الآمال المستقبلية لطب الألفية الثالثة

لقد استطاعت أحلام العلماء التي نظنّها قد بلغت حداً من الشطط غير المفهوم أن تهز قناعات وعقائد الناس.



فمنذ بدء الدراسات الجينية عام 1970، والتعمق في وضع الخريطة الوراثية توالت النظريات الحديثة وظهرت حقائق علمية أُقرت بشكل ثابت في القرن الحادي والعشرين، ومنها:

1- أن جميع الأمراض ذات منشأ جيني.
2- أن الأمراض المعقدة هي نتيجة لتفاعل العديد من الجينات مع الوسط المحيط.

فلا يكفي أن تكون مدخناً لتصاب بسرطان الرئة، بل يجب أن يتشارك ذلك مع حملك للمورثة الورمية المسؤولة عن إحداث السرطان.
فبعد أن تم الكشف عن الخريطة الوراثية، وُجد أنه من المناسب البدء بالخطوة التالية لمعرفة سبب تعبير الجينات عن نفسها بأشكال مختلفة، فتحديد المورثات المسؤولة عن بعض الأمراض يفسر ما يجري ولا يفسر لماذا جرى؟

إقرأ أيضاً: أشهر الأمراض الوراثية وطرق الوقاية منها

من هنا بدأ التحدي الذي رُصد لتحقيقه من قبل المركز الوطني الأمريكي N.I.H ما يقارب 26.4 بليون دولار كما بدأت النظريات الحديثة بالتفاعل معطية آمالاً جديدة في المعالجة الجينية خاصةً بعد ظهور نظريات بُدء بالتحقق منها عملياً والتي تسمح:

باستنساخ الأعضاء عن طريق زرع الخلايا الجذعية Stem cells وهي خلايا بدائية لها القدرة على التحول إلى أي نوع من أنواع خلايا الجسم الــ 200 ولها مصادر مختلفة، منها الحبل السري والمشيمة وخلايا الدم وحتى الخلايا البالغة للأعضاء ولكن بكمية أقل، وستكون بذلك مصدراً لنسج جديدة أو حتى لأعضاء جديدة يمكن الاستعاضة بها عن عملية نقل الأعضاء من شخص لآخر ونحل بذلك مشاكل الرفض المناعي وما يرافقها من أعراض أو الوفاة قبل الحصول على العضو المناسب.

إقرأ أيضاً: الأمراض المناعية، وأهم الأغذية الصحيّة التي تقوي الجهاز المناعي

فما عليك إلا الاتصال لطلب العضو المصاب، وزيارة المشفى لدقائق لأخذ عينة من خلاياك، والانتظار ثلاثة أشهر للحصول على طلبك، عندها تستلم (كبد، بنكرياس، كلية، مفصل، عين ….) مُصّنع مخبرياً بدءاً من خلاياك وموضوع في قوالب تأخذ الشكل المطلوب تحضيره!

إن تطبيق التصوير الجيني والمعالجة الجينية في الكشف والوقاية من العديد من الأمراض الخطرة قبل بدئها وليس بعد حدوثها (كما هو الحال في الأورام)، هو من الآمال المتوقع تحقيقها خلال هذا العقد.

فبدلاً من تطبيق الرنين المغناطيسي للكشف عن البدايات السرطانية في الثدي لدى النساء، يجب إجراء التصوير الجيني لهن للكشف عن تواجد المورثات الورمية ونزعها قبل تظاهرها فالهدف هو كشف الورم قبل ظهوره وليس بعد حدوثه.

إقرأ أيضاً: سرطان الثدي – أعراضه -أهم الطرق للوقاية منه

ومن الآمال التي يرجو العلماء تحقيقها قبل عام 2015:

- زَبونة الدواء Customized Medicine أي إعطاء الدواء بحسب الزبون!

فوصف الطبيب للدواء يجب أن يرتبط بالتصوير الجنيني الحيوي لكل مريض، فبحسب تغيرات التسلسل الجيني لكل فرد الـ [Single Nucleotide Polymorphisms :SNPs ] يوصف الدواء.

هناك مثلاً ثلاث مورثات مسؤولة عن ارتفاع الضغط الشرياني، فبحسب أي من هذه المورثات الثلاث معطوبة يوصف الدواء، نتلافى بهذه الطريقة الأعراض الجانبية للأدوية، حيث تبين أن 15/1 من مرضى المشافي يدخلونها نتيجة التأثيرات الجانبية المؤذية للدواء.

أما إمكانية شفاء بعض الأمراض العصبية كالشلل مثلاً فهو من الآمال الكبيرة المتوقعة حيث ثبت أن الخلايا العصبية قادرة على إيجاد طرق جديدة للنمو والتحايل بعد أن اعُتقد أنها مُبَرمجة بشكل صارم منذ الطفولة الباكرة للإنسان ويعمل العلماء حالياً على تحقيق ذلك ضمن برنامج: "SUAW" Stand up and walk. 

 

  • كما أن إعطاء عوامل النمو للأعصاب تستطيع إحياء الخلايا العصبية المنكمشة فيتحسن أداءها، كما هو الحال في داء الخرف الزهايمر أو داء باركنسون، وإن تحسناً يعادل 10% لدى المريض كفيل بتغيير أسلوب حياته.
  • أما فكرة إطالة العمر مع المحافظة على الشباب فتعتمد على مبادئ كثيرة منها ما يتعلق بالمعالجة الجينية عن طريق نزع جينة الشيخوخة التي تم اكتشافها في الكروموزوم الرابع لدى الإنسان، أو عن طريق إطالة عمر الخلية بإعطاء مضادات الأكسدة التي تمنع هرم الخلايا. كما أن الحمية الغذائية تؤدي لخفض الطاقة الناتجة عن الاستقلاب وبالتالي تطيل العمر. وخير مثال على ذلك أن عمر الفئران القارضة لا يتجاوز الثلاث سنوات بينما يصل عمر السلحفاة إلى عشرات السنين. هذا وقد نجح العلماء بإطالة عمر الدودة من 30 يوماً إلى 50 يوم اعتماداً على هذه النظريات.
  • ومن الجدير بالذكر أن هناك آمالاً أخرى لا تقل عن الآمال السابقة أهمية وجنوناً بُدء بتحقيقها، منها ما يتعلق بالهندسة الوراثية وتصنيع الدواء أو بإنشاء بنك للجينات أو لدم الحبل السري على غرار بنك الدم أو بنك النطاف.
  • هكذا نرى أن آمال العلماء تركزت على تحسين نوعية الحياة أكثر من إطالة مدة الحياة وذلك بسبب زيادة عدد العجزة في العالم وزيادة أمراض الشيخوخة.
  • هل ستتحقق هذه الآمال المجنونة والتي قرر لها أن تنتهي مع عام 2025 وما هو نسبة نجاحها؟
  • هل سيتماشى الحس الأخلاقي مع التطور العلمي أم سيحدث التواء في هذه الأبحاث للاستفادة منها لأهداف غير شرعية (كاستنساخ البشر).

 

نقلا عن "الدكتورة رحاب الصوّاف"
دكتوراه في الكيمياء الحيوية والتشخيص المخبري
Email: rsawaf@hotmail.com




مقالات مرتبطة