أهمية تحديد أهداف ذكية وكيفية تحسينها

لا غِنى عن أهمية الأهداف في حياتك إن أردتَ تحقيق إنجازات عظيمة؛ ولكنَّ الأهداف في حدِّ ذاتها ليست كافية؛ بل ينبغي أن تكون الأهداف التي تحدِّدُها لنفسك ذكيةً ومُتقَنة لتُوصِلك إلى وجهتك المُبتغاة، ولا يكفي أن تدلَّك على تلك الوجهة فقط؛ لذا سنتعمَّق أكثر في موضوع تحديد الأهداف الذكية كي تتمكن من تحقيق الإنجازات العظيمة التي تحلُم بها.



الأهداف النهائية مقابل الأهداف الوسيطة:

لسنا مُعتادين على التفكير على الأمد الطويل؛ لذا فإنَّنا نخلط بين الأهداف الوسيطة - أي تلك التي تمثِّل وسيلة لإنجاز شيء ما - والأهداف النهائية، وعلى الرَّغم من وجود اختلافٍ كبيرٍ بين المفهومَين السابقَين؛ فالأهداف النهائية هي الأهداف والغايات العُظمى التي تمثِّل الوجهة النهائية في أحد المجالات؛ فمثلاً قد يكون أحد هذه الأهداف هو المساهَمة الإيجابية في تنمية وتطوير 1 مليار شاب بحلول عام 2030؛ إذ يعبِّر هذا الهدف عن نهاية رحلة عطائك بعد تضحيات عديدة.

في المقابل فإنَّ الأهداف الوسيطة هي عبارة عن الأهداف الأصغر التي ستمكِّنُك من تحقيق أهدافك النهائية، فقد يكون أحد الأهداف الوسيطة للهدف النهائي المذكور أعلاه على سبيل المثال، تأسيس شركة مُعيَّنة تقدِّم برامج تطوُّرية وإنمائية للشباب اليافعين، والذي يُعَدُّ هدفاً كبيراً بحدِّ ذاته؛ ولكنَّه في الوقت نفسِه مُجرَّد وسيلة لتحقيق غاية أكبر.

لذا عليك البدءُ دوماً بأهدافك النهائية؛ إذ نركز جميعاً أكثر من اللازم على الأهداف الوسيطة، والتي تمثِّل الوسائل نحو تحقيق الأهداف النهائية؛ كالحصول على شهادة جامعية أو وظيفة رائعة أو إيجاد شريك الحياة المثالي؛ إذ تُعدُّ هذه الأهداف وجيهةً ومنطقيةً بحدِّ ذاتها.

لكن حين نسأل أنفسَنا عن السبب الحقيقي الذي يدفعُنا لتحقيق هذه الأهداف أو عن الهدف الدفين الذي تساعدُنا هذه الأهداف على تحقيقه، سنجدُ أنَّ لدينا المزيد؛ لذا علينا دوماً تحديد طبيعة أهدافنا إن كانت تمثِّل الوجهة النهائية أو مُجرَّد علامة فارقة على طول طريق رحلتنا.

الأهداف الذكية:

تمنحُنا الأهداف إحساساً كبيراً بالتوجُّه ورؤيةً واضحة لِما يجري حولَنا كما تقدِّم لنا سبباً لنعمل من أجله؛ لكنَّ تحديد أهداف غير واضحة سيصعِّب الحفاظ على الحماسة والدافع لتحقيقها كما سيصعِّب الوصول إليها؛ لذا فإنَّنا نوصيك بالتفكير فيما يُدعَى بالأهداف الذكية أو "سمارت" (SMART) بصرف النظر عمَّا إذا كنتَ تنوي تحديد هدف نهائي أو هدف وسيط.

ترمز أهداف "سمارت" لِما يأتي:

  • (S) تشير إلى الأهداف المُحدَّدة (Specific)؛ فإن كان هدفُك ما زال غير واضح عليك ضبطه بدقَّة ومحاولة جعلِه أكثر تحديداً.
  • (M) تشير إلى الهدف القابل للقياس (Measurable)؛ بمعنى إمكانية قياس الهدف وتقييمه.
  • (A) تشير إلى الهدف القابل للتحقيق (Achievable)؛ أي يعبِّر عن مدى أهمية تحقيق هذا الهدف في حياتك.
  • (R) تشير إلى الهدف الواقعي (Realistic)؛ بمعنى مدى إيمانك وثقتك بقدراتك على تحقيق هذا الهدف.
  • (T) تشير إلى الهدف المُؤطر ضمن إطار زمني (Timebound)؛ أي الوقت الذي ترغب في تحقيق هدفك خلالَه.

كما ننصح بتحديد الهدف المرغوب بدقة تامة؛ فالهدف المتمثِّل في عيشِ حياة صحية ليس مُحدَّداً ولا قابلاً للقياس، بينما يُعَدُّ الهدف المُلزِم بالتوقف عن تناول السكر وممارسة الرياضة 4 مرات في الأسبوع هدفاً مُحدَّداً وذكياً يمكنك تتبُّعه ومحاولة تحقيقه بسهولة.

إنَّ أفضل الأهداف الذكية هي التي تشتمل أيضاً على توقيت وموقع؛ لذا فإن كان الهدف هو ممارسة التأمُّل في الساعة 7 صباحاً من كلِّ يوم على أريكتك المُفضَّلة، فإنَّه هدفٌ مُحدَّد بدقة لدرجة أنَّه لم يبقَ هناك أيُّ مجالٍ لتحليله وإعادة صياغته؛ وذلك لأنَّ الماهيَّة والتوقيت والمكان مُحدَّد مُسبَقاً ومعروف بالنسبة إليك، وكلُّ ما عليك فعلُه الآن هو تحقيق هدفك.

ما إن تضع قائمة بأهدافٍ ذكية مُماثِلة، عليك كتابتُها في تقويم هاتفك المحمول، ومن ثَمَّ إعداد رسائل تذكيرية أو إنشاء جدول زمنيٍّ تمرُّ بجانبه يومياً كي تتذكَّر هدفَك دوماً، ويمكنك كذلك إنشاء صورة مرئية نابعة من خيالك ووضعُها بوصفها صورة لسطح المكتب في حاسوبك أو بوصفها خلفية في هاتفك المحمول، أو يمكنك القيام بأيِّ أمرٍ يساعدك على البقاء في مسارك الصحيح نحوَ تحقيق هدفك؛ وذلك لأنَّ المساهَمة في العمل اللازم لتحقيق أهدافنا ليست سهلةً أبداً، لكن توجَد سُبُل عديدة لتسهيل الأمر في سبيل الالتزام بعادات مُنتظَمة وسنعرض فيما يأتي قليلَاً منها:

الالتزام بعادات مُنتظَمة:

إنَّ الدماغ البشريَّ مجبول بالفطرة على القيام بالأشياء التي تتَّسِمُ بما يأتي:

  1. الوضوح؛ لذا عليك الحرصُ على الاحتفاظ بشيءٍ ما في البيئة المُحيطة بك ليذكِّرَك بالعادة التي قرَّرتَ البدءَ بها في سبيل تحقيق أهدافك.
  2. الجاذبية، التي تنبعُ من معرفتك بالنتائج الإيجابية التي ستنجمُ عن تلك العادة.
  3. السهولة؛ لذا احرصْ على أن تكون عادةً سهلة الممارسة وتتطلَّب جهداً قليلاً.
  4. القدرة على منحك شعوراً جيداً بالبهجة والرضى عن نفسِك عند ممارستها.

إذاً عندما تقوم بالتخطيط لعادات جديدة تضيفُها إلى حياتك في سبيل تحقيق ما تصبو إليه من أهداف، حاوِلْ أن تجعلَها تحقِّق وتستوفي المعايير السابقة؛ فعلى سبيل المثال، إن كنتَ ترغب في ممارسة اليوغا يومياً في الصباح، فبإمكانك مدُّ سجادتك التي ستستخدمُها لممارسة اليوغا وتحضيرُها كلَّ ليلةٍ قبل الخلود للنوم، ووضعُ ملابسك الرياضية في مكان ما ستمرُّ بجواره بمُجرَّد أن تستيقظ في صباح اليوم الآتي؛ وهو ما يحقِّق معيار الوضوح.

يمكنك كذلك العثور على فيديو لممارسة اليوغا في المساء، وتحميلُه وجعله جاهزاً على حاسوبك أو هاتفك المحمول ليكونَ أوَّل شيءٍ تراه؛ وهذا يحقِّق معيار السهولة، ومن ثمَّ بإمكانك إنشاء تقويم أو قائمة مهام، فيمكنك وضع علامة أو شعار بعد انتهائك من جلسة اليوغا في سبيل تقديم مكافأة صغيرةٍ لنفسك؛ وهو ما يبعثُ على الشعور بالرضى والبهجة، ومن ثَمَّ حين تشعر بالتعب وفقدان الحافز في الصباح التالي سيكون كلُّ شيءٍ جاهزاً من أجلك من قبل، وربَّما ستصبح أكثر ميلاً ورغبةً في إنجازها؛ وهو ما يحقِّق معيار الجاذبية.

شاهد بالفديو: 10 طرق لتمارس العادات الجيّدة يوميّاً

قد تستمرُّ رحلة معاناتك من أجل البقاء على المسار الصحيح حتَّى عند القيام بجميع ما سبق؛ لذا سنعرض فيما يأتي خمسَ طرائق لمساعدتك خلال فترة بناء عاداتك الجديدة، والتي ستجدُها أكثر سهولةً بمُجرد أن تصبح جزءاً من روتينك، ومن ثَمَّ ما عليكَ إلَّا منحها بعض الوقت:

1. البدءُ بهدف صغير:

أي تحديد أهدافٍ صغيرة للغاية لتكوِّن عاداتك، ومن ثَمَّ بدلاً من ممارسة التأمُّل لمدة 30 دقيقة يومياً ابدَأ بدقيقة واحدة فقط.

2. التطوُّر التدريجي:

بمعنى زيادة حجم هدفك الذكي تدريجياً وببطء؛ لأنَّ تطويره بسرعة كبيرة سيصعِّب عليك أداءه بصورة طبيعية كلَّ يوم؛ لذا ننصحُك بعدم الانتقال من ممارسة دقيقة واحدة من التأمل إلى ممارسة 10 دقائق خلال أسبوع واحد فقط؛ بل عليك التمهُّل وأخذ الوقت اللازم لذلك، فمن الأفضل أن تحقق تحسُّناً يومياً بمقدار 1% بدلاً من تراجع بنسبة 1%.

3. تقسيم الهدف إلى أجزاء:

أي محاولة تجزئة هدفك في أثناء تطوُّره إلى أقسام عديدة لتسهيل إدارته وجعله أكثر قابلية للإنجاز، فإن وصلتَ إلى مستوى ممارسة التأمل لمدة 20 دقيقة مثلاً ربَّما يمكنك تقسيمُها إلى مجموعتَين مُدَّة كلٍّ منهما 10 دقائق كي لا تصعِّب الأمر على نفسِك أكثر.

إقرأ أيضاً: تحديد الأهداف: كيف تحدد أهدافاً قابلة للتحقيق؟

4. عدم تكرار الخطأ مرَّتين:

يحدُث أن نتخلى عن عادتنا في يومٍ ما بسبب المرض أو السفر أو حدوث أمرٍ ما يحطِّم الروتين الذي نتَّبعُه؛ لذا عليكَ تركُ مساحة لذلك وتوقُّعُه، لكن عليك محاولة عدم تكراره مرة أخرى إطلاقاً؛ فالخطأ لمرة واحدة فقط مقبول ويمكن التغاضي عنه إلَّا أنَّ تكرارَه يحوِّل هذا الخطأ إلى عادة.

5. التحلي بالصبر:

تستغرقُ العادات الجيدة وقتاً لتحقيقها، كما تستغرق الأهداف العظيمة الوقتَ للوصول إليها؛ لذا عليك التحلي بالصبر وإيجاد طرائق لتتبُّع تقدُّمك؛ فبإمكانك طباعة سجل تقويم خاص بعدم التخلي عن روتينك لمساعدتك على تخيُّل نجاحاتك وانتصاراتك، أو يمكنك تخصيص إناءٍ أو جرَّة وملؤها بالقطع النقدية أو الحجارة في كلِّ مرة تنجح فيها بالتمسُّك والالتزام بعادتك.

إقرأ أيضاً: 20 طريقة لتمارس العادات الجيّدة يوميّاً (2)

في الختام:

ينبغي للوسائل السابقة أن تساعدك على بلوغ الهدف الذي تريدُه أيَّاً كان، وربَّما سيتطلب الأمر بعضَ الوقت للوصول إلى حيثُ تريد، لكن إن لم تبدأ بالتحرُّك وإحداث التغييرات الآن فلن تتمكن من بلوغه على الإطلاق؛ لذا اتَّخِذ الإجراءات اللازمة وانطلِق.




مقالات مرتبطة