استراتيجيات لتجاوز العزلة التي يسببها الاختلاف عن الآخرين

كتب الكاتب الأمريكي بن كاسنوشا (Ben Casnocha) مقالاً رائعاً بعنوان "الحياة المتفردة وتحدي الوحدة" (Unconventional Lives and the Challenge of Loneliness)؛ إذ ناقش فيها مشكلةً شائعة يقع فيها المرء عند محاولة التحرر من سيطرة الجمهور وهي: الوحدة، وكما نشر الكاتب الأمريكي كريس غيلبو (Chris Guillebeau) ملاحظاتٍ مماثلة عن حياة السفر المستمر حول العالم في كتابه فن عدم الامتثال (The Art of Nonconformity).



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب سكوت إتش يونغ (Scott H Young)، ويخبرنا فيه عن تجربته في عيش حياة غير تقليدية.

هل الوحدة هي الثمن الذي يجب أن تدفعه مقابل الجرأة في أن تكون مختلفاً؟

المسار الوحيد:

أنا شخص نباتي منذ ما يقرب من أربع سنوات، والمثير للدهشة أنَّ الجزء الأسهل في كونك نباتيَّاً كان عدم أكل اللحوم، وعلى النقض من ذلك أشعر أنَّني اكتسبت فوائد صحيَّة وطاقة من هذا النظام الغذائي، وإذا كان لا بُدَّ من أن أجيب عن السؤال الذي لا مفر من أن يطرحه الناس علي عن الافتقاد إلى اللحوم، يمكنني الإجابة بصراحة الآن، إنَّني لا أفتقد أكل اللحوم.

لم يعد الجزء الأصعب في كوني شخصاً نباتيَّاً هو التأقلم، فغالباً ما يكون تناول الطعام حدثاً جماعياً، وطلب طعام مغاير، حتى لو كان بنفس القدر من الرضى من حيث مستوى التذوق، غالباً ما يبعدني عن الجماعة.

فمثلاً سبع شطائر من الهامبرغر وشطيرة برغر نباتية واحدة في حفلة شواء، لا تُعبِّر عن موقفٍ غذائي بقدر ما تعبر عن موقفٍ اجتماعي، وسيُنظَر إلى الموقف بالقول: "ثمَّة سبعة أشخاص متشابهين، وواحد مختلف ووحيد".

أعتقد في النهاية اعتقاداً راسخاً أنَّ قراري يستحق العناء، والدليل على أنَّ النظام الغذائي الذي لا يتضمن أكل اللحوم هو أكثر صحة من النظام الغذائي النموذجي في أمريكا الشمالية (North American) دليلٌ دامغ، وأيضاً بصرف النظر عن أي شيءٍ، أُفضل تناول الطعام بطريقة يكون لها تداعيات بيئيَّة أو أخلاقيَّة أقل.

لكن يسلِّط قراري هذا الضوء على خيار هام، يجب على أي شخص يفكر في أن يتبع مساراً مختلفاً أن يتخذه، فغالباً ما يكون المسار غير التقليدي، بحكم تعريفه، المسار الأكثر وحدة، وبدلاً من الانسجام مع المجموعة ببساطة ستنفرد بنفسك، وبدلاً من أن تكون مرتاحاً في الوسط ومحاطاً بالجميع، ستكون في حالة من العزلة التامة.

السير وحيداً في الطريق غير التقليدي:

ليس بالضرورة أن يكون المسار التقليدي أكثر أماناً أو أكثر متعة؛ فإذا كنت أحد عمَّال السيارات الذين فقدوا وظيفتهم مع العديد من أصدقائك، فربما لم يكن اختيارك المهني آمناً بشكل خاص، وكونك سُرِّحْتَ من العمل هو أمرٌ غير سار بالتأكيد.

لكن ما يقدمه المسار التقليدي هو مجتمع متكافئ؛ فإذا سُرِّحْتَ لديك احتمالاتٍ أن يكون لديك أصدقاء وأفراد آخرون من العائلة ممن تأثروا لما حدث معك، وعلى الأقل في أحلك الأوقات لم تكن وحيداً.

قارن ذلك مع شخص يعمل في شركة ناشئة أو مشروع صغير يتهاوى؛ فقد لا يكون لدى هذا الشخص العديد من الأصدقاء الذين يمرُّون بنفس التحدي؛ لذا يترافق الفشل مع شعور الوحدة.

يقاوم معظم الناس الحياة غير التقليدية على أساس أنَّها أقل أماناً، لكنَّني أعتقد أنَّ هذا الشعور مزيف، فبعض العيشات غير التقليديَّة غير آمنة، لكنَّ كثيراً منها أكثر أماناً من اتباع الناس، وتقدر بعض التقارير أنَّ 10-20% من الناس يخططون لكسب اليانصيب ليدعمهم عند التقاعد، واتباع هذا النهج أمرٌ خطير بصراحة.

أعتقد أنَّ السبب الحقيقي الذي يجعل الناس يتجنبون الحياة غير التقليدية، هو أنَّهم لا يريدون المغامرة بأن يعيشوا حالة العزلة المحتملة التي يمكن أن تنتج عن ذلك، فحتى لو قيل إنَّ التدخين سيؤدي إلى وفاة مبكرة ومؤلمة، فسيستمر معظم الناس في التدخين إذا فعل كل من حولهم ذلك، والحاجة إلى التواصل وتجنب العزلة سبباً قوياً، وفي بعض الأحيان تكون أكبر من غريزة البقاء على قيد الحياة.

التواصل مع الآخرين الطريق الوحيد:

لا أريد أن أكون متشائماً، لكن أعتقد أنَّ أي شخص قد قرأ هذا المقال لأي مدة من الزمن سيوافق على الأرجح على أنَّني أؤيِّد بكلِّ إخلاص أسلوب الحياة غير التقليدي.

القراءة السريعة والتعلُّم الشامل والحياة النباتيَّة وريادة الأعمال الصغيرة والسفر حول العالم ليست سوى عدد قليل من السمات غير التقليديَّة التي تبنيتها، وأنا متأكد من أنَّه سيكون لدي المزيد في المستقبل.

لكنَّني أعتقد أيضاً أنَّك إذا اخترت حياةً غير تقليدية، فأنت بحاجة إلى استثمار المزيد من الوقت في التواصل مع الآخرين، وإذا اخترت المسار التقليدي الآمن لعملك وعلاقاتك وحياتك وهواياتك، فربما يمكنك الوصول إليه بمجرد التواصل مع الأشخاص المحيطين بك؛ فعادةً لا يستطيع الأشخاص غير التقليديين فعل ذلك؛ إذ إنَّك تحتاج إلى شبكة أوسع للعثور على أشخاص يمكنك التواصل معهم حقاً.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح لتطوير مهارة التواصل الفعّال

إليك فيما يأتي بعض الآثار التي ترتبت على ذلك في حياتي الخاصة:

1. تكوين صداقات من جميع أنحاء العالم:

لدي العديد من الأصدقاء المحليين، لكنَّني أيضاً أقوم بتنمية كثير من الصداقات عبر الإنترنت، وفي الغالب مع أشخاص من جميع أنحاء العالم؛ فأنا أميل للتحدث مع أشخاص آخرين يشاركونني مزيج اهتماماتي الانتقائي، قد يكون من الصعب أن نجتمع جميعنا في مكانٍ واحد، لكن يسمح لي هذا الأسلوب بالتواصل مع الأشخاص البعيدين.

تعدُّ أفضل طريقة للتواصل مع الناس هي إرسال بريد إلكتروني إليهم؛ فإذا لم تكن تعرف وسيلة تواصل مشتركة أخرى يمكنك من خلالها التعرف إليهم، فغالباً ما تجدي هذه الطريقة نفعاً، ويسهل التعرُّف إلى المدوُّنين أو مستخدمي منصة تويتر (Twitter)؛ إذ يمكنك معرفة القليل عن اهتماماتهم من خلال كتاباتهم؛ ومع ذلك فقد تمكنتُ أيضاً من تكوين صداقات رائعة من خلال المنتديات والوسائل الأخرى عبر الإنترنت.

لا أعتقد أنَّه يجب عليك أن تبحث عن معظم علاقاتك عبر الإنترنت؛ إذ لا تتمتع بنفس عمق التفاعلات وجهاً لوجه، لكنَّني أعتقد أنَّه مفيد لتوسيع شبكة علاقاتك، ولتعرف أنَّك لست وحدك في العالم.

لو كنت أعتمد فقط على أصدقائي الذين أتواصل معهم وجهاً لوجه لأنال التشجيع، فربما لم أكن لأبدأ هذه المدوَّنة أو النشاط التجاري مطلقاً؛ فقد كان أصدقائي عبر الإنترنت هم الذين شاركوا شغفي وأهدافي التي شجعتني حقاً من خلال مشاركة قصصهم الخاصَّة.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح تساعدك على تكوين صداقات جديدة

2. التواصل مع الآخرين حتى لو لم تكن ترغب في ذلك:

لا يمكنك أن تكون خجولاً؛ فإذا كنت خجولاً، أنت بحاجة إلى تدريب نفسك على التعرف إلى أشخاص جدد، وكونك مميزاً يعني أنَّك إذا كنت تتواصل فقط مع الأشخاص الذين يطرقون بابك، فستفوتك علاقاتٍ رائعة حقاً.

أعتقد أنَّه من بين كل 200 شخص أقابلهم، توجد علاقة جيدة، ومن بين 1000 شخص ثمَّة شخص واحد يمكن أن يكون صديقاً جيداً، فمع هذا النوع من الاحتمالات، أحتاج إلى تذكير نفسي بعدم الانعزال في المنزل.

على الرَّغم من اعتقادي أنَّ مقابلة الناس هي لعبة أرقام - إذا قابلت المزيد من الأشخاص، تزداد احتمالية وجود تطابق أفضل - إلَّا أنَّني لا أظن أنَّ نفس المنطق قد يُتَّبع عند بناء العلاقات، فبمجرد أن تقرر أنَّك معجب بشخص ما وتشاركه اهتمامات متعددة، فمن الهام بناء تلك العلاقة.

للاستمرار في اتباع منطق (بن) في المقال المذكور آنفاً، كان من الأفضل أن يكون لدي علاقة واحدة قوية بدلاً من عشرة علاقات ثانوية؛ إذ سيفعل أحد الأصدقاء المقربين جداً منك كثيراً لحمايتك من الوحدة ما لا يمكن أن تفعله إحاطة نفسك بحشدٍ من الزملاء.

3. بناء شخصية قويَّة:

لا أعتقد أنَّ المسار غير التقليدي يجب أن يكون أكثر وحدة من المسار التقليدي؛ فببساطة إنَّ العثور على علاقات عندما تتحدى الصورة النمطيَّة يكون أكثر صعوبة، وإذا جعلْتَ التواصل مع أشخاص آخرين أولوية بالنسبة إليك، فما يزال بإمكانك أن تكون مختلفاً دون أن تشعر بالعزلة.

مع ذلك توجد دائماً فجواتٍ في الحياة غير التقليدية لا تُسَدُّ على الفور، كما توجد فجوات في الحياة التقليدية أيضاً، لكنَّني أعتقد أنَّه عندما تجعل من اتباع القطيع أولوية، فإنَّ هذه الفجوات تكون أقل؛ إذ يعدُّ التعامل مع الشعور بالوحدة المؤقتة تحديَّاً مرتبطاً بعيش حياة غير تقليديَّة، حاله حال أيَّة عقبة أخرى في الحياة.

إقرأ أيضاً: 8 أسس لبناء شخصية قوية

في الختام:

سأغادر إلى فرنسا في غضون أسبوع واحد، وأنا متأكد من إمكانيَّة بناء علاقات جديدة، إلا أنَّني لا أعرف سوى عدد قليل من الأشخاص في دائرة نصف قطرها 800 كيلو متر؛ فهل الوحدة المؤقتة تستحق المغامرة؟ بالطبع وبكل تأكيد، لكنَّها تضحية، ومثلما تكون الشخص النباتي الوحيد في حفلة الشواء، عليك أن تختار هذه الوحدة.

المصدر




مقالات مرتبطة