الإيجابية السلبية وكيف تخرِّب حياتنا

نسمع كثيراً من عبارات التشجيع، وكثيراً من النصائح حتى نكون أشخاصاً إيجابيين ونفكر بطريقة إيجابية مهما ساءت الظروف، ولكن هل تعلم أنَّ كثيراً من هذه العبارات تندرج تحت مصطلح يسمَّى "الإيجابية السلبية"؟ وهل تعلم أنَّ هذه الإيجابية كفيلة بجعلك تعيش في الأوهام وفي تأنيب الضمير وجلد الذات؟



الإيجابية السلبية وكيف تخرِّب حياتنا وتجعلنا منفصلين عن واقعنا وغير قادرين على التفكير بمنطقية وموضوعية بشأن المشكلات التي تواجهنا، وكيف ينقلب مفهوم التفاؤل ليصبح عكسياً ويعوق قدرتنا على إيجاد الحلول والتقدُّم، موضوع مقالنا لهذا اليوم.

أولاً: ما هي الإيجابية السلبية؟

تدرس بجدٍّ وتنظِّم وقتك على نحوٍ جيد، وعلى الرَّغم من ذلك تشعر بأنَّك ستحصل على نتيجة سيئة في امتحانك، تدرس خياراتك جيداً قبل شراء سلعة أنت بحاجة إليها وعلى الرغم من ذلك تشعر بأنَّك لن توفَّق بها، تقدِّم على وظيفة وأنت تمتلك المؤهلات والخبرات والصفات كلها التي تجعل قبولك بديهياً؛ لكنَّك على الرَّغم من ذلك تشعر بأنَّك سترُفَض، مثل هذه المواقف وغيرها كثير ممَّا يشبهها تُسمَّى بالتفكير السلبي؛ أي توقُّع نتائج سلبية على الرغم من توافر الإمكانات والظروف المساعدة لك على التفاؤل.

من جهة أخرى لا تدرس، ولا تنظم وقتك، وتختار أغراضك بعشوائية، وتذهب إلى مقابلة العمل من دون أيِّ مؤهلات أو خبرات وعلى الرغم من ذلك تتوقع نجاحك عادَّاً أنَّ هذا الذي تقوم به هو تفكير إيجابي، والحقيقة أنَّ ما تقوم به ليس إلَّا إيجابية سلبية تجعلك تشعر بالأمان الزائف وتساعدك على بناء أحلام لك في الرمال، فتكون الأوهام مفتاح تفاؤلك وإيجابيتك، وهذا في الواقع يبعدك عن الحقيقة وعن مشكلاتك الحقيقية، ويدفعك إلى التخاذل والتقاعس عن أداء أعمالك بحجة "تفاءلوا بالخير تجدوه"؛ فأنت إن فكرت جيداً فقط تتجاهل مشاعرك الحقيقية لا أكثر، وهذا الأمل ليس مفيداً؛ لأنَّه يقف في وجه إحساس الإنسان الطبيعي.

أيضاً تعرضت لموقف صعب جداً وحاول جميع المحيطين بك التخفيف عنك؛ لكنَّك على الرغم من ذلك لم تتحسن حالك ولم تقتنع بتلك العبارات الإيجابية التي تُقال لك، على العكس تماماً؛ فقد شعرت بكثير من الضيق.

بذلك يمكن تعريف الإيجابية السلبية بأنَّها عدم التفكير بمنطقية، والتفاؤل، ورفض المشاعر السلبية بصرف النظر عن صعوبة الموقف الذي تمر به وظروفه، وتُعرَّف الإيجابية السلبية أيضاً بأنَّها التعميم الشامل والمبالغ به لمفهوم السعادة بصورة تُعطي مفعولاً عكسياً، بحيث يقلل من شأن المشاعر السلبية التي يعانيها الشخص.

في كثير من الأحيان يحاول المحيطون بك التخفيف من عبء المشاعر السلبية التي تحس بها مستخدمين عبارات إيجابية وناصحين إياك بالتفاؤل، وعلى الرغم من أنَّ الموقف لا يحتمل الإيجابية ويحتاج إلى إدراكٍ حقيقيٍ لواقع المشكلة التي تمر بها ودراسة منطقية لحيثياتها حتى تخرج في النهاية بنتائج مفيدة.

مثلاً، من غير المنطقي إخبار صديقك بأنَّك فقدت اليوم صديقاً عزيزاً وتشعر أنَّ الحياة قاسية ليجيبك بـ: "كن إيجابياً وتفاءل"، ففي الواقع أنت تحتاج في مثل هذه الحالة إلى مَن يؤكد لك حقيقة مشاعرك وتفهم ما تمر به والاتفاق معك على أنَّها مشاعر سيئة وصعبة.

لا تسير الحياة دائماً كما نخطط لها ولا كما نتوقعها، فمرورنا بتجارب مؤلمة ليس سلبياً وسيئاً بالقدر الذي يُصوَّر لنا؛ فما هو أخطر من المشاعر السيئة الاختباءُ وراء أصابعنا والادعاء بأنَّ كل شيء طبيعي وعادي على الرغم من أثره العميق فينا؛ لذلك من الهام الاعتراف بصعوبة ما نتعرض له حتى نخفف من هذا الثقل قدر الإمكان.

يقول بيكسلز: "رفض المشاعر السلبية وإنكارها يتسببان بالعديد من الأضرار".

شاهد بالفيديو: 7 نصائح لامتلاك شخصية إيجابية تساعدك على تحقيق النجاح

ثانياً: أشكال الإيجابية السامة وأضرارها

بالتأكيد أنَّك قد واجهت الإيجابية السامة أو السلبية خلال حياتك، فتظهر هذه الإيجابية بأشكال مختلفة، بعضها تقوم به أنت شخصياً، وبعضها يمارسه المحيط ضدك فتقع ضحيتها، ومن أشكال الإيجابية السلبية:

  • من الشائع جداً أن يستخدم معك المحيط عبارات من نوع: "انظر إلى من لا يجدون ما يأكلونه، أين أنت من أطفال إفريقيا ومجاعات الصومال؟" في محاولة للتخفيف عنك عندما تمر بظرف صعب كالطلاق مثلاً، وحقيقةً هذا لا يُشعرك حالياً ولن يُشعرك مستقبلاً بأي مشاعر إيجابية؛ بل على العكس تماماً سيجبرك على الكبت وعدم البوح بمشاعرك الحقيقية؛ لأنَّ المقارنة غير عادلة، وكفة مشكلاتهم سترجح بالتأكيد على مشاعرك ممَّا يشعرك بالسخف، لا سيَّما أنَّك على الرغم من تذكرك لمجاعات الصومال ما زلت حزيناً لطلاقك.
  • محاولتك النظر دائماً إلى النصف الممتلئ من الكأس وتجاهل النصف الفارغ وادعاء السعادة دائماً، ومحاولة الظهور بصفتك شخصاً لا يؤثر فيه شيء ولا تهزه الريح أيضاً ليس تفكيراً إيجابياً حقيقياً بقدر ما هو إيجابية سلبية تعطيك من الخارج مظهر القوي، في حين أنت من الداخل شخص هش وضعيف وتحتال على مشكلاتك بهذه الطريقة من الإيجابية السلبية.

الاستسلام في الحقيقة ليس حلاً أبداً، ولكن في الوقت نفسه عليك أن تفكر بعقلانية، وأن تفكر بالأسباب التي أوصلتك إلى هذه المرحلة، كل شيء بالتأكيد سيصبح بخير لكن بشرط أن تتغير الظروف، لا تتوقع نتائج مختلفة للواقع نفسه.

أضرار الإيجابية السلبية:

في معرض حديثنا عن الإيجابية السلبية والسامة بدا واضحاً أنَّها تسبب كثيراً من الأضرار، وسنذكر فيما يأتي بعضاً من أضرار الإيجابية السلبية:

  • كبت المشاعر وعدم القدرة على التعبير والخجل حتى من ذلك، وفقدان الدعم الحقيقي الذي نحتاج إليه عند تعرضنا لظروف صعبة ومواقف قاسية.
  • الإحساس بأنَّ ما نشعر به من حزن وألم وأسى لا يستحق حقيقة هذا كله، وأنَّنا لا نمتلك الحق في إظهار مشاعرنا السلبية، وعلى الرغم ممَّا نشعر به علينا أن نتماسك في حين أنَّنا أحوج ما نكون إلى الانهيار لبعض الوقت والشعور بأنَّ من نحبهم إلى جانبنا.
  • تزايد المشاعر السلبية بسبب محاولاتنا الدائمة لإخفائها وعدم التعبير عنها، وهذا ما يسبب ضغطاً نفسياً شديداً، وقد يؤدي إلى إصابتنا ببعض الاضطرابات كالقلق والخوف والأرق، الأمر مشابه إلى حد كبير تجاهل الألم العضوي، فإذا ما تجاهلت شعورك بالألم الجسدي سيزداد الأمر سوءاً ويصبح الحل صعباً.
  • إضافة إلى ما سبق تمنع الإيجابية السامة أو الزائفة صاحبها من اكتساب الخبرات، كما تعوق نضجه؛ لأنَّه دائماً ما يختبئ من شعوره الحقيقي ويظهر شعراً مزيفاً وغير حقيقي، كما أنَّ الإيجابية السلبية تقف في وجه أهم مرحلة من مراحل تجاوز الألم وهي الشعور به، كما تمنعك عن إيجاد الحلول الحقيقية لمشكلاتك معتقداً أنَّ الأشياء ستتحسن وحدها في المستقبل.

من الجدير بالذكر أنَّنا ندفع أنفسنا باتجاه الإيجابية السامة والسلبية دون أن ندري؛ فمثلاً قد نشعر بتأنيب الضمير بسبب عدم قدرتنا على الإنجاز في ظل الظروف الصعبة من خلال مقارنة ما نفعله مع ما فعله غيرنا في ظروف مماثلة، كما فعل كثير من الأشخاص مثلاً في أثناء جائحة كورونا فبدؤوا بمقارنة ما يفعلونه وما ينتجونه مع غيرهم، دون التفكير بمنطقية بظروف حياتهم الصعبة إضافة للحجر، وهذا ما يزيد شعورهم بالضيق وإحساسهم بالعجز.

إقرأ أيضاً: التوكيدات الإيجابية والسلبية وتأثيرها على العقل الباطن

ثالثاً: نصائح لتجنُّب الإيجابية السلبية:

في حال كنت شخصاً من النوع الذي يعتمد الإيجابية السلبية، أو كنت شخصاً تعانيها، فهذه النصائح بالتأكيد ستكون مفيدة لك:

  • لا تنكر مشاعرك السلبية ولا تضغط على نفسك عندما تشعر بالسوء، فقليل من المشاعر السلبية ليس أمراً سيئاً بشرط ألَّا تستسلم لها وتدعها تسيطر على حياتك.
  • واجه المشكلات والمصاعب التي تتعرض لها بمنطقية وواقعية، ولا تبالغ في محاكمة نفسك، من الطبيعي جداً أن تشعر بالسوء بين الحين والآخر.
  • اعلم أنَّ شعورك بالحزن لا يعني أبداً أنَّك شخص مستسلم لهذا الحزن، على العكس تماماً يمكنك جعل هذه المشاعر دافعاً لك للمضي قدماً ولفهم وإدراك معنى حياتك.
  • حاول أن تركز على مشاعر صديقك وتصديقها في حال لم تكن المشكلة مشكلتك وكنت أنت الداعم لصديق يمر بأزمة، وابتعد قدر الإمكان عن التنظير والمقارنات غير المنطقية لتظهر لصديقك أنَّ وضعه أفضل من غيره وأنَّ ما يمر به لا يستحق هذه المعاناة كلها.
  • كن واضحاً وصريحاً في حال تعرضت للإيجابية السامة من قبل أحد أصدقائك، وأخبره أنَّك لا تحتاج إلى النصائح، وأنَّ ما تحتاج إليه منه هو التعاطف والحب.
إقرأ أيضاً: الإيجابية المفرطة لها أخطار ينبغي الحذر منها

في الختام:

أهم ما يمكن أن تقوم به حتى تحافظ على صحتك النفسية هو فهم نفسك جيداً وفهم مشاعرك وعدم الخجل منها، وتذكَّر دائماً أنَّ السعادة المزيفة مجرد قناع ستخلعه آخر الليل وتغرق في حزنك؛ لذلك بدلاً من إخفاء مشاعرك حاول مواجهتها ومعاملتها، وبدلاً من التفاؤل الكاذب دون أي سبب منطقي اعمل على صنع أساسات متينة لحياتك، فالنجاح في مجال من مجالات الحياة لا يتطلب منك توقع الأفضل فقط؛ بل يتطلب العمل أيضاً لتصل للأفضل.




مقالات مرتبطة