الانحرافات السلوكية لدى المراهقين: أسبابها وعلاجها

تُعَدُّ مرحلة المراهقة من أصعب المراحل وأكثرها حرجاً على المراهق والأهل في آنٍ معاً، وتحتاج إلى الكثير من الوعي والاحتواء من قِبل العائلة؛ وذلك لحماية المراهق من انحرافات سلوكية قد تُدمِّر حياته ومستقبله، فما هي الانحرافات السلوكية لدى المراهقين؟ وما هي أسبابها؟ وكيف نعالجها ونحمي أبناءنا منها؟



أولاً: ما هي الانحرافات السلوكية لدى المراهق؟

الانحراف لغةً: هو الميل والخروج عن الطريق الصحيح.

الانحراف اصطلاحاً: اختراق التوقعات الاجتماعية، والخروج عن المعايير التي يُحدِّدها المجتمع ويرتضيها للسلوك وعدم الالتزام بها.

من هو المراهق؟

حسب تعريف منظمة الصحة العالمية: "المراهقون هم الفئة التي تتراوح أعمارهم بين (10-19) سنة".

ما هي الانحرافات السلوكية لدى المراهق؟

هي السلوكيات التي تصدر عن المراهق وتكون منافية للأخلاق والقيم، وتعود بالضرر المباشر عليه وعلى غيره، ومن الأمثلة عنها: التدخين، وإدمان الكحول، وتعاطي المخدرات، وانحرافات جنسية، والعنف والعدوانية، والسرقة.

ثانياً: أقسام الانحراف ومستوياته وعلاماته لدى المراهقين

يُقسم الانحراف لدى المراهقين إلى:

1. انحراف قيمي:

هو السلوك المنحرف الناتج عن اقتناع لدى المراهق بهذا السلوك، ويقع ضرره على المراهق نفسه، ويهدر وقته وجهده وماله؛ مثل: إدمان الكحول، وتعاطي المخدرات، والتشرد.

2. انحراف أخلاقي:

لا يتوقف ضرر الانحراف الأخلاقي على المراهق وحده؛ بل يمتد إلى عائلته أو مجتمعه، كالاعتداء على الآخرين، وأي سلوك يخدش الحياء.

مستويات الانحراف عند المراهقين:

  1. انحراف خطر: وهو ممارسة المراهق لكافة أنواع الانحراف بشكل متكرر.
  2. انحراف شديد: وهو ممارسة المراهق لأكثر من انحراف بشكل متكرر.
  3. مُعرَّض للانحراف بشدة: وهو المراهق الذي قام بممارسة انحرافات عدة لمرة واحدة فقط.
  4. مُعرَّض للانحراف: وهو المراهق الذي مارس نوعاً من الانحرافات لمرة واحدة، وما تزال أمامه فرصة لتكرار الانحراف ولكنَّه يقاوم ويمتنع.
  5. غير منحرف: وهو المراهق الذي لم يمارس أي نوع من الانحراف ولم يتعرَّض له.

علامات الانحراف لدى المراهق:

  1. الميل إلى العزلة والانطواء على نفسه.
  2. التغيب عن المدرسة، وتراجع مستواه وتحصيله الدراسي.
  3. العصبية وسرعة الانفعال لأتفه الأسباب.
  4. التأخر الدائم في العودة إلى المنزل.
  5. التشتت الذهني والشرود الدائم.
  6. عدم تقبل النصيحة وعدم الشعور بالندم أو الذنب.
  7. الشعور دائماً بأنَّه ضحية ويُبرر لنفسه.
  8. المعاناة من مشكلات في النوم.
  9. التفكير في الانتحار.

ثالثاً: أسباب الانحرافات السلوكية لدى المراهقين

الانحراف السلوكي لدى المراهق مكتسب وليس فطرياً؛ فالمراهق لا يولد منحرفاً؛ إنَّما هناك أسباب دفعته إلى الانحراف، مثل:

1. الأسرة:

تشير الكثير من الدراسات الحديثة إلى "انتماء أغلب المراهقين المنحرفين إلى أُسر غير مترابطة"، فالأسرة هي صمام الأمان للأبناء، وهي سبب صلاحهم أو انحرافهم، فكلما كانت متماسكة ومتحابة، وكان الوالدان قريبين من المراهق، ويتبعان أسلوب الحوار معه، كان مُحصَّناً من الانحراف.

وعلى النقيض من ذلك، الأسرة غير المتماسكة التي تسودها المشكلات والخلافات بين الوالدين، وتتَّبع أسلوب التربية القائم على العنف والتوبيخ والترهيب، تؤدي إلى حدوث اضطرابات نفسية لدى المراهق، وغالباً ما يلجأ إلى الانحراف كرد فعل من أزمته العائلية، ويُعَدُّ تفكك الأسرة "الطلاق" من أشد المؤثرات السلبية في المراهق.

شاهد بالفيديو: نصائح للتعامل مع المراهقين

2. المدرسة:

يدفع قصور دور المدرسة التربوي والإرشادي، والتعنيف في المدرسة، وسوء المعاملة، وعدم تفهُّم مرحلة المراهقة وحساسيتها من قِبل المعلمين أو الإدارة بالمراهقين إلى الانحراف.

3. حساسية مرحلة المراهقة:

مرحلة المراهقة مرحلة حساسة جداً، لما يحدث فيها من تغيرات فيزيولوجية ونفسية خطيرة للمراهق، ويختبر تخبطات ومشاعر متناقضة، وتتشكل نزعته إلى الاستقلالية وإثبات الذات والخروج عن القواعد، ومن مخاطر هذه المرحلة عدم الوعي والنضج الكافي لدى المراهق للقدرة على الحكم على الصواب والخطأ، والرغبة الجامحة لديه في اكتشاف العالم من حوله، بالإضافة إلى سهولة تأثُّره بالمحيط والمؤثِّرات الخارجية.

4. الفراغ:

الفراغ عدو الإنسان، وهو بوابة للكثير من السلوكات المنحرفة؛ فعندما يكون لدى المراهق أوقات فراغ كثيرة لا يعرف كيف يقضيها، تتولد لديه أفكار سيئة، ويملأ فراغه بأشياء غير مفيدة وربما تكون ضارة له.

5. الفقر:

قد يؤدي الفقر إلى انحراف المراهق، وخاصة في غياب التوعية من قِبل الأهل، سعياً منه إلى تحسين وضعه المادي.

6. كثرة المال:

ليس فقط الفقر يقود إلى الانحراف؛ إذ تؤدي كثرة المال أيضاً وعدم وجود رقابة من الأهل إلى ضياع المراهق وزيادة سطوته وميله إلى الانحراف.

7. الإنترنت ووسائل الإعلام:

يؤدي الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام اليوم دوراً بارزاً في توجيه المراهقين بالتسويق للسلوكات المنحرفة؛ مثل شرب الكحول وتعاطي المخدرات، وإقامة العلاقات غير الشرعية، ومشاهد العنف، ومظاهر العُري والابتزال والزنا، وفي ظل غياب الرقابة والتوعية من قِبل الأهل، يتكوَّن اعتقاد لدى المراهق أنَّها سلوكات عادية ويحاول تقليدها وتجريبها.

إقرأ أيضاً: سلبيات ومخاطر الإنترنت على الأطفال والمراهقين

8. رفاق السوء:

يُشكِّل رفاق السوء خطراً حقيقياً على المراهق؛ إذ يتأثَّر المراهق كثيراً برفاقه في هذه المرحلة العمرية الحساسة، وينقاد منهم دون أن يشعر؛ وذلك لعدم اكتمال وعيه ونضجه، وخاصة في غياب الرقابة والتوعية من قِبل الأهل.

9. التحرش أو التنمر:

يؤدي تعرض المراهق إلى حوادث مسيئة كالتحرش الجسدي أو التنمر المعنوي إلى معاناته من اضطرابات نفسية قد تدفعه إلى الانحراف سلوكياً.

10. الحروب والأزمات:

تكثر الانحرافات السلوكية لدى المراهقين في فترات الحروب والأزمات؛ وذلك بسبب انتشار الفقر والجهل والتشرد، وانحلال القيم والأخلاق وغياب الرقابة والمحاسبة.

رابعاً: كيفية علاج الانحرافات السلوكية لدى المراهقين وحمايتهم منها

  1. في حال لاحظ الوالدان أي سلوك منحرف لدى المراهق، عليهم التحلي بالصبر والتعامل مع الأمر بحكمة وتجنُّب الغضب والسخط على المراهق، فهذا يزيده عناداً وإصراراً على الانحراف؛ لذا يُنصَح باحتواء المراهق وتقبل الأمر، والتحاور معه، والاستماع له، والوقوف إلى جانبه ومساعدته على ترك سلوكه الانحرافي.
  2. إشباع المراهق عاطفياً وإغداقه بمشاعر الحب والحنان حتى لا يلجأ إلى الخارج بحثاً عن المشاعر التي تنقصه، ولا يكون فريسة سهلة لأي شخص يحاول استغلاله عاطفياً وخاصة بالنسبة إلى الفتيات المراهقات.
  3. توفير جو عائلي مليء بالحب والأمان، وعدم إقحام المراهق في المشكلات الأسرية، وخاصة مشكلات الوالدين حتى لا يشعر بأي توتر أو قلق.
  4. تعامُل الوالدين مع المراهق على أنَّه صديق لهما، ويتحقق ذلك بقربهما منه، وتفهُّمهما لمشاعره ومشكلاته، وكسب ثقته بأن يُصارحهما في كل ما يحدث معه.
  5. منح هامشاً من الحرية والاستقلالية للمراهق، فهو يميل إلى الاستقلالية في هذا السن، على أن تكون هذه الحرية تحت رقابة وإشراف الأهل.
  6. تعويد المراهق على تحمُّل مسؤولية نفسه وتصرفاته، وتركه يتَّخذ قراراته بنفسه، وإشعاره أنَّ أبويه يثقان به.
  7. الحرص على إشغال وقت فراغ المراهق؛ وذلك بممارسة الرياضة وتعلم الرسم والموسيقى واللغات، والهوايات والنشاطات الجماعية المختلفة.
  8. الحرص على متابعة ومراقبة المراهق وسلوكاته بشكل غير مباشر من قِبل الأهل.
  9. التركيز على إيجابيات المراهق ومدحه وتشجيعه عند أي سلوك جيد يقوم به.
  10. زيادة ثقة المراهق بنفسه، وتحفيزه وتعليمه التفكير الإيجابي، وكيف يرى النصف المليء من الكأس، ويتعامل مع المشكلات والضغوطات ويتجاوزها، وأنَّ أسرته معه في أي ظرف يمر به، فلا داعي لأن يخاف من شيء.
  11. التواصل الدائم مع المراهق، وتخصيص وقت خاص به يومياً، والجلوس معه وتبادل الأحاديث عن كل شيء، وسؤاله عن أحواله ومجريات يومه.
  12. تنشئة المراهق منذ طفولته على القيم والأخلاق الحميدة والسلوكات السليمة، فيكبر وهو ينحاز إلى الصواب، ويرفض السلوكات الخاطئة والمنحرفة.
  13. تعليم المراهق منذ صغره ثقافة تقبل الخطأ والفشل، ولا يوجد إنسان معصوم عن الخطأ؛ بل نحن نتعلَّم من أخطائنا وفشلنا، ونصبح أقوى مما كنا.
  14. السماح للمراهق بالتعبير عن رأيه في شؤونه الخاصة، وطلب رأيه في الشؤون الأسرية؛ وهذا يجعله يشعر بأهميته في العائلة.
  15. الطمأنينة والحرص على شعور المراهق بالأمان والطمأنينة التامة مع عائلته، وتعويده أنَّه بإمكانه مصارحة والديه أو أحدهما بأي شيء يخطر في باله، أو أي تصرف خاطئ قام به، فكلنا مُعرَّضون للخطأ، لكن لا يجوز الكذب على الأهل؛ بل يجب مصارحتهم، وجعل المراهق واثقاً بأنَّ والديه سيتفهَّمان الأمر ويتناقشان معه في الأسباب والدوافع والحلول.
  16. تجنُّب التعامل بقسوة وعنف مع المراهق؛ إذ يعتقد بعض الأهل أنَّ بث الرعب في نفوس الأبناء هو الضمان لعدم ارتكابهم الخطأ، والحقيقة مخالفة لذلك تماماً؛ إذ يولِّد الكبت والعنف انفجار المراهق وانحرافه.
  17. تجنُّب أسلوب الانتقاد واللوم وعدم التركيز على أخطاء المراهق، ومقارنته بغيره من أقرانه؛ لأنَّ ذلك يزيد الأمر سوءاً، ويجعله يتعنَّت ويزيد في الانحراف.
  18. في حال لاحظ الوالدان استمرار المراهق في سلوكاته المنحرفة وخاصة إدمان الكحول والمخدرات، ولم تنجح محاولات احتوائه وتوعيته، فلا بد من عرضه على اختصاصي نفسي واجتماعي يساعده على تعديل سلوكه المنحرف.
  19. مراقبة استخدام المراهق للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وتوعيته بأضرارها ومخاطرها، وخطورة التواصل مع الغرباء، وتعريفه بغاياتهم المشبوهة وأساليب الابتزاز التي يتبعونها.
  20. أن يكون الوالدان قدوة للمراهق في السلوك والمبادئ والقيم، فالأبناء يتشرَّبون سلوك الآباء.

شاهد بالفيديو: كيف أحمي نفسي من الانحراف الأخلاقي؟

خامساً: دور المدرسة والمجتمع في حماية المراهقين من الانحرافات السلوكية

تؤدي المدرسة بعد الأسرة دوراً كبيراً في حماية المراهقين من الانحرافات السلوكية، من خلال الاهتمام بالجانب التربوي، وتعليمهم القيم وتوعيتهم بالسلوكات السليمة والخاطئة، ومراقبة الإدارة للمراهقين وحمايتهم من الانحراف، وإخبار الأهل عند أي ملاحظة على سلوكهم.

كما يقع على المجتمع مسؤولية حماية المراهقين من الانحراف، من خلال:

  1. نشر برامج توعوية خاصة بالمراهقين، وتسليط الضوء على السلوكات المنحرفة من تدخين وكحول وسرقة وغيرها، وأثرها السلبي في حياته وصحته وتدمير مستقبله.
  2. إنشاء نوادٍ وصالات رياضية، ومراكز ثقافية وموسيقية وفنية، تحتضن المراهقين وتملأ أوقات فراغهم في ممارسة الرياضة، وتعلم الفن والموسيقى التي تُهذِّب النفس وترقى بها.
  3. إنشاء مراكز متخصصة بتقديم الدعم النفسي للمراهقين من قِبل متخصصين مؤهلين للتعامل مع هذه الفئة، واحتوائها وإرشادها ومساعدتها على تجاوز الانحرافات السلوكية.
إقرأ أيضاً: ظاهرة الانحراف الأخلاقي: الأسباب والحلول

في الختام:

النصيحة الذهبية لتحصين المراهق من أي انحراف في سلوكه تتمثل في أن تَعُدَّ ابنك أخاً لك؛ ويعني ذلك أن تكون العلاقة بين الوالدين والمراهق علاقة صداقة، بإشعاره أنَّ أبويه هما الملاذ الآمن له من كل هذا العالم، واتباع أسلوب الحوار معه بصفتك صديقاً وليس بصفتك ولي أمر، وجعله على ثقة أنَّه دائماً سيلقى لديهم آذاناً صاغية، وقلباً محباً، وعقلاً مرناً متفهماً له.

المصادر: 1،2،3،4




مقالات مرتبطة