أهمية تقبل النفس: لا يمكن ممارسة الرعاية الذاتية دون قبول الذات

يُعَدُّ تقبُّل المرء لنفسه من شروط إتقان الرعاية الذاتية، والعيش بسعادة عموماً، أمَّا بخلاف ذلك، فسيكون الثمن هو السعادة مهما اجتهدنا في اتِّباع الممارسات الصحية النفسية والبدنية الأخرى.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة "جين فيشر" (Jen Fisher)، والتي تُحدِّثنا فيه عن تجربتها في تقبُّل الذات.

لم يكن تقبُّل الذات أمراً أكثر أهمية وتحدِّياً ممَّا أصبح عليه الآن، على الرغم من التطور الكبير الذي أحرزته حركات تقبُّل الجسد والصحة العقلية في السنوات الأخيرة؛ إذ إنَّ المجتمعات الحديثة اليوم باتت تحيط أفرادها بصورة ما يدعى "المظهر الصحي للجسم المثالي". وبالتأكيد، تُغذِّي وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأفكار؛ إذ تُظهِر الدراسات المتتابعة الأضرار التي تلحقها هذه الوسائل بالصورة السليمة لأجسادنا وتقبُّلنا لأنفسنا.

إذاً، كيف نتعلم تقبُّل أنفسنا وإظهار ذواتنا بطريقة تدعم سعادتنا؟

للإجابة عن هذا السؤال، كان لي شرف التحدث مع "ريبيكا توسيغ" (Rebekah Taussig)، الكاتبة والمُدرِّسة والمدافعة عن حقوق الإنسان، في الحلقة الأخيرة من التدوينة الصوتية "ديلويت" (Deloitte) "اعمل جيداً" (WorkWell)، وقد شعرتُ بسعادة غامرة عندما ناقشتُها عن كتابها الجديد "جمال الجلوس: المنظور الذي استمددته من جسدي العادي المرن والمصاب بالإعاقة" (Sitting Pretty: The View from My Ordinary Resilient Disabled Body)، الذي تناولَت فيه رحلة تقبُّلها لنفسها بأسلوب يُظهِر صراحتها المعروفة وروحها المرحة وحساسيتها وموثوقيتها.

أُصيبت "ريبيكا" بالإعاقة عندما كانت في الثالثة من عمرها، وحصلت على أول كرسيٍّ متحرك في عمر السادسة. عاشت طفولة أقرب إلى الطبيعية بفضل إصرارها واندفاعها اللذين أبعداها عن ملاحظة اختلاف تجربتها في الحياة.

وعند وصولها إلى المرحلة الثانوية، منحتها دراسات الإعاقة طريقاً لبدء رحلة فهم نفسها؛ إذ أخبرتني: "شعرت وكأنَّ الفيزياء الكونية تتغير بشكلٍ فعليٍّ. لقد تغيَّر كل شيء بالنسبة إليَّ بدءاً من نظرتي تجاه ذاتي وحياتي. كما حصلت على لغة جديدة لشرح الأشياء لم أكن قادرة على التعبير عنها من قبل بهذه الطريقة".

على أيِّ حال، تمكَّنت "ريبيكا" (Rebekah) من رؤية قوَّتها المستمدة من ضعفها ومن شعورها بالخسارة بقولها: "شعرتُ بالخجل من الأشياء الكثيرة التي جعلتني مختلفة، وكنت أسعى جاهدة إلى إخفائها أو محوها أو حتى التقليل من ظهورها بطرائق مجردة وغير ملموسة".

شاهد بالفديو: 12 وسيلة فعالة للرعاية الذاتية لا يمكنك العيش دونها

تضمنَّت تلك المساعي قصَّ صورها لإخفاء كرسيها المدولب، وساقيها المشلولتين. لكنَّها شرعت فيما بعد بتصفح الإنترنت، وتواصلت مع أشخاص يعانون مشكلة مشابهة لمشكلتها، ووصفتها بـ "المرحلة الثانية من التحول".

بالتدريج، أدركت أنَّ بإمكانها أن تكون مميزة وعاجزة، قوية ومشلولة في الوقت نفسه؛ إذ قالت: "استغرق منِّي الأمر وقتاً طويلاً لامتلاك هذه الصفات في وقت واحد، لكنَّه أمر ضروري؛ إنَّه أمر جوهري أن أتقبل ما أنا عليه". وبدأت بعدها بإظهار ساقيها في الصور بدلاً من قصها، وأوضحت السبب بقولها: "أردت نشر صور جميلة تتضمن أجساداً كجسدي ليراها العالم. أشعر أنَّ دماغي يستجيب بشكل مختلف لصورة جسدي".

إنَّه درس جوهري علينا جميعاً تعلُّمه، أن نكون على سجيَّتا ونتقبَّل أنفسنا مهما كانت صفاتنا؛ إذ إنَّنا قد لا نعيش في جسد "ريبيكا" (Rebekah)، لكنَّ كلاً منَّا يعيش داخل جسده الذي سيستمر بمواجهة التغيُّرات مع مرور الأيام. وقد أشارت إلى ذلك بقولها: "كثيرٌ من ذلك مرتبط بأن أصبح أكثر وعياً فيما يتعلق بجسدي، وبالتفكير فيه طوال حياتي، فهو موجود في كل قصة عشتها، وأفكِّر في كيفية دعمه لي".

إذاً، كيف بإمكاننا أن نتعلَّم محبة وتقدير وتقبُّل أجسادنا التي كانت موجودة في كل ما مررنا به؟ برأي "ريبيكا" (Rebekah)، توجد طريقة واحدة للبدء بذلك، وهي أن نكون أكثر وعياً وإدراكاً لصورة الجسد التي نحيط أنفسنا بها، وبشكل خاص على مواقع التواصل الاجتماعي؛ تقول "ريبيكا" (Rebekah): "أنا أعلم الآن أنَّ تصفية الأشخاص على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بي، واختيار ما يُعرض عليها، كان أمراً عظيماً".

يأتي تفسير "ريبيكا" (Rebekah) لمعنى المرونة من تجربتها الشخصية الفريدة. لكن، وبشكل مشابه لكثير من كتاباتها، كانت دروسها عالمية، فقد قالت: "عندما أفكر في معنى كلمة مرونة، أفكر في التحليق؛ إذ تُعَدُّ القدرة على التكيُّف جزءاً واضحاً من تجربة الشخص الذي يعيش داخل جسده في عالمٍ ليس مخصصاً للجسد الذي يمتلكه، وعليك أن تتعرف باستمرار إلى كيفية التفاعل مع العالم والظهور فيه، حتى إن لم يكن مدركاً لوجودك".

المصدر




مقالات مرتبطة