إيجاد التوازن بين العمل واللهو

إنَّ موسم الضرائب هو الوقت الأكثر ازدحاماً في السنة؛ إذ يصبح 50 أو 60 أو حتى 70 ساعة في أسابيع العمل أمراً طبيعياً، ويعمل الموظفون حتى وقت متأخر من المساء للتأكد من تلبية الاحتياجات الضريبية لعملائهم قبل الموعد النهائي السنوي في نيسان.



إنَّه الوقت من السنة الذي كان دائماً الأكثر إرهاقاً في شركة "بيندر ديجكر أوتي" (Binder Dijker Otte & Co) أو باختصار لها (BDO)، ولكن في عام 2017، بدأ ذلك بالتغير؛ فأخذ الموظفون فترات راحة لممارسة اليوغا ولعب التنس، والقيام بأعمال خيرية، أو تعلُّم الدفاع عن النفس، في أكثر من 60 مكتب في الولايات المتحدة.

وكان الاستمتاع بالمرح وإنجاز العمل جزءاً من منافسة تحدث على مستوى الشركة للتعرف إلى من يستطيع أن يجعل الموسم الحافل أكثر استرخاءً، حيث ساعدت هذه المسابقة على إعادة صياغة ثقافة الشركات بالمجمل.

تعود جذور مسابقة "استراحات الموسم الحافل بالعمل" إلى عام 2005؛ وذلك عندما وجدت دراسة داخلية تهدف إلى اكتشاف فرص جديدة للنساء داخل الشركة أنَّ التوازن بين العمل والحياة الشخصية يمثِّل مشكلة لنساء الشركة، ولكل شخص موجود فيها أيضاً.

تقول "راشيل برادفورد موندت" (Rachel Bradford-Mundt) مديرة الموارد البشرية: "اعتقدنا أنَّ نساءنا وحدهن اللواتي يشعرن بالصعوبة المتمثلة في تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية؛ لكن أصبح من الواضح أنَّ الرجال يواجهون هذه المشكلة أيضاً".

إقرأ أيضاً: 10 نصائح تساعدك على إيجاد التوازن بين حياتك الشخصية وحياتك المهنية

وفي عام 2008، أطلقت الشركة برنامج المرونة الرسمي، ومنذ ذلك الحين عملت على منح الموظفين مزيداً من المرونة اليومية؛ إذ سمحت لهم بأخذ إجازة عندما يحتاجون إليها من أجل المناسبات العائلية على سبيل المثال، وشهراً بعد شهر، سمحت لبعض الموظفين بالانتقال جزئياً أو كلياً إلى العمل من المنزل؛ ولكنَّ هذا لم يحل واحدة من المشكلات الأساسية التي تواجهها شركة "بيندر ديجكر أوتي"، فكيف تجلب المرونة للناس الذين يعملون بجهد كبير في وقت هم يحتاجون إليها جداً؛ أي في الموسم الحافل الذي يؤدي إلى يوم الضرائب؟

تقول "راشيل": "إنَّها مهنة تتطلب جهداً، لا يمكننا إنكار ذلك؛ إذ لا يعمل الجميع لساعات مخفضة؛ فماذا يمكننا أن نقدم لكم، في ظل واقع العمل الذي تنجزونه؟ وما الذي يمكن أن يساعدكم على الشعور بمشاركتكم ويجعلكم تشعرون بأنَّكم تملكون السيطرة؟".

تؤكد "ستايسي أدجاي ميمس" (Stacie Adjaye-Mims) "مديرة الموارد البشرية الإقليمية" (Regional Human Resource Manager)، أنَّهم عثروا على الإجابة في المبادئ الأساسية للمنظمة فيما يتعلق بحركتها المرنة، وهي:

  • إنجاز العمل.
  • التواصل.
  • المرونة تعني العمل المختلف، وليس الأقل.

من خلال اتباع هذه المبادئ التوجيهية، رأت شركة "بيندر ديجكر أوتي" أنَّه لا بد من أن تكون هناك طريقة لمنح استراحة للعاملين الأكثر انضغاطاً بالعمل؛ ولكن كيف يمكنك أن تمنح استراحة لأشخاص وظيفتهم هي العمل لأكبر عدد من الساعات، والذين يجدون أنفسهم يعملون حتى وقت متأخر في كل ليلة؟ يجب أن تبدأ بسؤالهم عما يحتاجون إليه.

تقول "راشيل": "نحن نتيح للعاملين العمل بالتناوب؛ وذلك بأن يأخذ بعضهم أيام الاثنين، وبعضهم الآخر أيام الثلاثاء، وندعهم يعرفون أنَّهم يملكون ذلك الوقت الذي يقضونه مع أسرهم، أو القيام بشيء آخر هاماً بالنسبة إليهم. لقد كانت هذه محاولة للاعتراف بحقائق صعوبة مهنتنا ومحاولة إعطائهم شيئاً ما يمكنهم الاعتماد عليه".

كانت النتيجة هي سياسة الاستراحة المتوقعة التي تبنَّتها شركة "بيندر ديجكر أوتي"، التي اختُبِرَت قبل عامين في برنامج تجريبي في ثلاث مدن، ولقد أعطى البرنامج الموظفين شيئاً لا يُقدَّر بثمن، ليس فقط ليلة راحة واحدة؛ بل أيضاً اليقين بشأن الوقت الذي سيُطبَّق فيه البرنامج.

شاهد بالفيديو: 4 تغييرات بسيطة تعزّز الإنتاجية في أماكن العمل

ولأنَّ فترات الراحة كان مخطط لها مسبقاً، فلم يشعر الموظفون بأنَّهم يتهربون من العمل، وهي خطوة أساسية في تغيير ثقافة الشركات؛ وذلك لزيادة فهم حقيقة مفادها أنَّ الجميع يحتاجون إلى الوقت لإعادة استجماع قواهم. تقول "ستايسي": "كان البرنامج التجريبي ناجحاً"؛ لذلك اعتمدوه هذه السنة على نطاق الشركة ككل. وهنا بدأت المسابقة.

ومع بلوغ الموسم الحافل ذروته، خصَّصت مكاتب شركة "بيندر ديجكر أوتي" في جميع أنحاء البلاد وقتاً لنشاطات سهلة مثل الغداء في مطعم، أو المشي في حديقة، أو إعداد بطولات تنس، أو نزهات للعب البولينغ، أو العمل التطوعي. والتقطوا صوراً أو مقاطع فيديو لهذه النشاطات، ونشروها على الصفحة الخاصة بالشركة عند كل فترة راحة لكسب نقاط لهم. وفي نهاية المسابقة، فاز المكتب الذي حصل على أكبر عدد من النقاط بحفلة مدفوعة الأجر من قِبل الشركات.

إنَّه تغيير ممتع خلال فترة عصيبة ترى "ستايسي" أنَّه حقق نجاحاً كبيراً؛ إذ ساهمت كل المكاتب فيه تقريباً، وكانت المنافسة شرسة. ومعظم المنشورات على الصفحة كانت عن هذا الموضوع، ومنذ إطلاقها، كان لدينا أكثر من 800 منشور، فقط في أيام استراحات الموسم الحافل، وكان هناك كثيرٌ من المنافسة.

إقرأ أيضاً: 15 نصيحة لتحقيق التوازن بين العمل والحياة كوالد ورائد أعمال

نُشِر الترتيب كل على حدة، وفي غضون دقائق، أكدت "ستايسي" أنَّه كان يصلها رسائل على البريد الإلكتروني من المكاتب المختلفة للتأكد من فرز جميع مشاركاتهم. وبدلاً من كونها وسيلة ممتعة لأخذ بضع ساعات من الراحة خلال سبعين ساعة عمل في الأسبوع، شهدت المسابقة تغييراً كبيراً في الثقافة المؤسسية لشركة كانت سابقاً تنظر إلى الاستراحات نظرة غريبة، وهو التغيير الذي بدأ عندما قدَّمت شركة "شركة بيندر ديجكر أوتي" المرونة لأول مرة، والذي يزداد قوة في كل عام؛ ففي عام 2014، أظهرت دراسة استقصائية داخلية للشركة أنَّ 81% من العمال شعروا أنَّ قادتهم يدعمونهم في استعمالهم للمرونة، وفي عام 2016، ارتفع هذا الرقم إلى نسبة مثيرة للإعجاب بلغت 91%.

تقول "ستايسي": "أعتقد أنَّ المسابقات السهلة التي تجري هنا وهناك هي أبعد من أن تكون مجرد مسابقات؛ وأعتقد أنَّها تغيير كبيرٌ جداً".

والأكثر من ذلك إنَّ هذه السياسة تم تبنِّيها بكل إخلاص في الرتب التنفيذية للشركة؛ إذ تلقَّت المكاتب نقاطاً مزدوجة عندما حصلت على صور أو مقاطع فيديو لشركاء يشاركون في استراحة الموسم الحافل، وكان الشركاء سعداء بالانضمام.

تقول "راشيل": "هذا تغيير ثقافي حقيقي بالنسبة إلى شركة "بيندر ديجكر أوتي"، لقد كنت هنا لمدة 13 عاماً، ويمكنني أن أتذكر قبل بدء المرونة في شركة "بيندر ديجكر أوتي"، عندما كانت المرونة موجودة بين أيدي الناس ولم يرغبوا في التحدث عنها خوفاً من أن يثبتوا وجود شيء قد يختفي مع الأيام؛ إنَّ هذه الحملة تجعل الأمور على ما يرام، وتظهر للشركة والقيادة أنَّنا نستمتع وندير عملنا وحياتنا وننجز أعمالنا".

المصدر: 1




مقالات مرتبطة