الإدارة المباشرة، و الإدارة عن بعد

بصفتك مديراً، ستُواجهك العديد من المشاكل التي يعتمد حلُّها و بشكل حصري، على الطريقة التي تُفضّلها في الإدارة. فَدورك كَمدير، هو أكثر من مجرد إرشاد الناس إلى ما يجب عليهم القيام به.

إذ إنَّ الإدارة الحقيقية تتميّز بالقدرة على اختيار النهج والأسلوب المناسب للتعامل مع مواقف محددة، كما أنَّ المؤسسات تنفق الملايين كل عام لِتُدرّب مدرائها وموظفيها على القيام بِذلك بالتحديد.

قدَّرت الجمعية الأمريكية للتدريب والتطوير، بأنَّ الشركات قامت عام (2011) بإنفاقِ ما يقرب من 156 مليون دولار على تطوير وتدريب كوادر موظفيها.



لقد مرَّ عالم الشركات بِتغيير دراماتيكي خلال العقد الماضي، إذ أصبحت المؤسسات والمنظّمات ذات صِبْغَةٍ عالمية، والقوى العاملة أكثرَ تنوعاً من أي وقتٍ مضى. ناهيك عن وجود زيادةٍ مفرطة من التشتت والضياع فرضها عالم التكنولوجيا من حولهم.

فالمدراء الجدد، وحتى المخضرمين منهم أحياناً، تصيبهم الحيرةُ فيما يتعلق بِكيفية تحقيق أقصى استفادةٍ من موظفيهم، إذ يُفضّل بعض المدراء أن يكونوا مسترخين نسبياً؛ بينما يختار آخرون نهجاً أكثر حزماً.

هناك مجموعة متنوعة من الأساليب التي يتبعها المدراء، ولكن يمكننا تصنيفها عموماً وفقاً لِنمطين متميزين، ألا وهما الإدارة المباشرة والإدارة عن بعد.

الإدارة المباشرة:

يُشارك المدير الذي يتَّبع أسلوب الإدارة المباشرة بشكلٍ فعال في بعض الأعمال التي تشابه الأعمال المنوطة بموظفيه، ولا يفصل نفسه بشكلٍ كاملٍ عن الاحتياجات وَالممارسات المتَّبَعة في الأعمال اليومية.

كما يخصص ذلك النوع من المدراء بعض الوقت لتدريب فريقه وشركائه، ويستثمر بصورة فعّالة في التقدّم الذي يحرزونه. كما ويمضي الوقت في التفاعل بشكل مباشر مع الموظفين، والتعاون معهم في إنجاز المشاريع.

فذلك النوع من المدراء دائماً ما يحتفظون بخطوط اتصالٍ مفتوحة مع موظفيهم، ويأخذون دوراً نشطاً في تقديم التعليقات وتوجيه الموظفين بشكل منتظم.

يقف هؤلاء المدراء باستمرار على محيط الأشياء التي تحدث في المكتب، هذا إن لم يكونوا في قلب الحدث، مثلهم مثل مُدَرِّبِي الفرق الرياضية، فهم يظهرون ويراقبون سير العمل ويُشَكِّلُون موظفيهم بالطريقة الأنسب لِمؤسستهم.

إنَّ المدير المثالي الذي يتَّبِعُ نهج الإدارة المباشرة، يُدرك جيداً الفرق بين التعليم والتدريب والكوتشينغ، إذ يكون لديه فهماً دقيقاً لكيفية موائمة تطوير الموظفين بما يناسب كل مستوى من مستويات السُّلَّم الوظيفي في الشركة.


اقرأ أيضاً:
أهم 6 صفات يتميّز بها المدير الناجح


للوصول للتطبيق المثالي لهذا الأسلوب الإداري، على المدير أن يقوم بِتدريبِ "المُدربين" بشكل فعّال، كما ويحتاج قادة الفرق إلى تلقي النصائح منهم، فيما يخص دعم جهود الموظفين وتعزيزها والمساهمة فيها.

مزايا الإدارة المباشرة:

  • إنَّ هذا النهج يُتيح للمدير الوصول إلى مزيدٍ من الأفكار من العملاء والموظفين على حدٍّ سواء، هذا الأمر يمكن أن يعمل لصالح المدير في حال تَمَّت مقاربته (التعامل معه) بعقلية منفتحة.
  • يكتسب المدراء فهماً أعمق وأكثر تفصيلاً لنشاطهم التجاري.
  • إنَّ سلوك هؤلاء المدراء، والمتمثل في تواجد المدراء والموظفين في خندقٍ واحد، غالباً ما يُكسب المدراء احترام موظفيهم، يساعد هذا النهج المدراء على إدراك أهمية آراءِ ومساهماتِ الموظفين، وكيف أنَّهم يكونون في أغلب الأوقات ناصحين جيدين.
  • إنَّها تُسهم في الحفاظ على تركيز الموظفين، وذلك لأنَّ رئيسهم يشاركهم العمل بصورة منتظمة.
  • مثل هؤلاء المدراء يميلون لأن يبدؤوا بالتَّحكم بكل شاردة وواردة.

مساوئ الإدارة المباشرة:

  • قد لا يكون ذلك النَّهج قابلاً للتطبيق في كل سيناريو عمل، على سبيل المثال، إنَّ الموظفون الجدد بحاجة إلى المساعدة حتى يتعلموا الوظيفة، و أي شيء يتعدى ذلك، قد يؤدي بهم إلى أن يتمردوا.
  • قد يجد المدراء الذين يعتمدون هذه الطريقة أنفسهم في حيرة عند التعامل مع موظف مثبط الهمَّة (فاقد للحافز). لذا تراهم يعملون وفقاً لِمبدأ الثواب والعقاب، فيما لو أنجز ذلك الموظف مهامه أو فشل في إنجازها.
  • قد يفشل المدير في ترك الموظف المندفع وذو الأداء العالي وشأنه، ممّا يؤدي إلى تقليص إنتاجيته واندفاعه.
  • قد يبدأ الموظفون في اعتبار مثل هذا المدير صديقهم المقرَّب.

الإدارة عن بعد (غير المباشرة):

إحدى أقدم المقولات في مجال الأعمال هي "وَظِّف أشخاصاً بارعين، ثُمَّ دَعهم يقومون بعملهم"، وهناك قدر كبير من الحكمة في تلك المقولة.

إذ إنَّه في عصر رسائل البريد الإلكتروني التي لا تنتهي، والمكالمات التي لا تنقطع، وأكوام التقارير، يمكن أن يعاني المدير الذي يفرط في المشاركة بالعمل بشكل كبير، إنَّ المدراء الذين يتبنون نهج الإدارة عن بعد كثيراً ما يثقون بفريقهم بما يكفي للسماح لهم بالعمل بأنفسهم.

لا يشعر هؤلاء القادة بالحاجة إلى التقرّب من موظفيهم أو قادة الفرق، ولا يهتمون إلَّا بالمنظور الكلي للعمل. فهم يمارسون الإدارة من خلال قادة فرقهم ولا يتخّطون التسلسل الإداري أبداً.

وغالباً ما تراهم يخاطرون وينتهزون الفرص، وذلك لأنَّهم يعلمون بأنَّ فريقهم يتمتع بالكفاءة اللازمة للتعامل مع أي ضغطٍ إضافي قد يترافق مع العمل.

يركز هذا النوع من المدراء بشكل كبير على جوانب أخرى من العمل، مثل التوسُّع والتنوع، وما شابه ذلك.


شاهد أيضاً:
انفوغرافيك: 7 نصائح لإدارة الفرق عن بعد


يمكن للتكنولوجيا، مثل برامج إدارة المشاريع البسيطة، مساعدة هؤلاء المدراء على البقاء بعيدين من دون أن يتدخلوا بشكل مباشر في العمل، وفي نفس الوقت، يبقون على اطِّلاعٍ على ما يحصل فيه.

مزايا الإدارة عن بعد:

  • تمنح الموظفين شعوراً بالإنجاز، لأنَّهم يعلمون بأنَّهم يحوزون على ثقة الإدارة فيما يتعلق بإدارة أعمالهم الخاصة.
  • تساعد على تعزيز الإبداع و النُّمُوِّ لدى الموظفين، لأنَّها تسمح لهم بالتوصل إلى الحلول بأنفسهم، بدلاً من إخبارهم بما يجب عليهم فعله.
  • تسمح الإدارة عن بعد للمدير بتولي مشاريعَ كبيرة، والعمل وفقاً لِجداول زمنية ضيقة، لأنَّ المدير على علمٍ بِأنَّ كل موظف مُستَثمَرٌ بشدة بهدف القيام بالدور المنوط به.
  • إنَّها تمنح القائد الثقة في القدرة على تسليم مشروعه عند ضيق الوقت.
  • بسبب التقسيم الفعَّال للأدوار، يعلم كل فرد في الفريق بالضبط ما عليه القيام به.

ممّا يسمح لقادة الفرق بأن يكونوا على مستوى المسؤولية الموكلة إليهم، مع متابعة المدير لتقدم العمل من خلال التقارير التي يتواصلون بها معه.

مساوئ الإدارة عن بعد:

  • هذا الأسلوب في الإدارة من الممكن أن يجعل المدير يبالغ في الثقة في قدرات فريقه.
  • عددٌ قليل جداً من المدراء الذين يتبعون هذا النَّمط من الإدارة، يعرفون أُسُسَ العمليات المتبعة لإنجاز أعمالهم.
  • بما أنَّ الفريق فقط هو الذي يكون مسؤولاً أمام هؤلاء المدراء، فإنَّهم (المدراء) غالباً ما يفقدون سيطرتهم على موظفيهم، و بالتالي على جودة مخرجاتهم، و ذلك إذا لم يواظبوا على التحقق من سير العمل.
  • إنَّ عدم التواجد في الخطوط الأمامية للعمل، يُفْضِي في أغلب الأحيان لِفقدان تفاصيل دقيقة وهامَّة لبقاء عملك. مثل هؤلاء المدراء و في كثير من الأحيان، لن يكونوا قادرين على اكتشاف الفساد في المنظومة حتى يفوت الأوان.
  • لن يكون هؤلاء المدراء قادرين على توجيه و إرشاد موظفيهم ما لم يبذلوا جهداً خاصاً.

خاتمة:

  • هناك دائماً حاجة إلى إيجاد التوازن، سِيَمَا في إدارة الناس، أكثر من أي مجال آخر.
  • ركِّز على فهم الوضع جيداً قبل أن تسعى جاهداً و تتخبط في البحث عن حلٍّ مناسب.
  • إنَّ الإيمان بفريقك لا يجعلك مديراً يتبع أسلوب الإدارة عن بعد، بل يجعلك مديراً ذكياً.
  • و إنَّ توجيه موظفيك لا يجعلك مديراً تتحكم في كل كبيرة و صغيرة، بل يجعلك بمثابةِ دليلٍ يستحقه كل موظفٍ مبتدئ.
  • ما تقتضيه هذه المرحلة (ما نحتاجه في وقتنا) هو مديرٌ يوازن بين كِلَا المنهجين، لذا كُن ذاك المدير.

 

المصدر




مقالات مرتبطة