إكرام الضيف بين الدين والعادات والأخلاق

إكرام الضَّيف سِمَة ارتبطت بالعرب منذُ القدم، حيث امتلأت مآثر العرب بالكرم والجود وإكرام الضَّيف ونُظِّمَت العديد من الأشعار والقوافي في هذه العادة العريقة. وجاء أيضاً الإسلام من خلال القرآن الكريم والسُنَّة الشريفة ليَحُثَّ على عادة إكرام الضَّيف وأهمّيتها، فهي شعبةٌ من شُعَب الإيمان حيث رَبَطَ الإسلام بين إكرام الضَّيف وبين الإيمان بالله واليوم الآخر.



سنتحدث فيما يلي عن إكرام الضيف بين العادات عند العرب القدامى وبين أهمّيتها في الدين والخلق الحسن. هذه العادة التي افتقدناها كثيراً في أيَّامنا هذه والتي نحن بحاجة لإعادة الحديث عنها والحث عليها من جديد.

مضيف في العراق (من أماكن إكرام الضيوف واستقبالهم)

مضيف في العراق (من أماكن إكرام الضيوف واستقبالهم)

أوّلاً: كرام الضيف عند العرب

إكرام الضيف من عادات العرب القدامى، إذ اشتهر العرب القدامى بإكرام الضيف، وتميّزوا وتفرّدوا بهذه المَكْرمَة، وافتخروا بها على باقي الأمم، وقد فاقت خُصلة الكرم عندهم أيَّ خُصلة أخرى، ونشأت هذه العادة فيهم نتيجة حياة الصحراء القاسية، وما فيها من قحط وصعوبة في المعيشة، حيث كان العرب يعيشون في بادية شحيحة بالزاد ويقضون حياتهم بين الحِل والترحال.

فكانوا مُعرَّضين بشكلٍ دائم بأن يَنْفَد ما عندهم من زاد، فإذا استضاف أحدهم ضيفه اليوم فقد يُضْطَرّ إلى أن يَضِيْف عند غيره في يومٍ ما، حيث لا يوجد في البادية مكان يلجأ الفرد إليه سِوَى الخيام المُتناثرة هنا وهناك، والتي كانت تُعتَبَر ملجأً لكلِّ محتاج.

وفي العصر الجاهلي أحسن العرب استقبال ضيفهم، وقدَّموا له أعلى وأرفع درجات الكرم وآداب الضيافة وقد وَرَدَت أبيات كثيرة فيها ذكر لتعابير الاستقبال، فأكثر العرب استعمال تعابير أهلاً وسهلاً ومرحباً، حيث أنّ من أهم مظاهر الإدابة النبيلة أن تُحيِّي الضيف بكلمات الترحيب والتهليل:

  • فالشاعر المعروف "الأعشى" يقول: "فقال له: أهلاً وسهلاً ومرحباً أرى رَحِماً قد وافَقَتْها صِلاتُها".
  • ويقول "المثقّب العبديّ" كذلك: "فلما أتاني والسماء تبلّه فلقّيته أهلاً وسهلاً ومرحباً".

واشتهر بعض العرب بهذه الصِّفة الحميدة حتى صار مضرباً للمثل، فاشتهر حاتم الطَّائي بصفة الكرم وكان من أشهر مَن عُرِف عند العرب بالجُود والكَرَم حتّى صار مضرب المثل في ذلك. فنجد حاتم الطائي يُرحِّب بالضيفان أحسن ترحيب، ويُهيِّئ لهم مكان إقامة، ولا يُقدِّم الأعذار ولا يختلقها من أجل صدِّهم عن بيته، فيقول:

  • "فلما أتوني قلت: خير مُعرِّسٍ ولم أَطَّرِح حاجاتِهم بالمَعاذِر".

ويقوم حاتم الطائي على خدمة الضيف خير قيام، حتّى ليجعل نفسه معه كأنّه عبد أمام سيِّده، فيقول:

  • "وإنّي لعبد الضيف ما دام ثاوياً وما فيّ إلا تلك من شيم العبد".

كما أنَّ من أهم واجبات الضيافة وأوّلها إظهار الغبطة والبهجة بالضيفان، وأن يبتسم المضيف في وجوههم، لأنّه بغير ذلك قد يبدو غير مسرورٍ بقدومهم، فمحادثة الضيف وممازحته وإطلاق الوجه معه بالضحكة اللطيفة هو من صفات إكرام الضيف.

وفي الضيافة عند العرب يقول "المُتنّخِّل الُهذَليّ" في هذا المعنى:

  • "أُضاحكُ ضيفي قبل إنزال رَحْله ......... ويُخْصِب عندي والمحلّ جديب"
  • "وما الخِصب للأضياف أن يَكثُر القِرى.... ولكنَّما وجهُ الكريم خَصيب".
إقرأ أيضاً: 6 عبارات عليك الابتعاد عن استخدامها أمام الضيوف

ثانياً: إكرام الضيف في الدين

إنّ إكرام الضيف خُلق من أخلاق الإسلام، وهو من مكارم الأخلاق والذي يَدلّ على سماحةٍ في النَّفس، وكرمٍ في الطبع، وإيثارٍ للغير، وشهامةٍ ومروءة، وإيمان أنّ إكرام الضيف لن يُنقِص ما عندك وأنّ عند الله تعالى عوضك والفضل كله يرجع له.

وإكرام الضيف ارتبط بالإيمان بالله تعالى واليوم الآخر، فعن أَبي هريرة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ كانَ يُؤمنُ بِاللَّه واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّه واليَوم الآخِرِ فليَصِلْ رَحِمَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّه وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أو لِيَصْمُتْ))، متفق عليه.

عن أبي شُرَيْحٍ خويلد بن عمرٍو الخُزَاعِيّ قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ، قالوا: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رسول اللَّه؟ قَالَ: يَومُه وَلَيْلَتُهُ، والضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذلكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ))، متفق عليه. فكلّ هذه المعاني تدل على أنّ إكرام الضيف واجب.

وقد جاء في القرءان الكريم معاني في إكرام الضيف حيث ذكر الله تعالى قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام بإكرام الضيف، فقال تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ * فَرَاغَ إلى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُون﴾، (سورة الذاريات).

وأهله: هنا بمعنى زوجته وأولاده، ومعنى كلمة راغ: أسرع، وذهب علماء اللغة لتفسير كلمة راغ فقالوا: أسرع خفيةً، وليس بمعنى ركض على مرأى من الحاضرين، بل أسرع مختفياً أي أنّه تسلّل، أو أسرع مختفياً من ضيوفه، كي يعطي إشارة إلى أهله لإعداد الطعام، وهذا أوَّل أدب من آداب الضيافة، فلا ينبغي أن تقول للضيف: هل تأكل؟ لعلك لمْ تأكل، حتّى أحضر لك الطعام؟ وتحدث جلبة وضجيجاً، فهذا ليس من آداب إكرام الضيف.

إقرأ أيضاً: البخل: كيف يمكن التخلّص منه والتحلّي بصفة الكرم والجود

ثالثاً: واجبات الضيف على المضيف

إنّ على المُضِيْف عدد من الواجبات التي عليه القيام بها عند استقبال الضيف وذلك ليكرمه على أحسن وجه ومنها:

  • إعطاء الضيف حقَّه، وذلك باستضافته ليوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيّام بلياليها، ولا توجب بعد ذلك الضيافة فوق ذلك، فما زاد على الثلاثة أيام فهو صدقة وأجر للمضيف من الله تعالى.
  • حُسن استقبال الضيف من خلال الترحيب به أحسن ترحيب والتأهيل بقدومه وعدم التملمُل أو التذرُّع بالحجج للاعتذار والتهرُّب من استقباله.
  • استقبال الضيف بالضحكة والوجه البشوش الطلق، لأنّ القيام بعكس ذلك قد يُشعِر الضيف أنّه غير مرحب به أو أنّ المضيف مُتضايق منه.
  • التحدُّث مع الضيف والذي يُعَد من نفس أهميّة تقديم الطعام والشراب، وذلك حتّى يُشعِر الضيف بالأنس والألفة والارتياح في نفسه من أنّه مرغوب به من قِبَل مضيفه، كأن يجلس الضيف في صدر المجلس. وفي حال بات عنده الضيف يُخصِّص له مكان مُريح وحسن يرتاح فيه.
  • تقديم أفضل ما عنده في البيت من طعام وشراب بمعنى آخر (جود من الموجود)، فينبغي للمضيف أن يُقدِّم أحسن شيء عنده في بيته، وهذه قاعدة مُهمَّة من قواعد حُسن الضيافة وقد تنبَّه العربي في جاهليته على ذلك، وأدرك بطبعه أنّ عليه بذل أفضل ما عنده للضيف، فيجب ألّا تُظهِر أنّك لا تملك شيء من المال أو الطعام. وقد أكّد القرآن الكريم على هذه الفكرة في قوله تعالى: ﴿لن تنالوا البر حتى تنفقوا ممّا تحبّون وما تُنفِقُوا من شيءٍ فإنّ الله به عليم﴾، (سورة آل عمران).
  • التعجيل في الطعام، حيث يجب ألا يُماطِل المضيف في تحضير الطعام وإعداده والذي يُعَد من أصول التأدُّب مع الضيف وإحسان ضيافته.وجاء عن عمرو بن كلثوم الذي كان يفتخر بأنّ قومه يسارعون في تقديم الطعام خشية أن يُشتموا إن هم أخّروه، فيقول: "نَزَلْتُم مَنْزِلَ الأضْيافِ مِنّا ..... فعَجَّلْنا القِرى أن تَشْتمونا".
  • عدم النظر إلى الضيف أثناء تناوله الطعام حتى لا يُشعِره بالخجل والإحراج، بل ينظر إلى طعامه ويغضّ بصره عن ضيفه وينشغل بنفسه حتّى يشعر الضيف بالراحة.
  • يجب على المضيف ألّا ينتهي من الطعام قبل ضيفه، بل يحاول أن يُحرِّك يده في الطعام حتّى ينتهي الضيف من الأكل.
  • يُفضَّل أن يخدم المضيف ضيوفه بنفسه، وهو من أرفع درجات المكارم وحُسن الأدب.
  • يجب على المضيف ألّا يحمل الطعام والشراب من أمام الضيف حتّى يَكُفّ الضيف نهائياً عن مد يده إليهما.
  • إيثار الضيف على نفس المُضيف وعلى أهل بيته، ومما ورد بهذا الشأن الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبى هريرة فلقد روى: ((ما فعله ثابت بن قيس الأنصاري رضي الله عنه، عندما جاء رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسُول الله، أصابني الجَهدُ، فأرسل النَّبي صلى الله عليه وسلم إلى نسائه فلم يجِد عندهنَّ شيئاً، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((ألَا رجُلٌ يُضيِّفُه هذه الليلة يرحمُه الله؟))، فقام رجُلٌ من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله، فذهب إلى أهله فقال لامرأته: ضيفُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تدَّخريه شيئاً، قالت: واللهِ ما عندي إلَّا قوتُ الصِّبية، قال: فإذا أراد الصِّبيةُ العشاء فنوِّميهم وتعالي فأطفئي السِّراج، ونطوي بُطوننا الليلة، ففعلَت، ثُمَّ غدا الرَّجُلُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد عجِب الله عزَّ وجلَّ أو ضَحِك من فُلانٍ وفُلانة))، وأنزل الله عزَّ وجلَّ قولَه: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾، (سورة الحشر).
  • ومن آداب إكرام الضيف أن يَظهَر المضيف أمام الضيف بمظهر لائق، من خلال ارتداء اللباس الجميل والنظيف والترتيب والتطيب بأطيب الروائح.
  • التحدُّث مع الضيف بما يحبّه ويسر قلبه، فيجب ألا ينام قبل ضيفه وأن يتحدَّث معه ويسليه بما يروِّح عن نفسه ويستهويه. فلا يشكو الزمان والحال بحديثه معه أو يقوم بترويعه.

وقد أخبر النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّ البركة تأتي مع الضيف، وأنَّ طعامه لن يُضَيِّق على أهل البيت رِزقهم، فقال صلى الله عليه وسلم: ((طعامُ الاثنين كافي الثَّلاثة، وطعامُ الثَّلاثة كافي الأربعة))، أخرجه بخاري ومسلم. كما جاء أنَّ من أحبِّ الطعام إلى الله تعالى ما تتكاثَر عليه الأيدي ويأكل منه الضيفان، قال صلى الله عليه وسلم ((إنَّ أحبَّ الطَّعام إلى الله ما كثُرَت عليه الأيدي))، أخرجه الطبراني.

إقرأ أيضاً: اتيكيت استقبال الضيوف: 7 طرق تعلّمك كيف تستقبل ضيفك

رابعاً: آداب الضيف عند العرب

الآداب التي يجب أن يتحلى بها الضيف:

  • ألّا يأتي الضيف في الوقت الذي يكون فيه المضيف يأكل أي وقت الطعام. قال تعالى: ﴿أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا﴾، (سورة الأحزاب).
  • ومن الآداب التي يجب أن يتحلّى بها الضيف استئذان المضيف قبل الزيارة، فيحضر في الوقت المناسب، ولا يتأخّر عليه، كما لا يتعجّل بالمجيء قبل الوقت المحدّد فيُفَاجئ المضيف قبل استعداده بشكلٍ مناسب.
  • يجب على الضيف أن يطرق الباب برفق، ويُعرِّف بنفسه، ويغض بصره، ولا يرفع صوته، ولا يتصدَّر المجلس، بل يجلس حيث يشير عليه المضيف.
  • كما يجب على الضيف أن يغضّ من بصره فلا يُكثر التأمُّل فيما حوله، ويحفظ ما يراه ويسمعه أثناء وجوده فلا يتجسس على أهل البيت.
  • يجب على الضيف التقيُّد بالمواعيد فلا يُحرج المضيف ويُطيل الزيارة دون أن يكون هناك ضرورة لذلك، وعليه أن يستأذن قبل انصرافه من منزل مضيفه، وألا يُغادر إلاَّ أن يأذن له المضيف.
  • ومن الآداب التي يجب أن يتحلى بها الضيف هي الاعتراف بجميل المضيف وشكره على حسن الاستقبال والضيافة. فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله.

وأخيراً فإنّ حسن الضيافة وإكرام الضيف من الخصال الحميدة والرائعة والتي يجب أن نحافظ عليها ونتمسّك بها كإرث من أجدادنا، وإحياءً للسنة النبوية واستجابةً للأمر الإلهي، وعلينا أن نُنمّي هذه الخصلة ونشجّع أطفالنا عليها حتّى نكون لهم قدوة حسنة يقتدوا بها في المستقبل.

 

المصادر:




مقالات مرتبطة