الاتجاهات الفردية والتأثير فيها

يقول عالم الاجتماع "هربرت سبنسر" (Herbert Spencer) إنَّ وصولنا إلى أحكام صحيحة في مسائل مثيرة لكثير من الجدل يعتمد إلى حد كبير على اتجاهنا الذهني ونحن نصغي إلى هذا الجدل أو نشارك فيه، فنحن غالباً ما ندخل في نقاشات تتعلق بموضوعات مختلفة مع الآخرين سواء أكانت هذه الموضوعات سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم علمية وغيرها نتوصل من خلالها إلى إصدار أحكام عادة ما تكون ناتجة عن الاتجاهات الذهنية التي يحملها كل منا في أثناء النقاش.



الاتجاه هو حصيلة ما يحمله الفرد من مفاهيم اكتسبها وخبرات حصل عليها ومعلومات تعلَّمها من المجتمع الذي يعيش فيه ونتيجة لمزاجه وطريقة إدراكه لمجريات الأمور، فالاتجاه مفهوم نفسي اجتماعي يعبِّر عن مشاعر الفرد القوية وإدراكه للموضوعات المختلفة وكذلك للمواقف التي يمر بها، فهي وثيقة الصلة بحياته وأفكاره وقيمه وثقافته وسلوكه.

لكل إنسان اتجاهاته الخاصة نحو مختلف القضايا تميزه عن غيره وربما تتوافق مع اتجاهات الآخرين فتزيد من التماسك بينهم، ومن الهام القول إنَّ الفرد يحمل في داخله عدداً كبيراً من الاتجاهات نحو الآخرين ونحو الأشياء وحتى نحو نفسه، ونمضي معظم حياتنا في محاولة فهم اتجاهات الآخرين ومحاولة التأثير بها وتغييرها بما يتفق مع اتجاهاتنا الشخصية.

أولاً: تعريف الاتجاه

الاتجاه هو من نواتج عملية التنشئة الاجتماعية وهو نزعة لاستجابات القبول أو الرفض تجاه موضوع جدلي، وتركز نحو 25% من الدراسات في علم النفس الاجتماعي على علاج موضوع الاتجاهات، فهو بمنزلة تنظيم لمشاعر الفرد وأفكاره واستعداد لإصدار فعل تجاه موضوع من موضوعات البيئة، واختلفت التعريفات التي تناولت الاتجاه فيرى "جوردن ألبورت" أنَّ الاتجاه "حالة من الاستعداد أو التأهب العصبي والنفسي، تنتظم من خلال خبرة الشخص، وتكون ذات تأثير توجيهي في استجابة الفرد لجميع الموضوعات والمواقف التي تستثير هذه الاستجابة".

كما يعرفه "بوجاردوس" (BOGARDUS) "الميل الذي يوجه السلوك قريباً من بعض عوامل البيئة أو بعيداً عنها، ويضفي عليها معايير موجبة أو سالبة تبعاً لجاذبيتها أو النفور منها".

يقول "مجدي أحمد عبد الله": إنَّ "الاتجاه تنظيم نفسي مكتسب للعمليات الانفعالية والإدراكية المعرفية والنزعوية التي تضافرت فيما بينها وشكلت اتجاهاً معيناً عن بعض النواحي الموجودة في المجال الحيوي الذي يعيش فيه الفرد".

بينما يرى كل من "توماس" و"زناكي" أنَّ الفرد ينصاع للمعايير والمعتقدات والقيم القائمة في المجتمع، فيقولان: إنَّ الاتجاه "موقف الفرد تجاه إحدى القيم أو المعايير السائدة في البيئة الاجتماعية، فموقف الفرد من جريمة السرقة يدعو إلى الأمانة تحدده المعايير القائمة ومدى تأثر الفرد بها".

بينما يرى "فلورنس" وزملاؤه (Florence et al) أنَّ الاتجاه "ما هو إلا موجه الهدف إلا أنَّه يحدد ما هو مفضَّل ومتوقع ومرغوب، كما يحدد ما يجب الابتعاد عنه، وبذلك توجِّه الاتجاهات الفرد إلى الموقف الذي يجد فيه الفرد ذاته".

شاهد بالفيديو: صفات الشخصية المتفردة وطرق التعامل معها

ثانياً: خصائص الاتجاهات

  • الاتجاه مكتسَب؛ فهو ليس فطرياً؛ وإنَّما يتم تعلمه عن طريق التنشئة الاجتماعية وعمليات التعلم الاجتماعي المختلفة.
  • يعبِّر الاتجاه عن العلاقة التي تجمع بين الفرد وبين موضوع من موضوعات البيئة المحيطة به.
  • الاتجاهات ثابتة نسبياً؛ إذ تستمر بعد أن تتشكل، لكنَّها قابلة للتعديل والتغيير خلال حياتها نتيجة تعرضها للخبرات واكتسابها المعارف باستمرار، بالإضافة إلى التغيرات التي تتعرض لها المجتمعات.
  • الاتجاهات متدرجة من الإيجابية الشديدة إلى السلبية الشديدة.
  • الاتجاه وسيلة للتنبؤ بالسلوك في المستقبل؛ إذ يحتوي من الثبات ما يكفي لاستخدامه في توقع سلوك الأفراد في المستقبل.

ثالثاً: مكونات الاتجاه

في أبسط إجابة عن مكونات الاتجاه يمكن القول إنَّه يتألف من ثلاثة مكونات مرتبطة مع بعضها بعضاً وتشكل معاً الاتجاه ولكل منها دور محدد، كما يختلف كل منها من حيث درجة قوَّتها وشدة شيوعها وهذه المكونات هي:

1. المكون المعرفي:

يعبِّر المكون المعرفي عن مدى ما يعرفه الفرد عن موضوع الاتجاه، ويشمل كافة المعارف والمعلومات والمعتقدات والحقائق والأحكام والقيم والآراء والعادات والتقاليد وسواها، وكلما كان يعرف أكثر، كان الاتجاه واضحاً ومعروفاً أكثر.

2. المكون الانفعالي أو العاطفي:

موضوعه الأساسي مشاعر ورغبات الفرد المرتبطة بقضية أو قيمة أو موضوع ما، فمن الممكن أن تكون الاستجابة سلبية أو إيجابية؛ وذلك بسبب العاطفة التي يحملها الإنسان في داخله تجاه ما يعترضه من قضايا وموضوعات، وعلى الرغم من ذلك فمن الممكن وجود شعور بالحب أو الكره، والموافقة أو المعارضة لشيء ما دون مبرر أو بالاستناد إلى أسباب مبررة لها.

3. المكون السلوكي:

يمثل الاستجابة السلبية أو الإيجابية تجاه موضوع معين، وعادة ما تستند هذه الاستجابة إلى ضوابط التنشئة الاجتماعية التي خضع لها الفرد خلال مسيرة حياته.

تجدر الإشارة إلى أنَّه يمكن أن يوجد مكون أكثر من مكون أو بدرجة أقوى؛ بمعنى من الممكن أن يطغى وجود إحدى المكونات على المكونات الباقية، فمثلاً يمكن لفرد ما أن يمتلك كافة المعلومات والمعارف عن موضوع ما "المكون المعرفي"، لكن لا توجد لديه أدنى رغبة أو حب للخوض فيه "مكون انفعالي".

رابعاً: أنواع الاتجاهات

1. الاتجاهات العامة والاتجاهات الخاصة:

  • الاتجاهات العامة: هي التي تنتشر وتشيع بين أفراد المجتمع مثل مبدأ العدالة الاجتماعية، والاتجاه نحو العناية بالصحة العامة.
  • الاتجاهات الخاصة: هي التي تخص الفرد بذاته ويتفرد بها عن غيره مثل الاتجاه نحو الرياضة.

2. الاتجاهات الجماعية والاتجاهات الفردية:

  • الاتجاهات الجماعية: هي الاتجاهات التي يشترك فيها عدد كبير من الأفراد.
  • الاتجاهات الفردية: هي الاتجاهات الخاصة بفرد بعينه.

3. الاتجاهات العلنية والاتجاهات السرية:

  • الاتجاهات العلنية: هي التي يجاهر بها الفرد ولا يشعر بالحرج لمعرفة المجتمع بها مثل الاتجاه نحو العدالة أو التقاليد.
  • الاتجاهات السرية: هي التي لا يرغب الفرد بإظهارها أمام الناس وإبقائها بشكل سري مثل الانضمام إلى جمعية سرية أو حزب ما.

شاهد بالفيديو: 12 قانون في علم النفس إذا فهمتها ستُغيّر حياتك

4. الاتجاهات القوية والاتجاهات الضعيفة:

  • الاتجاهات القوية: هي التي تدفع الفرد للدفاع عنها بكل الوسائل التي تتاح أمامه، ومثالها الاتجاه نحو الدين.
  • الاتجاهات الضعيفة: هي التي لا تدفع الفرد للدفاع عنها، ومثالها حب ممثل مشهور فإن ذُكر بالسوء فقد يدافع عنه أو يمكن أن يتقبل ذلك.

5. الاتجاهات الموجبة والاتجاهات السلبية:

  • الاتجاهات الموجبة: تعني اتجاه الفرد بالقبول بالموضوع والموافقة عليه، مثل تشجيع الفرد للمرأة على العمل يُعَدُّ اتجاهاً موجباً.
  • الاتجاهات السلبية: الاتجاه الذي يبتعد فيه الفرد عن موضوع ما، ففي موضوع عمل المرأة السابق تُعَدُّ معارضة الفرد لخروج المرأة للعمل اتجاهاً سلبياً.
إقرأ أيضاً: علم نفس الشخصية: بصمتنا الحقيقية في الحياة

خامساً: كيف يمكن التأثير في اتجاهات الأفراد وتغييرها؟

إنَّ عملية تعديل اتجاهات الأفراد وتغييرها ليست بالشيء البسيط، فهي متصلة ومرتبطة بالعوامل النفسية للفرد، كما أنَّها لا تتم بصورة عشوائية؛ بل ضمن منهجية منظمة وخطوات محددة هي "تحديد الاتجاه الذي نريد تعديله أو تغييره، وتحديد الاتجاه الذي نرغب في تكوينه، وتحديد الفجوة السلوكية بين الاتجاه القديم والاتجاه المرغوب". توجد أكثر من طريقة يمكن اللجوء إليها لتعديل أو تغيير الاتجاه منها:

  • تغيير الجماعة: عند انتقال الفرد للعيش في جماعة أخرى غير جماعته فإنَّه يكتسب عاداتها وقيمها مع مرور الوقت.
  • تغيير المعتقدات: يكون تغيير معتقدات الفرد عبر تزويده بخبرات ومعلومات جديدة تتعلق بمعتقداته في محاولة إبطالها وإكسابه معتقداً جديداً.
  • تغيير العمل: تغيير طبيعة العمل التي يقوم بها الفرد وانتقاله لعمل جديد يمكِّن من تغيير ما لديه من اتجاهات، فمثلاً الانتقال من عمل موظف عادي إلى مدير قسم يدفع لتغيير الاتجاه الذي يملكه نحو الالتزام بالعمل.
  • إثارة الخوف: فمثلاً يمكن لطبيب يريد منع مريضه عن التدخين بشرح الأمراض التي يمكن أن تصيبه جراء التدخين والمضار التي سوف تلحق به.
  • الأحداث الهامة: يمكن للأحداث الهامة والتي تحدد مصير الفرد أن تفرض تغييراً في الاتجاه، فمثلاً تعرُّض بلاد ما لحرب تدفع بالمواطنين على اختلاف ثقافاتهم ودياناتهم ومستوياتهم الثقافية إلى التعاضد والتعاطف مع بعضهم بعضاً.
  • رأي الأكثرية: كثيراً ما تسهم عملية تبني أغلبية الناس لاتجاه محدد في التأثير في اتجاه الفرد، لا سيما إذا كان هذا الرأي صادراً عن جماعة مرجعية.
إقرأ أيضاً: أهم المعلومات عن الشخصيات في علم النفس

في الختام:

لقد كان موضوع الاتجاهات الفردية محور دراسة العلوم الاجتماعية والنفسية، وثمة اتفاق عام بين هذه الدراسات على اختلاف التعريفات التي قدمتها للاتجاه بأنَّه ميل مؤيد أو معارض لموضوع ما، كما أنَّ الاتجاهات تختلف فيما بينها؛ فمنها ما هو واضح ومنها ما هو غامض، كما تختلف من حيث قوَّتها؛ فمنها ما يبقى على مر الزمان ومنها ما يكون عرضة للزوال بسرعة.

يمكن القول إنَّ الاتجاه يهدف إلى تنظيم الدوافع والمدركات وكافة العوامل النفسية لدى الفرد تنظيماً متكاملاً يخفف من التوتر في المواقف التي يمر بها الفرد، لا سيما في حالات الإحباط والفشل، كما يدفعه للتكيف مع الحالات الأخرى التي يمر بها خاصة تلك التي تحتوي على صراعات وتحدٍ.

  • الاتجاهات و القيم الفردية في المنظمة - الاتجاهات
  • ماز فاطمة، اتجاهات التلاميذ نحو مادة الرياضيات، كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة عبد الحميد بن باديس، مستغانم، 2017
  • باعمر الزهرة، اتجاهات المرأة نحو بعض القضايا الاجتماعية في ظل بعض المتغيرات الديمغرافية، جامعة قاصدي مرباح ورقلة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، 2006.



مقالات مرتبطة