البدايات فرصة لخلق واقع جديد

إنَّني أحب البدايات؛ فهي فرصة للبدء من جديد؛ فعندما تبدأ تجربة شيءٍ لأوّلِ مَرَّة، تنشأ كلُّ المحفزات المختلفة التي سرعان ما تنسجم معها، وتنغمس في كلِّ شيء، ويبدو الأمر كما لو أنَّ الشمس تشرق فقط.



ملاحظة: هذا المقول مأخوذ عن الكاتبة الأمريكية ميليسا (Melissa)، والذي تحدثنا في عن كيفية خلق فرص جديدة لأنفسنا.

عندما تبدأ، تُفتَح جميع الأبواب أمامك، وتجد إمكانات لا حصر لها تنتظرك، وتشعر أنَّ مستقبلك ورقة بيضاء لم تُكتَب بعد، ويمتزج التوتر مع الإثارة، وتشعر بعدم الألفة وعدم اليقين والخوف أحياناً، وتجتمع هذه المشاعر لتخلق الاندفاع والإثارة لكونك في مكانٍ جديد.

عادة ما نفترض أنَّ الخبراء والمحترفين يتفوقون على المبتدئين لأنَّهم يمتلكون القدر الأعظم من المعرفة؛ وهذا صحيح بالتأكيد، ولكنَّه ليس قاعدةً دائمة؛ إذ قد يكون للمُبتدئ مزايا تفوُّقٍ خفية.

منظور المبتدئين:

ما يميز المبتدئ افتقاده للمفاهيم المسبقة حول الممكن، وغير الممكن، والمستحيل؛ فهو لا يعرف الحدود، ولا يعرف القواعد.

بمعنى آخر: يعرف كلُّ من بقي في مكان ما لفترة قصيرة كيف "من المفترض" أن تسير الأمور، ويعرف ما يمكنه وما لا يمكنه القيام به، وتكون معتقداته ثابتة وفقاً لما مر به؛ أمَّا المُبتدئ، فليس لديه فكرة عن هذا.

لكن كما قلت مسبقاً "قد يكون لكونك مبتدئاً ميزة خفية"؛ فأنت ترى المشكلات وتتعامل معها بشكلٍ مختلف، وربَّما تتوصل إلى حلولٍ لم يفكر فيها الآخرون، وتغير المعايير، وتجبر الناس على إعادة التفكير في الاستراتيجيات الحالية.

وفقاً لإحدى الدراسات، تؤدي مواجهة التحديات الجديدة إلى تغييرات فعلية في الدماغ، والذي يشكل بدوره روابط عصبية جديدة من خلال تجربة أشياء جديدة؛ ممَّا يحسِّن مهاراتك في التفكير، ويجنِّبك التدهور المعرفي.

ولكنَّ المشكلة تكمن في أنَّ البدايات تقل تدريجياً مع تقدم الحياة؛ فكلَّما ذهبت إلى حدٍّ بعيدٍ وجربت الكثير، أصبح من الصعب أن تبدأ من جديد.

إقرأ أيضاً: كيف تبدأ حياتك من جديد بعد أن يبدو لك أنَّ الأوان قد فات؟

تتلاشى البدايات مع الوقت:

عندما نكون أصغر سناً، تحدث البدايات بوتيرة سريعة تقريباً؛ فنحن ندخل مدرسة جديدة، ونحضر البرامج الصيفية، ونلتقي بأشخاص جدد، ونتعلم مواضيع ومجالات مختلفة، وغيرها من احتمالات جديدة ومثيرة تحدث من تلقاء نفسها؛ ولكن، وبمجرد التخرج وبدء العمل، يتغير الوضع.

عندما نتقدم في العمر، ندخل مساحة واسعة لا يبدو أنَّها تنتهي أبداً، بدلاً من الوصول إلى نقطة اكتشاف بين الحين والآخر، ونستقر تدريجياً في الوظائف والعلاقات والبيئة المحيطة نفسها، وتسير حياتنا وفق نمط معين.

شاهد بالفيديو: 20 شيئاً ستندم عليها إذا لم تفعلها الآن

ابتكر بداياتك الخاصة:

حتى إذا كنت خبيراً في مجالك، فلا يزال بإمكانك أن تكون مبتدئاً وتقدم أفكاراً جديدة في مجال آخر.

على سبيل المثال: يقرّ موقع اينوكريسنس (InnoCrecance) بأهمية وجود طرف خارجي يوفر رؤية جديدة للشركات، ويربط بين الشركات المبتكرة التي تبحث عن حلول للمشكلات، مع خبراء في جميع نواحي الحياة، ويمكن لأيِّ شخص تقديم حل مقترح للمشكلات المطروحة فيه.

لقد وجد الموقع أنَّ العديد من المشكلات حُلَّت من قبل أفراد من خارج المجال المطروح؛ حيث نجح خبير إحصائي في تطبيق نموذج إحصائي لشركة تعنى بحماية الغابات، وساعد أحد الفيزيائيين شركة هندسية من خلال معرفته بالبصريات والترددات اللاسلكية؛ فرغم أنَّ الشخص الذي يعمل على حل المشكلة قد لا يعمل بشكلٍ مباشرٍ في هذا المجال، إلَّا أنَّ بإمكانه أن يستخدم معرفته وخبرته في مجاله لإيجاد حلٍّ للمشكلة.

يمكنك دائماً البدء مجدداً من خلال الخطو في مكان جديد وتجربة مهاراتك المختلفة، مثل: تعلم طهو وصفة غير مألوفة، أو زيارة مكان جديد، أو تعلم شيء جديد؛ ولكن انتبه إلى ما تشعر به مسبقاً، فقد يحاول دماغك إبعادك عن فعل شيء لم تفعله من قبل، ويخبرك أنَّه من الأفضل العودة إلى الوضع الراهن؛ ذلك لأنَّه بينما تتطلع إلى القيام بشيء غير مألوف، يشعر جزء منك بالقلق من أنَّ كل ذلك سيفشل.

عندما تكون بالفعل في خضم شيء جديد، فغالباً ما تكون جميع حواسك في حالة تأهب قصوى عند دخولك إلى شيء أو بيئة مختلفة، وقد تشعر بالتردد في أثناء قيامك بشيء ما؛ ولكن رغم ذلك، قد تدرك أنَّ هذا ليس بالأمر السيئ على أيِّ حال.

إقرأ أيضاً: قوانين العقل الباطن: ما هو؟ كيف يعمل؟ وكيف تبرمجه وتسيطر عليه؟

كيف تبدأ من جديد؟

قد تعتقد أنَّك تعرف كلَّ ما ينبغي عليك معرفته عن موضوع ما، ثمَّ تواجه فجأة شيئاً غير متوقع؛ لذا عليك أن تعرف أنَّه بغض النظر عن مقدار ما تعرفه بالفعل، لا يزال هناك الكثير لتتعلمه؛ وقد يكون هنا تبني عقلية المبتدئ مفيداً.

تعني عقلية "إفراغ الكأس" أن يكون عقلك مثل الكأس الذي يجب أن يُفرَّغ قبل أن يصبح جاهزاً لتلقي المزيد؛ حيث يحتاج عقلك إلى التخلص من تصوراته السابقة لإفساح المجال أمام التعلم والنمو والأفكار؛ ذلك لأنَّه لا يمكنك التعلم ما دمت تعتقد أنَّك تعرف بالفعل، ولا يمكنك التقدم ما دمت تعتقد أنَّك وصلت إلى النهاية.

لذا بدلاً من ذلك، ابدأ بالانفتاح على ما يمكن أن يعلمك إياه الأشخاص والأماكن والأشياء الأخرى؛ فعندما تصغي إلى شخص ما وتحاول فهمه من منظور مختلف، ستُفاجَأ بما تجده.

هل تساءلت يوماً لماذا يتعلم الأطفال كثيراً وهم صغار؟ ذلك لأنَّهم يتمتعون بعقلية استكشافية، ويملكون أسئلة لا حصر لها، ويريدون اكتشاف وتعلم أشياء جديدة.

نحن نتغير مع تقدمنا في العمر، ونفقد عقلية الطفل الاستكشافية تدريجياً، ونتوقف عن طرح العديد من الأسئلة شيئاً فشيئاً؛ ذلك لأنَّنا لا نرغب في تكليف أنفسنا عناء المعرفة وتعلم أشياء جديدة، ونكتفي بالأشياء كما هي فحسب.

لكن في الحقيقة، غالباً ما يكون من الجيد طرح الأسئلة؛ فعندما تتساءل عن كيفية عمل شيء ما، أو لماذا يتخذ شخص ما قراراً معيناً، أو لماذا يحدث شيء ما بطريقة معينة؛ فإنَّك تمارس بهذا إحساسك بالفضول، وتشجع نفسك على التعلم والانفتاح.

كنز المراحل الأولى:

عندما أصل إلى نهاية شيءٍ ما -سواءً كان برنامجاً أم رحلة أم حدثاً- أجد نفسي أتذكر البداية وأقول: "لقد كان ذلك الجزء المفضل لدي"، وأتذكر كيف لم أكن أعرف شيئاً، وكان أمامي الطريق لتعلم كل ما أريد.

حتى إذا كنت لا تعتبر نفسك مبتدئاً، فهناك أكثر من طريقة للبدء من جديد؛ حيث يمكنك البدء باستكشاف موضوع جديد أو مهارة جديدة أو حتَّى مكان جديد، وبوسعك التدرب على النظر إلى الأشياء بعين المبتدئ؛ وغالباً ما تكون البداية الجديدة هي الشيء الذي تحتاج إليه للعثور على هدفك.

المصدر




مقالات مرتبطة