أهمية تجديد النفس وطرق تحقيقه

نحن نغوص في تفاصيل الحياة وتحدياتها إلى أن نتحوَّل إلى أشخاصٍ يعشقون الروتين، فنميل إلى تكرار ما اعتدنا القيام به على مدار سنوات طويلة، ونتذمَّر من طقوس الحياة وواجباتها، دون محاولة خلق طرائق مختلفة لتنفيذ الأمور التي علينا القيام بها.



فنحن نشتكي دوماً من أنَّ طاقتنا قد نفدت، ولا نقوم بأي مبادرة لكبح نقصان الطاقة المستمر والمُقلِق، ونشهد على انزواء أحلامنا وطموحاتنا وحماسنا، دون أن نسعى إلى القيام بأية خطوة حقيقية لإيقاف نزيف أحلامنا المستمر.

لطالما ركَّزنا على المشكلات من فتور الطاقة وانعدام الرغبة والشغف وتجاهلنا الحلول؛ علماً أنَّها غالباً ما تظهر في أصغر التفاصيل وأبسطها؛ فمن يتوقَّع أنَّ علاج فتور همَّتك قد يكون عبارة عن نزهة في الطبيعة، ومَن يتوقَّع أنَّ علاج انخفاض إنتاجيتك قد يكون إجازة لمدة أسبوع على البحر، ومَن يتصوَّر أنَّك قادر على خلق نظرة مختلفة عن الأعمال التي ترهقك من خلال خدعة ربط بسيطة بينها وبين شيء آخر تحبه.

نعم؛ روحك بحاجة إلى تجديد؛ وهذا ما سنتناوله من خلال هذا المقال.

أهمية تجديد النفس:

إنَّ التغيير والتجديد؛ الحقيقة الثابتة في الحياة، فأنتَ في الشهر الفائت مختلف تماماً عمَّا أنتَ عليه اليوم، فمن المحتمَل أنَّك اليوم قد بدأت تقتنع بأفكار مختلفة تماماً عن الشهر الفائت، ومن غير المستبعَد أن تكون في طور التحول إلى إنسان أكثر تصالحاً مع الذات، أو إلى إنسان سريع الغضب؛ حيث تتجدد خلاياك يومياً، والحياة تتغير يومياً، من ظروفها إلى طبيعتها وطقسها وكائناتها، الأمر الذي يؤكد أنَّه لا يوجد ثابت في الحياة إلَّا الله عز وجل.

كيف أجدد ذاتي؟

1. اكتشاف الذات:

لا يمكنك البدء بتجديد روحك وإعادة شحن طاقتك وإعادة الحماس إلى حياتك ما لم تعرف ذاتك معرفةً صحيحةً؛ كأن تعلم ما الذي يسعدك وما الذي يجلب الهم إلى قلبك، ومن ثمَّ اصنع قائمة بالأشياء التي تحبها والأشياء التي لا تحب القيام بها، وبعد ذلك رتِّب الأشياء المحبَّبة إلى قلبك ترتيباً تنازلياً من الأكثر قرباً إلى قلبك إلى الأقل، ورتِّب الأشياء غير المحبَّبة إلى قلبك ترتيباً تصاعدياً بدءاً من الأشياء التي تمتعض في أثناء قيامك بها، إلى الأشياء التي تكره بشدة القيام بها.

لكي تجدِّد مشاعرك تجاه الأشياء التي تبغضها وتصنع رابطة جديدة بينك وبينها، عليك بالربط ما بين أكثر شيء تحبه وأقل شيء تشعر بالامتعاض لدى القيام به؛ كأن تقول لنفسك: "سوف أنهي الأعمال المنزلية التي لا أحبها ومن ثمَّ سأقرأ في الكتاب الذي اشتريته آخر مرة والذي يتحدث عن حياة الروائي الذي أعشقه".

وبذلك تكون قد تمكَّنت من قهر الأشياء غير المحبَّبة إلى ذاتك من خلال ربطها مع الأشياء التي تحبها.

شاهد بالفيديو: 5 أمور أساسيّة مسؤولة عن استنزاف الطاقة

2. خلق طرائق جديدة للشيء ذاته:

إن كنت من محبي الكتابة، فإنَّك ستشعر بالملل إن كنت تكتب كل يوم في المكان ذاته وعلى المكتب ذاته، ستأخذ الكتابة رونقاً آخر في حياتك؛ إن قمت بتنويع الأمكنة التي تكتب فيها؛ كأن تكتب تارةً في غرفتك، وتارةً في غرفة الجلوس، وتارةً في مكان هادئ مطل على البحر، وتارةً أخرى بين الناس في مكان عام. اخلق طرائق مختلفة للقيام بالشيء ذاته، عندها لن تشعر بالملل منه.

3. الحرية:

إن كنت تشعر بالملل والفتور، فلا تقسو على ذاتك وتجبرها على القيام بأشياء لا ترغب في القيام بها، كأن تجبرها على قراءة مئة صفحة في اليوم في كتاب ما، متجاهلاً ما تختبره من مشاعر سلبية؛ لذا بدلاً من إجبار الذات تستطيع استبدال عدد الصفحات بعدد أقل، أو تستطيع اللجوء إلى طرائق أخرى للترفيه عن النفس؛ كأن تجلس مع أصدقائك جلسة للتسلية والضحك وتقول في نفسك إنَّك ستقرأ صفحات من الكتاب بعد ذلك.

4. المنهجية:

عليك أن تدرك أنَّك خُلِقت على هذه الأرض لهدف ولرسالة؛ لذلك لا يجوز بحال من الأحوال الانخراط في شكليات الحياة على حساب مسائلها العميقة والهامة؛ حيث ينبع شعورك بالفتور والحزن وعدم امتلاك الطاقة من انعدام القيمة والإنجاز في حياتك؛ فكلما قلَّت القيمة التي تزرعها في الحياة؛ زادت مشاعر التوتر والقلق وعدم السعادة لديك؛ لذلك اصنع لك أهدافاً وتبنَّى رسالة حقيقية في حياتك؛ عندها ستشعر بالراحة النفسية وستكون أقل تذمُّراً وشكوى وبروداً ممَّن يعيش على هامش الحياة.

4. التسرُّع في الافتراضات:

قد لا تدري ما الذي يجلب السعادة إلى روحك؛ ببساطة لأنَّك تبنَّيت فكرة ما عن شيء ما منذ الطفولة بناء على تجربة ما دون أن تُخضِعها لاختبارات أخرى، على سبيل المثال: قد تكون ممَّن لا يحبون البحر نظراً لاختبارك تجربة قاسية ما في الطفولة بينما كنت على البحر، وقد سيطرت تلك التجربة على نظرتك إلى البحر؛ حيث إنَّك ابتعدت عنه كمصدر للراحة والمتعة، وتستمر على هذا الوضع إلى أن يأتي يوم وتكتشف فيه أنَّك تحب البحر وأنَّه بالفعل مكان رائع لعيش الراحة النفسية.

لذلك أعد تقييم الأشياء التي ترفضها في حياتك فقد تكون من أكثر الأشياء جلباً للسعادة والراحة.

إقرأ أيضاً: تعرّف على آلية مواجهة الأفكار السلبية لعيش حياة إيجابية وسعيدة

5. الرغبة والاستعداد والتفكير المختلف:

لا يكفي أن تمتلك الرغبة لكي تجدد روحك وحياتك؛ بل يجب عليك أن تستعد لهذا التجديد؛ حيث يتطلَّب التجديد السعي إلى معرفة ذاتك أكثر، وإدخال عناصر جديدة في حياتك، وتقبُّل تغيير عناصر أخرى فيها، وربط عناصر مختلفة من حياتك ببعضها للوصول إلى الهدف المنشود، كما يتطلَّب التجديد وجود نمط تفكير مختلف وإبداعي؛ بحيث يحاول بشتى الطرائق لبلوغ الهدف، ويتطلَّب التجديد ديناميكية ومرونة ونضجاً، وقد يشمل أكثر من صعيد في حياتك:

  • التجديد الفكري: وهنا على الإنسان الاستعداد لتجديد الطريقة التي يفكر فيها، من خلال الاحتكاك مع الأشخاص المبدعين والمفكرين؛ وذلك من أجل بلوغ مستويات أعلى في حياته، فقد يتحول شخص ما من منطقة اللاإنجاز إلى منطقة الإنجاز من خلال رغبته القوية في التجديد واستعداده للاحتكاك مع الأشخاص الفعَّالين في الحياة، ومحاولته توليد أفكار إبداعية تصب في منطقة القيمة والنفع.
  • التجديد الروحي: عليك أن تمارس العبادات ذاتها بطرائق مختلفة لكي تكسر حالة الملل التي قد تصيبك من جراء الممارسة اليومية لها؛ على سبيل المثال تستطيع تقديم الصدقة للفقراء يدوياً، أو عن طريق زيارتهم إلى منازلهم، أو عن طريق دعوتهم إلى منزلك.
  • التجديد البدني: تستطيع خلق عادات جديدة من الناحية البدنية، كالرياضة والنظام الغذائي المتوازن، أو قد تكون بحاجة إلى اكتساب بضعة كيلوغرامات لكي تشعر بالتجديد والراحة والحماس.
  • التجديد الاجتماعي: عليك السعي إلى بناء علاقات اجتماعية قوية، من خلال فهْم السلوك الإنساني، وتحليل احتياجات الآخر، والعمل على خلق طرائق فعَّالة للتعامل مع كافة مستويات الوعي الموجودة.

في الختام:

أن تكسر حالة الملل الموجودة في حياتك، وتنعم بمشاعر لطيفة وهادئة ومفعمة بالطاقة والحيوية؛ هو قرار شخصي وسعي حقيقي وتبنٍّ لطريقة تفكير مختلفة وهادفة.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة