اتبع شغفك في الحياة

أتذْكُرُ عندما سألك الجميع هذا السؤال في المدرسة الابتدائية؟ فهل أردت أن تصبح رجل إطفاء؟ أو ربما رائد فضاء؟



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المؤلِّف "دان ريشيو" (DAN RECIO)، ويروي لنا فيه قصة شغفه في أن يصبح كاتباً.

ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟

بالنسبة إلي، أردت أن أصبح كاتباً، أتذكَّر عطلات نهاية الأسبوع عندما اصطحبتني أمي إلى المكتبة، كنت طفلاً نشيطاً للغاية ولا يمكن أن أهدأ إلا عندما أمسك كتاباً في يدي، وعندما لا أطالع حكايات المغامرة والغموض، أنسج قصصي الخاصة وأشاركها مع زملائي في الصف.

تذكَّر الآن تخرجك من المدرسة الثانوية، ها أنت تتلقى أخيراً شهادتك، وتُفتَح لك أبواب العالم كلها، فبعد الوقت كله والجهد الذي بذلته في المدرسة، لديك الآن حرية الاختيار فيما تريد أن تفعله وما تريد أن تصبح.

لكن حينما تعود إلى الواقع سوف تتعلَّم بسرعة أنَّ الحياة لا تراعي شغفك، وعلى أعتاب مرحلة البلوغ، ستبدو الأحلام التي حلمت بها في الطفولة بعيدة المنال جداً، بدلاً من ذلك علَّمنا من هم أكبر منا السعي وراء ما هو عملي، وراء ما يضمن شهادةً جامعيةً مقبولة وراتباً مقبولاً ومعيشة مقبولة وحياةً مقبولة بعد التقاعد، لقد قيل لنا يجب أن نكون عمليين وأذكياء.

عندما تخرجت من الكلية، تعرضت لضغوطات شديدة كي أصبح ممرضاً، وكان أفراد عائلتي وأقربائي جميعهم وحتى زملائي في الفصل يعملون في المجال الطبي، قالوا جميعهم الشيء نفسه: إنَّ الراتب جيدٌ، لكن لم يخبرني أحد منهم إن أحبوا عملهم حقاً.

بطبيعة الحال، كنت مراهقاً متمرداً في ذلك الوقت، وقد اتبعت شغفي في القراءة والكتابة، فبدلاً من الذهاب إلى كلية الطب، تخصَّصت في اللغة الإنجليزية، وحصلت على وظيفة لأدفع تكاليف دراستي في الكلية.

إقرأ أيضاً: من أنا... ولماذا أعيش؟

لقد أحببت ذلك في البداية، أحببت قراءة الأدب وأحببت الكتابة عنه؛ فالكتَّاب المذهلون أمثال شكسبير (Shakespeare)، وهمنغواي (Hemingway)، وييتس (Yeats)، كانوا أبطالي؛ لأنَّني كنت مفتوناً جداً بقدرة هذه العقول الأدبية النيرة على إبداع أفكار مذهلة وصياغتها في جمل جميلة تلهم الناس، وقد كانت كتابة القرَّاء وإلهامهم بالطريقة نفسها التي فعلوها بمنزلة حلمٍ بالنسبة إلي.

لكن، في مكان ما خلال هذه الرحلة، دفنت هذا الحلم، واستبدلت شغفي بالكتابة بالقلق والخوف بشأن مستقبلي، ولقد راودني السؤال الآتي مراراً وتكراراً: ما الذي أفعله بحياتي؟

لقد شكَّيتُ في قدرتي وفي نفسي في أن أصبح كاتباً في هذه المرحلة، والأسوأ من ذلك كله أنَّني سمحت للآخرين بإخباري ما هو الأفضل بالنسبة إلي، وأخبرني الناس أنَّني لن أكون كاتباً ناجحاً، وأنَّني لن أكسب المال بالشهادة التي أحملها، وبأنَّ الأوان لم يفت بعد للقيام بشيءٍ عمليٍّ أكثر.

لقد تخليت عن حلم طفولتي في أن أصبح كاتباً، وبعد أن شعرت بالضياع، تشاورت مع مستشارٍ مهني عن المهن العملية والمحترمة التي تسمح لي درجة اللغة الإنجليزية بالعمل فيها، فأجابني: كلية الحقوق.

شاهد بالفيديو: كيف تكتشف شغفك وتصل إليه؟

إذ يتفوق معظم خبراء اللغة الإنجليزية في كلية الحقوق، ويرجع ذلك جزئياً إلى مهاراتهم الكتابية، وكانت المحاماة خياراً مهنياً مقبولاً؛ بل ممتازاً حتى، فسوف تُدِرُّ عليَّ أموالاً جيدة، كما أنَّها مهنةٌ أكثر استقراراً من الكتابة.

لذلك سجَّلت في كورساتٍ تمهيدية، وانضممت إلى نادٍ، وتدربت في مكتب المحامي العام، وخضعت لامتحان القبول في كلية الحقوق، حتى أنَّني تركت وظيفتي كي أعمل في شركة محاماة بصفتي مساعداً قانونياً، وكنت فخوراً جداً بنفسي لاختياري مهنة تقليدية كان من المؤكد أنَّني سأجني منها أطناناً وأطناناً من المال مع تقدُّمي في العمر.

ثم حدث شيء ما، لم يكن ملحوظاً في البداية، ولم يحدث فجأةً أو بسرعة؛ بل كان إدراكاً بطيئاً تسلَّل إلي، شعورٌ بالقلق حيال هذه الخطة الجديدة التي وضعتها، لم أرَ علامات الخطر كلها، ولم أسمع السؤال الذي كنت بحاجة ماسة إلى سماعه: لمَ لستُ سعيداً؟

كل ما فعلته خلال العامين الماضيين كان من أجل دخولي إلى كلية الحقوق حتى أصبح محامياً، كان والداي وأصدقائي وأساتذتي فخورين بي، فلِمَ لم أكن سعيداً؟ أدركت للأسف أنَّ هذا ليس ما أريد أن أفعله، وكنت خريجاً جامعياً بلا أي خطة للمستقبل ومرعوباً تماماً، لقد دخلتُ في حالةٍ عاطفية فظيعة لفترة من الوقت، وكنت ضائعاً يسير مع التيار، بلا أي هدف أو خطةٍ أو شغف.

إقرأ أيضاً: كيف تحوّل شغفك إلى طاقة إيجابية؟

اتَّبع شغفك:

في أحد الأيام اتصل بي أحد أساتذة اللغة الإنجليزية بشأن حدث ما، وهو أنَّني يمكنني تقديم ورقة بحثية، فإذا كانت جيدةً بما فيه الكفاية، فستُقدَّم أمام لجنةٍ من الزملاء الكتَّاب وستُناقش أمامهم.

قلت في نفسي لِمَ لا؟ ثمَّ فعلت ذلك، لقد أشعل ذلك شيئاً ما في داخلي، من خلال القراءة والبحث والصياغة والتحرير، أعدت اكتشاف نفسي، اكتشاف ذلك الحلم الذي دفنته، لم يكن تقديم هذه الورقة من متطلبات الدورة، ولم أكن أحصل على درجات، ولم أفعل ذلك لتحسين سيرتي الذاتية أيضاً، لقد فعلت ذلك لأنَّني استمتعت به حقاً، وأدركت أنَّ هذا ما أريد أن أفعله.

قبل أن أكتشف ذلك، اعتدت الاستماع إلى أفكار الجميع بدلاً من الإصغاء إلى نفسي، وأعطيت الإذن لعائلتي وأصدقائي وحتى مستشاري المهني كي يملوا عليَّ ما هو أفضل بالنسبة إلي، لقد ألغيت دوري في حياتي، ونسيت مراعاة أفكاري ومشاعري واهتماماتي، لكن لم أعد أفعل ذلك بعد الآن.

أفهم الآن أنَّ الحياة نتيجةٌ لكل القرارات الصغيرة والكبيرة التي نتخذها، وعندما تتخذ قراراً كبيراً مثل تحديد مستقبلك وشغفك، يجب أن يكون القرار لك وحدك، إنَّ عيش حياة هادفة يتطلب السعي وراء الحلم الذي يقود شغفك، إذا حلمت في أن تصبح محامياً أو طبيباً، فافعل ذلك، وإذا أحببت أن تصبح كاتباً أو فناناً، فافعل ذلك، اسعَ وراء ما يشعل روحك، مهما كان ذلك مخيفاً، وحتى عندما تفتقر إلى الإجابات كلها التي تحتاج إليها.

في الختام:

عندما تكون غير متيقِّنِ من وجهتك في الحياة، حاول أن تسأل نفسك السؤال الذي سألوك إيَّاه مراتٍ عديدة في المدرسة الابتدائية: ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟ ربما قد تجد إجابتك.




مقالات مرتبطة