اغضب بكل قوتك: تقنيات إدارة الغضب عند الأطفال وفي مكان العمل

الغضب عاطفة إنسانية طبيعية يشعر بها الإنسان استجابة للمواقف الصعبة، وتحدث عديدٌ من هذه المواقف في مكان العمل، فتكون الخلافات أو التوتر بسبب أعباء العمل المفرطة أمراً شائعاً.



الغضب في العمل يمكن أن يضرَّ الشركة وموظفيها، ويؤدي إلى بيئة مؤسسية سامة ومشكلات صحية خطيرة مثل الاكتئاب وأمراض القلب والأرق والصداع الشديد الذي يؤدي إلى نقص الإنتاجية؛ لذلك من الهام أن تكون قادراً على معاملة الغضب عندما يبدأ.

كيف يتحقق ذلك؟ تحاول تقنيات إدارة الغضب تقليل المشاعر والإثارة الفيزيولوجية المرتبطة به التي تحدث في مواقف معينة، وسنتناول في هذا المقال شرح بعض تقنيات إدارة الغضب.

ما هي أهم تقنيات إدارة الغضب في مكان العمل؟

1. بناء ثقافة تُدير الغضب في مكان العمل:

لا تقتصر ثقافة الشركة الناجحة على عمل فرق من الموظفين والاعتراف بالإنجازات التي حققوها ودعمهم من الناحية النفسية والمادية، فلا مفر من بعض المشاعر في مكان العمل؛ لذلك من الهام الاعتراف بها عند ظهورها بدلاً من تركها تتفاقم.

إنَّ أفضل الشركات وأكثرها نجاحاً هي التي تدير الغضب في مكان العمل من خلال نهج منظم وشامل ومستمر، فتضع صحة كل موظف ورفاهيته في الحسبان، مع إجراء دورات إدارة الإجهاد والغضب للأفراد المعرضين، ويمكن للشركات أيضاً تحسين آليات التوظيف لديها من خلال انتقاء موظفين يتمتعون بسمات شخصية مناسبة، على الرغم من أنَّ هذا ليس مضموناً دائماً.

2. وضع الإجراءات التأديبية المناسبة:

يوجد في معظم المؤسسات موظفون يقاومون التغيير ولن يتأثروا على الإطلاق بزملائهم أو بالقوانين، وهذا هو السبب في أنَّه من الهام وضع إجراءات تأديبية مناسبة، ويجب أن تكون هذه الإجراءات منهجية وشاملة، لكن يجب أيضاً أن تكون عادلة؛ أي إنَّ كل موظف بصرف النظر عن الرتبة أو المسمى الوظيفي أو الأقدمية يجب أن يُحاسَب على أفعاله.

عندما يدرك الموظفون أنَّ لانفجاراتهم العاطفية عواقب فإنَّهم يصبحون أقل غضباً؛ فالعدالة ترسل رسالةً إلى الموظفين مفادُها أنَّه لا يوجد أحد فوق اللوم.

3. التدريب على التأمل:

على المستوى الفردي يمكن للموظف استخدام تقنيات التأمل الذهني لتحديد مصدر غضبه والابتعاد عنه؛ فعندما ندرك غضبنا فإنَّنا لا ننكره أو نقمعه أو نتجنبه؛ بل نواجهه، إضافة إلى ذلك لا نسمح له بالتحكم في قراراتنا التي غالباً ما تسبب ضرراً لنا أو لزملائنا.

عندما نكون في موقف عاطفي شديد يجب أن نستخدم اليقظة أولاً لندرك أنَّ الغضب بدأ يتحكم بنا، ومع ذلك نحن لا نؤجِّج نار غضبنا بأفكار تتعلق بكيفية تقليل الآخرين من شأننا أو ظلمهم لنا في الماضي، ولمنع الموقف من التصعيد تتطلب منَّا اليقظة أن نلفت انتباهنا إلى أجسادنا ومحيطنا المباشر، ويمكننا تحديد أجزاء الجسم التي تعاني أحاسيسَ محايدة أو حتى ممتعة اتجاهها، وتكرار العملية للمشاهد والأصوات من حولنا، فإذا اهتم الموظفون بهذه المحفزات لبضع دقائق فسيجدون أنَّ مشاعر الغضب تهدأ، سيكون معظمهم أيضاً أكثر استعداداً للمواقف المستقبلية.

شاهد بالفديو: 5 طرق للتعامل مع الغضب في العمل

4. زراعة التعاطف:

التعاطف هو القدرة على فهم ما يشعر به شخص آخر أو يعيشه، وهو مهارة ناعمة هامة تعزز العلاقات الصحية داخل مكان العمل وخارجه.

يساعد التعاطف المديرين على قيادة مرؤوسين من خلفيات وثقافات وخبرات أو أقسام مختلفة، ويمكن لأولئك الذين يمتلكون التعاطف أن يستجيبوا أحياناً للمواقف المجهدة برأفة ولين دون أن يخلقوا صراعاً بفرض إرادتهم على الآخرين.

يحمينا التعاطف أيضاً من أن نصبح منفعلين، وعندما يُوَجَّه غضب شخص آخر إلينا فإنَّنا لا نأخذ الأمر على محمل شخصي، في كثير من الحالات يمكننا أن نرى أنَّ الشخص الآخر يتصرَّف دون وعيٍ وفقاً لقضايا عميقة الجذور وسمات الشخصية بناءً على تجارب الماضي.

خمس جمل لتهدئة طفلك الغاضب:

تتطلب تهدئة الطفل الغاضب كثيراً من الدقة والتعاطف، يمكن أن تساعدك هذه الجمل الخمس البديلة على معاملة المواقف الصعبة على نحو أفضل، ويمكن أن يكون الأطفال مُرهقين، ومع ذلك فإنَّ مدى الصعوبة التي تواجهها مع طفلك لها علاقة كبيرة بكيفية معاملتك معه.

إليك كيفية التحدث مع طفلك الغاضب:

1. بدلاً من: "لا تصرخ هكذا":

جرب شيئاً مثل: "من الطبيعي أن تشعر بالغضب أحياناً، ما الذي يجعلك تشعر بتحسن الآن؟".

ربَّما تعرف ذلك بنفسك، لا شيء أسوأ من ألَّا تؤخذ مشاعرنا على محمل الجد، مجرد مطالبة طفلٍ يصرخُ بالتوقفِ عن الصراخِ لن يؤديَ إلَّا إلى العكس تماماً: سيشعر طفلُك بمزيدٍ من سوءِ الفهمِ وسيحاولُ جعلَ صوتِه مسموعاً بصوت أعلى، وقد يكون هذا متعباً للغاية، خصوصاً في مرحلة التحدي التي يمر بها الأطفال، بدلاً من ذلك يجب أن تستمع إلى مشاعر طفلك وتحاول أن تفهم سبب شعوره.

2. بدلاً من قول: "كيف تجرؤ على ضرب أختك؟":

جرب قول: "لا بأس أن تغضب؛ لكنَّ ضرب الآخرين لن يساعد، إنَّه فقط يجعل الآخرين حزينين".

اعترف بمشاعر أطفالك، وأخبرهم أنَّه لا بأس من الشعور بالغضب، ولكن اشرح لهم أنَّ ضرب الآخرين ليس جيداً، علِّم طفلَك أنَّ أفعاله لها عواقب ويمكن أن تؤذي مَنْ حولَه، هذه هي الطريقة التي تعزز بها تعاطف طفلك مع الآخرين.

3. بدلاً من: "توقَّفْ عن التذمُّر طوال الوقت":

جرب: "أنا أفهمك، هل لديك فكرة كيف يمكننا حل الأمر بصورة مختلفة؟"، فلا تكتفِ بتعليم طفلك أنَّه يمكن سماعه وأنَّك تهتم بآرائه؛ لكنَّك يجب أن تعلمه تحمل مسؤولية وضعه.

4. بدلاً من: "كم مرة يجب أن أقول هذا؟":

جرب: "يبدو أنَّك لم تسمعني في المرة الأولى؛ لذا هل يمكنُكَ تكرار ما قلتُه حتى نكون على وفاق؟".

السماح لطفلك بتكرار ما قلتَه سيساعدُه على حفظ رسالتك، ففي الجملة الأخيرة تؤكد على أنَّكما على الجانب نفسه وأنَّ الطفل لا يُدانُ وحده.

5. بدلاً من: "أنا لا أرغب في الجدال معك الآن":

جرب: "لديَّ كثيرٌ من الأشياء التي يجب أن أخطِّط لها، سأجلس على الأريكة لمدة خمس دقائق وأحاول فقط أن أتنفَّس بعمق، هل تريد الانضمام؟".

هذه هي الطريقة التي تُعلِّم بها طفلك أنَّه لا بأس في التحدث عن المشاعر، وأنَّه يحتاج إلى وقت مستقطع، فأنت أيضاً تشرك الصغار في استراحتك وتجعلها مرحة.

إقرأ أيضاً: نوبات الغضب عند الأطفال: أسبابها، وأعراضها، وكيفية التعامل معها

الغضب يعادل الاهتمام:

في الواقع يجب على المراهقين عدم تجاهل المشاعر العنيفة أو الغاضبة؛ بل يجب العيش معها، على الأقل بمساعدة غضبهم يتمكن كثيرون من الانفصال عن والديهم وبدء حياة مستقلة.

يمكن تفسير الغضب في البيئة الأسرية على أنَّه تعبير مشوَّه عن المودة العميقة، فإذا كان الآباء والأطفال غير مبالين فلن يتفاعلوا بعنف أو غضب مع بعضهم.

الأمر نفسه ينطبق على العلاقات عندما يتشاجر شخصان بالغان؛ فغضبهما يرمز إلى أنَّهما ما يزالان يهتمَّان ببعضهما، وبشأن التغييرات في العلاقة يمكن للمرء أيضاً أن يفهم الغضب على أنَّه انجذاب نحو الشريك.

شاهد بالفديو: كيف تجعل الغضب حليفك

الغضب بوصفه وسيلة لتحصيل الحقوق:

لطالما كان الاحتجاج الغاضب وسيلة للرد على الاضطهاد، فقد تظاهر الأمريكيون ضدَّ عنفِ الشرطةِ في الولايات المتحدة بعد وفاة جورج فلويد، وحدثت العديد من التغيُّرات السياسية الجذرية؛ فقط لأنَّ المواطنين طالبوا بها بصوت عالٍ وعبروا عن غضبهم؛ على سبيل المثال إنهاء سياسة الفصل العنصري أو نزع السلاح المدمر أو التخلص التدريجي من الطاقة النووية.

إنَّ ما يسمى بـ "غضب الشعب" له دائماً جانب مضيء وجانب مظلم؛ فهو من ناحيةٍ محركٌ لتغيُّرات هامَّة، ومن ناحيةٍ أخرى عاملٌ ملزمٌ وأداةٌ للجماهير، ونظراً لأنَّ الغضب عامل قوي في إثارة الناس فإنَّ خطر قيامه بتغذية السلوك غير العقلاني واردٌ جداً؛ لذا من الهام أن تكون على دراية بهذا التناقض؛ أي التعبير عن الغضب، ولكن عدم السماح له بالسيطرة عليك.

إقرأ أيضاً: ماهي المشاكل التي يسببها الغضب؟ وماهي طرق التخلص منه؟

الغضب يساعدنا على وضع الحدود:

كيف يعمل هذا؟ يقول الخبراء إنَّ معاملة الغضب أمرٌ فرديٌّ - في كلٍّ من السياق الاجتماعي والشخصي – يجب على كل شخص أن يجد طريقته الخاصة في معاملة الغضب بمسؤولية؛ كيف أعامل النقد؟ هل سبق لي أن أُصِبت بنوبة غضب؟ أم أنَّني أقوم بقمع الغضب كثيراً؟

يجب على كابت الغضب الذي يتصرف بهدوء لمصلحة الآخرين - وفقاً لنصيحةِ الخبراء - أن يعترف أولاً بغضبه، وأن يتعلم توضيح ما يزعجه، ومن ناحية أخرى يمكن أن يتعلم المتهورون المعرضون للخوف والمبالغة في رد الفعل تقنيات تساعدهم على أن يكونوا أكثر واقعية وتحكماً في النفس؛ على سبيل المثال من خلال الانسحاب من مواقف معينة أو استخدام طرائق خاصة لصقل وعيهم الذاتي.

كان المحامي والفيلسوف "ميشيل دي مونتين" الذي عاش في فرنسا في القرن السادس عشر يقول: "ينبغي على المرء التعبير عن الغضب باعتدال، وقبل كل شيء، يجب أن يُعبِّر عن الغضب من بدايته".

أوضح مونتين: "عندما أغضب أفعل ذلك بكل قوتي؛ لكنَّني أحاول أن أجعله قصيراً وفي أضيق دائرة".

في الختام:

يوجد جدل واسع يكتنف مفهوم الغضب، لكن يتفق العلماء على أمر واحد؛ وهو أنَّنا لا ينبغي أن نقلل من شأن غضبنا، حتى لو كان يزعجنا أو يزعج الآخرين أحياناً.




مقالات مرتبطة