استراتيجيات التعليم عن بُعد

ارتكز التعليم منذ بدايته على العلاقة المباشرة التي تربط المعلم بطلابه فيشترط عليهم الوجود جسدياً في نفس المكان والزمان، والأسلوب الأشهر للتعليم التقليدي هو الإلقاء الخطابي "المحاضرة"؛ إذ يقوم المدرس بإيصال الأفكار الأساسية بطريقة مفهومة ومنظمة، ومن ثم التعب المترتِّب على الطالب يصبح أقل، وكلَّما كان أسلوب المدرس أجمل في الإلقاء أصبحت محاضرته أكثر تشويقاً.



للتعليم التقليدي ميزة هامة أيضاً وهي وجود الطلاب معاً وتقديم الدعم ومساعدة بعضهم بعضاً، فالكثير من الطلاب لديهم خوف أو خجل من التحدث إلى المعلم والاستفسار عن الأفكار غير المفهومة بالنسبة إليهم، لذلك يمكنهم التحدث إلى زملائهم والتعلم بمساعدتهم، لكن في نهاية السبعينيات ظهرت فكرة جديدة للتعليم بواسطة الجامعات الأمريكية والأوروبية وهي التعليم عن بُعد؛ وذلك بالاعتماد على وسائل الاتصال المتعددة الذي تمكِّن الطالب من تلقي الدروس على الرغم من المسافات الكبيرة التي تفصله عن المعلم وعن زملائه.

هذا ساهم في إنشاء فرص تعليمية لمن لم يستطع استكمال تعليمه التقليدي أو من يعمل ولا يستطيع التفرغ والذهاب إلى الجامعة أو من يريد الالتحاق بجامعة معينة ولا يستطيع دفع تكاليف السفر إليها، ومن ثم أصبح التعليم عن بُعد هاماً جداً مع مرور الوقت، لذلك من الضروري فهم الاستراتيجيات التي يعمل بها، وفيما يأتي سنوضح لك مختلف استراتيجيات التعليم عن بُعد.

أنواع التعليم عن بُعد:

ينقسم التعليم عن بُعد إلى نوعين أساسيين كما يأتي:

1. التعليم المتزامن:

يشبه هذا النوع من التعليم عن بُعد التعليم التقليدي؛ إذ يفترض وجود اتصال مباشر بين المعلم والمتعلم باستخدام تقنيات التواصل الحديثة بحيث يتم تلقي المعلومات في أوقات محددة ومتفق عليها سابقاً، لذلك يعد هذا النوع غير مرن بما فيه الكفاية؛ وذلك لأنَّه لا يعطي الطالب الحرية الكافية في التعلم.

2. التعليم غير المتزامن:

يعد أكثر الأنواع مرونة بالنسبة إلى المعلم والمتعلم؛ وذلك لأنَّه لا يفرض وجود اتصال مباشر بينهما، فيمكن للطالب الدراسة بالسرعة التي يرغب بها، وبنفس الوقت يمكنه التفاعل مع زملائه.

استراتيجيات التعليم عن بُعد:

للتعليم عن بُعد العديد من الاستراتيجيات وأشهرها ما يأتي:

1. استراتيجية التعليم المبرمج:

في هذه الطريقة من التعليم عن بُعد يتم التعليم بواسطة برامج تعليمية تفاعلية مجانية؛ إذ يتم تقسيم المقرر الدراسي إلى أقسام صغيرة مسبقة التصميم، وتوجد على هيئة صفحات متتالية ومترابطة مع بعضها بعضاً، ويتم الانتقال من قسم إلى آخر بعد الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المتعلقة فيه يطرحها البرنامج.

هذه الطريقة تتيح التعليم بشكل غير متزامن، ومن ثم يمكن للطالب الوصول إلى المحتوى التعليمي في أي وقت يريده، كما يمكن للطالب أن يسير في المنهاج وفق قدراته، وتتم مراعاة تصميم عناصر التعليم المبرمج كي تتوافق مع مختلف الأجهزة التي يستخدمها المتعلم؛ إذ يمكنه استخدام جهاز الحاسوب أو الأجهزة الذكية والهواتف المحمولة.

2. استراتيجية المحاضرات الإلكترونية:

في طريقة المحاضرات الإلكترونية يحصل المتعلم على المعلومات المتعلقة بالمادة وما شابه ذلك؛ من خلال المدرس الذي يقوم بشرحها فتصل إلى الطالب على شكل صوت أو فيديو فيقوم بدوره بتحميلها ومشاهدتها في الوقت المناسب له وإعادة المشاهدة أكثر من مرة لمراجعة المعلومات.

قد تكون المحاضرة مباشرة؛ إذ يقوم المدرس بإلقاء المحاضرة مباشرة عبر اتصال فيديو ويستخدم خلال شرحه شاشات العرض أو السبورة لتصبح المحاضرة أكثر فائدة، كما يمكن أن يوجه الأسئلة للطلبة ممن يحضرون المحاضرة، وحتى يمكن الإجابة عن أسئلة الطلبة إن أراد.

تعد هذه الاستراتيجية عصب التعليم عن بُعد كونها تتسم بالراحة والأمن الذي يوفره نظام إدارة التعلم عن بُعد؛ إذ يتم إرسال إيميل بواسطة البريد الإلكتروني لكافة الطلاب المتعلمين يحتوي على رابط المحاضرة، فيتم الدخول إلى المحاضرة بواسطة اسم المتعلم وكلمة المرور المعتمدة من قِبل إدارة التعلم عن بُعد.

شاهد بالفيديو: أفضل 8 استراتيجيات تعلم نشط للناس المشغولين

3. استراتيجية المناقشات الإلكترونية:

تسمح استراتيجية المناقشات الإلكترونية بالتفاعل بين المعلم والمتعلمين أو بين المتعلمين فيما بينهم؛ إذ يحدد المدرس موضوعات النقاش ويضعها على منتديات النقاش، ويتمكَّن المتعلمون من المشاركة فيها خلال حقبة زمنية محددة، لذلك تعد استراتيجية المناقشات الإلكترونية من أدوات التعليم عن بُعد غير المتزامنة.

تتم مراجعة المناقشات بصفة دورية وتقييم جميع آراء الطلاب المتعلمين بشكل آلي أو بواسطة المعلم المشرف على النقاش، فقد تكون تلك النقاشات تلقينية باستخدام أسلوب السؤال والجواب، أو جدلية بطرح مشكلة جدلية والنقاش بشأن حلها، أو جماعية حرة بالنقاش بموضوع يهم جميع أفراد المجموعة المتعلمة.

لكنَّ مختلف الأنواع من المناقشات الإلكترونية تساهم في تدريب المتعلمين على التحاور وطرائق التفكير السليمة؛ وذلك لأنَّ النقاش غير مقيد بمكان محدد، ومن ثم توجد حرية في إبداء الرأي بشأن موضوع النقاش المطروح، ويمكن تسجيل المناقشات الهامة بعد تنقيحها، ومن ثم إضافتها بوصفها مصدراً تعليمياً أو مرجعاً يستفيد منه الطلاب فيما بعد.

4. استراتيجية مجموعات العمل:

هنا يمكن للمتعلمين التعاون والعمل الجماعي من أجل تحقيق هدف تعليمي موحد مثل مراجعة الدروس أو إجراء أبحاث علمية أو كتابة تقارير؛ إذ يتم تقسيمهم إلى مجموعات عدة صغيرة، ودور المعلم هو المراقبة والإشراف على عملهم دون أي تدخُّل، مع الحرص على تبادل الأدوار فيما بينهم بحسب قدرة كل فرد منهم، وهذا يكسبهم مزيداً من الخبرات؛ إذ يوجد العديد من الأدوار كدور القائد ودور الباحث ودور المستشار.

إقرأ أيضاً: أفضل الجامعات المعتمدة في التعليم عن بعد

أيضاً هذه الاستراتيجية تشجع المتعلمين على إجراء الحوارات المفيدة بشأن موضوعات تعليمية، وطرائق التواصل بين الطلاب متعددة، فيمكنهم التواصل بواسطة البريد الإلكتروني أو الإنترنت بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن ثم وبعد تقييم العمل يقوم المعلم أو المشرف بإبراز المجموعات التي تميزت بالعمل الجماعي بهدف تشجيع باقي المجموعات على العمل الجدي.

5. استراتيجية التعليم المقلوب:

تعتمد هذه الاستراتيجية على شبكة الإنترنت وسرعتها اعتماداً رئيساً، ويتم فيها عكس الترتيب التقليدي لوقت الفصل الدراسي، وهذا يجعل الفصول الدراسية أكثر جاذبية ومشاركة أيضاً، لكن هنا المتعلم هو أكثر مسؤولية عن تعلمه، فعملية التعليم متمحورة حوله بشكل رئيس؛ إذ يتم طرح أسئلة تقييم في نهاية الفصل الدراسي لتقييم المتعلمين بشكل موضوعي وللتحقق من وصول المعلومات إلى المتعلمين وبشكل مكتمل.

كما يتم إشراك المتعلمين في إنشاء المحتوى الإلكتروني أو في اختياره، ومن ميزات هذه الاستراتيجية أنَّها توفر الوقت الكافي أمام المتعلم فتكون فرصته أكبر للتفكير والاستيعاب، وهذا يطور جودة العملية التعليمية، لكن من الضروري اختيار مصادر التعلم المرسلة إلى الطلاب بعناية ودقة عالية بحيث تتمكن من تغطية الأهداف التعليمية المرجوة.

6. استراتيجية التعليم بمساعدة الحاسوب:

في هذه الاستراتيجية تتم الاستعانة بجهاز الحاسوب لإتمام العملية التعليمية بالاعتماد على الطرائق الجديدة والمتطورة في تقديم المعلومات للطالب بطريقة جذابة وممتعة أيضاً؛ إذ يسرع الحاسوب في الحصول على المعلومات والقدرة على تخزينها واسترجاعها في الوقت الذي يرغب الطالب، ويؤدي ذلك إلى وفرة وتعدد مصادر التعليم المتاحة للطالب، كما أنَّ هذه الاستراتيجية تساعد على تحقيق الأهداف التعليمية للتعليم عن بُعد بأقل نسبة من الأخطاء، ومن ثم الحصول على أفضل النتائج.

شاهد بالفديو: أهمية التعليم عن بعد

7. استراتيجية حل المشكلات الإلكترونية:

هي إحدى الاستراتيجيات الهامة في التعليم عن بُعد أو التعليم التقليدي؛ وذلك لأنَّها تساعد على تنمية قدرات المتعلمين على التفكير والتحليل والاستنتاج والإدراك والتذكر بهدف حل المشكلات؛ إذ يتم طرح مشكلة بواسطة المؤسسة التعليمية عبر موقعها للتعليم عن بُعد على شبكة الإنترنت ويُطلَب من الطلاب حل هذه المشكلة بحسب ما تعلموه سابقاً، كما يمكن الاستعانة بالمعلم من خلال مناقشته عبر شبكة الإنترنت أو من خلال إرسال إيميل بواسطة البريد الإلكتروني ليصل الطالب إلى الحل الصحيح للمشكلة.

8. استراتيجية المشاريع الإلكترونية:

قد تكون المشاريع الإلكترونية فردية يعتمد فيها المتعلم على نفسه لإنجازها، أو قد تكون جماعية فتفرض العمل التعاوني على المتعلمين فيتم تبادل المعلومات والخبرات وتتشارك مجموعة العمل مع المعلم أيضاً، ومن ثم ستزداد خبرة المعلم وقدرته على تنفيذ المشاريع.

فيما بعد يتم تقييم المشاريع التي تم إنجازها وتقييم كل متعلم من المتعلمين بحيث يتم تحديد نقاط القوة ونقاط الضعف لكل منهم وتحديد مدى الاستفادة من التعليم، وفي هذه الاستراتيجية يتم استخدام تقنيات ووسائل الاتصال السريعة والحديثة للتمكن من البحث والتواصل السريع، وتخص المؤسسة التعليمية هذه الاستراتيجية القادرين على العمل في مجال المشاريع الإلكترونية ممن لديهم الخبرة والكفاءة الكافية.

إقرأ أيضاً: 15 نصيحة عن التعلم الذاتي

في الختام:

التعليم عن بُعد هو نوع من أنواع التعليم الذي يساعد الطالب على مواجهة الكثير من التحديات كالمسافة التي تفصله عن الجامعة التي يرغب بالدراسة فيها أو التكاليف المادية المرتفعة، وللتعليم عن بُعد استراتيجيات متعددة ذكرناها آنفاً على أمل تحقيقها للفائدة المرجوة.




مقالات مرتبطة