الألم جزء من الحياة: كيف تتعامل معه؟

غالباً ما يُستخدَم العلاج السلوكي المعرفي (CBT) لدى المرضى الذين يعانون من آلام مزمنة إضافة إلى التدابير الطبية، فتفترض هذه التقنية أنَّ الطريقة التي نتفاعل بها مع الإجهاد في الحياة اليومية بأفكارنا ومشاعرنا وسلوكنا، تديم أو حتى تزيد من الألم الجسدي.



يمكن أن يسبب الألم نفسه ضغوطات كبيرة، ونظراً لأنَّه يمكن أن تكون هناك تفاعلات معقدة بين الدماغ والجسم، فمن الضروري التعاون الجيد بين الطبيب المعالج، والمعالج النفسي المتخصص في الألم.

ما هي السلوكات التي قد تؤدي إلى الشعور بالألم؟

يمكن أن تؤدي بعض السلوكات إلى الشعور بالألم:

1. الضغوطات النفسية:

يمكن أن تؤدي النزاعات المستمرة مع الزملاء أو الرؤساء في العمل أو مع الشركاء أو الأطفال أو أشخاص آخرين (مثل الوالدين) إلى الألم، ويتجلى الإجهاد في العديد من مناطق الجسم، وعادةً ما يكون في صورة زيادة توتر العضلات، على سبيل المثال في أسفل الظهر أو أعلى الظهر، أو في عضلات المضغ أو في عضلات الجهاز الهضمي، وفي الوقت نفسه، يمكن أن تزداد الحساسية للألم، فيتم إطلاق هرمونات التوتر مثل الكورتيزول بشكل متزايد في المواقف العصيبة.

2. مسببات الإجهاد البدني:

يمكن أن تؤدي المواقف المجهدة المستمرة، مثل الانحناء إلى الأمام، أو التكرار لسلسلة معينة من الحركة إلى زيادة الحمل على العضلات أو الأربطة أو المفاصل أو الأقراص الفقرية، ويسبب هذا ألماً في الظهر والذراع (مثل ما يسمى بمرفق التنس) أو في أجزاء أخرى من الجسم، لكن يمكن أن يكون الألم على شكل "إكراهات داخلية" في هيئة أفكار وسلوكات تلقائية (داخلية).

3. الأفكار الداخلية:

إذا كان الانحناء باستمرار يسبب ألم الظهر، فإنَّ الأفكار الإيجابية (كنت بحاجة إلى استراحة) والسلوك الناتج (أخذ فترات راحة قصيرة في الواقع) من شأنه أن يخفف من ذلك، ولكن من خلال الرغبة في المثابرة (لا تكن كسولاً، يمكنك الراحة في الليل)، والتقليل من أهمية التعب (ليس الأمر بهذا السوء)، والتجاهل واستراتيجيات المثابرة المرتبطة بها (النشاط على الرغم من الألم، العمل يجب أن ينتهي أولاً) هذا ما يؤدي إلى ازدياد الألم.

العواقب البيولوجية والنفسية والاجتماعية للألم:

إذا لم يستجب الألم للتدابير الطبية، فإنَّه غالباً ما يؤدي إلى اضطرابات النوم وزيادة التعب في اليوم التالي وزيادة المجهود، وإذا استمرت هذه الحالة، فسيتبع ذلك الإرهاق ومشاعر الفشل مع المزاج المكتئب، وتؤدي أفكار "العجز واليأس" إلى حلقة مفرغة من الألم المتزايد.

أولئك الذين يعانون من الآلام المزمنة لا يجب أن يعتمدوا فقط على المسكنات، فتساعد تقنيات الاسترخاء أيضاً على التخلص من تشنج العضلات وغيرها من الآلام المزمنة.

ليس من السهل دائماً تعلُّم تقنيات الاسترخاء، لكنَّها قد توفر عليك الأدوية، إذا كنت تعاني من ألم مزمن، وهي الآن جزء لا يتجزأ من إدارة الآلام، وتساعد تقنيات الاسترخاء على منع توتر العضلات وتضمن الهدوء والتوازن.

فلسفة الفقراء في إدارة الألم:

بالطبع، يعرف الفقراء الألم، لكنَّهم ليسوا حساسين لمحفزات الألم مثل الأشخاص العاديين، فهم يعتمدون تقنيات تفكير لإدارة الألم، تعتمد على الاسترخاء.

الفقراء يتعلمون تحمُّل الألم، إنَّهم يتدربون على عدم إدراك الألم وأداء مهامهم بهدوء تام واسترخاء جسدي، وربما يمكن للمرء أن ينظر إلى سلوك الفقراء وموقفهم وتعاملهم مع الألم على أنَّه مثال غريب وإن كان متطرفاً في "إدارة الألم".

شاهد بالفيديو: 6 أعراض صحيّة يجب عليك ألَّا تتجاهلها أبداً

استرخاء العضلات حسب جاكوبسون:

ربما يكون الإجراء، الذي طوره طبيب الأعصاب الأمريكي إدموند جاكوبسون، أسرع طريقة للاسترخاء، فيتعلق الأمر بإدراك المرء لجسده؛ ويعني الاسترخاء التدريجي للعضلات شد مجموعة العضلات الرئيسة ثم إرخائها، فيجب أن تكون قادراً على ملاحظة التوترات والتأثير فيها بطريقة إيجابية، فالاسترخاء يتنافس - إذا جاز التعبير - مع تجربة الألم.

يجب أيضاً تعلُّم استرخاء العضلات وفقاً لجاكوبسون تحت إشراف متخصص، فإنَّ 20 دقيقة من التمرينات اليومية يمكن أن تكون فعالة بشكل خاص في الحد من الصداع النصفي والصداع المزمن.

الارتجاع البيولوجي:

الارتجاع البيولوجي هو أيضاً شكل خاص من أشكال الاسترخاء، ومع ذلك، يتم استخدام جهاز كمبيوتر لهذا الغرض، فيتم توصيل المريض بالكمبيوتر عبر الأقطاب الكهربائية، وتقيس الأقطاب توتر العضلات ونبض القلب وضغط الدم ودرجة حرارة الجلد وترسل البيانات إلى الكمبيوتر.

يقوم برنامج خاص بتحليل البيانات وتحويلها إلى إشارات ضوئية و/ أو صوتية، والمريض بدوره، يحاول التأثير فيها بطريقته الخاصة، وتعطيه التغذية الراجعة البصرية والصوتية معلومات فورية عن نجاح استراتيجياته وجهوده، ويمكن استخدام هذه التغذية الراجعة للتأثير في الوظائف الجسدية اللاواعية بشكل جيد.

ما هي أهم التقنيات الطبيعية للتعامل مع الآلام المزمنة؟

أحياناً يكون تشخيص الألم المزمن وعلاجه أمراً معقداً، وقد يستغرق العثور على أفضل طرائق تخفيف الآلام بعض الوقت.

فيما يأتي بعض الاقتراحات من مؤسسة Affinity Health عن كيفية إدارة الألم المزمن:

1. العلاج الساخن والبارد:

يعدُّ العلاج الساخن والبارد طريقة فعالة وآمنة لتخفيف الآلام، فيمكن للحرارة إرخاء العضلات وتوسيع الأوعية الدموية، ما يساعد في عملية الشفاء بعد الإصابة، بينما يقلل العلاج البارد من تدفق الدم والالتهاب، وكلاهما يسبب الألم.

2. التدليك:

التدليك هو شكل من أشكال التلاعب بالأنسجة الرخوة، وقد تكون هذه التقنية مفيدة عند دمجها مع علاجات إدارة الألم الأخرى، مثل العلاج الطبيعي ومسكنات الألم، ففي حين أنَّ التدليك قد يكون فعالاً في علاج آلام أسفل الظهر، إلا أنَّ الدراسات لديها أدلة متضاربة عن فوائده لأنواع أخرى من الألم المزمن.

3. العلاج الطبيعي أو الفيزيائي:

العلاج الطبيعي هو تطبيق تقنيات فيزيائية لتقوية وتمديد العضلات والمفاصل، ويمكن أن يخفف الألم في جميع أنحاء الجسم، على الرغم من أنَّ الأساليب المحددة تختلف حسب مناطق الجسم، وتشمل الفوائد طويلة الأمد للتمرينات العلاجية للألم المزمن مساعدة الأشخاص على التأقلم وممارسة النشاطات اليومية إلى حد مقبول.

4. الوخز بالإبر:

يتم إجراء الوخز بالإبر من قبل ممارس يقوم بإدخال إبر رفيعة في الجلد في نقاط معينة من الجسم، وعلى الرغم من كونه علاجاً مثيراً للجدل، لكن تشير الدلائل إلى أنَّ هذه التقنية يمكن أن تساعد الأشخاص على إدارة بعض حالات الألم، وهذا يشمل الراحة المؤقتة من آلام أسفل الظهر والرقبة والركبة وهشاشة العظام، ومع ذلك، هناك القليل من الأدلة على فاعليتها بمرور الوقت.

5. العلاج المعرفي السلوكي:

يمكن للكثير من الناس الاستفادة من الأساليب التي تجمع بين علم النفس والجسد، وتعد العلاجات بالكلام، مثل العلاج السلوكي المعرفي، أمثلة على العلاجات النفسية للألم المزمن (CBT)، والهدف من العلاجات النفسية هو تقليل التأثير السلبي الذي يمكن أن يحدثه الألم المزمن في الصحة العقلية للشخص.

وفقاً لمراجعة أُجريت في عام 2013 لفاعلية تقنيات إدارة الألم النفسي، فإنَّ العلاج المعرفي السلوكي يقلل الألم فوراً بعد العلاج مقارنةً بعدد من الاستراتيجيات الأخرى، ومع ذلك، لم تجد المراجعة أيضاً أي دليل على أنَّ العلاج المعرفي السلوكي يمكن أن يساعد على علاج الألم طويل الأمد.

6. اليوجا:

تساعد اليوجا الجسم على الاسترخاء والحفاظ على مرونته، مع وضعيات محددة تركز على مناطق معينة من الجسم، فقد وجدت دراسة أجريت عام 2010 عن تأثيرات اليوجا في الألم المزمن أنَّها لا تقلل من آلام المشاركين، لكنَّها ساعدتهم على التأقلم، وشعروا بتحكم أكبر بطريقة تأثير آلامهم في حياتهم اليومية.

7. تاي تشي:

تاي تشي هو نوع من العلاج بالتمرينات الرياضية يجمع بين حركات الجسم البطيئة والمستمرة والسائلة مع تقنيات التنفس والاسترخاء، كما أنَّه سهل على المفاصل والعضلات، ويمكن أن تعزز رياضة تاي تشي القوة واستقرار المفاصل، ويمكن أن يزيد التركيز المطلوب من الحالة المزاجية للفرد.

وفقاً لدراسة أجريت عام 2016، توجد بعض الأدلة على أنَّ هذه التقنية قد تساعد على علاج الألم المزمن، وتدَّعي أنَّ الأشخاص الذين مارسوا تاي تشي لاحظوا تحسُّناً في آلامهم المزمنة من التهاب المفاصل الروماتويدي وآلام أسفل الظهر وهشاشة العظام.

8. تقنيات الاسترخاء:

يمكن أن يكون التعامل مع الألم المزمن مرهقاً لأسباب مختلفة، مثل عدم القدرة على التحكم بالانزعاج، ويمكن أن تساعد تقنيات الاسترخاء على تخفيف توتر العضلات والتشنجات والأوجاع والآلام، ويساعد أيضاً على إطلاق هرمون الإندورفين، وهي مسكنات الألم الطبيعية في الجسم، ويمكن أن يساعد الاسترخاء على تقليل التوتر وتخفيف بعض أعباء الألم المزمن مع تعزيز النوم بشكل أفضل.

9. الأدوية:

توجد عدة أدوية متاحة للمساعدة على تخفيف الآلام، وتعمل كل فئة ونوع عقار بشكل مختلف؛ فقد يكون بعضها أكثر ملاءمة لبعض الأشخاص من غيرهم، فقبل البدء في تناول أي دواء جديد، يجب استشارة الطبيب. وللتأكد من أنَّها آمنة، ولا تؤدي إلى تفاقم الألم، ولا تتفاعل مع أي أدوية أخرى يتناولها الشخص.

إقرأ أيضاً: مكان الشعور بالألم وعلاقته بالعلاج

10. تقليل مقدار التوتر في حياتك:

الألم المزمن يتفاقم بسبب الإجهاد، فالمشاعر السلبية مثل الاكتئاب والقلق والتوتر والغضب يمكن أن تجعل الجسم أكثر حساسية للألم، فيمكنك تخفيف الألم المزمن من خلال تعلُّم التحكم بتوترك.

استرخاء التخيل العقلي (المعروف أيضاً باسم التخيل الموجه) هو نوع من الهروب العقلي الذي يمكن أن يجعلك تشعر بالهدوء، ويستلزم تخيل صور مهدئة وسلمية في عقلك.

إقرأ أيضاً: 10 أمور مذهلة تحدث للجسم عند الاسترخاء

في الختام:

يعدُّ الألم جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية، لا يمكننا إلغاؤه أو حذفه، ولكن يمكننا تطوير آليات تفكير عقلية ينتج عنها سلوكات إيجابية، للتعامل معه بطريقة لا تؤثر في حياتنا اليومية، أو تؤثر بأقل قدر ممكن.




مقالات مرتبطة