برامج تلفزيون عنيفة لفترة تتراوح بين أقل من ساعة وثلاث ساعات أو أكثر. حيث كشفت الدراسة أن من بين الشباب الذين شاهدوا تلك البرامج التلفزيونية لأقل من ساعة يومياً في سن الرابعة عشرة تورط 5.7% منهم في أعمال عدائية ضمن الفئة العمرية بين 16 و 22 عاماً، بينما من شاهدوا لمدة تتراوح بين ساعة وثلاث ساعات يومياً ارتفع لديهم السلوك العدواني إلى 22.5%، وبلغ المعدل 28.8% لمن شاهدواأكثر من ثلاث ساعات يومياً من برامج العنف.
أما الكبار اتضح أن عدداً منهم أصبح يتأثر بالحالات المرضية وحالات الاكتئاب التي تعرض في المسلسلات إلى درجة مراجعة الطبيب مع كل مسلسل تظهر فيه حالة مرضية جديدة بشكل يثير القلق كتأثير نفسي مباشر على صحة الفرد .
شاشة التلفزيون هي منصة إطلاق الموضات والتقليعات من قصات شعر، وأسلوب انتقاء الملابس والتصرفات، فهي خير وسيلة لتسويق الأسلوب الاستهلاكي والمحاكاة دون تفكير منطقي مسبق بضرورة اعتناق مثل هذه التغييرات على الشخصية أو السلوك بحيث أصبحنا مسوخاً مستنسخة لشخصيات غريبة عنا.
أما الرجل فغالباً ما يلجأ إلى كأس الخمر والسيجارة بمجرد مواجهته الإحباط أو الفشل في حياته، وهذا يرسخ الانهزامية والضعف في نفس الشباب بحيث يضيق الأفق على كل الحلول سوى الغرق في كأس من أجل النسيان.
حتى الأعمال الأدبية الشهيرة لم تسلم من العبث في محتواها من أجل تطويعها من مادة ثقافية لتحويلها إلى مادة درامية رخيصة بهدف الربح، كان قد نشر ستانلي ويلز كتاباً العام الماضي 2004 حول تحويل أعمال شكسبير إلى مواد إباحية وكان عنوان كتابه " البحث عن الجنس في أعمال شكسبير" وقدم عرضاً عن الكتاب الناقد جون غروس وتحدث فيه عن استخدام التورية للمعاني الجنسية واستغلال أعمال شكسبير من قبل الممثلين والمخرجين من أجل خدمة الإثارة، وقال الكاتب أن الجيل السابق كان يكتفي بالعاطفة والحب بينما لا يتنازل الجيل الحالي عن أدق التفاصيل الجسدية، مما حدا بهم إلى إدخال مشاهد مشحونة بالجنس هذا إضافة إلى التلاعب بالكلمات والألفاظ والتلميحات الجنسية.
هذه المنظومة من القيم أصبحت توطئة لما لا يحمد عقباه وما حصل فعلاً في الغرب من ترشيح لنجمة عري لدخول البرلمان كما في ايطاليا، أو ترشيح ممثلة أفلام عري نفسها لمنصب حاكم في كاليفورنيا، أو درجة تسبق إباحة زواج المثليين، أو تنصيب أسقف شاذ لإحدى الكنائس كما حصل في الولايات المتحدة.
وكلما زادت الفضائيات التي تقدم برامج سلبية دون محتوى تقلصت مساحة حرية الرأي والتعبير والبرامج التي تعنى بالقضايا الحقيقية. وأصبحت برامجنا تعتمد على المؤهلات بأسلحة الدمار الشامل من ذوات حملة حشوات السيليكون.
أما الفضائيات المتخصصة بتقديم برامج إخبارية ومنوعات فهناك عدداً منها انتهج تقليد سلوك الإعلام الغربي في تعاطيه مع الشأن العام بطريقة لم تعكس تطور وتاريخ المنطقة العربية، فلم يكن نتاجها وليد نضوج إعلامي وإجتماعي وثقافي وبذلك ظهرت بشكل مصطنع أو موجه لنسبة قليلة من النخبة وبشكل متعالي يفرض على المشاهد أن يستهلك ما تقدمه دون هامش خيار معقول. وهذا التوجه المتعالي ليس انعكاساً لرقي ثقافة المشاهد، بل هو زعم مفترض أو أمنية لما يريد البعض من أن تكون عليه ذائقة المشاهد وذلك بطريقة لا تعبر عن المشاهد بشكل حقيقي لأنها تناقش ما ليس ضمن هموم الفرد اليومية، مما ينجم عنه حالة من التلقي السلبي. وهذا الأمر تطرق إليه مسبقاً عالم الإجتماع الفرنسي بيار بورديو في كتابه " عن التلفاز".
كثير من القنوات تعرض الجانب المظلم من السياسة حتى أصبحت السمة العامة هي التشاؤم وانعدام الأمل بأي مشروع ناهض بالأمة إلى النجاح، وأصبح النواح أو العويل والشكوى سمة ملازمة للبرامج الإخبارية والسياسية، أما الخطاب الرسمي كان دائماً كلاسيكياً بعيداً عن أي سمة إبداعية بحيث يقدم أدوات تعبير ومفردات جديدة للمشاهد مما جعل من المشاهد شخصاً يكتفي بالتلقي دون وجود أي رد فعل يذكر. هذا بمجمله أدى إلى ولادة مجموعة من أخصائيي الردح في البرامج المتلفزة بحيث يشبعوا رغبة المشاهد بالتنفيس عن سخطه أمام الشاشة داخل المنازل وبذلك نكون قد خصّبنا ثقافة الهزيمة والسلبية الجماعية وتربية القناعات التي تؤمن بالقدرية. وهنا يتمتع الفرد بفرديته السلبية دون الاهتمام بقضايا الجماعة بحيث يتحول إلى مستهلك ومشاهد.. أو في أحسن الأحوال إلى مقترع في البرامج التافهة . وهذا يعني أننا لم نستقل ثقافياً وأننا ما زلنا محكومون لسياسة مالكي هذه الأدوات الإعلامية التي تسمن حساباتها المصرفية على حساب المضمون.
اغتصب التلفزيون جزءاً كبيراً من حياتنا وفرض علينا حالة من الهوس الجماعي كما يحصل أثناء رمضان حيث يلتصق الناس بشاشات التلفاز لمشاهدة أحد المسلسلات الجاذبة متنازلين عن أوقات العبادة والقراءة وصلة الرحم وأي هواية أخرى. حيث تمغنط مسلسلات فيها شخصيات مثل "الحاج متولي وزوجاته الأربع" حواس المشاهد العربي أثناء بث دعاء ليلة القدر.
ومن هنا نجد أن الإنسان يتأثر بما يشاهد وبالتالي يتأثر سلوكه وتصرفاته وقناعاته، والتعرض المتكرر للبرامج الإباحية والخلاعة تفقدنا معرفة من نحن مما ينشيء خللاً في هوياتنا الثقافية والنفسية،البعض قد يدمن هذه البرامج والأفلام كما أشار الدكتور فيكتور كلاين الذي جعل الإدمان على تلك البرامج على مراحل تبدأ بالتعرض المبكر، ثم الإدمان على الإباحية، ثم يتحول الاشمئزاز من تلك الصور إلى إثارة، ثم ينتقل بعدها إلى التقليد الفعلي.
فأين فضائياتنا من هموم المواطن العربي ، ماذا عن البطالة والتطرف والفقر، أو الأمية. ماذا عن تشرذمنا وتقطيع أوصال الأمة، ماذا عن اللغة العربية والثقافة، والتلوث البيئي، ومشاكل شح المياه، ماذا عن العراق وفلسطين.. قد يقول بعض المتحذلقين وهل يمكن صناعة دراما أو ترفيه من المأساة.. ؟ أزعم أننا إذا كنا نحسن استخدام أدواتنا نستطيع إصلاح عيوبنا من خلال الفن الملتزم والموهبة الموجهة بشكل يستند إلى العلم.
لذلك من واجب كل مؤسسة مسؤولة في العالم تؤمن بكرامة الإنسان محاربة هذا الاتجاه المدمر بكل الوسائل القانونية والثقافية وكل ما يمكن أن يحمي الأجيال القادمة من طوفان النجاسة.
المصدر: بوابة المرأة
أضف تعليقاً