الاستدامة: الحل في مواجهة الصعوبات

عندما نسمع كلمة الاستدامة، فغالباً ما نفكر في البيئة وأمور مثل الوقود المتجدد، والحد من انبعاثات الكربون، وحماية البيئات الطبيعية؛ لكنَّ مبدأ الاستدامة مرتبط بالتجربة البشرية، إذ تهدف الاستدامة الشخصية إلى تحقيق الازدهار من خلال الاستعمال الفعَّال للموارد الشخصية المحدودة، مثل الوقت والطاقة والاهتمام، إلى جانب الحفاظ على الحياة.



تشرح هذه المقالة الاستدامة الشخصية، ولماذا يُعَدُّ تطويرها أمراً هاماً أكثر من أيِّ وقت مضى؛ إذ إنَّنا جميعاً نريد أن نعيش حياة أفضل وأكثر جدوى.

تُعَدُّ الاستدامة الشخصية ممارسةً فطريةً في الأساس، فالعيش والعمل بطريقة ترهقنا ليس أمراً صائباً ولا فعَّالاً، وتحقيق الاستدامة الشخصية ليس أمراً معقداً؛ كل ما يتطلبه الأمر هو أن نجدد مواردنا الداخلية للحفاظ على صحتنا الجسدية والعاطفية والعقلية. وتكمن المشكلة في أنَّنا غالباً ما نتبع نهجاً قصير الأمد، على عكس ما يحدث مع استعمال الموارد البيئية، فنحن نستعمل مواردنا الشخصية من دون مراعاة طريقة تجديدها.

مواردنا الداخلية تُستنفَد:

غالباً ما تدفعنا متطلبات الحياة اليومية إلى اتخاذ خيارات خاطئة؛ ففي كثير من الأحيان، نحن لا ننتبه لوضع مواردنا الداخلية حتى تُستنفَد. على سبيل المثال، يمكننا الاستمرار في تناول القهوة والسكر لفترة من الوقت، ولكن خلال مرحلة ما، سينبهنا جسمنا إلى حدوث الانهيار مع بعض العلامات مثل الشعور بالتوتر والقلق، أو عدم القدرة على التركيز، أو فقدان السيطرة على عواطفك عند حدوث اضطرابات صغيرة. وإذا بقيتَ من دون مراقبة، فتوجد عواقب أكثر خطورةً مثل الاكتئاب والتعب المزمن والأرق، وخسارة الاهتمام بالعلاقات وضعف الأداء المهني على سبيل المثال لا الحصر.

إقرأ أيضاً: هل تجد صعوبة في مواجهة الحياة؟ إليك 4 طرق لتجنب هذا الشعور

تُمكِّننا الاستدامة الشخصية من الاستفادة بفاعلية من وقتنا وطاقتنا وانتباهنا:

توجد دلائل واضحة تؤكد أنَّ الصحة الجيدة في الولايات المتحدة (U.S)، التي تُعَدُّ أثرى بلدان العالم، ليست أمراً مسلَّماً به. في الواقع، لقد كانت نتائج الإحصاءات مقلقة؛ إذ تبيَّن أنَّ 40 مليون (18.1%) بالغ فوق سن 18 مصاب بالقلق، و16.1 مليون (6.7%) منهم مصابون بالاكتئاب، وما لا يقل عن 121.5 مليون (48%) يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية.

هذه الأرقام مجرد غيض من فيض؛ إذ يعاني الأشخاص معظمهم من هذه المشكلات، لكنَّها غير مُشخَّصة رسمياً. تُعَدُّ النفقات الطبية الناجمة عن تدهور صحتنا كبيرة جداً، كما أنَّها تسبب خسارة فادحة في الإنتاجية. وفقاً لمدير الصحة والسلامة في "المملكة المتحدة" (United Kingdom)، فإنَّ التوتر والاكتئاب والقلق يمثلان 57% من مجمل حالات المرض التي شُخِّصَت في عامي 2017 و2018. والأهم من ذلك، فإنَّ المرض والتوتر لهما تأثير خطير في مستوى معيشتنا، فهما يضعفان قدرتنا على عيش حياة سعيدة ومُرضية.

شاهد بالفيديو: 7 نصائح للتطوير الشخصي وتحقيق النمو المستمر

كيف يمكننا تطوير الاستدامة الشخصية؟

تتعلق الاستدامة الشخصية بـ "إدارة التوتر" بمعناها الواسع، فهي تتعلق بإدارة الضغط في حياتنا. في الوقت الحاضر، كلمة التوتر لها دلالة سلبية جداً، لكنَّ التوتر في حد ذاته ليس سيئاً بطبيعته. إنَّ التوتر والضغط العقلي والعاطفي لهما بعض الجوانب الجيدة، فهما يُنشِّطان الجهاز العصبي الودي؛ إذ يحرر طاقتنا ويُمكِّننا من إنجاز الأمور، فهو يَنشُط عندما نستيقظ صباحاً، وعندما يوجد تحدٍّ ما أو تهديد، وهو يركِّز انتباهنا على المشكلة، ويساعدنا على تعزيز قدراتنا لتحقيق أهدافنا.

يُعَدُّ التوتر جزءاً طبيعياً من حياتنا، ومن غير الجيد التخلص منه نهائياً. لكن من الهام أن نفهم أنَّه عندما نعاني من التوتر، فإنَّنا ندخل في حالة من النشاط العالي، التي تتطلب الكثير من الطاقة والموارد، وتسبب إجهاداً لجميع أنظمتنا؛ نتيجةً لذلك، يوجد حد لمقدار التوتر الذي يمكننا التعامل معه.

لسوء الحظ، نحن نواجه المزيد من الضغوطات في حياتنا أكثر من أيِّ وقت مضى؛ ذلك لأنَّ عالم اليوم أصبح معقداً ومتسارعاً بصورة متزايدة، وغالباً لا توجد حلول واضحة للمشكلات المعقدة التي نواجهها.

الضغوطات معظمها التي نواجهها سهلة، ولكن لسوء الحظ، تتراكم وتؤدي إلى توتر مزمن. يحدث هذا عندما يصبح التوتر ضاراً ويبدأ بالتأثير في صحتنا وأدائنا المهني. لحسن الحظ، يوجد عدد من الأمور التي يمكننا القيام بها لتجنب التوتر المزمن.

إقرأ أيضاً: 4 دروس غير متوقعة مستقاة من الصعوبات والمحن التي تواجهنا

الاستدامة الشخصية في التخطيط الاستراتيجي:

الطريقة الأكثر أهمية لمواجهة التوتر هي إثارة الجهاز العصبي اللاودي، المسؤول عن حالة الراحة والاستيعاب، ولكنَّها حالة منتجة، فنحن نكون في أفضل حالاتنا المعرفية عندما يُنشَّط الجهاز العصبي اللاودي، وتكون أفضل حالة للتفكير والإبداع، كما نكون أكثر انفتاحاً على الأفكار الجديدة والابتكار.

لحسن الحظ، توجد العديد من نشاطات التجديد التي تُنشِّط الجهاز العصبي اللاودي، مثل النوم بما فيه الكفاية، وممارسة التمرينات الرياضية بانتظام، واتباع نظام غذائي صحي، كما أنَّ قضاء بعض الوقت في الطبيعة له تأثير علاجي؛ إذ يمكن أن يوفر قضاء بعض الوقت مع الأصدقاء والعائلة الدعم العاطفي، كما يساعدنا قراءة الكتب والاستماع للموسيقى والترفيه الإيجابي على الاسترخاء. ومع ذلك، فإنَّ التحدي الذي يواجهنا هو أنَّنا منشغلون دائماً، ومن غير السهل إيجاد الوقت.

إنَّ قدراتنا الجسدية والعاطفية والعقلية هي أثمن مواردنا؛ لهذا السبب يجب إدراج الاستدامة الشخصية بصورة متزايدة في التخطيط الاستراتيجي في المؤسسات.

خصِّصوا دقيقة للتفكير فيما إذا كانت الطريقة التي تعيشون وتعملون بها مستديمة؛ هل أنت قادر على رعاية صحتك الجسدية والعاطفية والعقلية؟ وهل توجد أمور تحتاج إلى الاهتمام بها أكثر؟ وما الذي يمكنك فعله لمواجهة التحديات؟

المصدر: برينيكور




مقالات مرتبطة