استخدام استراتيجية العصف الذهني في التدريس

أصبحت المجتمعات اليوم تهتمُّ اهتماماً جدياً بتربية الإنسان وتنميته بوصفه المصدر الحقيقي للثروة؛ إذ أصبح الإنسان يُحتسب بوصفه استثمارات حاضرة ومستقبلية، فالإنسان أساس كل تقدُّم ومحوره، ولا يوجد شكٌّ في أنَّ مسؤولية إعداد الإنسان المفكِّر والمبدع القادر على حل المشكلات تقع على عاتق النظام التربوي في تلك المجتمعات، فالتربية أداةٌ هامَّةٌ من أدوات البناء الحضاري، وعنصر أساسي من العناصر الحاسمة في تطوُّر البشرية.



إنَّها عملية مقصودة ومُخطَّط لها ولا تحدث عشوائياً، فهي مرسومة بدقة لإعداد الأجيال الناشئة بما يلائم متطلَّبات العصر، فاليوم أصبح معيار تقدُّم الدول يقاس بمقدار تنمية عقول أبنائها، وإيماناً من الجهات المسؤولة عن التربية والتعليم في الدول المختلفة بأهمية ذلك الهدف تأهَّبَّت كثير من البحوث التربوية، وبذلت جهوداً كبيرة، وأنفقت أموالاً طائلة، بغرض تحديد أساليب وطرائق تدريس قادرة على جعل ذلك الإنسان مُنظَّماً بتفكيره ومبدعاً بأفكاره، ولعلَّ أفضل ما خرجت به تلك البحوث هو إحداث النقلة النوعية في التعليم، وإنهاء دور المتعلِّم السلبي، وإشراكه في الموقف التعليمي، لمساعدة المتعلِّم على تحصيل الأفكار وتحليلها، وإصدار القرارات والأحكام المناسبة، والتوصُّل إلى الاستنتاجات الصحيحة.

وقد أعدَّ التربويون في سبيل ذلك طريقة العصف الذهني؛ لتدريب المتعلِّمين ومساعدتهم على الإبداع في حل مشكلاتهم ضمن فريق عمل جماعي، فالأبحاث التربوية توصَّلت إلى أنَّ التفكير الجماعي أرقى من التفكير الفردي؛ إذ تستطيع الجماعة أن تنتج في ساعة ما يحتاج الفرد إلى أيام في إنتاجه، والعصف الذهني طريقة في التدريس تقوم بين المعلِّم والمتعلِّم، أو بين متعلِّم ومتعلِّم آخر يخفِّف من الأساليب التقليدية في التعليم القائمة على تلقين المعلِّم للمتعلِّم.

أسلوب العصف الذهني:

العصف الذهني طريقة في التدريس أُطلق عليها مصطلحات كثيرة، مثل: ( استمطار الأفكار، تحفيز الذهن، عصف الذهن، توارد الأفكار)، وهي طريقة تُحفِّز دماغ المتعلِّم على توليد أكبر قدر ممكن من الأفكار الجديدة دون الاهتمام بفكرة تقويم هذه الأفكار عند الإتيان بها؛ بل فقط تأجيلها لوقت لاحق حتى نهاية الجلسة، وليس الهدف من العصف الذهني هو توليد الأفكار الجديدة كما هو شائع؛ بل تعويد المتعلِّم على العمل الجماعي وضرورة المساهمة به، فالفكرة الرئيسة هنا هي أنَّ فكرة يطرحها أحد المتعلِّمين يمكن أن تكون مُحفِّزاً قوياً لأفكار المتعلِّمين الآخرين، فكثرة الأفكار هنا هي مولِّد الفكرة النوعية.

يقول "اليكس أوزبورن"(osorn) مؤسِّس طريقة العصف الذهني إنَّها: "عبارة عن مؤتمر ابتكاري ذي طبيعة خاصة من أجل إنتاج قائمة من الأفكار يمكن أن تستخدم بوصفها مفاتيح تقود إلى أفكار جماعية مُتحرِّرة من القيود ومنفتحة على الواقع، لا يكفيها الجرح، ولا يكبلها التصلب أو الجمود، أو هو أسلوب منظَّم للتفكير؛ وذلك حينما تستخدم الذهن لعصف المشكلة المطروحة من عدة زوايا لتوليد أكبر عدد من الأفكار التي تساعد على حل المشكلة".

طبَّق "أوزبورن" طريقته أولاً في شركته الدعائية عن طريق اجتماعات عمل للموظفين من أجل زيادة مبيعات شركته وذلك في عام 1938.

إقرأ أيضاً: قوائم جرد أساليب التعلم: أنواعها، واستخداماتها

جاء كثيرون من بعده أعطوا تعريفات لهذه الطريقة منهم:

  • "سون": هو أحد أساليب المُناقشة الاجتماعية، الذي يشجِّع بمقتضاه أفراد المجموعة على توليد أكبر عدد ممكن من الأفكار المتنوِّعة والمبتكرة بطريقة عفوية وحُرَّة، وفي مناخ مفتوح غير نقدي لا يحدُّ من إطلاق هذه الأفكار التي تمثِّل حلولاً للمشكلة ومن ثمَّ اختيار المناسب منها.
  • "جروان": استخدام الدماغ أو العقل في التصدي النشط للمشكلة، ويهدف أساساً إلى توليد قائمة من الأفكار التي يمكن أن تؤدي إلى حل المشكلة.
  • "مجيد مهدي محمد": توليد وإنتاج أفكار وآراء إبداعية من الأفراد والمجموعات لحل مشكلة معينة، وتكون هذه الأفكار والآراء مفيدة؛ أي وضع الذهن في حالة من الإثارة والجاهزية للتفكير في كل الاتجاهات لتوليد أكبر قدر من الأفكار عن المشكلة؛ إذ يتاح للفرد جو من الحرية يسمح بظهور كل الآراء والأفكار.

مزايا استخدام أسلوب العصف الذهني:

  • طريقة لا تحتاج إلى تدريب طويل، فهي سهلة التطبيق.
  • طريقة غير مُكلفة، فلا تحتاج إلى أدوات أو تجهيزات محدَّدة؛ بل تحتاج إلى مكان مناسب، مثل الغرفة الصفية وسبورة فقط.
  • تعزيز ثقة المتعلِّم بنفسه من خلال طرح الفرد أفكاره بحرية.
  • تنمية القدرة على التعبير عن الذات، وعن الأفكار بحرية، وكذلك منطلق للإبداع والتخيل.
  • تفعيل دور المتعلِّم في المواقف التعليمية وإنهاء دوره السلبي.
  • اعتياد المتعلِّم على الاستماع إلى المتعلمين الآخرين، وتحليل أفكارهم، وتحقيق الاستفادة القصوى منها.
  • المساعدة على إنشاء جو صفي مريح قائم على التعاون، وفي الوقت نفسه التشجيع الإبداع الفردي، والتقليل من الخمول داخل الصف.
  • تحقيق ديمقراطية التعليم وإشعار المتعلِّم بذاته.
  • العصف الذهني عملية تدريبية لاستثارة الخيال والتدريب على التفكير الإبداعي الصحيح.
  • تجنُّب النقد وترك عملية التقييم حتى نهاية الجلسة

القواعد التي تحكم أسلوب العصف الذهني:

يجب ترك الحرية للمتعلِّمين في طرح أفكارهم والابتعاد كل البعد عن انتقاد أفكارهم مهما كانت بسيطة أو سطحية، فاعتقاد المتعلِّم أنَّ أفكاره سوف تكون موضعاً للنقد يمثِّل عاملاً كافياً لعدم إصدار أفكار جديدة، وتقع هذه المسؤولية على المعلِّم الذي يقود الجلسة؛ إذ يجب عليه أن ينبِّه أي فرد في الجلسة يلجأ إلى النقد للتوقف عن ذلك والمبادرة للمشاركة بأفكاره بدلاً عن ذلك.

1. حريَّة التفكير والترحيب بإبداء الأفكار دون أي قيود خلال الجلسة:

ينبغي الترحيب بكافة الأفكار المتولِّدة خلال الجلسة مهما كان نوع تلك الأفكار أو مستواها، والهدف من ذلك جعل المتعلِّم أقل تحفُّظاً تجاه أفكاره، إضافة إلى تشجيعه ليكون أكثر كفاءة في توظيف أفكاره وقدراته على التخيُّل في ظلِّ الظروف المختلفة.

2. كثرة الأفكار هي الهامَّة وليس نوعها؛ بمعنى: (الكم يولد الكيف)

يجب أن يركِّز قائد الجلسة على مهمة توليد واستمطار أكبر قدر من الأفكار مهما كان مستوى جودتها أو غرابتها أو حتى عدم وجود المنطق فيها؛ وذلك من مبدأ كلما زاد عدد الأفكار، زاد احتمال امتلاك الحلول الأصيلة.

شاهد بالفديو: 6 نصائح تساعد على تنمية التفكير الإبداعي

3. الاستفادة من أفكار الآخرين:

يمكن الانطلاق في هذه الجلسات من آراء وأفكار الأفراد الآخرين والخروج منها بأفكار وحلول جديدة، فالأفكار التي تطرح هنا ليست حكراً على أحد؛ بل الهدف من طرحها هو جعل الجماعة تستفيد منها وتبني عليها أفكارها، كأن يقوم أحد بتطوير فكرة أحد ما.

خطوات أسلوب العصف الذهني في التدريس:

الخطوة الأولى: تحديد موضوع الجلسة

يجب تحديد مشكلة موضوع الدراسة، بحيث تكون صياغتها واضحة ومحدَّدة، وتحليلها إلى عناصرها الأساسية، بحيث تكون الخطوات التالية لها واضحة.

الخطوة الثانية: استمطار الأفكار

هنا يجب توليد الأفكار المتعلِّقة بالموضوع قيد البحث، ولا يجوز استحضار أفكار لا تمتُّ للموضوع بصلة؛ فذلك إضاعة للوقت.

الخطوة الثالثة: اختيار الحل

تُقيَّم تلك الأفكار المتولِّدة، ويُختار ما يمكن أخذه منها، ثمَّ يُختار الحل الأفضل منها للمشكلة المطروحة.

إقرأ أيضاً: أسلوب التعلم الحسي الحركي: خصائصه وسبل تعزيزه

معوقات العصف الذهني:

  • خوف المتعلِّم من سخرية الآخرين عند طرحهم لأفكار قد تبدو سخيفة في نظرهم.
  • تقييد الفرد من قبل قائد الجلسة، أو زملائه، أو حتى نفسه، فلا يستطيع التفكير بحرية أو إطلاق ما يفكِّر به للعلن.
  • اتباع نمط من التفكير والتقيُّد به.
  • عدم ثقة المتعلِّم بنفسه، وافتراض أنَّه لا يقدر على إبداع أو ابتكار حلول جديدة لأي مشكلة، فقد يرى أنَّه لا يمتلك القدرات والمواهب ليمارس تلك العملية.
  • التسرُّع في تقييم الأفكار والحكم عليها، فهذا يعدُّ سبباً قاتلاً للأفكار الجديدة؛ لذا يجب الابتعاد عنها دائماً.
  • النقد والتلفُّظ بعبارات هادمة ومحبطة من قبل قائد الجلسة أو الجماعة تجاه الفرد مُطلق الأفكار، كأن يقال له عبارات من مثل: "من يضمن نجاح فكرتك، فكرتك قديمة، فكرتك غير مجدية، وما إلى هنالك من هذه العبارات".

في الختام:

لكي تستمر حياة الإنسان جيدة يجب عليه أن يتعرَّف إلى كل أساليب التعليم الحديثة ويمارسها باهتمام، فالمعلِّم عليه أن يطَّلع على آخر طرائق التدريس وأحدثها وأكثرها فائدة واستخدامها في التدريس؛ وذلك بهدف توسيع مدارك تلاميذه وتفكيرهم، والتحول بهم إلى امتلاك نوع من الاستقلالية في تعلُّمهم، مع ضرورة التأكيد على أهمية الدمج بين التعليم النظري والتعليم العملي، فاستراتيجية العصف الذهني من أكثر الاستراتيجيات شيوعاً في المجال التربوي، وهو إنتاج أفكار إبداعية من قبل الأفراد والمجموعات لوضع حل لمشكلة معينة؛ بمعنى جعل الدماغ في حالة من الجاهزية للتفكير، وإتاحة جوٍّ من الحرية بحيث يسمح بظهور أكبر قدر من الآراء الجديدة، ومن ثمَّ تقييمها واختيار الحل الأفضل.




مقالات مرتبطة