الإفراط في التعاطف وضرره بصحتك العقلية

هل لاحظت بأنَّك سريع الانفعال أو يُصيبك الحزن أو تُوشك على البكاء عند مشاهدة الأخبار في الفترة الأخيرة؟ إذا كان الأمر كذلك، فهذه حال معظم الناس، فإنَّ الشعور بالتعاطف له فوائده؛ لكن له العديد من الجوانب السلبية كذلك؛ لهذا السبب عليك أن تتعلم كيف تُمارس التعاطف الصحي.



التعاطف هو القدرة على معايشة ما يشعر به شخص آخر معرفياً وعاطفياً، وإدراك العالم من منظوره أو مشاركة تجاربه العاطفية، وهو ضروري لبناء العلاقات والحفاظ عليها؛ فهو يساعدك على التواصل مع الآخرين على مستوى أعمق، كما أنَّه مرتبطٌ بمستوى عالٍ من احترام الذات، وبغايةٍ أسمى في الحياة.

يشمل التعاطف على نوعين في العموم، المعرفي والعاطفي؛ إذ يتعلق النوع العاطفي بمشاركة المشاعر مع الآخرين إلى الحد الذي تشعر فيهِ بالألم عند مشاهدة شخص يتألم، أو الضيق عند مشاهدة شخص ما في محنة، ويحدث هذا لكثيرٍ من الناس حين يشاهدون أخباراً مُحزنةً على التلفاز، لا سيَّما عندما يتعلق الأمر بحياة أشخاص يعنيهم أمرهم.

لكنَّ هذا النوع لا يقتصر على مشاركة المشاعر السلبية فقط؛ فقد يشعر الأشخاص المتعاطفونَ بفيضٍ من الإيجابية عندما يشهدون فرح الآخرين أو سعادتهم أو حماستهم أو راحتهم النفسية، ويستمتعون أكثر من غيرهم بالموسيقى والمتع اليومية الأخرى.

في حين أنَّ هذه العدوى العاطفية مناسبةٌ في الحالات الإيجابية، إلَّا أنَّ الشعور المبالغ به عند مشاهدة معاناة الناس، يمكن أن يكون مزعجاً للغاية، وقد يؤدي إلى مشكلات متعلقة بالصحة العقلية؛ فالتعاطفُ المبالغ به مع الآخرين وخصوصاً عندما نعطي الأولوية لمشاعر الآخرين على حساب مشاعرنا، قد يتولَّد عنه شعورٌ بالقلق والاكتئاب، وهذا ما يُفسِّر سبب الاستياء الذي يعتري معظمنا عند مشاهدة أخبار الحروب في مناطق مختلفة من العالم.

إرهاق الشفقة:

بالنسبة إلى التعاطف المعرفي، فيشير هذا النوع إلى رؤية العالم من منظور الآخرين، ووضع نفسك مكانهم دون اختبار العواطف المصاحبة لذلك بالضرورة؛ على سبيل المثال، مشاهدة الأخبار وإدراك السبب الذي يجعل الناس يشعرون باليأس أو الضيق أو الاستياء على المستوى المعرفي، قد تؤدي هذه العملية إلى التعاطف الشعوري أو حتى الجسدي؛ فيكون للتعاطف تأثير فيزيولوجي.

قد وُثِّقَ تأثير التعاطف في الجسد بشكلٍ جيد؛ فعلى سبيل المثال، يُصاب الآباء الذين يُظهرون درجةً عاليةً من التعاطف تجاه أطفالهم بالتهاب مزمن منخفض الدرجة؛ ممَّا يُضعف مناعتهم، كما ينبض قلبك بالإيقاع نفسه عندما تتعاطف مع الآخرين؛ لذا فإنَّ تأثير التعاطف عند مشاهدة الأخبار نفسيٌ وجسدي، وقد يؤدي في بعض الحالات إلى ما يُسمِّيه بعضهم "إرهاق الشفقة" (Compassion fatigue).

عُرفَ الإرهاق الناتج عن التعاطف المُفرط باسم إرهاق الشفقة؛ لكنَّ علماء الأعصاب جادلوا في الآونة الأخيرة بأنَّها تسمية خاطئة بناءً على دراسات التصوير بالرنين المغناطيسي، وأنَّ الشفقة لا تُسبِّب الإرهاق، إنَّ هذا الاختلاف الجوهري هام؛ فقد اتَّضح بأنَّ الشفقة ترياق الألم الذي تشعر به عندما تتعاطف مع الأشخاص الذين يعانون، والناس بحاجة إلى قليلٍ من التعاطف، ومزيدٍ من الشفقة.

التعاطف والشفقة حالتان متمايزتان في الدماغ؛ فقد يؤدي التعاطف مع ألم شخص آخر إلى تحفيز مناطق في الدماغ مرتبطة بالمشاعر السلبية؛ ولأنَّك تشعر بألم الشخص الآخر قد يصبح الحد الفاصل بين الذات والآخرين مُبهماً إذا لم تضع حدوداً واضحةً أو كُنتَ تفتقر لمهارات التنظيم الذاتي، وستُصاب بعدوى عاطفية.

هكذا تتورط في المحنة وتجد صعوبةً في تخفيف ألمك، وترغب في أن تتجرد من شخصيتك وتتخدَّر وتتجاهل الأمر، في المقابل يُصاحب الشفقة نشاطٌ في مناطق الدماغ المرتبطة بالعواطف والتصرفات الإيجابية.

يمكن تعريف الشفقة ببساطة على أنَّها التعاطف المقترن بالفعل لتخفيف آلام شخصٍ آخر، وإنَّ جانب الشفقة المتعلق بالعمل يساعدنا على فصلِ نظامنا العاطفي عن الآخرين، ورؤية أنفسنا بوصفنا أفراداً مستقلين؛ فلا يجب عليك الشعور بألَمهم عندما تشهده؛ بل يتولَّد لديك رغبةٌ بالمساعدة بدلاً من ذلك، وتحظى بتجربة عاطفية مُرضية وإيجابية عندما تشعر بالشفقة تجاه الآخر.

شاهد بالفيديو:8 نصائح لإظهار التعاطف ومراعاة الآخرين

4 طرائق لممارسة الشفقة في أثناء مشاهدة الأخبار:

1. ممارسة تأمل الحب واللطف:

عندما يضيق صدرك بالأخبار مارس تأمل الحب واللطف؛ أي ركِّز على منح الحب لنفسك وللأشخاص الذين تعرفهم، وأولئك الذين يعانون ممَّن لا تعرفهم، وإذا تمكنت من إنشاء حاجز عازل من المشاعر الإيجابية من خلال الشفقة، تستطيع التفكير بطريقةٍ عمليةٍ لتقديم المساعدة، والتصرُّف في المواقف العصيبة.

تُشكِّل ممارسة الشفقة حاجزاً ضد المشاعر السلبية، وهذا يُحفزك على تقديم المساعدة، ويُجنِّبك الانجرار خلف المشاعر المؤلمة، وإنَّ ممارسة تأمل الحب واللطف لا تحدُّ من المشاعر السلبية؛ بل تزيد نشاط مناطق الدماغ المرتبطة بالعواطف الإيجابية كالحب والأمل والعطاء والمشاركة.

2. ممارسة التعاطف الذاتي:

إذا كنت تلوم نفسك لعجزك عن تقديم المساعدة، أو تشعر بالذنب لأنَّك تحظى بحياة جيدة في حين يوجد أشخاصٌ يعانون، حاول أن تكون لطيفاً مع نفسك، وتذكَّر أنَّه على الرَّغم من أنَّ لكل منِّا معاناته الخاصةً إلا أنَّها أمر نتشارك به جميعاً؛ فنحن البشر تجمعنا معاناةٌ من نوعٍ ما، وحين تُدرك حجم معاناتك حاول أيضاً ألَّا تُبالغ في التفكير فيها، فيُساعد التعاطف الذاتي على تخفيف الشعور بالضيق المرافق للإرهاق التعاطفي، ويُعزَّز من سلامتك وعافيتك.

إقرأ أيضاً: 3 استراتيجيات تساعدك على ممارسة التعاطف مع الذات

3. اتِّخاذ الإجراءات اللازمة:

يثير الضيق الناتج عن التعاطف المشاعر السلبية كالتوتر، ويدفعنا للانسحاب والانعزال اجتماعياً، في حين تُولِّد الشفقة مشاعر حب إيجابية تجاه الشخص الآخر، وتدفعنا لاتخاذ الإجراءات اللازمة، كما تساعد على تحفيز التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص، وتتمثل إحدى طرائق مواجهة الضيق الناتج عن التعاطف بالمشاركة في نشاطات كالتَّبرع والتطوع والتنظيم.

إقرأ أيضاً: التعاطف كما نراه في التلفاز

4. الحد من تصفُّح الأخبار المُحزنة على وسائل التواصل الاجتماعي:

إنَّنا نبحث عن المعلومات في أوقات الأزمات بطبيعة الحال؛ فهذا يساعدنا على الاستعداد لها؛ لكنَّ الاستمرار في تصفح المحتوى المُحزن أو المثير للقلق وقراءته على وسائل التواصل الاجتماعي أو مواقع الأخبار وباستخدام الهاتف على وجه الخصوص، ليس أمراً مفيداً.

أظهرت الأبحاث المتعلقة بالتفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي خلال جائحة فيروس كورونا "Covid-19" أنَّ علينا إدراك مخاطر متابعة الأخبار على نحوٍ مبالغٍ به؛ تفادياً لزيادة التوتر والمشاعر السلبية، وإنَّ تجنُّب الأخبار تماماً حل غير واقعي؛ لكنَّ الحدَّ من متابعتها أمرٌ مفيد، ويمكن تحقيق التوازن فيما يخص استخدامنا لوسائل الإعلام من خلال البحث عن أخبار تتحدث عن فعل الخير، التي من الممكن أن تُحسِّن حالتنا المزاجية.

المصدر