الأبعاد الاقتصادية لفريضة الصوم

المتعمّق في أبعاد الصوم يدرك فضائله ويعرف المعاني المقصودة من فرضه على الإنسان، ومن أبرز الأبعاد التي تحتويها فريضة الصوم البعد الاقتصادي، فهناك جوانب اقتصاديه كثيرة للصيام يمكننا أن نلخّصها بما هو آت.



1. الترشيد والاقتصاد:

يفترض الإسلام بأنّ المستهلك هو شخص رشيد وعقلاني يجب أن يكون استهلاكه موافقة لهدفه وليس لغاية التفاخر والتباهي كما هو حال الأنماط الاستهلاكية اليوم بين الناس في الشرق والغرب والتي غايتها فقط الترف وإشباع النفس من الكماليات والمتع بعيداً عن الحاجيات والضروريات.

فالصوم في عقيدتنا احد أهم وسائل الترشيد في الاستهلاك لأنّ المسلم يأكل في اليوم وجبة واحدة ولفترة محدودة لذا فالمنطق يستدعي أن تكون كمية الطعام المستهلكة هي ثلث ما يستهلكه في الأيام العادية وفي ذلك توفير للنقود والأموال المبذولة على الإنفاق على الطعام والشراب ولكن مع الأسف فإن العكس هو الذي يحصل مع غالبية الصائمين، حيث تمتلئ الموائد بما هب ودب من أنواع الطعام والشراب الذي يذهب غالبه إلى حاويات القمامة بعد الإفطار.

إقرأ أيضاً: 10 نصائح لتوفير مصروف البيت في رمضان

2. التكافل والتعاضد الاجتماعي:

إنّ الشعور بالجوع والعطشإحدى الوسائل التي تدفع الإنسان ليشعر مع الفقراء والمساكين الذي يعيشون هذه الحالة على مدار العام لذا يدفعه ذلك الشعور إلى بذل ما استطاع من الأموال والأطعمة على الفقراء والمحتاجين خاصةً أنّ الإسلام يحث على الإنفاق في سبيل الله والتصدّق على الفقراء والمساكين بصفة عامة وفي رمضان بصفة خاصة وذلك لسد حاجة المعوزين والتوسعة عليهم، وكذلك فإنّ هذا الإنفاق يساهم في إدخال الفرحة إلى قلوب الفقراء والمعوزين حتى لا يشعروا بمرارة الحاجة والفقر.

فلقد كان رسول الله جواداً وأكثر ما يكون في رمضان، فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فالرسول كان أجود بالخير من الريح المرسلة، فكثرة التصدّق في شهر رمضان تمكّن الفقراء والمساكين من شراء مستلزمات الحياة وهذا بدوره يسبب نشاطاً في حركة البيع والشراء ممّا يؤدّي إلى انتعاش الأسواق وبالتالي تحريك الاقتصاد وينعكس ذلك كلّه في النهاية على الاقتصاد الكلي للدولة ويمكن لنا مشاهدة ذلك على ارض الواقع في أيام رمضان.

إقرأ أيضاً: أهمية الصدقة في الإسلام والسنة النبوية وأنواعها

3. الفدية:

تساهم الفدية التي أمر بها الشارع الحكيم على غير المستطيع للصيام في إنعاش الحركة الاقتصادية وتحسين الواقع المعاشي لمستحقيها، حيث فرض الإسلام على من لا يستطيع الصيام إخراج الفدية حيث يقول الله تبارك وتعالى: "أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" (البقرة : 184).

يطلب الله سبحانه وتعالى من الذي لا يطيق الصوم لسبب شرعي كالمسنين والمرضى والحوامل الذين يشق عليهم الصيام، أن يفطرو ومقابل هذا الإفطار عليهم دفع الفدية إلى الفقراء والمساكين بحيث يطعم مسكيناً من أوسط طعام الناس ولا شك أنّ هذه التوسعات والتسهيلات تساهم في تحسين الواقع المعيشي والوضع الاقتصادي لفئات كثيرة في المجتمع تسهم في النهاية في تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد برمته،لانّ هذه الفدية تساهم في رفع مستوى الفقراء والمساكين وتعينهم على العمل والكسب وفي هذا تنمية اقتصادية لطبقة كبيرة من الناس.

إقرأ أيضاً: فوائد الصيام الصحيّة والنفسية والتربوية

4. زكاة الفطر:

من أعظم وسائل التوسعة الاقتصادية والمعاشية في رمضان هي زكاة الفطر فبالإضافة إلى الجوانب الروحية المقصودة منها إلا أنها تساهم في التوسعة والتيسير على المحتاجين، يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمه للمساكين" رواه أبو داود.

والحكمة من صدقة الفطر كما يقول كثير من فقهاء المسلمين هي سد حاجة الفقراء والمساكين وما في حكمهم وتقوية لروابط التكافل والتراحم بين المسلمين حتى يشعروا بالأخوة الإسلامية والحب في الله، كما أنّها تطهير للصائم من السيئات التي يكون قد ارتكبها أثناء صومه لأنّ للحسنات آثارها الطيبة في محو السيئات مصداقاً لقول رسول الله "واتبع السيئة الحسنة تمحها" رواه أحمد والترمذي.

إنّ إخراج زكاة الفطر بجانب أنّها عبادة روحية، إلّا أنّها تساهم في تحريك عجلة الحياة الاقتصادية لأنّها تساهم في تحريك الأموال وانتقالها بين الناس حتى لا تبقى دولة بين الأغنياء فحسب.

بل وللصيام تأثير على مصاريف الصحة والعافية والشفاء من الأمراض لأنّ الصوم فيه شفاء من كثير من العلل لدرجة أنّ بعض الدول الأوروبية كما هو في ألمانيا التي افتتحت مستشفيات خاصة لا تعالِج إلّا بالصوم على الطريقة الإسلامية وقد أثبتت هذه الوسيلة فعاليتها، ممّا يسهم في تخفيض النفقات والأموال المنفقة على العلاجات والتداوي والتشافي وبالتالي تقليص الأعباء المادية التي قد يتحمّلها الفرد المسلم.

إقرأ أيضاً: كل ماتحتاج معرفته عن زكاة الفطر

5. زيادة الإنتاج:

لم يكن الصيام وسيلة للخمول ولا للكسل ولم يفرضه الشارع الحكيم من أجل النوم وتقليص الإنتاج بل فيه اختبار لقدرة الإنسان علىالصبر على الإنتاج والعطاء وتحقيق ما يمكن أن يعجز عنه في أوقات الإفطار ولنا في السلف الصالح خير قدوة حيث حقّقوا الإنجازات والانتصارات العظيمة في رمضان، فرمضان شهر الإنتاج والعمل والعطاء لأن من حكم الصوم هو الإخلاص بل والصبر على الإخلاص رغم التعب والجوع والعطش.

والله تبارك وتعالى أعلم وأحكم.




مقالات مرتبطة