الإنسان والقدرة على التكيف

العالم في تقلُّب مستمر؛ فقد أصبحنا في زمان أصبح فيه كل شيء قابلاً للتغيير، وأنَّ ما كنا نسخر منه البارحة قد أصبح حقيقةً ملك أيدينا، وما كنا نعتقد أنَّه ثابت وغير قابل للتغيير قد أضحى اليوم خرافة تسخر منها الحضارات أجمع، لذلك علينا أن نكون على استعداد تام لأنَّ التغيير يمكن أن يحدث، ويمكن أن يكون التغيير مجرد فرصة لنا للمضي قدماً نحو الأمام، لذلك سنستعرض في هذا المقال مفهوم التكيف وبعض المعلومات عنه.



ما هو مفهوم التكيف؟

التكيف هو عبارة عن برنامج يتعلق بالسلوكات الطبيعية للكائن الحي، وهو نتيجة قدرة الكائنات الحية على البقاء في حالة من الاستتباب مع البيئة التي تعيش فيها واستطاعتها على القيام بالعمليات الضرورية اللازمة لبقائها على قيد الحياة، وقد ارتبطت هذه الظاهرة بمجموعة كبيرة من ردود الفعل التي تكون نتيجة طبيعية لأحداث داخلية يقوم بها الكائن الحي عند تبدل أي ظرف من الظروف المحيطة.

لقد أكدت الدراسات أنَّ الكائن الحي الأكثر قدرة على التكيف هو الذي يبقى على قيد الحياة لمدة أطول، لذلك علينا أن نعي أنَّ البقاء للأقوى والأكثر قدرة على التغيير، وعلينا أن نعرف أنَّ مفهوم التكيف قد يختلف بحسب نوع التكيف وطبيعته، ولكنَّ الغاية وحيدة وهي استطاعة الكائنات الحية على التلاؤم مع الوسط الخارجي مواكبين بذلك جميع التغيرات، والابتعاد عن جميع المشكلات والمضايقات التي ربما تحدث في الوسط المحيط الذي يعيشون فيه منذ زمن.

ما هي أنواع التكيف؟

1. التكيف الجسدي:

هو تغير في شكل الجسم الخارجي وفقاً للظروف والمعطيات التي يتلقاها الجسم من الوسط المحيط، ومن أبرز الأمثلة عن ذلك هو عند تسجيلك في نادٍ رياضي أو عند أيَّة ممارسة منزلية ستبدأ عضلاتك بالنمو وتكبر بالحجم استجابة للرياضة التي تمارسها.

2. التكيف السلوكي:

هو قدرة الكائن على تغيير سلوكه تبعاً للمواقف المختلفة التي يتعرض لها، ويبرز هذا النوع لدى الإنسان خاصةً، فقد نجد الإنسان تتغير أفكاره وآراؤه وسلوكاته عبر مراحل حياته، وهذا نتيجة الخبرة المتراكمة التي تلقاها وقدرته على التقاط ما يناسب العصر الحالي من تصرفات وأفكار، وإنَّ هذا الأمر لهو رأس الحكمة.

3. التكيف الفيزيولوجي:

هو رد أعضاء جسم الكائن الحي على تغيرات الظروف البيئية سواء الداخلية أم الخارجية بعمليات وظيفية لبعض أعضائه سواء بالزيادة أم بالنقصان، فعلى سبيل المثال، عند انخفاض درجات الحرارة لمستويات متدنية دون الصفر مثلاً يستجيب الجسم بزيادة نشاط الغدة الدرقية التي هي مسؤولة عن الاستقلاب، والتي ترفع بذلك من درجة حرارة الجسم؛ لذلك نجد الناس الذين يسكنون في أماكن باردة تظهر لديهم الغدة الدرقية متضخمة.

4. التكيف النفسي:

هو قدرة الكائن الحي على تقبُّل التغيرات التي قد تؤثر في صحته النفسية، فعلى سبيل المثال، عندما تتوفى زوجة أحد الأشخاص تبرز هنا قدرة الرجل على التكيف مع رحيلها وبقائه وحيداً دون اضطراب نفسي يُذكر، ويُعَدُّ هذا النوع من أصعب أنواع التكيف بالنسبة إلى الإنسان.

ما هي إيجابيات الأشخاص القادرين على التكيف؟

1. الأشخاص القادرون على التكيف لا يتذمرون أبداً:

إذا لم يتمكنوا من تغيير القرار أو التأثير فيه، فهم يتكيفون ويمضون قدماً نحو الأمام ويرون التغيير مجرد تحدٍّ عليهم تجاوزه.

2. يرى الأشخاص القادرون على التكيف التغييرَ فرصةً بينما يراه الناس الآخرون فشلاً:

للتكيف مع التطور والتغيير، يجب أن تتخلى عما كنت تعتقد أنَّه صحيح أو كنت تصنفه على أنَّه خطأ، ثم تبني ما تعتقد الآن أنَّه الحق الجديد، فلا يوجد في هذه الحياة شيء ثابت؛ بل الحياة في تقلب مستمر وعلينا تغيير المفاهيم بين الحين والآخر، وإذا لم تقم بذلك، فأنت في حالة من الركود، وهذا شيء لا يصارع الأفراد فقط؛ بل المنظمات أيضاً.

الأفراد الذين لم يتكيفوا مع الظروف هم أولئك الذين بقوا على أفكارهم القديمة التي ربما يرونها مقدسة ولم يقبلوا الحق الجديد - أي الواقع الجديد - وهؤلاء نهايتهم الفشل حتماً وهم يرون في تبدل الظروف حتفهم، بينما قد تكون الفرصة للسير قدماً نحو الأمام.

3. الأشخاص القادرون على التكيف فضوليون:

دون فضول لا توجد قدرة على التكيف؛ إذ يتعلم الأشخاص القادرون على التكيف ويستمرون في التعلم ليشبعوا فضولهم، فالفضول يساعد على التقدم نحو الأمام، إنَّه يشدك ويجعلك قادراً على مواجهة المستقبل وتقبله والتكيف معه وجعله تحت سيطرتك.

4. لتكون قادراً على التكيف يجب أن توسع دائرة تفكيرك وتتقبل الآخر:

إن لم تكن على استعداد للاستماع لوجهات نظر الآخرين، فستكون محدوداً في تفكيرك، وهذا يعني أنَّك ستكون أيضاً مقيداً في قدرتك على التكيف، فكلما تزاحمت الأفكار والآراء في رأسك، زادت الخيارات التي تضعك في اتجاه التغيير.

5. الأشخاص القادرون على التكيف لا يهتمون بالشهرة ويلقون بالاً عليها:

إنَّهم لا يهتمون بالأضواء لأنَّهم يعلمون أنَّها ستحترق قريباً، وبدلاً من إهدار الجهد في قضية مؤقتة، قاموا بتحويل تركيزهم إلى العقبة التالية للمضي قدماً في اللعبة.

6. الأشخاص القادرون على التكيف لا يضعون الأعذار لعدم نجاحهم:

لأنَّ جميع الصعوبات هي مجرد تحديات بالنسبة إليهم عليهم اجتيازها أو مجرد اختبار لمدى قدرتهم على التحمل والتكيف، وهم في أغلب الأحيان يفوزون بهذا الاختبار.

شاهد بالفديو: 7 طرق تساعدك على التكيّف مع متغيّرات الحياة

القدرة على التكيف تعزز مجموعة من المهارات، ما هي؟

يمكن أن تتضمن القدرة على التكيف مجموعة متنوعة من المهارات التي تساعدك على التكيف مع التغيير، وتتضمن بعض الأمثلة عن هذه المهارات الشخصية الهامة ما يأتي:

1. مهارات التواصل:

أن تكون قادراً على طلب التوضيح في أثناء عمليات التعلم أو البحث عن معلومات أو موارد إضافية لمشروع جديد وغير مألوف، فهذا يمكن أن يُظهر لقادة فريقك مدى حماستك للتعلم وطلب المساعدة عند الحاجة إليها.

أيضاً تعزز القدرة على التكيف الاستماع النشط؛ إذ يُظهر الاستماع النشط أنَّك منتبه ومستعد لاتخاذ أي اتجاه جديد من شأنه أن يزيد من إنتاجيتك أو يعود بالفائدة على الجميع، وهذا ما يسمى بمرونة التفكير والابتعاد عن التعصب الحاد لما تلقيناه في الصغر أو ما ألفناه في الماضي.

2. مهارات التعامل مع الآخرين:

على غرار التواصل الفعال مع الآخرين، فإنَّ امتلاك مهارات ممتازة في التعامل مع الآخرين يمكن أن يؤدي أيضاً دوراً رئيساً في قدرتك على التكيف عموماً، ويمكن أن تساعدك القدرة على التفاعل مع الآخرين بطرائق صحية وإيجابية على تجنب سوء التواصل مع الناس والبقاء في عزلة، فالإنسان القادر على التكيف ينخرط مع جميع المجتمعات مهما كان عرقهم أو دينهم أو انتماؤهم ويكون همه الوحيد هو الفائدة المثلى التي يمكن استخلاصها.

3. امتلاك مهارات حل المشكلات والعقبات:

قد تستخدم مهاراتك في حل المشكلات لإيجاد حلول إبداعية للموضوعات الصعبة في العمل، وعلاوة على ذلك فإنَّ القدرة على مراقبة وتحليل الطريقة التي يمكنك اتباعها لحل مشكلة جديدة يمكن أن تظهر لمديرك استعدادك لإجراء تعديلات أو تحسينات على الطريقة التي تتعامل بها مع حل المشكلات، وهكذا تكون في قمة الدهاء؛ إذ يستطيع الإنسان من خلال قدرته على التكيف جذب كل من حوله نحوه.

4. مهارات فريق العمل:

يمكن أن تكون مهارات العمل الجماعي ضرورية للقدرة على التكيف مع الشخصيات المختلفة وديناميكيات العمل، ويمكن أن يكوِّن زملاؤك مزيجاً من المهارات والخلفيات والخبرات المختلفة؛ إذ إنَّ القدرة على العمل مع فريق متنوع من الأشخاص، والتعامل مع النزاعات والأفكار المختلفة والديناميكيات الأخرى التي يمكن أن تحدث؛ يمكن أن تفيد بشكل إيجابي في مدى تكيفك في بيئة الفريق، وهذا يحسن من إنتاجية الفريق ويجعله روحاً واحدة تسعى إلى النجاح في أجواء يملؤها الحب والتقبُّل.

إقرأ أيضاً: 8 أسباب وراء أهمية العمل الجماعي

كيف تحسن مهاراتك في التكيف؟

قد لا يكون من السهل دائماً أن تكون قابلاً للتكيف والانفتاح على التغيير، ومع ذلك يمكنك التفكير في النصائح الآتية لمساعدتك على تطوير مهاراتك في التكيف وتحسينها، وهذا سينعكس إيجاباً على حياتك في مختلف الجوانب:

1. واكِب التغييرات في بيئتك:

إحدى الطرائق الرئيسة التي يمكن أن تساعدك على تطوير مهارات التكيف لديك هي أن تكون على دراية بالتغييرات في بيئة عملك، وبذلك تبقى في تأهب واستعداد كامل لمواجهة أي شيء جديد، ويمكنك أيضاً استشراف المستقبل وتوقُّع الأحداث قبل وقوعها.

2. ضع أهدافاً لنفسك وألزم نفسك بإنجازها:

توجد طريقة أخرى يمكن أن تساعدك على تطوير مهارات التكيف لديك وهي تحديد أهداف لنفسك، على سبيل المثال، إذا كنت تشعر أنَّك قد تكون ضعيفاً في التواصل أو تميل إلى المماطلة عندما يُتوقع منك إكمال المهام الصعبة، فقد تضع هدفاً للعمل على كل جانب من جوانب مهاراتك حتى تتمكن من تحسين قدرتك العامة على التكيف مع التغييرات في مكان العمل.

3. تعلَّم الاعتراف وقبول التغيير:

يمكن أن يساعدك تعلُّم التعرف إلى التغييرات في حياتك المهنية على إعداد نفسك والتكيف مع الظروف المختلفة، بالإضافة إلى ذلك يمكن أن يكون تعلُّم كيفية الاستعداد لقبول التغيير خطوة فعالة نحو التعرف إلى الوقت الذي تحتاج فيه إلى إجراء تعديلات لجعل التحولات أكثر سلاسة بالنسبة إليك.

4. حاوِل الاعتماد على نفسك في مواجهة الصعاب:

فقد تضطر في بعض الأحيان إلى مواجهة الصعوبات وحدك؛ لذلك ابتعد عن الاتكالية وعزز ثقتك بنفسك وكن لنفسك حصناً منيعاً في مواجهة الصعوبات.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح هامة لمواجهة صعاب الحياة

في الختام:

إنَّ قوة الإنسان تُقاس بمدى قدرته على التغيير، ولأنَّ حياة الإنسان متقلبة بين عسر ويسر علينا أن نكون في أتم الجهوزية لأي ظرف كان، ولنتذكر دائماً أنَّ البقاء دائماً للأقوى والأكثر قدرة على التغيير.




مقالات مرتبطة