أهمية الماضي والحاضر والمستقبل

إنَّ الأوقات التي أمضيتها سابقاً لا تدفعني إلى الخلف أبداً؛ بل إلى الأمام دوماً؛ ولهذا السبب، لا أحتاج إلى الرجوع إلى الماضي لمحاولة فهم سبب وجودي هنا اليوم، وأنا أعلم أنَّني هنا اليوم نتيجة أفعالي التي قمت بها في الماضي، وكل المعلومات التي أحتاج إليها للانتقال إلى المستقبل موجودة هنا في الوقت الحاضر.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "إيفان ترافر" (Evan Traver)، يُحدِّثنا فيه عن تجربته في اكتشاف أهمية كل من الماضي والحاضر والمستقبل.

فعلى سبيل المثال، إذا أنجزتُ مهمةً ما، فأنا أعلم أنَّها كانت مجرد مهمة واحدة ضمن كل التفاصيل والمهمات في الحياة ككل، وتوجد خطوة لاحقة يجب إكمالها بعد ذلك؛ وبهذه الطريقة، أعرف دائماً ما الذي يجب عليَّ فعله؛ وذلك لوجود مهمة لاحقة دائماً بعد إكمال مهمةٍ أخرى، حتى تجتمع جميعها لتكون الصورة الكاملة.

وإذا لم تكتمل المهمة، فأنا أعلم أنَّه يجب عليَّ الاستمرار في التركيز عليها أسبوعاً بعد أسبوع، حتى أكملها وأنتقل إلى الخطوة التالية؛ لذا يجب عليك كتابة قائمة مهام أسبوعية، ثم تقسيمها كل يوم إلى قائمة مهام يومية، تجتمع فيها كل قوائم المهام اليومية في نهاية الأسبوع لتشكِّل قائمة المهام الأسبوعية، وهذا يضمن أنَّك تدفع نفسك للأمام، وإذا لم يكتمل شيء ما خلال الأسبوع المخصص له، فيمكنك نقله إلى قائمة مهام الأسبوع التالي، حتى تنجزه، وهذا مع ذلك يثير نقطةً هامة.

فإذا كنت تعيش دائماً في الحاضر بهدف التحرك نحو مستقبلك، فهل يمكنك التعلم من ماضيك؟ إذا كان ما أقوله صحيحاً، ولا يوجد سبب للاهتمام بالماضي، وأنَّ كل ما تحتاج إليه لاتخاذ قراراتٍ سليمةٍ موجود هنا معك اليوم، فهل يهم الماضي؟

أظن أنَّ الجواب واضح، وأنَّه يمكننا التعلُّم من الماضي، ويمكننا تصحيح وتجنُّب الأخطاء وبناء الثقة واكتساب الحكمة، وكل ذلك عن طريق التعلم من الماضي، لكنَّني أيضاً لا أظن أنَّ هذا ينفي حقيقة أنَّ لدينا كل ما نحتاج إليه هنا في الوقت الحاضر.

وإذا بنيت حياتك بناءً صحيحاً، فيمكن أن تحتوي على خطط مضمونة في الوقت الحاضر، والتي تجبرك حرفياً على أن تكون ناجحاً، وإنَّ الأشياء الصغيرة مثل قوائم المهام الأسبوعية وقوائم المهام اليومية، تجعلك في حركةٍ دائمة على الرغم من صغر حجمها؛ إذ إنَّك لن تتوقف أبداً عندما يكون لديك قائمة يجب عليك إكمالها.

إقرأ أيضاً: ما تزرعه اليوم تحصده غداً

المستقبل هو ما يدفع أفعال الماضي على أمل أن تحقيق المستقبل المثالي:

في كثيرٍ من الأحيان، يكون افتقار الناس إلى التوجيه هو الذي يوقفهم ساكنين في أماكنهم، أو حتى يدفعهم نحو الوراء؛ لذا يضمن لك وضع قيود لمسارك أنَّك لن تضلَّ عن الاتجاه الصحيح، لكن حتى تعرف وتفعل ذلك، عليك أن تكون مدركاً للماضي.

نتيجة الإخفاقات المتكررة وخسارة الإنتاجية أدركتُ وجود شيء يجب تعديله بشأن مهامي الأسبوعية؛ فمن خلال النظر في أخطائي السابقة، وإدراك الأخطاء التي تكررت؛ أي الأسابيع التي انعدمت فيها الإنتاجية، تمكَّنتُ من إصلاح أوجه القصور في حياتي؛ وهذا لا يعني أنَّني أكثر إنتاجيةً من الآخرين؛ بل يعني فقط أنَّني أملك اتجاهاً أكثر تحديداً، وهذا أجبرني على وضع قيودٍ حول وجهتي، وبذلك أظل على المسار الصحيح.

شاهد بالفيديو: 7 خطوات تساعدك على التعلم من أخطاء الماضي

التركيز المتساوي على الماضي والحاضر والمستقبل، يتيح لنا أن نعيش حياة هادفة:

إنَّ الأمر ليس جدالاً عن حتمية الماضي أو الحاضر؛ بل إنَّ المستقبل هو العنصر الأكثر أهميةً في الحياة، مع كون الحاضر والماضي تابعين للمستقبل، أو ربما يكون المستقبل تابعاً للحاضر، الذي بدوره يكون تابعاً للماضي.

أتساءل حيال ذلك؛ لأنَّ اتجاهنا الذي يعطي الدافع والتحفيز كل يوم هو نتيجة مباشرة لرؤيتنا للمستقبل؛ فإذا أردنا شيئاً بشدةٍ - سواء كان ذلك مكاناً أم شيئاً أم شعوراً - فسنجد طريقةً للعمل بجد كل يوم للحصول عليه، وكل ذلك بسبب ما نريده في المستقبل، والذي يبدو بالنسبة إليَّ الشيء الأكثر أهمية.

ضع في حسبانك هذه الطريقة من التفكير: إذا كان الماضي يعلمك، والمستقبل يدلك على الاتجاه الصحيح، فالحاضر هو ترجمة لماضيك إلى رؤية لمستقبلك؛ إذاً، إلى أين يصل بنا ذلك؟ ربما يكون ذلك دليلاً على أنَّ كلاً من الماضي والحاضر والمستقبل يملك نفس الأهمية في الحياة الناجحة.

في هذا العصر الجديد، ومع الهواتف المحمولة التي لا مفر من استخدامها، والسيارات السريعة، والبرامج التلفزيونية الصاخبة، والعدد الضخم من الناس، كان التركيز أكثر على الحاضر، ولقد كتبت عن فلاسفةٍ مثل "إيشارت تول" (Echart Tolle)، الذي يقدم مواعظ عن قيمة العيش دوماً في اللحظة الحالية، وعندما أثبتنا أنَّ الحاضر هام، فقد أثبتنا أيضاً أنَّه لا ينبغي لنا أن ننسى الماضي أو المستقبل أيضاً.

لكن فيما يخص النقطة التي أشار إليها "تول"، فإنَّ كل أفكارنا أو عواطفنا السلبية تأتي من ماضينا ومستقبلنا؛ فكل من إحراجنا وغيرتنا وحسدنا وكراهيتنا تأتي من الماضي؛ فكر في الأمر: فكر في أكثر لحظةٍ شعرت بها بالغضب، لا بد أنَّها كانت استجابةً مباشرةً لتصرفٍ قد قام به شخص ما، أو لشيءٍ ما قد حدث؛ فما من شيء يغضبك في تلك اللحظة، لكن ما كان يغضبك هو ما حدث في الماضي.

في حين أنَّ كلاً من قلقنا وخوفنا وجشعنا يأتي من المستقبل؛ فكر في أكثر حالات القلق التي شعرت بها على الإطلاق، لقد كان قلقك استجابةً مباشرةً لشيء كان يخيفك في المستقبل، كانت لحظةً مستقبليةً تسببت في المشاعر الحالية؛ أي لا شيء في الحاضر نفسه كان يسبب تلك المشاعر.

لذلك، عند رؤية الأمر من هذا المنطلق، فالحاضر هو الأهم في النهاية، وأنا أستفيد من ذلك؛ فإذا كنا نتطلع بعيداً جداً عن المستقبل للحظةٍ من الزمن عندما نكون سعداء، أو نتعمق كثيراً في الماضي، فإنَّنا ننسى سبب وجودنا هنا، والذي هو تحسين مشاعرنا باستمرار.

من الهام أن نتذكَّر أن نتنفس من وقتٍ لآخر؛ لذا خذ الأمور ببساطة واستمتع باللحظة، لكن مع استمرار هذا الجدل، تمكنت من تحديد الأوقات التي أحتاج فيها إلى الاسترخاء والعيش أكثر في الوقت الحاضر من خلال التعلم من الماضي، ولقد مرَّت أسابيع وعطلات نهاية أسبوع كثيرة كنت أركز فيها بعصبيةٍ على المستقبل، لدرجة أنَّني أنسى الاستمتاع بالحياة.

من خلال ماضيَّ، يمكنني تحديد متى أحتاج إلى أن أكون أكثر حضوراً في اللحظة الحالية، ومن ثمَّ أتمكن من تعزيز قيمة الحاضر، لكن عندئذ يكون الحاضر يستحق التركيز عليه فقط عندما أسير باستمرار نحو أهدافي النهائية.

عندما أعمل بجد طوال الأسبوع، وأعلم أنَّني اقتربت أكثر من الرؤية الناجحة لمستقبلي، يمكنني أن أخفف عن نفسي في عطلة نهاية الأسبوع، وأستمتع بأن أكون على قيد الحياة؛ ولهذا تُعَدُّ المسيرة نحو المستقبل هي الهامة، وإلا فسيبدو الحاضر معدوم الأهمية.

إقرأ أيضاً: 4 أفكار سلبية تهدد نجاحك المستقبلي

في الختام:

يبدو أنَّ الماضي والحاضر والمستقبل جميعها متساوية في الأهمية، وكلها مرتبطة بنفس القدر؛ لذا تعلَّم من ماضيك، حتى تتمكن من تحسين نفسك في الحاضر، حتى تتمكن من الاقتراب من مستقبلك المثالي، وعندما تتقدم نحو رؤيتك لمستقبلك، تذكَّر أنَّ الهدف من كل هذا هو أن تكون موجوداً.

المصدر




مقالات مرتبطة