اضطراب الشخصية الاجتنابي: تعريفه، أعراضه، صفاته، أسبابه، وطرق علاجه

يُعدُّ اضطراب الشخصية التجنُّبيَّة أحد أهمِّ اضطرابات الشخصية التي ترتبط بالتفاعُل بين الأفراد، وواحداً من أقلِّ أنواع اضطرابات الشخصية انتشاراً، وغالباً ما يُعاني صاحبه في حياته الاجتماعية من فرط الحساسية للرفض، والشعور المستمر بعدم الملاءمة والانسجام مع الآخرين.



فما هو اضطراب الشخصية الاجتنابية؟ وما أعراضه؟ وما صفات حامله؟ وكيف يمكن علاجها؟ تابعوا معنا المقال التالي للإجابة عن هذه التساؤلات.

ما هو اضطراب الشخصية الاجتنابية؟

يُعَدُّ اضطراب الشخصية الاجتنابية أو التجنُّبية (Avoidant personality disorder) واحداً من اضطرابات الشخصية المميزة الذي أدرجه الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية والنفسية في العدد الخامس (DSM5) من اضطرابات الشخصية.

يُعرَّف اضطراب الشخصية التجنُّبيَّة على أنَّه نمط ثابت من الحرمان الاجتماعي، ومشاعر النقص وعدم الكفاءة، والخوف من التقييم السلبي؛ والذي يبدأ منذ مرحلة البلوغ المبكِّر.

تتسبَّب اضطرابات الشخصية التجنُّبيَّة عموماً بمشكلات كبيرة للشخص المُصَاب، والتي تؤثِّر في قدرته على التفاعل مع الآخرين، والحفاظ على العلاقات في حياته اليومية.

أعراض اضطراب الشخصية الاجتنابية:

وفقاً للدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات العقلية والنفسية، فإنَّ هناك مجموعة من الأعراض التي تُمكِّن من تشخيص اضطراب الشخصية التجنُّبيَّة، والذي يُستَدَل عليه بأربعةٍ أو أكثر من المظاهر أو الأعراض الآتية:

  • يتجنَّب المُصاب بهذا الاضطراب النشاطات المهنية التي تتطلَّب احتكاكاً كبيراً مع الآخرين؛ وذلك بسبب الخوف من الانتقاد، أو عدم الاستحسان، أو الرفض.
  • يرفض الانخراط مع الناس ما لم يكن متيقِّناً من أنَّه سيكون محبوباً.
  • يُبدِي تقيُّداً في العلاقات الحميمة بسبب الخوف من أن يكون موضع سخرية وخزي.
  • ينشغل بكونه موضع انتقاد أو رفض في المواقف الاجتماعية.
  • يتثبَّط في المواقف الجديدة مع الناس بسبب الخوف من عدم الكفاءة.
  • ينظر إلى نفسه على أنَّه غير كُفُؤ اجتماعياً، وغير جذَّاب شخصياً، أو أقل شأناً من الآخرين.
  • يتردد بصورة غير عادية في تعريض نفسه إلى المجازفات أو الانخراط في أنشطة جديدة؛ ذلك لأنَّها قد تُظهِر الارتباك والخجل.

صفات الشخصية التجنُّبيَّة:

تتميَّز الشخصية التجنُّبية بالابتعاد عن الآخرين والتوتُّر الزائد المرتبط بوجودهم، واللجوء إلى العزلة لتجنُّب هذا التوتر، والحاجة الداخلية لوضع مسافات بينها وبين الآخرين، ومحاولة إحاطة نفسها بما يشبه دائرة سحرية لا يستطيع أحد اقتحامها؛ وبالتالي تتجه كلُّ الصفات التي تكتسبها وكلُّ حاجاتها نحو الهدف الأساسي، وهو عدم التورُّط أو الاندماج مع الآخرين.

كما يُعدُّ ازدراء الذات من السمات التي تُميِّز هذا النمط من الشخصيات، والذي ينتج من الشكوك العميقة تجاه الذات، وتؤدِّي إلى الشك في الآخرين؛ ممَّا يجعل الفرد غير قادر على تقبُّل ذاته كما هي عليه، وغير قادر على الاعتقاد بأنَّ الآخرين يتقبَّلونه كما هو عليه بكلِّ عيوبه ومزاياه، بل يعتقد أنَّهم يحتقرونه بدلاً من أن يحترموه.

رغم ذلك، يمكن أن تتصف الشخصية التجنُّبيَّة بعددٍ من المميزات والصِفات، ومنها:

  • الهدوء والتأمل.
  • مُحافظ ومُعتَزِل، إلَّا بالنسبة إلى المقربين من حوله.
  • الميل الى التخطيط لتجنُّب الفشل والأخطاء.
  • غير مُندَفِع.
  • يُعتَمَد عليه.
  • يُعطي أهمية للمعايير الأخلاقية.
  • نَظَرِي، ومثالي، وصاحب ضمير يقظ.
  • مُمعِن في التفكير، وذو خيال واسع.

أسباب اضطراب الشخصية التجنُّبيَّة:

لا يعرف الباحثون ما الذي يُسبِّب هذا الاضطراب، ولكن هُنالك العديد من النظريات التي تُرجِعه إلى عدة عوامل منها:

  • عوامل وراثية: حيث تزيد نشأة الطفل في عائلة لديها تاريخ مع اضطرابات الشخصية من استعداده لحمل عوامل وأسباب تجعله عرضة إلى المرض.
  • عوامل اجتماعية: مثل: افتقاد الطفل للرعاية وتلبية حاجاته العاطفية من قِبَل أحد الوالدين أو كليهما في مرحلة الطفولة، أو حتَّى تعرُّضه في المدرسة إلى التنمُّر بمختلف أشكاله، والذي قد يؤدِّي إلى تطوُّر هذا الاضطراب.
  • عوامل نفسية: تتعلق بشخصية الطفل ومزاجه، واللذان يتشكَّلان حسب محيطه وقدرته على التكيف مع الضغط.
  • عوامل مرضية: مثل: تعرُّض الطفل إلى مرض مُزمِن في سنٍّ مبكرة أو في سنِّ المراهقة، أو قلَّة هرمونات الذكورة في حال كان ذكراً، أو زيادتها في حال كانت أنثى؛ ما يُعرِّضه إلى الحرج والتجنُّب الاجتماعي.

اضطراب الشخصية الاجتنابية والرهاب الاجتماعي:

نشأ في الماضي جدل حول العلاقة بين اضطراب الشخصية التجنُّبيَّة والرهاب الاجتماعي، وهل هما مفهوم واحد أم مفهومان مختلفان؛ نظراً إلى كونهما يشتركان في الأسباب ذاتها، وفي كثير من المعايير التشخيصية.

تشير بعض الدراسات إلى معاناة الأشخاص المُصَابين باضطراب الشخصية الاجتنابية ممَّا يُسمَّى بـ (الرهاب الاجتماعي) عموماً؛ فهم يراقبون ردَّات فعلهم بحذرٍ شديد خلال تفاعلاتهم الاجتماعية، إلَّا أنَّهم -وعلى خلاف الأشخاص المُصَابين بالرهاب الاجتماعي- يُراقبون أيضاً بحذرٍ شديد ردَّات فعل الأشخاص الذين يتعاملون معهم؛ وتُسبِّب لهم هذه المُراقبة التوتُّر الشديد، والتي تُفسِّر صعوبة تكلُّمهم بطلاقة وقلَّة كلامهم، لكونهم مشغولين دائماً بمراقبة أنفسهم.

إقرأ أيضاً: 5 علامات تدل على الإصابة باضطرابات الشخصيّة

الشخصية التجنُّبيَّة عند الاطفال:

رغم احتمالية ظهور السلوك المُتجنِّب لدى الأطفال أو المراهقين، إلَّا أنَّه لا يمكن إجراء تشخيص لاضطراب الشخصية في مرحلة الطفولة؛ بسبب كون الخجل أو الخوف من الغرباء أو الإحراج الاجتماعي أو الحساسية للنقد غالباً ما تكون جزءاً طبيعياً من نمو الأطفال والمراهقين.

يمكنك اتخاذ الإجراءات الآتية في حال لاحظت بعض أعراض الشخصية التجنُّبيَّة على طفلك:

  • ساعد طفلك على غرس ثقته بنفسه، وشجِّعه على التعامُل مع الآخرين.
  • اجعل طفلك ينخرط في ألعاب جماعية تعتمد على مُساعدة الآخرين.
  • درِّب طفلك على المهارات الاجتماعية، ومنها: مهارة الاتصال الجيد مع الآخرين.
  • لا مانع من اللجوء إلى المعالجة النفسية الهادفة لتقليل حدة الخوف لديه.
  • العلاج الجماعي لدى مُتخصِّصين في هذا المجال.

الشخصية التجنبية والزواج:

غالباً ما يؤثر اضطراب الشخصية الاجتنابية في العلاقات الاجتماعية، ولاسيما العلاقات الحميمية مثل: الزواج، أو الحب، والارتباط.

في حال كنت مقبلاً على الزواج وتقلق من أن يكون الشريك يُعاني من اضطراب الشخصية التجنُّبيَّة أو غيرها من الاضطرابات الشخصية، فحاول أولاً أن تفهم طبيعة تلك الشخصية، وتعرَّف على الاضطراب بشكلٍ كامل؛ ومن ثمَّ خُذ قرارك على هذا الأساس، واسأل نفسك: "هل أنا قادر على تحمُّل هذه الشخصية بكلِّ ما فيها من عيوب وطريقة تفكير وأسلوب في الحياة؟".

قد يجد الكثير من الأشخاص صعوبةً في التعايش مع الشخصية التجنُّبيَّة، والتي قد تتسبَّب بالكثير من المتاعب والمشكلات، وبصعوبة بالغة من ناحية الحياة الاجتماعية تتجاوز خجل الشخص العادي لتصل إلى تحفُّظ في الكلام، واقتضاب في التعامُل مع الآخرين، وضيق المعارف الاجتماعية.

أمَّا في حال كُنت قد تزوَّجت أصلاً من شخصية تجنبية، فحاول جاهداً أن تُقنِع الشريك بضرورة الذهاب إلى مُعالج نفسي، وتحدَّث معه عن قلقك عليه بدلاً من تقييمه سلباً، لكي يشعر كلاكما بأنَّكما أكثر قرباً وأماناً.

قد تجد في التحدُّث عن مشاعرك تجاه شريكك المتجنب بعض الصعوبة، إلَّا أنَّه أمرٌ هام؛ ذلك لأنَّ امتناعك عن الكلام مع المتجنِّب وانسحابك من العلاقة يُعزِّز لديه الشعور باحتقار الذات، وبأنَّه غير كافٍ لك.

الشخصية التجنبية وعلاجها:

غالباً ما يأخذ العلاج النفسي لهذا النوع من الاضطرابات وقتاً طويلاً، وعادةً ما يُلجَأ إلى استعمال الأدوية عند وجود أعراض مُعينة قد تؤثِّر في حياة الشخص أو إنتاجيته فقط، وعادةً ما يُستَخدَم العلاج السلوكي المعرفي وجلسات العلاج النفسي والعلاج الجماعي والتدريب على بعض المهارات الحياتية، والتي تُعدُّ أساليب فعَّالة وناجحة.

وأخيراً، يَستَهدِف علاج اضطراب الشخصية الاجتنابية تقليل الأعراض وتعزيز سلوك المواجهة، ويعني ذلك بقاء بعض مظاهر الاضطراب، خاصَّةً الخجل العام؛ إلَّا أنَّ العلاج من شأنه أن يُقلِّص الرغبة بالهروب وتجنُّب المواجهة، وأن يُساعد المريض على الاندماج وانتهاج آليات تكيف جديدة تزيد من كفاءته الاجتماعية واستقراره النفسي.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7




مقالات مرتبطة