أهمية كثرة الخيارات في تعزيز سعادتك

لقد لاحظت على مر السنين وجود علاقة مباشرة بين عدد الخيارات التي أمتلكها في الحياة وسعادتي؛ فكلَّما زادت الخيارات المتاحة لي في مسيرتي المهنية، كان بإمكاني القيام بعمل أفضل، وكلَّما زادت الخيارات المتاحة أمامي لقضاء وقت فراغي، قلَّ تشبثي بالناس والأنشطة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب داريوس فوروكس (Darius Foroux)، ويُحدِّثنا فيه عن أنَّه كلَّما زادت الخيارات المتاحة لديك، كنت أكثر سعادة.

باختصار، إذا كان بإمكاني اختيار ما أفعله بوقتي، أكون سعيداً؛ فلا يهم ما أفعله؛ بل الهام أنَّ لدي خيار، ويُعدُّ هذا الأمر من أهم الدروس التي تعلمتها عن السعادة في العصر الحديث؛ إذ قرأت مؤخراً كتاباً بعنوان "تأتي الحكمة بعد أن يولي الشباب" (Too Soon Old, Too Late Smart) من تأليف الكاتب جوردون ليفينجستون (Gordon Livingston)، الذي كان طبيباً نفسياً متمرساً.

تحدث في هذا الكتاب عن سبب أهمية وجود خيارات: "التمتع بصحة نفسية أمر اختياري، فكلَّما زادت الخيارات المتاحة لنا، زادت سعادتنا، فأولئك الذين هم في حالة صحية سيئة أو محبطون يشعرون بأنَّ خياراتهم كانت محدودة، في بعض الأحيان بسبب الظروف الخارجية أو المرض، وفي أغلب الأحيان بسبب الطرائق العديدة التي نقيِّد بها أنفسنا"؛ فالخيارات المحدودة تقيدنا، وهذا يعطينا شعوراً بالخوف؛ إذ نشعر أنَّه لا يوجد كثير ممَّا يمكننا فعله في الحياة، وهذا يجعلنا غير سعداء، لكن يمكنك تغيير ذلك من خلال توفير خيارات لنفسك.

شاهد بالفيديو: 12 شيئاً عليك أن تفعله لتحقق النجاح والسعادة

مفارقة المخاطرة:

أهم شيء في الخيارات المهنية هو أنَّ هناك علاقة متناقضة بين المخاطرة والمكافأة نحتاج إلى فهمها أولاً، فقبل أن أفهم هذا الأمر، لم يكن لدي كثير من الخيارات، والمشكلة هي أنَّنا بوصفنا بشراً، نتجنب المخاطر بطبيعتنا، ونخشى خسارة مكسب محتمل أكثر ممَّا قد نرغب فيه، ممَّا يجعلنا عالقين في مكاننا؛ فهذا هو السبب في أنَّ معظم الناس يظلون في الوظيفة نفسها حتى يُطردوا أو يتقاعدوا.

المفارقة هي أنَّ معظم الناس يفترضون أنَّ التغيير خطر؛ لكن في الحقيقة، العكس هو الصحيح؛ فكلَّما زاد ركودك، زاد احتمال تعرضك لخطر الخسارة؛ فعندما عملتُ في مهنة الكتابة بشكل كامل، كان عليَّ أن أخاطر؛ إذ تركت وظيفتي في لندن (London)، وعدت للعيش مع والديَّ، وتركت أعمال العائلة.

لقد تغيرت حياتي كلياً؛ فلم أعد أكسب أيَّ شيء بعد أن كنت أجني 80 ألف دولار سنوياً، في حين حققت مدونتي ودوراتي التدريبية عبر الإنترنت دخلاً يبلغ نحو 5000 دولار في السنة الأولى؛ فإنَّ الخطر يكمن في إهدار وقتك وخسارة راتبك عندما تقوم بخطوة من هذا القبيل.

أدرك ليفينجستون أهمية تقبل المخاطرة، وقال ما يأتي عن العلاقة بين الخيارات والمخاطرة: "المتغير الأساسي في الحياة هو المخاطرة، فإذا سمحنا لمخاوفنا بأن تسيطر على حياتنا، وخاصة خوفنا من التغيير، فمن الصعب اختيار حياة تجعلنا سعداء، فهل القلق أو الافتقار إلى الخيال هو الذي يقيدنا؟".

من الصعب قبول هذا، فما لم تتصالح مع خوفك من التغيير، فلن تكون لديك حياة سعيدة، والتي تشمل خيارات عديدة، وتذكر أنَّه بصرف النظر عن مدى صعوبة ظروفك، فلن تنفد الخيارات أبداً؛ إذ يمكنك دائماً أن تفعل شيئاً، وهذا هو أهم إيمان بأمل الإنسان وتقدمه، فطالما نحن على قيد الحياة، لدينا خيار.

إقرأ أيضاً: 5 مخاوف عليك منعها من السيطرة عليك

كيف تنشئ خيارات مهنية؟

دعنا نلقي نظرة على كيفية إنشاء مزيد من الخيارات المهنية؛ فنظراً لأنَّ عملك يستهلك معظم وقتك، فمن الهام توضيح هذا الأمر؛ فعندما يكون لديك خيارات وسعادة في حياتك المهنية، فإنَّك تصبح تلقائياً شخصاً أفضل؛ فكم عدد مشكلاتك الشخصية المتعلقة بالعمل؟ وكم مرة تسمح لضغوطات العمل بتغيير مزاجك؟ وكم مرة تتسبب حالتك المزاجية بمشكلات في المنزل؟

حياتك المهنية أكثر من هامة؛ فالعمل ليس مجرد شيء تفعله خلال ساعات محددة؛ بل إنَّه العامل الوحيد الأكبر الذي يحدد حياتك على المستوى الكلي، إذاً كيف تتأكد من أنَّك تعمل في مهنة جيدة؟

ليس من خلال الحصول على عمل رائع، وقد يبدو هذا غريباً بالنسبة إليك إذا كنت قد نشأت معتقداً أنَّ كلَّ شخص يحتاج إلى وظيفة واحدة فقط؛ فهذا نموذج قديم للعمل لم يعد ينجح؛ فلسنا بحاجة إلى وظائف؛ بل نحتاج إلى مهارات يمكننا تطبيقها في وظائف ومجالات متعددة.

إليك كيف أتعامل مع ذلك، فدائماً ما أعطي الأولوية للتعلم على الأهداف قصيرة الأمد مثل المال أو المكافآت أو المكانة أو أي مزايا أخرى يمكنني الحصول عليها في حياتي المهنية، وكلَّما زادت مهاراتي زادت فرصتي، فعلى سبيل المثال إذا كنت تتقن فن الإقناع، يمكنك العمل بوصفك كاتب محتوى تسويقي أو سمساراً أو في قسم التوظيف أو العمل في متجر بيع بالتجزئة، وإذا كنت خبيراً في البرمجة، فيمكنك العمل في أيِّ شركة تقوم بتطوير البرامج في أيِّ مجال.

أمر آخر أركز عليه هو بناء علاقات جيدة مع الأشخاص ذوي الخبرة؛ فأنا لا أحب التعرف إلى مئات الأشخاص أو الاجتماع مع أناس ليسوا خبراء، فعلى المستوى الاجتماعي، إنَّه أمر رائع أن تتعرف إلى ناس كثيرين، لكن من الناحية المهنية، لن تتعلم الكثير.

إذا كنت تريد التواصل، على الأقل تواصل مع أشخاص أسسوا أنفسهم في الحياة؛ إذ يمكن للمحترفين توجيهك في الاتجاه الصحيح إذا كنت لا تعرف ماذا تفعل، ويمكنهم مساعدتك على رؤية خيارات لم ترها من قبل.

إقرأ أيضاً: 10 نصائح للتشبيك في مجال الأعمال: كيف تُنمِّي شبكتك المهنية؟

في الختام:

كنت أتحدث ذات مرة عن فكرة الخيارات المهنية مع شخص في العشرينيات من عمره، وقال إنَّه يريد أيضاً أن يكون في وضع مشابه لما أنا عليه اليوم، فقلت: "لقد تخليت عن أشياء كثيرة عندما كنت في عمرك لأكون حيث أنا اليوم، ولقد ضحيت بالعلاقات ووقت الفراغ؛ لكنَّني لا أراها أموراً سيئة؛ لأنَّني كنت سعيداً دائماً بدفع هذا الثمن مقابل السعادة، وما زلت كذلك".

فقال لي هذا الشخص: "لا أعتقد أنَّني أستطيع فعل ذلك"، وكانت إجابتي: "إذاً عليك أن تتقبل حياتك كما هي وأنَّك ستكون دائماً تحت تصرف الآخرين".

إذا كان بعض الناس غير مستعدين لدفع الثمن، فعليهم فقط قبول كلِّ ما هو موجود وعدم الشكوى من كونهم غير سعداء، والحقيقة هي أنَّ هناك خيارات دائماً، ولكن لها ثمن كما لكلِّ شيء في الحياة، وإذا كنت على استعداد للدفع، فلن تشعر بخيبة أمل.




مقالات مرتبطة