أهمية تقبل الفشل بالنسبة لرواد الأعمال

في بداية مسيرتي المهنية، عندما كنت أعمل مطوِّراً في شركة إعلامية في مدينة نيويورك (New York)، كان لديَّ زميل في حالة قلق دائم بشأن طرده من الوظيفة، ولكي نكون منصفين، كانت حينها أوقات مضطربة؛ حيث كان معدل دوران العمالة مرتفعاً، وكانت إعادة الهيكلة على مستوى الشركة لا تتوقف؛ لذلك كان محقاً في قلقه.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن أيتيكن تانك (Aytekin Tank)، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة جوت فورم (JotForm)، والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته.

ومع ذلك، فإنَّ الطريقة التي تعامل بها كانت باستهلاك كل طاقته في إكمال كل مهمة إكمالاً مثالياً، ولقد كان مشغولاً جداً في منع حدوث أي شيء سيِّئ، لدرجة أنَّه لم تتبقَ لديه أي طاقة يصرفها على ما جعله يلتحق بهذا العمل في المقام الأول: اتباع حدسه الإبداعي واستكشاف الأفكار المميزة.

زميلي القديم ليس أول شخص يتفاعل مع وضعه المتوتر بهذه الطريقة؛ حيث يميل الكثير منَّا إلى القلق بشأن المستقبل، ونتيجة لذلك، نحن نتجنب السماح لأنفسنا بأن نكون ضعيفين، وهذا أمرٌ منطقي؛ وذلك لأنَّ الحفاظ على الذات غريزة طبيعية، وهذا هو السبب في أنَّنا نشتري أنظمة أمان منزلية ونبدد مدخراتنا.

غير أنَّ التخطيط للنتائج السلبية محاولة غير مثمرة، وقد يضر ذلك بأعمالنا.

السيطرة مجرد وهم:

هناك سبب يجعل العديد من الأزواج يختارون إقامة حفلات زفاف في منطقة البحر الكاريبي؛ حيث إنَّ غروب الشمس على الشاطئ هو خلفية جميلة، ولكنَّهم في الحقيقة يقومون بذلك من أجل ضمان طقس جميل، وينجح الأمر في معظم الأوقات، إلا أَّنه في بعض الأحيان، تكون السماء مظلمة وتمطر في يوم زفافك.

تماماً كما أنَّنا لا نستطيع ضمان الأحوال الجوية أو الانسجام بين الأقارب، ستكون هناك دائماً أشياء في الحياة لا يمكننا السيطرة عليها.

الألم جزء من التجربة الإنسانية، وسيكون من السذاجة الاعتقاد بأنَّه يمكننا الهروب منه، ولكنَّ هذا لا يمنعنا من محاولة تأجيله أطول فترة ممكنة، ثم إنَّه بطريقة ما، يُشعرنا هذا الأمر براحة أكبر من الاعتراف بحقيقة أنَّ الحياة فوضوية وغالباً لا يمكن التنبؤ بها.

الأمر نفسه ينطبق على إدارة الأعمال التجارية، خاصة في عالمنا اليوم؛ حيث تمثل المنصات الرقمية نموذج الأعمال السائد، ولا يمكن التنبؤ بمساراتها إلى حد كبير، ثم إنَّ فكرة ضمان الحصول على نتائج إيجابية وحسب، باتباع طريقة معيَّنة، هي فكرة ساذجة في أحسن الأحوال ومدمرة في أسوأ الأحوال.

كتب في مجلة فوربس (Forbes) المؤلف كومار ميهتا (Kumar Mehta)، مؤلف كتاب الابتكار الحيوي (The Innovation Biome)، موضِّحاً:

"حتى الشركات الأكثر ابتكاراً تفشل في كثير من الأحيان أكثر ممَّا تنجح، مثل شركة آبل (Apple) وشركة أمازون (Amazon) وشركة جوجل (Google) وشركة مايكروسوفت (Microsoft)؛ حيث يُنظر إلى هذه الشركات عموماً على أنَّها أكثر الشركات ابتكاراً في العالم، وعلى الرغم من ذلك، فإنَّها قد عانت من إخفاقات أكثر من النجاحات، وأخطأت أكثر ممَّا أصابت، لكنَّ الشركات الأكثر ابتكاراً لديها ثقافة التعلم من الفشل، وليس تقديره فحسب".

إذا ركزنا بالكامل على محاولة التنبؤ بالمستقبل -العمل في وضع رد الفعل- فقد نفشل في مواكبة الحاضر، والقدرة على التخلي عن قدرتنا على السيطرة تعني الشعور بالراحة تجاه ضعفنا.

شاهد بالفديو: 9 دروس عظيمة تعلمها الأشخاص الناجحون من الفشل

يأتي الولاء مع الضعف:

يُعرِّف قاموس ميريام ويبستر (Merriam Webster) الضعف بأنَّه "الأكثر عرضة للهجوم أو الضرر"، وعلى المستوى الشخصي، فإنَّ هذا يعني التخلِّي عن حذرنا وإظهار شخصيتنا، ونقاط ضعفنا وكل شيء، وعلى المستوى التنظيمي، يعني الضعف قبول احتمال الفشل، أو بعبارة أخرى المخاطرة.

إنَّ إظهار شخصيتك في مكان العمل الخاص بك، يمكن أن يفتح لك علاقات أعمق مع الزملاء؛ حيث شاركت مجلة هارفارد بيزنس ريفيو (Harvard Business Review) مثالاً معبِّراً عن هذا النوع من الضعف؛ إذ منذ سنوات، دعت مؤسِّسة منصة "هابل" (Hubbl) آرتشانا باتشيراجان (Archana Patchirajan) إلى اجتماع للموظفين لتعلن أنَّه يتعين عليها إيقاف العمل في الشركة بسبب إفلاسها، وعلى الرغم من أنَّه كان في إمكانهم العثور بسهولة على عمل في مكان آخر، إلا أنَّ موظفيها رفضوا المغادرة، وعرضوا بدلاً من ذلك العمل مقابل أجور أقل بكثير.

وكان للقصة نهاية سعيدة؛ حيث حصلت منصة "هابل" بعد بضع سنوات على 14 مليون دولار، ولكنَّ الدرس الحقيقي للقصة يكمن في سبب اختيار الموظفين البقاء؛ إذ أوضحت مجلة هارفارد بيزنس ريفيو أنَّ: "علاقة آرتشانا بموظفيها أعمق من علاقة رب العمل والموظف المعتادة؛ أي إنَّها ببساطة، ضعيفة وصادقة معهم".

عندما نُظهر ضعفنا، يمكننا السماح للأشخاص بالتقرب منَّا، وهذه أقوى طريقة لإلهام الولاء والمشاركة بين الزملاء، حيث يمكن أن يكون العمل مكاناً خالياً من العواطف؛ لذا فإنَّ القليل من الضعف يمكن أن يزيد الوئام والألفة.

إقرأ أيضاً: كيف تعزز الذكاء العاطفي في فريقك؟

الضعف يعزز المخاطرة:

تمهد المستويات العالية من الضعف - قبول المخاطر وقبول احتمال الفشل - الطريق إلى الإبداع، وهو أمر تفهمه الشركات الأكثر ابتكاراً وإنتاجاً، فلنأخذ على سبيل المثال شركة "كوكا كولا" (Coca Cola Co)؛ حيث أصدرت شركة المشروبات في عام 1985 نسخة معدلة من مشروبها الغازي المحبوب، وقد قوبلت ببعض ردود الفعل السلبية، وسرعان ما عادت شركة "كوكا كولا" إلى صيغتها الأصلية، ولكنَّ الفشل امتد عبر ثقافة الشركة، ممَّا أدى إلى فترة طويلة من الحذر.

في الآونة الأخيرة، أقرَّ جيمس كوينسي (James Quincey)، الرئيس التنفيذي الجديد لشركة "كوكا كولا" (Coca-Cola)، بأنَّ الشركة سقطت في موجة من الرضا الزائف عن النفس، وحثَّ المديرين على تجاوز خوفهم من الفشل، قائلاً: "إذا لم نرتكب الأخطاء، فنحن لا نحاول جاهدين بما فيه الكفاية".

وبالمثل، قال الرئيس التنفيذي لشركة "أمازون" (Amazon)، جيف بيزوس (Jeff Bezos)، الذي بنى نشاطه التجاري عن طريق الميل إلى المخاطرة:

"إن كنت ستقبل رهانات جريئة، فستكون تجارب، وإن كانت تجارب، فأنت لا تعرف مسبقاً ما إذا كانت ستحقق المطلوب؛ ذلك لأنَّ التجارب بطبيعتها عرضة للفشل، ولكنَّ بعض النجاحات الكبيرة تعوِّض عن العشرات والعشرات من الأشياء التي لم تنجح".

في بعض الأحيان، يكون من المستحيل التنبؤ بنجاح المنتج، فمثلاً كان من المستحيل توقُّع أنَّ نظارات جوجل (Google Glass) سوف تفشل​​، وأنَّ المساعد الافتراضي (Alexa) من شركة "أمازون" (Amazon) سيصبح اسماً معروفاً، أو معرفة ما إذا كان العملاء القدامى سيستمتعون بمشروبك الجديد، لكنَّ هناك شيئاً واحداً مؤكداً: لا يمكنك التحكم بتجربة المستخدم الذاتية، ولكن يمكنك الالتزام بالتعلُّم من التجارب الفاشلة والتركيز على العوامل المؤثرة تحت قيادتك.

إقرأ أيضاً: كيف تتغلب على خوفك من المخاطرة؟

التركيز على ما يمكننا التحكم به:

من بين الأشياء العديدة التي لا يمكننا السيطرة عليها، هناك شيء واحد يمكننا القيام به، وهو استجابتنا لمواجهة النتائج السلبية، ولا يسمح لنا هذا النهج بالتخلي عن الأمور الأخرى والتركيز على الحاضر فحسب، ولكنَّه يحوِّل الإخفاقات إلى مواقف قابلة للتعلم منها.

أنا أشجع الموظفين في شركتي "جوت فورم" (JotForm)، على المجازفة والتحرِّي عن الأفكار الجديدة، بغضِّ النظر عن إمكان تحقيقها، وحتى أنَّنا نخصص وقتاً محدداً لهذا النوع من الاستكشاف، شريطة أنَّه في حال ارتكبنا خطأ ما، فعلينا التفكير ملياً لمعرفة السبب، فقد لا يروق تحديث المنتج للعملاء، أو ربما يفضلون ببساطة الاختيار بين أنواع عدة.

ما دُمنا نفكِّر ونستمع وندفع بأنفسنا إلى آفاق إبداعية جديدة، فالأمر يستحق ذلك.

وهناك العديد من الطرائق للتشجيع على تخطِّي التجارب الفاشلة، مثل تقديم جوائز عند تقبُّل الفشل بروح رياضية، والكشف علانية عن الأخطاء والدروس المستفادة منها، وبمجرد إنشاء ثقافة تحتضن الفشل، قد تتفاجأ بمدى نمو عملك.

المصدر




مقالات مرتبطة